إسلام ويب

الصلاة عبادة روحانية حيث توصل العبد بمولاه، فيعيش مع ربه بكل جوارحه؛ ولذلك شدد النبي صلى الله عليه وسلم في قطعها على صاحبها بالمرور بين يديه؛ لأن المرور بين يدي المصلي يقطع عليه اتصاله بربه، إلا أنه في بعض الأماكن رخص للضرورة كالصلاة خلف المقام، كما رخص في الصلاة خلف النائم.

التشديد بالمرور بين يدي المصلي وبين سترته

شرح حديث: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ التشديد بالمرور بين يدي المصلي وبين سترته.

أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي النضر عن بسر بن سعيد : ( أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم رضي الله عنه يسأله ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المار بين يدي المصلي؟ فقال أبو جهيم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه) ].

يقول النسائي رحمه الله: التشديد في المرور بين يدي المصلي وبين سترته.

المقصود من هذه الترجمة: بيان أن المرور بين يدي المصلي، سواء كان له سترة، بأن يمر بينه وبين سترته، أو ليس له سترة، بأن يمر بينه وبين موضع سجوده، أو قريب من موضع سجوده، فإن ذلك من الأمور الخطيرة، ومن الأمور التي ورد فيها تشديد، وورد فيها تحذير وترهيب، وقد أورد النسائي حديث أبي جهيم رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)، والحديث واضح الدلالة على ما ترجم له من التشديد في المرور؛ وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه)، يعني: من الإثم، و(من الإثم) هذه جاءت في بعض نسخ البخاري ، ولكن باقي النسخ الأخرى ليس فيها: (من الإثم)، وهو المقصود، المقصود أنه ماذا عليه، يعني: من الإثم، لكنها لم تأت ثابتة في الطرق المختلفة التي جاءت في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي معلومة وإن لم ينص عليها؛ لأن المقصود من ذلك بيان خطورة الموقف، والحال التي يكون عليها المار، وأنه يكون على خطر عظيم.

يقول عليه الصلاة والسلام: ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه )، يعني: لأن الإنسان عندما يريد أن يمر، أو يريد أن يتجاوز ويذهب إلى حاجته، لكن لو يعلم المار بين يديه، لكان وقوفه وامتناعه من المرور حتى ينتهي الإنسان من الصلاة، وحتى تنتهي تلك الصلاة التي يصليها ذلك الإنسان، لكان خيراً له من أن يمر، يعني: هذا الوقوف ولو طال مدة طويلة، يعني: ليس بمقدار الصلاة، بل لو وقف أربعين، وهذه الأربعين التمييز لم يذكر، ويحتمل أن يكون أربعين يوماً، ويحتمل أن يكون أربعين شهراً، ويحتمل أن يكون أربعين سنة، وهو لو كان أربعين دقيقة لكان شديداً، وعظيماً، فهذه المدة، يعني: هذا أمر خطير غير سهل، يعني: لو يعلم المار بين يديه ماذا عليه من الإثم، لكان وقوفه، وطول بقائه، وعدم مروره خيراً له من هذا المرور الذي يترتب عليه هذا الإثم، وهذا الأسلوب -أو هذا التعبير- يبين خطورة ذلك الأمر الذي لم يقع، ولكنه لو وقع لأدرك شدته، أي: هذا الوقوع.

ويشبه هذا قوله صلى الله عليه وسلم في بيان عظم حضور الصلاة، وعظم شأن صلاة الجماعة، وأن الذي يتخلف عن الصلاة لو يعلم ما فيها من الأجر لأتاها ولو حبواً، كما جاء في الحديث الصحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: ( ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً )، (لو يعلمون)، أي: المنافقين الذين يتخلفون عن صلاة العشاء، وصلاة الفجر (لو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، وهذا لو يعلم ما عليه من الإثم لوقف ولم يتجاوز، وأدرك أن وقوفه خيراً له من ذلك المرور الذي يترتب عليه ذلك الإثم العظيم.

