إسلام ويب

بيّن الشرع الحكيم وجوب قراءة سورة الفاتحة في كل ركعة من كل صلاة، وبطلان صلاة من لم يقرأها؛ لأنها ركن من أركان الصلاة، وفي هذا دلالة على عظم شأن الفاتحة، كما أنها أيضاً من النور الذي أوتيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يؤته أحدٌ من الأنبياء قبله.

ترك قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في فاتحة الكتاب

شرح حديث أبي هريرة في ترك قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في فاتحة الكتاب

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب.

أخبرنا قتيبة عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج.. هي خداج.. هي خداج غير تمام، فقلت: يا أبا هريرة، إني أحياناً أكون وراء الإمام؟ فغمز ذراعي وقال: اقرأ بها يا فارسي في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يقول الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا، يقول العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، يقول الله عز وجل: حمدني عبدي، يقول العبد: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، يقول الله عز وجل: أثنى علي عبدي، يقول العبد: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، يقول الله عز وجل: مجدني عبدي، يقول العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، فهذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، يقول العبد: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل)].

يقول النسائي رحمه الله: ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب.

هذه الترجمة أورد تحتها حديث أبي هريرة الحديث القدسي الذي فيه: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال: حمدني عبدي)، ولم يأت قبلها: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا هو وجه إيراد المصنف هذا الحديث تحت هذه الترجمة، لكن الحديث ليس بواضح الدلالة على الترك، وعلى أنها لا تقرأ بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن بسم الله الرحمن الرحيم هي آية، وهي قرآن، وقد أثبتها الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم في المصحف، وهم لا يثبتون شيئاً في المصحف وهو ليس من كتاب الله عز وجل، وإنما كل ما أثبتوه في داخل المصحف فإنما هو كلام الله عز وجل، ومن ذلك: بسم الله الرحمن الرحيم قبل الفاتحة، وقبل غيرها من سور القرآن، وإنما جعل المصنف يقول هذا؛ لأن هذا الحديث قال فيه: فإذا قال عبدي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، ولم يقل: بسم الله الرحمن الرحيم، وهذا لا يدل على أن بسم الله الرحمن الرحيم أنها لا تقرأ، وأنها ليست من القرآن، وإنما الحديث القدسي: يقول الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، فأتى بالشيء الذي اختصت به سورة الفاتحة، وأما بسم الله الرحمن الرحيم فإنها يؤتى بها في أول كل سورة، وهي من القرآن، ولكن ليس متفقاً على أن بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن، وفي ذلك خلاف بين أهل العلم، ولهذا لو لم يأت بهذا لا يقال: إن الصلاة لا تصح، وأنها تبطل، ولكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ بها كما جاء في الحديث الذي مر، سورة بسم الله الرحمن الرحيم، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، فجعلها من السورة، فهنا قال: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، يعني القراءة، فذكر الذي هو خاص بسورة الفاتحة، ولا يوجد في غيرها، أما بسم الله الرحمن الرحيم فإنها توجد فيها، وفي غيرها، وكل سورة من سور القرآن فأولها بسم الله الرحمن الرحيم إلا سورة براءة، فإنها خالية من كونه يأتي بين يديها بسم الله الرحمن الرحيم.

فإذاً: ليس في الحديث دليل على ترك القراءة؛ لأن الحديث جاء في بيان ما اختصت به سورة الفاتحة، ولا يوجد في غيرها، وهو ما بدئ بالحمد لله رب العالمين، وأما بسم الله الرحمن الرحيم فليس خاصاً بالفاتحة، بل فيها وفي غيرها، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما كانوا ليدخلوا في المصحف شيئاً ليس من القرآن، حاشهم من أن يحصل منهم ذلك رضي الله عنهم وأرضاهم، بل كل ما في المصحف فهو من القرآن، ولهذا سورة: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، لما قام من إغفاءته قال: أنزلت علي سورة: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] .. إلخ، وأتى في أولها ببسم الله الرحمن الرحيم، فكذلك بسم الله الرحمن الرحيم هي من الفاتحة، لكن الشيء الذي جاء في الحديث القدسي، ونص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي اختصت به الفاتحة.

