اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة النور (9) للشيخ : أبوبكر الجزائري
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [النور:32-34].
ومن جملة تلك التعاليم هذه الآية الكريمة يقول تعالى مخاطباً المؤمنين الأفراد والجماعات المسلمين والمسئولين عنها ويقول للجميع: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32]، أي: زوجوا رجالكم غير المتزوجين، ونسائكم غير المتزوجات، إذ الأيم من الرجال هو الذي ما تزوج، وليس عنده زوجة، والأيمة من النساء التي ما تزوجت.
ومعنى هذا: يا أهل المدينة! يا أهل القرية! ما ينبغي أن يبقى بينكم رجل لم يتزوج أو امرأة ما تزوجت، فاعملوا على تزويج النساء والرجال؛ من أجل أن تطهروا وتطيبوا، وتزكوا وتتعاونوا وتتحابوا.
وقد تقول: الأمر ليس للوجوب، وإنما للإرشاد والتوجيه، والذي يعرض عن إرشاد الله وتوجيهه لا يسعد ويكمل. فلا ينبغي أن يبقى في القرية من هو أعزب من الرجال والنساء، بل يجب أن نتعاون على تزويجهم، وهذا هو الواجب المطلوب؛ حتى لا توجد فاحشة، ولا ينتشر الباطل بينهم.
وأهل القرية إذا اجتمعوا في مسجدهم الجامع كل ليلة بنسائهم وأطفالهم يريدون تعلم الكتاب والحكمة والهداية الإلهية هؤلاء ما تمضي عليهم سنة إلا وهم أطهار أصفياء، ولا يوجد بينهم كبر ولا حسد، ولا غش ولا ظلم، ولا خبث ولا فساد، ولا غير ذلك. وهذا كله حسب سنة الله، فهو ينمحي من صدورهم بأسباب نور الكتاب وهداية النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم يوجدون في هذا المسجد الجامع صندوقاً من خشب أو حديد في المحراب، ويقول المربي واللجنة المكونة من ثلاثة أنفار أو خمسة أنفار: هذا الصندوق هو صندوق البر والإحسان، فيا معشر المستمعين والمستمعات! اجعلوا زكاتكم في هذا الصندوق، واجعلوا كفارات ذنوبكم في هذا الصندوق، وصدقاتكم في هذا الصندوق.
ولا يبقي في قريتنا أو في حينا من يسأل غير الله، أو يمد يده لغير الله، ولن يبقى فينا من ينظر إلى مال غيره، ولا من ينظر نظرة حسد، أو بغض أو عداء، ومن ثم إذا وجدنا فلاناً أو فلانة عزبين زوجناهما من مال الصندوق الموجود.
وبدون هذا النظام الذي بدأه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة فلن يتم أبداً لنا كمال ولا سعادة، وما دمنا معرضين عن كتاب الله وعن ذكره بعيدين عن هدي رسوله، ونعيش على الجهل كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً، فلن نحقق هذا الأمر الإلهي، وهو أن نزوج عزابنا بالتعاون بيننا.
وأهل الحي يعرفون بعضهم بعضاً؛ لأنهم كتلة واحدة، وهم كجسم واحد، وهم يعرفون العزب منهم من الرجال أو النساء، فيتعاونون على تزويج النساء والرجال؛ حفاظاً على طهارة البلاد وزكاتها.
ومرة ثانية أقول: لا يمكن أن يتحقق هذا الأمر الإلهي ويتمثل إلا إذا كنا على قلب رجل واحد، وذلك بأن نجتمع على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فتطيب أرواحنا، ووتزكو نفوسنا، وتتهذب آدابنا وأخلاقنا وتفضل وهكذا، وأما مع الجهل فمنا الحاسد والمحسود، والباغض والمبغوض، والمتكبر والمتجبر عليه، ولا تسأل فكل شيء فينا؛ لأننا ما ربينا، وما دخلنا المستشفى وما عولجنا، وما استعملنا دواء، ولذلك فلن نبرأ من أسقامنا. وإذا لم يكن هناك مستشفى في المدينة فلن يبرأ أهل المدينة، بل يمرضون.
إذاً: قوله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32]، أي: أيها المؤمنون نساءً ورجالاً! لا تبقى امرأة عزبة في قريتكم أو في حيكم، ولا يبقى رجل أعزب أيضاً لعجزه عن الزواج، بل يجمع له المال ويزوج، وهذا معنى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]. فتعاونوا، فكل يمد عونه من أجل أن نرقى ونظفر، ونكمل ونسعد. هذا هو الإسلام، وهذه آياته القرآنية، وذاك نبيه ومصطفاه. فهيا نستغفر الله، وهيا نتوب.