(لو يعلم المار بين يدي المصلي)، يعني: سواء كان بينه وبين سترته إذا كان له سترة، أو بين يديه قريباً منه إذا لم يكن له سترة، (لكان أن يقف أربعين)، يعني: وقوفه أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة، أو أقل أو أكثر، خيراً له من أن يمر بين يديه، يعني: (خيراً) هذا هو خبر كان، لكان وقوفه وعدم مروره خيراً له من أن يمر بين يدي المصلي؛ لأنه يترتب عليه هذا الإثم العظيم، ولهذا النسائي ترجم بهذه الترجمة وهي التشديد، يعني: فيه تشديد.

ثم أيضاً: هذا يدل على أنه من الكبائر؛ لأن كونه يتوعد عليه بهذا الوعيد الشديد وأن الوقوف لمدة طويلة أسهل منه، وخير لمن يريد المرور من المرور، يعني: هذا يدل على خطورته وعلى شدة العذاب فيه، وأنه بهذه الصورة التي بينها الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ...)

قوله: [ أخبرنا قتيبة ].

قتيبة هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو: ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة التي حصل لها الشهرة، وحصل لها الانتشار؛ بسبب الأصحاب الذين عنوا بجمعها، وحفظها، وترتيبها، حصل لها -أي: لهذه المذاهب الأربعة- ما لم يحصل لغيرها من مذاهب العلماء الآخرين الذين هم في زمانهم، وقبل زمانهم، وبعد زمانهم من أهل الفقه، والاجتهاد، وأهل الجهود العظيمة في بيان المسائل الفقهية وأحكامها -وحديثه، أي: الإمام مالك رحمة الله عليه- أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي النضر ].

هو سالم بن أبي أمية المدني ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ بسر بن سعيد ].

هو بسر بن سعيد المدني ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

قوله: أن زيداً أرسله إلى أبي جهيم رضي الله عنه يسأله ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المار بين يدي المصلي؟ فقال أبو جهيم ... إلخ، يعني: الإسناد هو من رواية بسر عن أبي جهيم ، وزيد بن خالد ليس من الرواة هنا في الإسناد، ولكنه هو الذي أرسله ليسأل، فأجابه أبو جهيم بهذا الجواب الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذاً: فالإسناد هو عن بسر بن سعيد عن أبي جهيم ، وزيد بن خالد ليس من رجال الإسناد، وإنما كان هو السبب في كون بسر بن سعيد يأخذ ويتلقى من أبي جهيم هذا الحديث؛ لأنه أرسله يسأله، فأجابه أبو جهيم بهذا الجواب.

ومن المعلوم أنه رجع وأجابه؛ لأنه أرسله يسأل، يعني: ليخبره، لكن الإسناد الذي معنا هو من رواية بسر بن سعيد عن أبي جهيم ، وزيد بن خالد هو الجهني الصحابي المشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكما قلت: هو ليس من رجال الإسناد هنا، وأما أبو جهيم ، هو: ابن الحارث بن الصمة ، وهو صحابي، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

إذاً: فالإسناد رجاله كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة: قتيبة بن سعيد، ومالك بن أنس، وأبو النضر سالم بن أبي أمية المدني، وبسر بن سعيد المدني، وأبو جهيم الصحابي الذي روى الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