والحديث يدل على عظم شأن الفاتحة، وعلى قراءتها في الصلاة، وأن قراءتها وصفت بأنها الصلاة، فلهذا: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي)، يعني: القراءة، فدل على أن الصلاة لابد فيها من هذه القراءة التي هي قراءة الفاتحة، كما أن فيها قراءة شيء آخر غير الفاتحة وهو: السورة، لكن المتعين واللازم هو سورة الفاتحة، ولهذا جاء فيها أحاديث تخصها، وهي التي ستأتي: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وهنا وصفت قراءة الفاتحة بأنها صلاة، وذلك لعظم شأنها، وتعين هذه القراءة فيها، وأن الصلاة لابد فيها من هذه القراءة التي هي قراءة الفاتحة.

قوله: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خداج، هي خداج، هي خداج غير تمام)].

هذه الجملة كررها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، (من صلى صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج) وتفسيرها غير تمام، أي: أنها ناقصة، ولما قال ذلك أبو هريرة لهذا الرجل الذي هو أبو السائب، قال: (إنني أحياناً أكون وراء الإمام، قال: فغمز في ذراعي وقال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي)، ثم تلا عليه الحديث القدسي الذي سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي يدل على أن الإنسان في قراءته للفاتحة يكون مثنياً على الله، ومعظماً له، وممجداً له، وسائلاً لحاجته ومطلوبه، وأن القراءة هي قراءة هذه الفاتحة، وهي على قسمين: قسم لله عز وجل، وقسم للعبد، قسم لله يعني ثناء عليه وتعظيم له، وقسم للعبد وهو طلب ورجاء من الله عز وجل، والله عز وجل يعطي عبده ما سأله.

قسمة الله سبحانه وتعالى الفاتحة بينه وبين عبده

قال: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني). أي: القراءة، قراءة الفاتحة، الصلاة هي خاصة بالله عز وجل، وكذلك قراءة القرآن يرجى ثوابه من الله عز وجل، لكن هذه القسمة المقصود بها أن الفاتحة مشتملة على شيء هو تعظيم لله، وعلى شيء هو طلب للعبد، وحاجة للعبد، وهو أحوج ما يكون إليها، وهي الهداية إلى الصراط المستقيم، ويسأل هذا الأمر العظيم الذي هو أحوج ما يكون إليه، والله تعالى يعطيه سؤله، فلهذا قال: (ولعبدي ما سأل).

فإذاً: هذا يدل على أهميتها، وعلى عظم شأنها، وأنه لا يفرط فيها، ولا تترك في أي ركعة من ركعات الصلاة؛ لأنها مشتركة، أو لأن هذه القراءة، أو هذه السورة ما جاء فيها مشترك بين العبد وبين ربه، ثناء على الله عز وجل، وتعظيم له في أولها، وطلب من العبد شيئاً من الله عز وجل هو أعظم ما يكون إليه حاجة، وحاجته إليه أعظم من حاجته إلى الشراب، والطعام، يعني: حاجته إلى الهداية إلى الصراط المستقيم؛ لأن الحاجة إلى الطعام، والشراب إقامة لهذا الجسد في هذه الحياة التي لابد أن تنتهي، وأما الهداية إلى الصراط المستقيم هي سبب للحياة الباقية في نعيم مقيم، وهي الهداية إلى الصراط المستقيم، فالعبد أحوج ما يكون إلى هذه الهداية أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب، ولهذا جاء في هذه السورة هذا الطلب، والعبد يقرؤها في كل ركعة من ركعات الصلاة، ويكررها، ويسأل الله عز وجل هذا المطلب الذي هو في أشد الحاجة إليه، وفي أمس الحاجة إليه، وهو الهداية إلى الصراط المستقيم.

