إسلام ويب

الاشتقاق في اللغة يعرف بأنه رد اللفظ إلى الحروف الأصلية التي اشتق منها، وهو ثلاثة أقسام: اشتقاق أكبر، واشتقاق أوسط، واشتقاق أصغر، ويطرد الاشتقاق فيما هو كاسم الفاعل، وقد يختص كالقارورة.

الاشتقاق

تعريف الاشتقاق وشروطه

ثم قال: [فصل: الاشتقاق: رد لفظ إلى آخر لموافقته له في الحروف الأصلية لمناسبة في المعنى، ولا بد من تغيير ولو تقديرًا].

الاشتقاق فسره المؤلف بقوله: (رد لفظ إلى آخر لموافقته له في الحروف الأصلية)، مثلاً تقول: ضرب من الضرب، استغفر من الغفر، لأن المؤلف يقول: لموافقته في الحروف الأصلية، واستغفر حروفه الأصلية (غ ف ر)، أما الهمزة والسين والتاء فهي زائدة، فالاشتقاق لا بد أن يُرد إلى الحروف الأصلية.

وأيهما الأصل: هل هو الفعل أم المصدر؟

الجواب: فيه خلاف بين النحويين، منهم من يقول: إن الضرب مأخوذ من ضرب، ومنهم من يقول: إن ضرب مأخوذ من الضرب، وهذا الخلاف الطويل العريض كالاختلاف في قولهم: هل الأصل البيضة أو الدجاجة؟! ولا فائدة من معرفة هذا! المهم أنهم يقولون: إن هناك أناساً من الفلاسفة يتناظرون في هذه المسألة، وبينهم شجار عظيم والعدو على أطراف البلد، وأنهم ما شعروا إلا والعدو فوق رءوسهم، فصارت الجدال الذي أشغلهم عن الجهاد انتهى الآن، وصار لا يعرف البيضة ولا الدجاجة، ما همه إلا ينقذ نفسه.

فهذا الجدال في الحقيقة عديم الفائدة، لكن الذي يظهر أن الأصل المصدر؛ لأن الفعل متضمن للمصدر وزيادة، فالفعل دال على حدث وزمن، والمصدر دال على حدث فقط، ومعلوم أن ما فيه زيادة فهو فرع عن الأصل؛ لأن الفرع هو الذي يزيد.

فالأصل: أن ضرب دالة على الضرب وزيادة وهو الزمن، إذاً: فالأصل الضرب الذي هو المصدر، هذا هو الأصح.

يقول المؤلف: رد لفظ إلى آخر لموافقته له في الحروف الأصلية، أي: يسمى اشتقاقاً.

قال: [لمناسبة في المعنى]، أي: أما إذا لم يكن مناسبة فإنه لا يقال: مشتق منه ولو كان موافقاً له في الحروف الأصلية؛ كوقف البيت ما نقول: مشتق من (وقف)، أي: ثبت في مكانه، مع أن الحروف واحدة.

تقول: وقفت هذا البيت، يعني: جعلته وقفاً، وتقول: وقفت على هذا المكان أو في هذا المكان، هل نقول: وقفت هذا البيت، مشتق من الوقوف لموافقته في الحروف الأصلية؟

الجواب: لا؛ لأنه لا مناسبة في المعنى بين هذا وهذا، لكن (غفر) مشتق من الغفر، لمناسبة في المعنى، وهو الستر والوقاية، فلا بد من مناسبة في المعنى وإلا فلا يصح أن يقال: مشتق منه.

لزوم التغيير في الاشتقاق

قال: [ولا بد من تغيير ولو تقديرًا].

يعني: لا بد من أن يكون المشتق مغايراً للمشتق منه ولو تقديراً، فأفاد المؤلف بقوله: (ولو تقديرًا) أنه قد يتفق المشتق والمشتق منه في الحروف ولكن يختلف في الأصل، فإذا اتفقا في الحروف مثل: وقف من الوقف، نقول: لا بد من التغيير، وهو هنا في الحركات.

وقف من الوقوف، فيه تغيير بالحروف، إذ التغيير بالحروف وبالحركات، لكن لو اتفقت في الحروف والحركات فيقول المؤلف: نقدر هذا تقديراً. لماذا نقول إن فيه تغييراً ولو تقديراً؟ نقول: لئلا يتحد المشتق والمشتق منه، ومعلوم أن المشتق غير المشتق منه، فهنا شيئان: مشتق ومشتق منه، بل قال الشارح: أركان الاشتقاق أربعة: مشتق، ومشتق منه، والموافقة في الحروف الأصلية، والمناسبة في المعنى مع التغيير.

