إسلام ويب

استثنى الشرع من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها صلاة ركعتي الطواف في أي ساعة من ليل أو نهار، ويستحب الصلاة في غير أوقات النهي، كما يستحب صلاة ركعتين بعد غروب الشمس وقبل صلاة المغرب، وتجوز الصلاة من بعد المغرب إلى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر.

الرخصة في الصلاة قبل المغرب

شرح حديث عقبة بن عامر في الصلاة قبل المغرب

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في الصلاة قبل المغرب.

أخبرنا علي بن عثمان بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن نفيل أخبرنا سعيد بن عيسى حدثنا عبد الرحمن بن القاسم أنه قال: حدثنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب: أن أبا الخير حدثه: (أن أبا تميم الجيشاني قام ليركع ركعتين قبل المغرب، فقلت لـعقبة بن عامر رضي الله عنه: انظر إلى هذا أي صلاة يصلي؟ فالتفت إليه فرآه فقال: هذه صلاة كنا نصليها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)].

يقول النسائي رحمه الله: باب الرخصة في الصلاة قبل المغرب. المقصود من هذا هو الصلاة أو التنفل قبل صلاة المغرب، وبعد الأذان، أي: بعد غروب الشمس وقبل صلاة المغرب، فهذا هو المقصود من الترجمة، وقد جاء في الدلالة على هذا المعنى هذا الحديث وغيره من الأحاديث الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي دالة على أنه يصلى قبل المغرب بعد الأذان، أو بعد غروب الشمس وقبل صلاة المغرب، وأن ذلك سائغ، وصاحبه مأجور عليه، وليس هذا من السنن الرواتب التي جاء في الحث عليها حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي: أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، اثنتا عشرة ركعة، كما جاء في حديث عائشة، وعشر ركعات كما جاء في حديث ابن عمر فجعل ما قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين، وبعد العشاء ركعتين، وقبل الفجر ركعتين.

هذه الصلاة التي جاءت في هذا الحديث، وهو حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، يدل على أن هذه الصلاة تصلى في هذا الوقت، وأن الإنسان إذا كان في المسجد، وأذن المؤذن، فإنه يستحب له أن يقوم ويصلي قبل صلاة المغرب، وقد جاء في الحديث: (بين كل أذانين صلاة)، فبين الأذان والإقامة يصلي الإنسان.

في هذا الحديث يقول مرثد بن عبد الله اليزني أبو الخير أنه رأى أبا تميم الجيشاني يصلي قبل المغرب، وكان عقبة بن عامر صاحب رسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنه، فقال له: انظر إلى هذا كيف يصلي؟ أي: إلى أبي تميم الجيشاني، فالتفت إليه فرآه يصلي، يعني: قبل المغرب، فقال: هذه صلاة كنا نصليها على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني: عمله صحيح، وكأن أبا الخير استغرب هذا، أو أنه ليس عنده شيء في هذا، فلفت نظر ذلك الصحابي الجليل وهو عقبة بن عامر، فالتفت إليه فرآه يصلي، فقال: (هذه صلاة كنا نصليها على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام)، يعني: فإنها سائغة وأنها سنة، وأنه لا مانع منها ولا محذور فيها ولا إشكال فيها؛ لأنها ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وذلك بإقراره لأصحابه وهم يصلون، وجاء التنصيص عليها في أحاديث أخرى، مثل قوله عليه الصلاة والسلام الذي أشرت إليه: (بين كل أذانين صلاة)، وقوله: (صلوا قبل المغرب، ثم قال: لمن شاء)، فهذا يدلنا على استحبابها، ولكنها ليست من السنن الرواتب المؤكدة التي حث عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي اثنتا عشرة ركعة التي أشرت إليها.

تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر في الصلاة قبل المغرب

قوله: [ أخبرنا علي بن عثمان بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن نفيل].