ثم بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هذه القسمة بقوله: ( يقول العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، فيقول الله عز وجل: حمدني عبدي، فإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، قال: مجدني عبدي، فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قال: هذه بيني وبين عبدي )، يعني: أولها لله عز وجل وآخرها للعبد، (إياك نعبد) هي حق لله، (وإياك نستعين) هي للعبد، يعني: يطلب الإعانة، معناه أنه يسأل الإعانة من الله عز وجل، ولا يحصل شيئاً، ولا يدرك أمراً من الأمور التي يريدها ويقصدها إلا بمعونة الله عز وجل، ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال في الحديث الصحيح: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. ثم قال: احرص على ما ينفعك، ثم قال: واستعن بالله)، فالعبد يفعل الأسباب، ولكنه يعول على مسبب الأسباب، والاستعانة به سبحانه وتعالى، يجتهد في طلب حاجته من الطرق المشروعة، ولكنه لا يعول على الأسباب، وإنما يسأل مسبب الأسباب أن ينفع بتلك الأسباب، ولهذا قال: (واستعن بالله)، فلابد من الأمرين: أخذ بالأسباب، والاستعانة بالله، ولهذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، (إياك نعبد) هذه حق لله عز وجل، العبادة حق الله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، (وإياك نستعين)، يعني: نطلب العون، وأنت المستعان الذي تطلب منك الحوائج، ويطلب منك المطلوب، قال: (هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)، يعني: إياك نعبد لله، وإياك نستعين هذه للعبد، فهي مقسومة بين الله وبين العبد، هذه الآية نصفها الأول لله، وهو تابع لما تقدم، والنصف الثاني الذي هو: (إياك نستعين)، للعبد، وهو تابع لما وراءه؛ لأنه ما وراءه مطلوب العبد من ربه.

ثم قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، طلب الهداية إلى الصراط المستقيم يشتمل على طلب التثبيت على الهداية الحاصلة، والمزيد من الهداية، يعني: يطلب التثبيت على ما هو موجود، وطلب تحصيل هداية زائدة على ما هو موجود، يعني: والله عز وجل يزيد هدى إلى هدى، وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف:13]، يعني: يطلب التثبيت على ما هو موجود، وطلب المزيد، مزيد الهداية، ولا يقال: إنه قد اهتدى فكيف يطلب الهداية؟ فإنه من المهتدين، بل هو أحوج ما يكون إلى هذه الهداية؛ لأن الهداية إذا ما حصل التوفيق بثباتها تزول، وكذلك هو أيضاً بحاجة إلى المزيد من الهداية، الذي يزيده سمواً، ويزيده علواً، ويزيده رفعة عند الله عز وجل.

ومن المعلوم أن الناس يتفاوتون في درجاتهم، ومنازلهم، بتفاوتهم في الهداية، والناس ليسوا على حد سواء في الهداية، فهم متفاوتون فيها، ولهذا فالعبد عندما يسأل الله عز وجل الهداية يسأله التثبيت على ما هو موجود، والمزيد من الهداية، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6].

ثم بين أن هذا الصراط بصراط المنعم عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، ثم بعض العلماء استنبط من هذه الآية صحة إمامة أبي بكر الصديق وخلافته، وذلك أن الله عز وجل في هذه السورة قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، ومن المعلوم أن المنعم عليهم منهم الصديقون، وأبو بكر من الصديقين، والسؤال هو سؤال أن يهديه الله صراط المنعم عليهم، ومن المنعم عليهم أبو بكر الصديق؛ لأنه من الصديقين، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأبو بكر رضي الله عنه هو من الصديقين.

فإذاً يدل على أن إمامته إمامة حق، وأنه إمام هدى، وأنه من الصديقين الذين نسأل الله عز وجل أن يسلك بنا طريقهم، نسأله في كل ركعة من ركعات صلاتنا أن يسلك بنا طريق هؤلاء الذين ثبتوا على الصراط المستقيم، ومنهم الصديقون وفيهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا ذكره شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه في أضواء البيان عند سورة الفاتحة، وقال: إن هذه الآية دالة على صحة ولاية أبي بكر الصديق، وصحة خلافته؛ لأن المسلمين يسألون الله عز وجل أن يهديهم الصراط المستقيم الذي هو صراط المنعم عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وفيهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه.