ولتكن توبتنا أنه إذا كان بيننا من يريد أن يتزوج ولم يجد ريالاً يتزوج به، أو كان بيننا نساء جاهلات يأبين الزواج فلنزوجهن. وسنعرف ذلك لأننا نجتمع في حينا كل ليلة، فيعرف بعضنا بعضاً رجالاً ونساء، فنعرف العزبة من الرجال ومن النساء، ونعرف الغني والفقير، والمحتاج وغير المحتاج.
هذا أول أمر توجيهي لمطاردة هذه الفاحشة وإذهابها.
وثالثاً: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]. فلا تقول: هذا فقير فلن نزوجه، بل زوجه، ولا نقل: هذه فقيرة، فلن نزوجها، ولن يقبلها شخص، بل اعمل على أن تقبل.
وهنا كلمة عن عمر محفوظة، وهي: عجباً لفقير لم يطلب الغنى من الزواج! والله يقول: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]. ومعنى هذا: لا يبقي في قريتنا أو في حينا أعزب؛ حتى لا نقع في تلك الفتنة والمحنة المدمرة المخربة، وهي فاحشة الزنا واللواط، والعياذ بالله تعالى.
وهذا الجزء من الآية نحن الآن معفون عنه؛ لأنه لا عبيد عندنا ولا إماء، ولكن الجزء الأول من الآية واجب، فيجب أن نتعاون.
فلنوجد في المدينة مؤسسة أو صندوقاً خيرياً مهمته المساعدة على الزواج، فمن أراد أن يتزوج يذهب إليهم، فيخطبون له امرأة سواء كبيرة أو صغيرة ويزوجونه، وهذا الصندوق يطبق ما أراد الله من هذه الآية، حتى وإن كان ضعيفاً والأمة ليست مقبلة عليه وقل من يساعده، ولكنه في حد ذاته يطبق هذه الآية.
ومن أراد أن يتزوج يذهب إليه، فيبحثون له عن زوجة سواء صغيرة أو كبيرة حسب الحاجة، وكذلك المرأة إذا كانت عزبة ولم تجد زوجاً فتذهب إليهم، فيبحثون لها عن زوج يزوجونها به، وهذا هو معنى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]. وهو تحقيق لقوله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32]، أي: زوجوهم، ولا تبقون عزباً في البلد.
ومن العجيب والغريب أننا أشبه بالبادية، فقد قال لي رجل: أنا أتزوجت بستين ألفاً .. خمسين ألفاً، وهذا منكر، فهو لم يشتري عبداً، فهذا من الجهل المركب، وإذا كان مهر المرأة خمسين ألفاً وستين ألفاً فالفقير لن يحصل على الخمسين والستين.
وعلة هذا: أننا ما عرفنا الطريق إلى الله ولا سلكناه؛ لأننا بعيدون عن نور الله، نتخبط في ظلمات الجهل والضلال.
وأما قضية التعدد فنحن الآن مأمورون بأن لا نبقي عزباً بيننا من رجالنا ونسائنا، وأنت لما ترغب في الإصلاح تضيف إلى امرأتك امرأة مات زوجها حتى تساعدها مثلاً، أو تطلق امرأة من نسائك وتزوجها مؤمناً من المؤمنين، فقد كان هناك من الصحابة من يطلق زوجته؛ لتزوجها أخيه. المهم أن لا يبقى بيننا عزباً، وهذا لقوله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ [النور:32]، أي: واسع العلم والحكمة، عَلِيمٌ [النور:32] بكل شيء، وواسع الفضل.
ووالله ما استعف مؤمن وصبر لوجه الله إلا أعطاه الله.
وقوله: وَلْيَسْتَعْفِفِ [النور:33] أي: وليطلب العفة، ولا ينظر بعينيه إلى امرأة، وكذلك لا تنظر المرأة إلى رجل، ولا تقول كذا، بل تصبر وتحتسب حتى يغنيها الله من فضله.
وقوله: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ [النور:33]، أي: المكاتبة، مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [النور:33]. وساعدوه على المكاتبة، ونساعده بالزكاة أيضاً على المكاتبة، فإذا كاتب فقير على سنتين .. أربع سنوات فنعطيه من الزكاة ونساعده؛ حتى يسدد نجومه. فكاتبوهم على شرط أن تعلموا فيهم خيراً واستقامة، وطهر وآداب وأخلاق. وأما إذا كان فيهم شر وفساد فلا نساعدهم، بل يبقون عبيداً أولى، ولو تحرروا لفعلوا أكثر.