فالمعنى أنه قد يكون هناك توافق بين المشتق والمشتق منه في الحروف والترتيب والحركات، فيكون المصدر مساوياً للفعل في حركاته وحروفه، مثل لو قلت: بطر من البطر، إذا كان الفعل (بطَر) بالفتح من البطر فهنا لا اختلاف، ولكن يقولون: يقدَّر الاختلاف مثلما قدرنا الاختلاف بين الفُلك مفرداً والفُلك مجموعاً، قال الله تعالى لنوح: أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا [المؤمنون:27]، وهذا واحد، وقال: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ [يونس:22]، وهذا جمع، نقول: كيف يتفق الجمع والمفرد في الحروف والحركات؟ نقول: لا بد من التقدير؛ هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تبع فيه بعض علماء البصرة الذين يتعمقون في مثل هذه الأمور، ولكن الصحيح أن نقول: إنه لا بد من التغيير غالباً، بدلاً من أن نقول: ولو تقديراً، فإذا ورد لفظ مشتق من لفظ آخر لا يخالفه في الحركات نقول: هذا من غير الغالب، ولا نقول: هذا مختلف تقديراً.

تعريف المشتق

يقول: [والمشتق فرع وافق أصلًا بحروفه الأصول ومعناه].

يعني: المشتق لا بد أن يوافق المشتق منه بحروفه الأصلية، ولا يلزم أن يوافقه في الحروف الزوائد، فمثلاً: استغفر مشتق من الغفر مع أنهما لم يتوافقا في الحروف، والأكثر هنا حروف (استغفر)؛ لأن المرجع في الاشتقاق إلى الحروف الأصلية، ومثله: استكبر من الكبر، واصطفى من الصفى أو الصفوة.

وقوله: (ومعناه) احترازاً مما إذا وافقه في المعنى دون الحروف، لأنه لا بد من أن يوافقه في كل الحروف والمعنى، فإن وافق في المعنى دون الحروف فإنه لا يُقال مشتق منه، فمثلاً: حبس بمعنى منع، ورهن بمعنى حبس، إذا الرهن الحبس، كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38] ، أي: محبوسة. هل نقول: إن (رهن) مشتق من (حبس) لأنه بمعناه؟

الجواب: لا، ولماذا لا نقول ذلك؟ لاختلاف الحروف. وكذلك لا نقول: إن (حبس) مشتق من (منع) وإن كان بمعناه؛ لاختلاف الحروف، ولهذا قال: (المشتق: فرع وافق أصلًا بحروفه الأصلية ومعناه).

أقسام الاشتقاق

ثم الاشتقاق ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أصغر، وأوسط، وأكبر.

قال: [ففي الأصغر، وهو المحدود]، والمحدود يعني به: المعرَّف الذي عرَّفناه فقلنا: الاشتقاق ردُّ لفظ إلى آخر لموافقته له في الحروف الأصلية، والمشتق: فرع وافق أصلاً بحروفه الأصول ومعناه؛ هذا هو المحدود، يعني: المعرَّف. فإذاً: المؤلف رحمه الله عرف الاشتقاق الأصغر بأنه الموافق في الحروف والترتيب، فقال:

[ففي الأصغر -وهو المحدود- يتفقان في الحروف والترتيب]، يعني: تكون الحروف في المشتق هي الحروف في المشتق منه، وترتيبها هو نفس الترتيب.

ثم مثل له فقال: [كنصر من النصر] فالحروف والترتيب هي: نون صاد راء في الكلمتين، في المشتق والمشتق منه. ومثله: ضرب من الضرب، متوافقان في الحروف والترتيب. إذاً: هو اشتقاق أصغر.

قال: [وفي الأوسط في الحروف] يعني: أي: يتفقان في الحروف دون الترتيب.

ثم مثل له فقال: [كجبذ من الجذب]، فالحروف واحدة: جيم، باء، زاي، لكن الترتيب مختلف، فيجوز أن نقول: إن جذب مشتقة من الجبذ، لكن هذا الاشتقاق أوسط.