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، يعني: يسأل الإنسان ربه أن يهديه صراط المنعم عليهم، وأن يحفظه من أن يقع في ما وقع فيه من حاد عن الصراط المستقيم، وهم المغضوب عليهم والضالون، والمغضوب عليهم هم: اليهود، والضالون هم: النصارى، وإن كان كل من النصارى مغضوب عليهم، واليهود ضالون، إلا أن اليهود غلب عليهم ذلك؛ لأنهم عرفوا الحق ولم يعملوا به، والنصارى غلب عليهم الضلال؛ لأنهم يعبدون الله على جهل وضلال، ولهذا يقول بعض السلف: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى. اليهود عرفوا الحق ولم يعملوا به، والنصارى يعبدون الله على جهل وضلال.

وهذا الحديث من الأحاديث القدسية التي ترجع الضمائر فيها إلى الله عز وجل، والتي هي كلامه سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن الأحاديث القدسية هي: كلام الله لفظاً ومعنى إذا تحقق بأن الحديث ما روي بالمعنى، أما إذا كان مروياً بالمعنى، أو دخلته الرواية بالمعنى فلا يصلح أن يقول: أنه لفظ الله، وأنه لفظه من الله عز وجل؛ لأنه من المعلوم أن الإنسان عندما يتقن المعنى ولا يتقن اللفظ، فإنه يرويه على ما قدر أن يرويه عليه، وإذا عجز عن اللفظ وقدر على المعنى يرويه بالمعنى، وهذا سائغ كما هو معروف في الأحاديث، لكن إذا تحقق وكان الحديث ما فيه رواية بمعنى، وجاء على هيئة واحدة، ولم تأت فيه روايات تدل على أنه مروي بالمعنى، فإن لفظه ومعناه من الله عز وجل، والضمائر فيه ترجع إلى الله، يقول: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين).

ثم الحديث كما قلت يدل على عظم شأن قراءة الفاتحة، وأنها وصفت بأنها الصلاة وهي جزء من الصلاة، فكل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي غير صلاة، غير صحيحة.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في ترك قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في فاتحة الكتاب

قوله: [أخبرنا قتيبة].

قتيبة، هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن مالك بن أنس].

إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، وهو: من أئمة أهل السنة وهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد.

وقد ذكرت مراراً أن هذه المذاهب ليست هي مذاهب أهل السنة وحدها، وأنه ليس هناك لأهل السنة شيء غير هذه المذاهب، بل هذه حصل لها عناية من أتباع لهؤلاء الأئمة عنوا بجمعها، وترتيبها، وتنظيمها، وهناك فقهاء مثل الأئمة الأربعة قبلهم، وبعدهم، وفي زمنهم، لكنهم ما حصل لهم ما حصل لهؤلاء الأئمة من وجود أصحاب يعنون بجمع أقوالهم والعناية بها.

ومن المعلوم أن الأئمة الأربعة أولهم أبو حنيفة، وكانت ولادته سنة ثمانين، وآخر الأئمة الأربعة الإمام أحمد، ووفاته سنة مائتين وإحدى وأربعين، وقبل أن يكون الأئمة الأربعة، وقبل أن يوجدوا، الذي كان الناس عليه قبل وجودهم هو الذي يجب أن يكون الناس عليه بعد وجودهم، وذلك أن هذا هو مقتضى وصاياهم، ومقتضى توجيهات هؤلاء الأئمة الأربعة، يوجهون هذه التوجيهات، بمعنى أنه يؤخذ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صح، ولا يؤخذ بقوله حيث يوجد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقابله، وهذا هو اللائق بالأئمة وبفضلهم وعملهم ونبلهم، أنهم يحثون على اتباع السنن، والأخذ بالحديث، وأنهم اجتهدوا، وهم لا يعدمون الأجر أو الأجرين في اجتهادهم، لكنهم يخطئون، ويصيبون، وليسوا بمعصومين، وهم مأجورون على كل حال، إن أصابوا وإن أخطأوا، إن أصابوا فلهم أجران على اجتهادهم وإصابتهم، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، لكن لا يجوز أن يقول أحد: إن الحق مع فلان، وأن الإنسان يتعبد الله بقول فلان، نعم من لا يستطيع أن يصل إلى الحق، وأن يعرفه بنفسه أو بسؤال من عنده علم، فإنه يدرس مذهب من المذاهب ويتعبد الله به، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لكن إذا كان الإنسان عنده قدرة على معرفة الحق بدليله، أو عنده من يسأله ويرجع إليه؛ فإن هذه هي الطريقة التي كان يفعلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من عنده علم أخذ به، ومن ليس عنده علم سأل غيره ممن عنده علم، وأخذ بما يفتيه به ذلك العالم من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الذي يجب أن يكون الناس عليه دائماً وأبداً.