هذه توجيهات الله، وهذا عجب، وهذا كلام ربنا، فهكذا يوجهنا. ولا إله إلا الله! فهو الذي قال: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ [النور:33]، أي: أعطوهم مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [النور:33].
ثم يقول تعالى: وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:33]. وهذه بشرى للجارية المملوكة إذا سيدها ألزمها بالعصا، فقد وعدها الله بأن يغفر لها، فقال تعالى: وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:33] لهن. يغفر ويرحم، ومع هذا ما بقي هذا، وآخر من بقي عنده ابن أبي ، فقد كان عنده جاريتان، ونزلت هذه الآية وأسلمت الجاريتان، ولم يبق أحد، ولكن القرآن يبقى إلى يوم القيامة.
قال: [ معنى الآيات: مازال السياق في ذكر الأسباب الواقية من وقوع الفاحشة، فأمر تعالى في الآية الأولى من هذا السياق (32) أمر جماعة المسلمين أن يزوجوا الأيامى من رجالهم ونسائهم بالمساعدة على ذلك، والإعانة عليه؛ حتى لا يبقى في البلد أو القرية عزب إلا نادراً، ولا فرق بين البكر والثيب في ذلك ] فنزوج البكر والثيب بلا فرق؛ حتى لا يبقى في القرية أو الحي عزب إلا نادراً [ فقال تعالى: وَأَنكِحُوا [النور:32]. والأمر للإرشاد. الأَيَامَى [النور:32] جمع أيّم، وهو من لا زوج له من رجل أو امرأة بكراً كان أو ثيباً. مِنْكُمْ [النور:32]، أي: من جماعات المسلمين لا من غيرهم، كأهل الذمة من الكافرين ] فإذا كان عندنا في بلادنا كفار ويهود ونصارى فلا نزوجهم؛ حتى نحصنهم؛ لأنهم كفار من أهل النار، ولكن هذا بالنسبة للمؤمنين والمؤمنات؛ لأنه قال: مِنْكُمْ [النور:32] أيها المسلمون!
قال: [ وقوله: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]، أي: وزوجوا القادرين على مؤونة الزواج وتبعاته وتكاليفه من مماليككم ] الذين تملكونهم.
[ وقوله: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ [النور:32] غير موسرين لا يمنعكم ذلك من تزويجهم، فقد تكفل الله بغناهم بعد تزويجهم بقوله: يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32]، أي: واسع الفضل، عليم بحاجة المحتاجين.
وأمر تعالى في هذه الآية من لا يجد نكاحاً؛ لانعدام الزوج أو الزوجة مؤقتاً، أو انعدام مؤونة الزواج من مهر ووليمة ] أمره [ أن يستعفف، أي: يعف نفسه بالصبر والصيام والصلاة؛ حتى لا يتطلع إلى الحرام فيهلك ] والعياذ بالله [ فقال تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33]، وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32]، أي: واسع الفضل، مطلق الغنى، عليم بحال عباده، وحاجة المحتاجين منهم.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ [النور:33]، هذه مسألة ثالثة تضمنتها هذه الآية، وهي: إذا كان للمسلم عبد وطلب منه ] أي: العبد [ أن يكاتبه، وكان أهلاً للتحرر بأن يقدر على تسديد مال المكاتبة، ويستطيع أن يستقل بنفسه، فعلى مالكه أن يكاتبه، وأن يعينه على ذلك بإسقاط نجم من نجوم الكتابة ] وسميت نجوماً لأنها تكون في الشهر يوم يطلع النجم الفلاني، فسموها نجوماً [ وهذا معنى قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ [النور:33] ] أي: أعطوهم [ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [النور:33].
وقوله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ [النور:33]، أي: على الزنا. وهي مسألة رابعة تضمنتها هذه الآية، وهي: أن جاريتين كانتا لـعبد الله بن أبي ابن سلول المنافق يقال لهما: معاذة ومسيكة قد أسلمتا، فأمرهما بالزنا؛ لتكسبا له بفرجيهما كما هي عادة أهل الجاهلية قبل الإسلام، فشكتا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [النور:33]، أي: لأجل مال قليل يعرض لكم، ويزول عنكم بسرعة.
