اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , غزوة الأحزاب للشيخ : خالد بن علي المشيقح
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، لقد كانت غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة، وكان سببها: أن نفراً من اليهود من بني النضير الذين أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى خيبر ومنهم حيي بن أخطب خرجوا إلى مكة واجتمعوا بأشراف قريش، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر يهود! إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه، فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا [النساء:51-52].
فلما قال ذلك يهود لقريش سروهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا لذلك واتعدوا له، ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاؤوا غطفان، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقوا، فخرجت قريش وغطفان ومن تابعهم إلى المدينة.
وأبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رجال من المنافقين، وجعلوا يورون بالضعيف من العمل ويتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول صلى الله عليه وسلم ولا إذن.
وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لابد منها ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذنه، فأنزل الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:62].
فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعض الصحابة لينظروا أحق هو أم لا، وقال: (إن كان حقًا فالحنوا إلي لحنًا أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس)، فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، حيث نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: من رسول الله؟! لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد.
رجع الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحنوا له لحناً عرف منه الخبر، فقال عليه الصلاة والسلام: (الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين)، وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال أحدهم: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط.
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام المشركون قريباً من شهر.
واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما في هذا، فقالا له: يا رسول الله! أمراً تحبه فنصنعه، أم شيئاً أمرك الله به لابد لنا من العمل به، أم شيئاً تصنعه لنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام والسلام: (بل شيئاً أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم)، فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله! قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله، وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرىً أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك، نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم.
فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم، وما فرق الله من جماعتهم، دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم ليلاً لينظر ما فعل القوم، فذهب فدخل في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدراً ولا ناراً ولا بناءً، وإذا القوم سيرتحلون راجعين إلى بلادهم خائبين، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر.
اللهم أعز دينك، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
عباد الله! أول درس نستفيده من هذا العرض السابق لغزوة الأحزاب، هو أن اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم الدين، هم من أشد الناس عداوة للمؤمنين، قال الله عز وجل: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82].
فاليهود من أعدى أعدائنا وإن أظهروا في وقت من الأوقات خلاف هذا لهدف يريدون تحقيقه، وهذه حقيقة قررها القرآن، لقد حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل هذا حاولوا قتله، وبعدها سحروه، ودسوا له السم في طعامه، وما ذلك إلا لحقدهم الشديد على نبي هذه الأمة وعلى المؤمنين، مع أنهم يعرفون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق بشرت به التوراة، قال الله عز وجل: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى ما ملخصه: يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرف أحدهم ولده، وأنه مع هذا التحقيق ليكتمون الحق وهم يعلمون.
وقد ذكر ابن هشام في السيرة عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء، غدا عليه أبي وعمي مغلسين، فلم يرجعا حتى كان مع غروب الشمس، وسمعت عمي يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله. قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته ما بقيت.
وإذا أخذنا بأسباب النصر: ومن أعظم ذلك التوجه إلى الله عز وجل بالدعاء والتضرع، ونحن في هذا اليوم نسمع ونشاهد ما يفعله اليهود بإخواننا في فلسطين، فعلينا عباد الله! ألا ننساهم بكثرة الدعاء والتضرع، عل الله عز وجل أن يفرج كربتهم وأن ينصرهم على عدوهم.
إن الله ينصر عباده المؤمنين بأمور لا تخطر على البال، فلقد أنجى الله تعالى نبيه هودا والمؤمنين معه، وأهلك المكذبين من قومه بريح صرصر عاتية، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً.
وأنجى نبيه صالحاً ومن معه، وأهلك المكذبين من قومه بالصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
وأنجى نبيه نوحاً ومن معه من المؤمنين، وأهلك المكذبين بالطوفان.
وأنجى نبيه موسى عليه الصلاة والسلام، وأغرق فرعون ومن معه.
ونصر نبيه محمداً في هذه الغزوة.
فالمسلم عليه أن يعمل الأسباب من الدعاء والتضرع، وليثق بوعد الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى لا يرد من دعاه، ولا يخيب من رجاه.
فحري بالمسلم أن يغتنم هذا الأجر، وأن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن يصوم التاسع والعاشر.
وفي حديث أبي قتادة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صيام يوم عاشوراء؟ قال: (يكفر السنة التي قبله).
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم أنج المؤمنين المستضعفين في فلسطين، اللهم ارحم ضعفهم، واكشف ضرهم، يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين.
اللهم داو جريحهم، واجبر كسيرهم، واقبل شهيدهم، واغفر لميتهم، اللهم عليك بعدوك وعدوهم، اللهم عليك باليهود الظالمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم اجعل الدائرة عليهم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، واقض الدين عن المدينين، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , غزوة الأحزاب للشيخ : خالد بن علي المشيقح
https://audio.islamweb.net