ولا يعني هذا أن يتهاون الناس، وأن يتساهل الناس بكلام الأئمة، لا أبداً، طلب العلم بحاجة إلى كلام العلماء، والرجوع إلى فقههم، والاستفادة منهم، لكن إذا تبين الدليل فإن هذا هو مقتضى توجيهات الأئمة، ولهذا يقول ابن القيم رحمة الله عليه في كتاب الروح: إن الإنسان يرجع إلى كلام أهل العلم، ويستفيد من علمهم، ويستعين بهم في الوصول إلى الدليل، وإلى معرفة الحق، ولكن إذا وصل إلى الدليل ليس بحاجة إلى من يدله؛ لأن هذه هي الغاية المطلوبة، وهذه البغية المقصودة.

ثم ضرب لذلك مثلاً قال: فإن الإنسان عندما يكون في الفلاة يهتدي إلى القبلة عن طريق نجم، يعني يستطيع أن يهتدي إلى جهة القبلة بالنجوم، لكن إذا وصل الإنسان إلى القبلة، وصار عند الكعبة تحتها، هل يبحث في النجوم يبحث عن القبلة؟ القبلة أمامه ينظر إليها، فكذلك كلام العلماء يرجع الإنسان إلى كلامهم، لكن إذا وجد أن الدليل مع أحدهم، أو اهتدى إلى الدليل بواسطتهم، أو بواسطة أحدهم، أو بعضهم، فإنه يأخذ بالدليل؛ لأن هذا هو مقتضى توجيهات الأئمة، كل الأئمة الأربعة أوصوا بهذه الوصايا، وأرشدوا إلى هذا العمل الذي يعمله المسلم، وهو الأخذ بالدليل.

فكذلك العلماء ما دام الإنسان ما اتضح له الحق يستفيد من كلام العلماء، ويرجع لهم، لكن إذا وجد الدليل هو المطلوب وهو الغاية، وهو ما كان يريده الأئمة، والذي يعمل هذا هو الذي أخذ بتوجيهات الأئمة، والذي يستطيع أن يعرف الحق بدليله، أو يعرف الحق ولكنه يقول: أنا آخذ بكلام فلان؛ لأنه أعلم ولأنه لو كان الحديث موجود لما خفي عليه، فهذا من الغلو الذي لا يرضاه الأئمة، والذي وجه الأئمة إلى خلافه، ولهذا فإن الناس بالنسبة للأئمة بين إفراط وتفريط، من الناس من يجفو ويقول: نرجع إلى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، ولا ننظر إلى كلام العلماء، هذا جفاء، ومن الناس من يقول: نلتزم بكلام الأئمة ولا نخرج عنه، ولو كان فيه شيء لم يخف على الإمام، وما يخفى على الإمام من السنة شيء، وهذا غلو ومجاوزة للحدود، والحق هو تعظيمهم والثناء عليهم وتوقيرهم والأخذ بوصاياهم، والاستفادة من علمهم، لكن إذا اتضح الدليل فإن هذا هو الغاية المقصودة، والبغية المنشودة التي هم طلبوها، وأرشدوا إلى طلبها والوصول إليها.

والإمام [مالك] رحمه الله هو أحد هؤلاء الأئمة الأربعة، أصحاب المذاهب المشهورة من مذاهب أهل السنة، والإمام أحمد تلميذ للشافعي، والشافعي تلميذ لـمالك، يعني: ثلاثة من الأئمة الذي هم: مالك، والشافعي، وأحمد، وجاء في بعض الروايات وجودهم في إسناد واحد، في مسند الإمام أحمد حديث يرويه الإمام أحمد عن الإمام الشافعي، والإمام الشافعي يرويه عن الإمام مالك، وهو حديث: (نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة)، وقد أورد هذا الحديث ابن كثير في تفسير قول الله عز وجل: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169] في تفسير سورة آل عمران، وذكر هذا الحديث، وقال: هذا إسناد عزيز فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة يروي بعضهم عن بعض، الإمام أحمد يروي عن الشافعي، والشافعي يروي عن مالك، والإمام مالك حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن العلاء بن عبد الرحمن].