حرص الصحابة على تعلم الخير

وفعل زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه مع أبي جهيم وإرساله بسر بن سعيد ليسأله، هذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم من التتبع لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والحرص على معرفته، سواء تلقوه عنه عليه الصلاة والسلام مباشرة، أو تلقوه بواسطة من تلقاه، بحيث يروي بعضهم عن بعض، ويسأل بعضهم بعضاً، وهذا لأن الحديث يكون عند بعض الصحابة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث بالحديث في مجلس، فيحضر المجلس من لا يحضره.. يحضر المجلس بعض أصحابه ولا يحضره الكثير، فيكون هذا البعض الذي حضر أخذ هذا الحديث، والذي ما حضر ليس له علم إلا عن طريق هذا الذي حضر، وبواسطة هذا الذي حضر، ولهذا فإن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة، حتى يعرفوها أو حتى يعلموها من بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين هم دونهم في المنزلة؛ لأنهم حضروا مجلساً حدث الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وأولئك غابوا عن هذا المجلس الذي حدث فيه هذا الحديث، ولهذا فإنه لا غرابة في أن يكون الحديث عند بعض الصحابة الذين هم ليسوا أكثر ملازمة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يكونوا عند الملازمين له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث بالحديث في وقت من الأوقات، يكون من حضر علم، ومن لم يحضر لا علم له، إلا إذا وصل إليه عن طريق ذلك الذي علم، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، لما جاءته امرأة جدة تسأل ميراثها من ابن ابنها، فـأبو بكر ما كان عنده علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحكم، فقال: إنني ما علمت لك في كتاب الله شيء، وما علمت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم شيء، ولكن دعيني أسأل، فسأل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاءه من بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين عندهم علم، وقال: إنه أعطاها السدس، فـأبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وهو أفضل الأمة على الإطلاق ما كان يعلم هذه السنة؛ لأن السنة -كما هو معلوم- تحصل في مجلس من المجالس يعلمه من حضر، ولا يعلمه من لم يحضر، إلا إذا ظفر به عن طريق من حضر، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يتناوبون على مجلسه، يعني: يوفقون بين مصالحهم الدنيوية وأخذهم الحديث والعلم عنه عليه الصلاة والسلام، كما جاء في الصحيح عن عمر: أنه كان له جار يتناوب هو وإياه النزول، هذا ينزل يوماً وهذا ينزل يوماً، هذا ينزل يوم ويجلس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا رجع أخبره بالذي سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اليوم الثاني يبقى هذا الرجل وينزل عمر ، وإذا خرج أخبره بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجلسون لأعمالهم، ولطلب أرزقاهم في بعض الأوقات، ويتناوبون، ومن حضر أخبر من لم يحضر، وأبلغ من لم يحضر، وهذا الحديث في الصحيح، في قصة كون النبي صلى الله عليه وسلم غضب على نسائه، وآلى أن لا يدخل عليهن شهراً، والحديث المشهور الذي في الصحيحين عن عمر ، وجاء إليه، فلما جاء رفيقه قال: إنه حصل أمر خطير، ففزع عمر ، ثم جاء وسأل، وخشي أن يكون طلق نساءه، وجاء وتكلم على حفصة واشتد عليها، ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ( أطلقت نساءك يا رسول الله؟ قال: لا، فقال: الله أكبر )، يعني: فرح؛ لأنه ما حصل طلاق.

الحاصل: أن الحديث فيه إثبات التناوب، زيد بن خالد الجهني -الذي معنا في الإسناد- أيضاً جاء في صحيح مسلم أنه قال: كنا نتناوب رعاية الإبل، يعني: هذا عنده خمس، وهذا عنده عشر، وهذا عنده ثمان، وهذا عنده تسع، فبدلاً من كون كل واحد يرعى إبله، ويغيبون جميعاً، يجمعونها مع بعض، ثم يتناوبون على رعايتها.

قال زيد بن خالد : لما كانت نوبتي، يعني: اليوم الذي يسرح فيها، رجع مبكراً، يعني: لم يبلغ النهاية في آخر النهار، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يحدث الناس، يعني: في المسجد، فجلس، وسمع آخر الحديث، فسمع شيئاً أعجبه، يعني: فيه أجر وثواب، فقال: ما أحسن هذه، أو ما أجود هذه! يعني: يقوله زيد بن خالد، ما أجود هذه الفائدة التي فيها هذا الثواب، فسمعه عمر فقال: التي قبلها أجود، ثم أخبره بالحديث الذي كان غاب عنه، أي في المدة التي كان قبل أن يأتي، وهذا يتعلق بالأذان وما يقوله الإنسان كونه يتوضأ، ويذكر الله عز وجل، فالحديث في صحيح مسلم.

فالحاصل والمقصود من هذا أنهم كانوا يتناوبون، فـزيد بن خالد رضي الله عنه هنا أرسل بسر بن سعيد إلى أبي جهيم ليسأله عما عنده، أو ما يعلمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرور بين يدي المصلي، فقال أبو جهيم: سمعته وهذا الكلام يقوله لـبسر بن سعيد الذي جاء يسأل، ومن المعلوم أن بسر بن سعيد رجع وأخبر زيد بن خالد، لكن كما قلت: هذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم من حفظ السنة، والعناية بها، وتلقيها عمن أخذها من أصحابه، ولهذا الرسول عليه الصلاة والسلام رغب في تلقي الحديث عنه وبين عظم ذلك، حيث قال: ( نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )، فهذا فيه الترغيب في أخذ السنة، والترغيب في حفظها، والترغيب في بذلها؛ وأن بذلها ونشرها يترتب عليه المصالح الكبيرة، وهي: أنه قد يأخذه من يكون أعظم حفظاً، ويأخذه أيضاً من يكون أعظم فقهاً، فيفهم منها من الأحكام، ويفهم منها من أجوبة المسائل ما لا يفهمه الأول الذي أخذها: (نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).