وقوله: وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:33]، أي: لهن رحيم بهن؛ لأن المكره لا إثم عليه فيما يقول ولا فيما يفعل، فامتنع المنافق من ذلك ] وترك الأمر.
والمكره معفو عنه؛ لقوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106].
[ وقوله تعالى في الآية الثانية(34): وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ [النور:34]، أي: ولقد أنزلنا إليكم أيها المسلمون! آيات، أي: قرآنيّة. مُبَيِّنَاتٍ [النور:34]، أي: موضحات للشرائع والأحكام والآداب، فاعملوا بها؛ تكملوا في حياتكم، وتسعدوا في دنياكم وآخرتكم.
وقوله: وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [النور:34]، أي: قصصاً من أخبار الأولين كقصة يوسف ومريم عليهما السلام، وهما شبيهتان بحادثة الإفك ] التي نزلت السورة من أجلها.
[ وقوله: وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [النور:34]، وهي ما تضمنته الآيات من الوعيد والوعد، والترغيب والترهيب، وكونهما للمتقين بحسب الواقع، وهو أن المتقين هم الذين ينتفعون بالمواعظ دون الكافرين والفاجرين ] والعياذ بالله.
من هداية الآيات:
أولاً: انتداب المسلمين حاكمين ومحكومين للمساعدة ] أفراداً وجماعات على أن يتعاونوا [ على تزويج الأيامى من المسلمين أحراراً وعبيداً ] حتى لا يبقى عازب من الرجال ولا من النساء، كما في قوله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32]. ونقول: ليس هذا أمراً، أي: قوله: وَأَنكِحُوا [النور:32]. وإنما هو للإرشاد والتوجيه.
[ ثانياً: وجوب الاستعفاف على من لم يجد نكاحاً، والصبر حتى ييسر الله أمره ] فمن هداية الآية: أن على الذين ما تزوجوا وما استطاعوا الزواج؛ لقلة مالهم أو لعجزهم يجب عليهم أن يستعفوا، وأن يصبروا، ويعبدوا الله؛ حتى يفرج ما بهم ويزوجهم.
[ ثالثاً: عدة الله ] عز وجل [ للفقير إذا تزوج بالغنى ] بأن يغنيه الله. فيا معشر الفقراء! تزوجوا؛ فإنكم إذا تزوجتم أغناكم الله، وقد شاهدنا هذا، فقد شاهدنا الصعلوك يأكل في البيت، ولما يتزوج يصبح له بيت ومال وأولاد ويطعمهم، وكم من إنسان لم يكن عنده شيء، وكان يأكل في بيت أبيه عامين .. ثلاثة .. عشرة، وما إن يتزوج حتى يشتغل ويعمل، ويطعم زوجته وأولاده، وصدق الله العظيم في قوله: يُغْنِهِمُ اللَّهُ [النور:32].
[ رابعاً: تعين مكاتبة العبد إذا توفّرت فيه شروط المكاتبة ] وهذا كما قلنا: إذا حدث في يوم من الأيام وجاهدنا وأصبح لنا عبيد أسرى حرب فحينئذٍ إذا طلب منا عبد المكاتبة نكاتبه؛ تخفيفاً عليه، وفي سنتين .. أربع يتحرر، على شرط أن يكون صالحاً، ورأينا فيه الصلاح.
[ خامساً: حرمة الزنا بالإكراه أو بالاختيار، ومنع ذلك بإقامة الحدود ] فالزنا حرام، سواء بالإكراه والقوة عليه، وإلا بدون إكراه، فالزنا ممنوع، ولا بد من إقامة الحد على الزناة، إما بالرجم والقتل إن كانوا ثيبين، وإما بالجلد والتغريب إن كانوا أبكاراً.
[ سادساً: صيغة المكاتبة أن يقول السيد للعبد: لقد كاتبتك على ثلاثة آلاف دينار منجمة، أي: مقسطة على ستة نجوم، تدفع في كل شهر نجماً، أي: قسطاً. على أنك إذا وفيتها في آجالها فأنت حر، وعليه أشهدنا، وحرر بتاريخ كذا وكذا ] هذه صيغة المكاتبة.
[ سابعاً ] وأخيراً: [ بيان فضل سورة النور؛ لما احتوته من أحكام في غاية الأهمية ] وهذا حق والله.
فلنعمل الآن على أن نحفظ هذه السورة نسائنا وبناتنا؛ استجابة لأمر عمر ؛ ولقول عائشة : علموا نسائكم سورة النور.
وصلى الله على نبينا محمد.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة النور (9) للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net