هو علي بن عثمان بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن نفيل، والنسائي نسب شيخه وأطال في نسبته، وكما ذكرت سابقاً أن الراوي يمكن أن يذكر شيخه بما يريد؛ لأن هذا كلامه، بخلاف ما إذا كان التلميذ قد ذكر شيخه بلفظ مختصر، فليس لمن دونه أن يزيد في نسبه دون أن يبين بأن يقول: هو فلان ابن فلان، أو يقول: يعني: ابن فلان، أو هو الفلاني؛ لأنه ليس لمن دون التلميذ أن يزيد على ما قال التلميذ إلا إذا أتى بلفظ يبين أن الزيادة ليست من التلميذ، بأن يقول: هو ابن فلان، أو يعني: ابن فلان، أما التلميذ فإنه ينسبه كما شاء، مثلما فعل النسائي هنا، فذكر نسب شيخه الطويل، فقال: علي بن عثمان بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن نفيل، ستة أشخاص، يعني: ذكر خمسة من أسماء آبائه، فالتلميذ ينسب شيخه بما يريد، ويمكن أن يضيف إلى ذلك، بأن يقول: في المكان الفلاني، وفي البلد الفلاني، كما يريد، وأما التلميذ فله أن يقول مثلاً: حدثنا سفيان هو ابن عيينة مثلاً، أو هو الثوري، أو يعني ابن عيينة، أو يعني الثوري.. وما إلى ذلك.

وهو لا بأس به، وخرج حديثه النسائي وحده.

[ أخبرنا سعيد بن عيسى].

هو سعيد بن عيسى، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، والنسائي.

[ حدثنا عبد الرحمن بن القاسم].

هو عبد الرحمن بن القاسم المصري، وهو صاحب الإمام مالك، وهو ثقة فقيه خرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، ولم يخرج له مسلم، ولا أبو داود في السنن، ولا الترمذي، ولا ابن ماجه .

[ حدثنا بكر بن مضر].

هو بكر بن مضر المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.

[ عن عمرو بن الحارث].

هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن يزيد بن أبي حبيب].

هو يزيد بن أبي حبيب المصري أيضاً، وهو أيضاً ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[أن أبا الخير حدثه].

و أبو الخير كنية وصاحبها مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وهو أيضاً ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عقبة بن عامر الجهني].

هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

أما أبو تميم الجيشاني فهذا ليس من الرواة في هذا الإسناد، ولكنه سبق أن مر في بعض الأسانيد الماضية، وأما هنا فجاء ذكره لأنه كان يصلي قبل المغرب، فرآه أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وكان لا يعرف الحكم في هذه الصلاة، وكأنه استغربها.

الصلاة بعد طلوع الفجر

شرح حديث: (كان رسول الله إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة بعد طلوع الفجر.

أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن زيد بن محمد أنه قال: سمعت نافعاً يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين)].

قوله: (باب الصلاة بعد طلوع الفجر)، أي: التنفل بركعتين وهما ركعتا الفجر، وهي مع الوتر آكد الرواتب المتعلقة بالصلوات، وكان عليه الصلاة والسلام يحافظ عليهما، ويداوم عليهما في الحضر والسفر، فحديث حفصة رضي الله تعالى عنها قالت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر كان لا يصلي إلا ركعتين)، يعني: أنه يقتصر على صلاة ركعتين، وهما ركعتا الفجر، وذلك إما في البيت وإما في المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في البيت، ثم يخرج، وتقام الصلاة ويصلي بالناس، وإذا صلى الإنسان في بيته هاتين الركعتين، ثم جاء إلى المسجد والصلاة لم تقم فإنه يصلي تحية المسجد، ولا يجلس حتى يصلي تحية المسجد، أما إذا جاء والصلاة مقامة فإنه قد أدى هذه الراتبة في بيته، وكان هديه عليه الصلاة والسلام أنه لا يصلي بعد طلوع الفجر إلا ركعتين خفيفتين، وهما السنة الراتبة التي كان يحافظ عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام في الحضر والسفر.

وعلى هذا فإن حديث حفصة يدل على أنه لا يصلى بعد طلوع الفجر إلا ركعتين، فليس للإنسان أن يتنفل ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، وإنما يصلي ركعتين فقط ويجلس، فإن صلاها في البيت، ثم جاء إلى المسجد والصلاة لم تقم فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين)

قوله: [ أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم].

هو أحمد بن عبد الله بن الحكم، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.

[ حدثنا محمد بن جعفر].

وهو محمد بن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شعبة].

وهو شعبة بن الحجاج، الثقة الثبت، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ عن زيد بن محمد].

هو زيد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، والنسائي.

[ سمعت نافعاً].

وهو نافع مولى ابن عمر، الثقة الثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[يحدث عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما].

وهو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو من صغار الصحابة رضي الله تعالى عنه، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير. وعبد الله بن عمر هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، والذين قال فيهم السيوطي في الألفية:

والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر

وأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِ

[ عن حفصة رضي الله عنها].

وهي أم المؤمنين، حفصة بنت عمر، وهنا عبد الله بن عمر يروي عن أخته حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها خرجه أصحاب الكتب الستة.

إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح

شرح حديث عمرو بن عبسة في إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح.

أخبرني الحسن بن إسماعيل بن سليمان، وأيوب بن محمد، قالا: حدثنا حجاج بن محمد قال أيوب: حدثنا، وقال حسن: أخبرني شعبة عن يعلى بن عطاء عن يزيد بن طلق عن عبد الرحمن بن البيلماني عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! من أسلم معك؟ قال: حر وعبد، قلت: هل من ساعة أقرب إلى الله عز وجل من أخرى؟ قال: نعم، جوف الليل الآخر، فصل ما بدا لك حتى تصلي الصبح، ثم انته حتى تطلع الشمس، وما دامت، وقال أيوب: فما دامت كأنها حجفة حتى تنتشر، ثم صل ما بدا لك حتى يقوم العمود على ظله، ثم انته حتى تزول الشمس، فإن جهنم تسجر نصف النهار، ثم صل ما بدا لك حتى تصلي العصر، ثم انته حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وتطلع بين قرني شيطان)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: (باب إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح)، هذه الترجمة المراد بها أن النهي الذي يكون بعد الصبح إنما يكون بالفراغ من الصلاة، وبالانتهاء من الصلاة، فإنه لا صلاة بعد الفجر حتى طلوع الشمس، معناه: إلى أن تصلى الفجر فإن الصلاة مباحة، لكن هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه ما كان يصلي بعد طلوع الفجر إلا ركعتين خفيفتين هما ركعتا الفجر، وقد أورد النسائي حديث عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه، أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في أول الإسلام وفي أول البعثة، فقال له: (من أسلم معك؟ قال: حر وعبد) الحر هو: أبو بكر والعبد هو: بلال، ثم إنه قال: (هل من ساعة هي أرجى)، يعني: يرجى فيها قبول الدعاء، قال: (نعم، جوف الليل الآخر).

قوله: (وصل ما بدا لك حتى تصلي الصبح)، معناه: أن الإنسان يصلي ما بدا له في جوف الليل إلى أن يصلي الصبح، والامتناع من الصلاة إنما يكون بعد صلاة الصبح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس)، أي: بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، ومن ذلك الوقت الذي هو آخر الليل إلى أن تصلى هو وقت إباحة، لكن بعد الأذان، أي: أذان الفجر، وبعد طلوع الفجر، فهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصلى إلا ركعتان، وهما ركعتا الفجر اللتان هما آكد السنن، وآكد الرواتب التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا المقطع من الحديث هو محل الشاهد للترجمة، إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح.

قوله: (ثم انته حتى تطلع الشمس، وما دامت).

أي: بعدما تصلي الصبح انته من الصلاة، وتوقف عن الصلاة إلى أن تطلع الشمس.

قوله: (وقال أيوب: وما دامت كأنها حجفة حتى تنتشر).

يعني: كأنها ترس، أي: أنها مستديرة يمكن رؤيتها، ليست قبل أن ينتشر شعاعها، وذلك في أول طلوعها، معناه: أنها إذا طلعت، ثم مضى وقت يسير بعد طلوعها وهي على هذه الهيئة التي يمكن رؤيتها، وهي مستديرة لم ينتشر شعاعها، ولم يظهر شعاعها بقوة، وهذا هو معنى أنه بعد طلوع الشمس ينتظر قليلاً حتى ترتفع قيد رمح، يعني: حتى ترتفع قليلاً، وينتهي هذا الوضع الذي هي عليه، بحيث أنها كالترس، تُرى أطرافها؛ لأنه لا شعاع لها في ذلك، بحيث يصعب معه رؤيتها، أي: أنها بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع وترتفع قليلاً.

قوله: (ثم صل ما بدا لك حتى).

أي: بعد ارتفاعها إلى الزوال الذي هو وقت صلاة الظهر، يصلي الإنسان ما بدا له في ذلك الوقت، لا مانع في هذا الوقت الذي هو الضحى من ارتفاع الشمس إلى الزوال، ثم إذا زالت الشمس وقام قائم الظهيرة، وصارت على الرءوس، يعني: في وسط النهار قبل أن ينكسر الفيء إلى جهة الشرق، عند ذلك يتوقف الإنسان عن الصلاة؛ لأنه وقت تسجر فيه جهنم.

قوله: (حتى يقوم العمود على ظله، ثم انته حتى تزول الشمس).