شرح حديث: (إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله )].

أورد النسائي في هذا الباب حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله )، قوله: (فلا يدع أحداً يمر بين يديه)، هذا عام يشمل ما إذا كان عنده سترة، وما إذا كان ليس عنده سترة، لكنه يمر في حدود ما هو قريب منه يمنع، لا أن يتقدم خطوات، ويمنع المار إذا لم يكن له سترة، وإنما يمنع وهو في مكانه، أما أن يتقدم خطوات ليمنع، فليس من حقه أن يأخذ المسافة التي أمامه، المار إذا لم يكن هناك سترة يمر من بعد مقدار ثلاثة أذرع من موقف أو من قدم المصلي من بعد ثلاثة أذرع يمر، ولا يحجز المسافة التي أمامه إذا لم يكن له سترة، وإنما يترك مقدار ثلاثة أذرع، ثم يمر وراءها، ولا يضر، والمصلي لا يتقدم أي: لا يمشي خطوات من أجل أن يرد الناس، وإنما يبقى في مكانه، ومن كان قريباً منه مد يده ليرده.

(وإن أبى فليقاتله)، معناه: أنه يدفعه، وليس المقصود أنه يترك صلاته ثم يتصارع معه، وإنما يدفعه ولو كان بقوة، يعني: بمعنى أنه إذا كان عزم يدفعه بقوة، لا أن يلحق به ضرراً، وينشغل عن صلاته بمغالبته، ومضاربته أو مقاتلته، وإنما المقصود من ذلك مدافعته بقوة دون أن يلحق ضرراً.

( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه فإن أبى )، يعني: إذا رده أو نبهه فلم ينتبه، ثم أراد أن يذهب بقوة، لكن إن تجاوز يتركه يمشي، وإن لم يتجاوز فإنه يدفعه، فإن تجاوز فإنه يدعه، ولا شك أنه أدى ما عليه، وذاك ظفر بالإثم الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه ).

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً أن يمر بين يديه...)

قوله: [ أخبرنا قتيبة عن مالك ].

قتيبة عن مالك ، وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.

[ عن زيد بن أسلم ].

هو: المدني ، وهو: ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ].

هو: عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وهو: ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن أبي سعيد الخدري ].

وهو: سعد بن مالك بن سنان ، مشهور بكنيته أبو سعيد ، ومشهور بكنيته ونسبته الخدري ، سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخدري رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي مشهور، ومكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعهم السيوطي في قوله:

والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر

وأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِ

فـالخدري المقصود به أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.

الرخصة في المرور بين يدي المصلي

شرح حديث المطلب بن أبي وداعة: (رأيت رسول الله طاف بالبيت... وليس بينه وبين الطواف أحد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الرخصة في ذلك: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن كثير بن كثير عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعاً، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام، وليس بينه وبين الطواف أحد ) ].

أورد النسائي هذه الترجمة: الرخصة في ذلك، يعني: في المرور، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، والمرور بين يدي المصلي كما هو معلوم لا يجوز؛ لأنه ورد فيه وعيد، لكن الإنسان يمكنه بدل أن يمر، وبدل أن يقف إذا كان لا يريد أن يقف، يمكنه أن ينتقل من صف إلى صف، يعني: إذا كان إنسان يصلي في الصف، والآخر يمشي بين الصفوف، فبدلاً من أن يمشي بين الصفوف التي تكون أمام هذا المصلي، يعني: ينظر إلى الصف الذي وراءه فإذا كان خالياً -يوسع بين اثنين- فإنه ينتقل إلى الصف الثاني، ثم يمشي وهكذا، لكن إذا كان هناك ضرورة ملجئة للإنسان، ولا يجد سبيلاً، لا سيما إذا كان الإنسان مضطراً إلى قضاء الحاجة، وعدم مروره يؤدي به إلى أمر يصعب عليه، فإنه لا بأس؛ لأن هذه ضرورة.