ثم قال: [وفي الأكبر في مخرج حروف الحلق أو الشفة]، يعني: يتفقان في مخرج الحرف لا في نوعه، هذا يسمى اشتقاقاً أكبر. وقد اختلف علماء اللغة في إثباته: فمنهم من منعه وقال: كيف نقول: هذا اللفظ مشتق من هذا اللفظ وهو لا يوافقه في الحروف؟!

وبعضهم أجازه، وقال: يمكن ذلك لاتفاقهما في مخرج الحروف؛ لكن حروف الحلق أو الشفة.

ثم مثل له فقال: [كنعق وثلم من النهيق والثلب]:

نعق: الاشتقاق الأصغر فيها من النعيق. وثلم من الثلم.

لكن لو قلنا: نعق من النهيق، نقول: هذا اشتقاق أكبر، ولو قلنا: ثلم من الثلب نقول: هذا اشتقاق أكبر، ولكن إذا تأملت وجدت أنه بعيد من الصواب؛ لأن النعيق ليس هو النهيق في الواقع، فالنعيق للغراب، والنهيق للحمار، فكيف نقول: إن النعيق مشتق من النهيق بجامع الصوت لكل منهما من حيوان بهيم؟ هذا بعيد!

والثلب من المثالب، وهي المساوئ، والثلم: الشق في إناء ونحوه، كيف نقول: إن الثلم مشتق من الثلب بجامع العيب في كل منهما؟ هذا بعيد أيضاً.

ولهذا فالصواب قول من أنكر الاشتقاق الأكبر، عسانا نجزم أو نتقدم إلى الاشتقاق الأوسط؛ لأنك لو تقول: جذب من الجبذ يشوش الواحد إذا سمع هذا، قل: جذب من الجبذ، ولو تقل: جبذ من الجذب، سبحان الله! ما لقيت إلا الجذب؟ قل: جذب من الجذب واسترح!

على كل حال! الآن الاشتقاق صار ثلاثة أنواع: أصغر، وهو المحدود، وهو الأصل الذي يعرفه العلماء أنه رد لفظ إلى آ خر لموافقته في الحروف الأصلية والترتيب لمناسبة في المعنى.

أوسط: رد لفظ إلى آخر لموافقته في الحروف الأصلية دون الترتيب.

أكبر: رد لفظ إلى آخر لموافقته في مخارج الحروف الحلقية أو الشفوية مع الترتيب، وقد يكون مع غير الترتيب أيضاً، ويصير أوسط من الأكبر.

اطراد الاشتقاق واختصاصه

قال: [ويطرد فيما هو كاسم الفاعل ونحوه].

أي: يطرد الاشتقاق فيما هو كاسم الفاعل، فمثلاً: إذا وصفنا شخصاً بأنه ضارب لأنه ضرب، وجاء آخر وضرب نقول للآخر: إنه ضارب.

وقوله: (كاسم الفاعل) هذا ضارب اسم فاعل، وكذلك اسم المفعول، مضروب، كل إنسان يقع عليه الضرب نقول: إنه مضروب، فلا يختص بزيد أو عمرو، فهو مطرد.

ويطرد في الصفة المشبهة أيضاً، وفي اسم التفضيل، لكنه قال: [وقد يختص كالقارورة]، والقارورة هي الجرة من الزجاج، هل كل شيء يكون وعاءً نسميه قارورة؟ القارورة سميت بذلك لأن الشيء يستقر فيها، فهل نقول: كل شيء يستقر فيه الشيء فهو قارورة؟

الجواب: لا، فالفنجال لا نسميه قارورة، والكأس لا نسميه قارورة.

إذاً: هذا نستفيد منه مثل ما مر علينا كلمة (جمع) في حديث: (جمع كلها موقف)؛ قلنا: لاجتماع الناس فيها، وليس كل مكان يجتمع فيه الناس نسميه جمعاً، إذاً: هذا الاشتقاق مختص.

إذاً: المشتق يطرد في ما هو فيه مثل اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل وما أشبه ذلك، أي أن كل إنسان يتصف بهذا الوصف نشتق له من وصفه اسم فاعل واسم مفعول.. إلى آخره.

وربما يختص، يعني: ربما يكون الاشتقاق مختصاً بشيء معين مع مشاركة غيره له فيه، فالقارورة مشتقة من الاستقرار، ومع ذلك لا نسمي كل شيء يستقر فيه الشيء قارورة، فهو اشتقاق مختص، والله أعلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مختصر التحرير [17] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net