أي: ثم انته عن الصلاة حيث يكون العمود الواقف ليس له ظلال من جهة الشرق، فإذا وجد الظلال من جهة الشرق فعند ذلك ينتهي ذلك الوقت القصير الذي نهي عن الصلاة فيه، وقد جاء النهي في أحاديث أخرى، حديث عقبة بن عامر: (ثلاث ساعات نهانا رسول الله عليه الصلاة والسلام أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: عند طلوع الشمس، وعند قيامها، وعند غروبها).

قوله: (ثم صل ما بدا لك حتى تصلي العصر).

أي: ثم يصلي الإنسان ما بدا له بعد الزوال إلى أن يصلي العصر، وإذا صلى العصر جاء وقت النهي: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، فإذا صلاها انتهى عن الصلاة، وتوقف عن الصلاة إلى أن تغرب الشمس.

قوله: (ثم انته حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وتطلع بين قرني شيطان).

وذلك أنه يعترض الشيطان عند طلوعها وتظهر بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان، يريد من ذلك أن يسجد له الساجدون لها، وأن يعبده العابدون لها؛ لأن من يسجد للشمس وهي تطلع بين قرني شيطان، معناه أنه يعبد الشيطان، ويصلي للشيطان.

تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن عبسة في إباحة الصلاة حتى يصلي الصبح

قوله: [ أخبرني الحسن بن إسماعيل بن سليمان].

هو الحسن بن إسماعيل بن سليمان، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.

أيوب بن محمد].

وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .

[ قالا: حدثنا حجاج بن محمد].

هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ثم إن كلاً من الحسن بن إسماعيل، وأيوب بن محمد اختلف لفظ حجاج بن محمد الذي روى فيه عن شعبة، فقال أيوب بن محمد: حدثنا شعبة، والحسن يقول: أخبرنا، وأخبرنا وحدثنا عند بعض العلماء لا فرق بينهما، لكن المشهور التفريق بينهما بأن (حدثنا) فيما إذا سمع من لفظ الشيخ، و(أخبرنا) فيما إذا قرئ على الشيخ، فيعبرون بـ(أخبرنا) فيما إذا قرئ على الشيخ الذي يسمى العرض، و(حدثنا) فيما إذا كان الشيخ يقرأ وهم يسمعون، ومن العلماء من لا يفرق بين حدثنا وأخبرنا، ويجعل معناهما واحد.

ثم أيضاً الحسن يقول في روايته عن شعبة: أخبرني، وكلمة (أخبرني) تعني أن شعبة حدثه وحده ليس معه أحد عندما قال: أخبرني، أما رواية أيوب بن محمد فيقول: حدثنا، أي: أنه هو ومعه غيره، هذا هو الفرق بين حدثني وحدثنا، وأخبرني وأخبرنا؛ أن أخبرني أنه سمع من شيخه وحده ليس معه مشارك عند السماع من الشيخ، وأما إذا قال: (حدثنا) و(أخبرنا) فإنه ليس وحده، بل معه غيره.

[أخبرني شعبة].

هو ابن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة وقد مر ذكره قريباً.

[ عن يعلى بن عطاء].

يعلى بن عطاء ثقة، خرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، يعني: البخاري ما خرج له في الصحيح، وإنما خرج له في جزء القراءة خلف الإمام، فهو من رجاله في جزء القراءة، وليس من رجاله في الصحيح.

[ عن يزيد بن طلق].

يزيد بن طلق قال عنه الحافظ في التقريب: أنه مجهول، وقال عنه الدارقطني: يعتبر به، وأورده ابن حبان في الثقات.

[ عن عبد الرحمن بن البيلماني].

وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ضعيف.

[عن عمرو بن عبسة].

وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وله ثمانية وأربعون حديثاً، عند مسلم منها حديث واحد، وأما البخاري فليس في صحيحه رواية عن عمرو بن عبسة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورضي الله تعالى عنه وأرضاه.

وهذه الجهالة التي ذكرت في يزيد بن طلق، والضعف الذي ذكر في حق عبد الرحمن بن البيلماني لا يؤثر؛ لأنه لم يحصل التفرد، بل جاءت طرق أخرى تدل على ما دل عليه الحديث، ومن ذلك نفس حديث عمرو بن عبسة، سبق أن مر في رقم: (571) من طريق أخرى ورجاله ثقات، فتكون هذه الطريق التي في رواتها ضعف لم يكن معولاً عليها، ولم يأتِ الحديث من هذه الطريق فقط، بل قد جاء من طرق أخرى، فيدل على أن الحديث صحيح؛ لأنه ثابت من غير هذه الطريق، فتكون هذه الطريق هي مثل تلك الطرق التي ثبت فيها الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان الحديث ما جاء إلا من هذا الطريق، وحصل التفرد به من هذا الطريق ما ثبت، لكنه لما كان ثابتاً عن عمرو بن عبسة من طريق أخرى، فإن هذه الرواية يكون حكمها حكم الرواية السابقة.

إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة

شرح حديث: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة.

أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان سمعت من أبي الزبير أنه قال: سمعت عبد الله بن باباه يحدث عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)].

أورد النسائي: باب: إباحة الصلاة في الساعات كلها في مكة.

مكة كما هو معلوم حكمها حكم البلاد الأخرى، وما جاء من النهي عن الصلاة بعد العصر فإنه يشملها، وعن الصلاة بعد الفجر فإنه يشملها أيضاً، في كون الإنسان يقوم ويتنفل، لكن من دخل وطاف فإنه يصلي ركعتي الطواف في أي وقت طاف، ولو كان ذلك في الأوقات المنهي عنها، أما كون الإنسان يكون في المسجد الحرام، ثم يقوم ويتنفل بعد الفجر، فإن الأحاديث الأخرى تدل على المنع منه، ولكن هنا قال: طاف بالبيت وصلى، يعني: أنه يطوف ويصلي الصلاة التي هي سنة الطواف، أما كون الإنسان يتنفل ويصلي في وقت النهي، فإن الحكم يشمل مكة ويشمل غير مكة، وهذه الترجمة التي قيدها المصنف بالساعات كلها في مكة، والحديث: (لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)، يعني: أنه لا يمنع من دخول المسجد في أي وقت من الليل أو النهار الذي هو المسجد الحرام، ويكون المسجد مفتوحاً، ويدخله الناس في كل وقت وفي كل حين، ولا يمنع أحد من دخوله في أي وقت من الأوقات، وإذا دخل فإنه يصلي ركعتي الطواف، أو يصلي تحية المسجد على الخلاف في هل هي من ذوات الأسباب التي تستثنى من النهي أو لا تستثنى؟ لكن يستثنى من ذلك الذي هو الطواف والصلاة في حال الخطبة، وفي حال الصلاة، فإنه لا يطاف بالبيت في وقت الصلاة، ولا يصلى ويطاف في وقت الخطبة، وإنما من دخل فإنه يصلي ركعتين، ثم يجلس يستمع الخطبة، فهذا مستثنى من هذا العموم.

تراجم رجال إسناد حديث: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)

قوله: [ أخبرنا محمد بن منصور].

هو محمد بن منصور الجواز، وللنسائي شيخان، كلٌ منهما يقال له: محمد بن منصور، أحدهما مكي، والثاني كوفي، وقد سبق أن مر بنا في بعض الأسانيد في الرواية عن سفيان: محمد بن منصور المكي، نسبه النسائي فقال: المكي، فعين أن الذي يروي عن سفيان هو المكي؛ لأن سفيان بن عيينة مكي.

ومحمد بن منصور الذي هو الجواز مكي، ومحمد بن منصور الجواز المكي ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.

و سفيان هو ابن عيينة، وهو ثقة خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ سمعت من أبي الزبير].

هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي أيضاً، وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ سمعت عبد الله بن باباه].

وعبد الله بن باباه ثقة، روى له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن جبير بن مطعم].

هو جبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف، وروى هذا الحديث: يا بني عبد مناف! وهو من بني عبد مناف، وأولاد عبد مناف أربعة، هم: هاشم، والمطلب، وعبد شمس، ونوفل.

وجبير بن مطعم هذا النوفلي هو الذي جاء هو وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! إنك أعطيت بني المطلب، ونحن وإياهم أولاد عبد مناف، فقال: إنا وبنو المطلب شيء واحد)، يعني: أن بني المطلب بن عبد مناف هم الذين ساندوا بني هاشم، وهم الذين صاروا معهم عندما قاطعتهم قريش، فصاروا يُعطون من الخمس، ولا يعطون من الزكاة، فـعثمان بن عفان وهو من بني عبد شمس، وجبير بن مطعم وهو من بني نوفل، وعبد شمس ونوفل هما أخوان للمطلب ولـهاشم في نسب الرسول عليه الصلاة والسلام: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.

وأبوه مطعم هو الذي أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة، ودخل في جواره، ومنعه من أن يصل إليه إيذاء كفار قريش؛ لأنه أجاره فصار في جواره.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب المواقيت - (باب الرخصة في الصلاة قبل المغرب) إلى (باب إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net