كذلك في المسجد الحرام عندما يكون الناس في المطاف، ويكثر الطائفون، ويمتلئ المسجد، ويصلي عند المقام، ثم يكون الطائفون بين يديه، فإنه لا يمنع الطائفين، وفي هذه الحالة للضرورة لا بأس بذلك، وقد أورد النسائي في هذا حديث المطلب بن أبي وداعة السهمي : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت، وجاء وصلى بحذاء المقام في حاشيته، وليس بينه وبين الطواف أحد )، يعني: الناس يطوفون وليس بينه وبينهم أحد، يعني: معناه أنهم يطوفون بين يديه، هذا هو الحديث، والحديث تكلم فيه بعض أهل العلم، وضعفه الشيخ ناصر الألباني ، فرجاله ثقات إلا كثير بن المطلب فإنه قال عنه: مقبول.

تراجم رجال إسناد حديث المطلب بن أبي وداعة: (رأيت رسول الله طاف بالبيت... وليس بينه وبين الطواف أحد)

قوله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].

هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه ، المحدث، الفقيه، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.

[ أخبرنا عيسى بن يونس ].

وهو ابن أبي إسحاق السبيعي، حفيد أبي إسحاق السبيعي، عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو: ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو: ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ عن كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ].

وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة هذا ثقة، خرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، خرجوا لـكثير بن كثير الذي هو الحفيد؛ حفيد المطلب .

[ عن أبيه ].

كثير اسمه يوافق اسم أبيه كثير بن كثير ، وأما كثير بن المطلب فهذا قيل عنه: مقبول، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ؛ فالذين خرجوا له هم الذين خرجوا لابنه بدون البخاري .

[ عن جده ].

المطلب بن أبي وداعة ، وهو صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

الرخصة في الصلاة خلف النائم

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي من الليل وأنا راقدة معترضة بينه وبين القبلة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في الصلاة خلف النائم.

أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: أخبرني يحيى عن هشام قال: حدثنا أبي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا راقدة، معترضة بينه وبين القبلة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت ) ].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الرخصة في الصلاة خلف النائم، المقصود من ذلك: أن الصلاة خلف النائم صحيحة، وأنه لا بأس بها، وأورد في ذلك حديث عائشة الدال على هذه الترجمة، وهي أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل)، يعني: تطوعاً، (وأنا راقدة) بين يديه (معترضة)، يعني: ممتدة، رجلاها أمامه، (فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت)، فالنائم أو كونها نائمة مأخوذ من قوله: راقدة، ومن قولها: (أيقظني)، وأنا راقدة (فإذا أراد أن يوتر أيقظني) فهذا يفيد ما عقد له الترجمة، وهو الصلاة خلف النائم، أو وراء النائم.

والحديث واضح الدلالة؛ لأن عائشة رضي الله عنها، كانت في حجرتها، والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي وهي في قبلته معترضة نائمة، فإذا أراد أن يوتر أيقظها فأوترت، والحديث يدل على أن الصلاة خلف النائم لا بأس بها؛ لدلالة هذا الحديث عليها، وفي ذلك أيضاً تأكيد الوتر وتأكد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يوتر أيقظها لتوتر؛ لأن الوتر متأكد، بخلاف صلاة الليل، والوتر هو آكد النوافل، هو وركعتا الفجر، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يتركهما لا في حضرٍ ولا في سفر، الوتر وركعتا الفجر.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي من الليل وأنا راقدة معترضة بينه وبين القبلة ...)

قوله: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد ]، وهو: السرخسي اليشكري ، وهو: ثقة، مأمون، سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.

[ عن يحيى ].

هو ابن سعيد القطان، المحدث، الناقد، المعروف كلامه الكثير في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام ].

هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، وهو: ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبي ].

عروة بن الزبير بن العوام ، وهو: ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المعروفين في عصر التابعين الذين يأتي ذكرهم كثيراً في هذه الأسانيد.

[ عن عائشة ].

يروي عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق التي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

والله أعلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب القبلة - (باب التشديد في المرور بين يدي المصلي وبين سترته) إلى (باب الرخصة في الصلاة خلف النائم) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net