وهو الحرقي المدني، والحرقة من جهينة، وهو صدوق ربما وهم، خرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[أنه سمع أبا السائب].

هو المدني مولى بني زهرة، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

وأبو السائب مثل العلاء بن عبد الرحمن.

فإذا كان ذكره المزي في تهذيب الكمال فالمعتمد ما قاله المزي، البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، يعني: يكون مثل تلميذه الذي روى عنه، العلاء بن عبد الرحمن الحرقي المدني.

[سمعت أبا هريرة].

أبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديثه عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

إيجاب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة

شرح حديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [إيجاب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة.

أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي إيجاب قراءة الفاتحة في الصلاة، وأورد فيه حديث عبادة بن الصامت: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وهو واضح الدلالة على ذلك؛ لأنه قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، يعني: لا صحة للصلاة التي لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، وهو مطابق للترجمة، فالترجمة: إيجاب القراءة، والحديث يدل على أن الصلاة لا تعتبر صلاة حتى يكون قرئ فيها بفاتحة الكتاب، (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).

تراجم رجال إسناد حديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)

قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].

محمد بن منصور وهو الجواز المكي، وهو ثقة خرج حديثه النسائي، وقد سبق أن مر بنا أن محمد بن منصور من شيوخ النسائي اثنان: محمد بن منصور الطوسي، ومحمد بن منصور الذي هو الجواز المكي، وكل منهما روى عن السفيانين، إلا أنه إذا جاء محمد بن منصور يروي عن سفيان، فإنه يحمل على أنه المكي؛ لأن ابن عيينة مكي، وهذا الذي هو محمد بن منصور مكي، وإذا كان الأمر مشتبهاً، يعني: بين راويين فأكثر، فإنه يحمل على من يكون للراوي عنه خصوصية وملازمة، وكونه من أهل بلده، ومما يؤيد ذلك أن محمد بن منصور هو المكي، وأن سفيان بن عيينة هو الذي يروي عن الزهري، والحديث عن الزهري، والثوري ليس معروفاً في الرواية عن الزهري، بل قال الحافظ ابن حجر: إنه يروي عنه بواسطة، وأنه ما روى عنه مباشرة.

فإذاً: سفيان هو: ابن عيينة من جهة أنه مكي، ومحمد بن منصور مكي، ومن جهة أن ابن عيينة هو الذي معروف بالرواية عن الزهري، وسفيان بن عيينة، وهو ثقة، حجة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن الزهري].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، وهو إمام، جليل، ومحدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن محمود بن الربيع].

محمود بن الربيع، وهو من صغار الصحابة، صحابي صغير، وأكثر روايته عن الصحابة؛ لأنه صغير السن، وهو الذي قال: عقلت مجة مجها علي رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني معناه أنه صغير، يعني: يدرك هذا الذي حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فهو من صغار الصحابة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن عبادة بن الصامت الأنصاري] رضي الله عنه.

وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعداً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن معمر عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعداً)].

ثم أورد النسائي حديث عبادة بن الصامت من طريق أخرى وبلفظ: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعداً)، يعني: مع الفاتحة غيرها، وهذا لا يدل على وجوب قراءة شيء غير الفاتحة، أو على تعين شيء، وأنه لا تصح الصلاة لو لم يقرأ مع الفاتحة غيرها؛ لأنه ما جاء شيء مثلما جاء في الفاتحة، فممكن أن يكون المعنى: أنه أقل شيء فاتحة الكتاب، (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، يعني: أقل شيء يقرأ هو فاتحة الكتاب، ويضاف إليها ما يضاف مما تيسر من القرآن، لكن لو قرأ الإنسان بالفاتحة، ولم يقرأ بغيرها لا يقال: إن صلاته لا تصح، بل صلاته صحيحة، وإنما الفاتحة هي التي يقال فيها هذا: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، فليس معنى هذا أن من قرأ بفاتحة الكتاب فقط، ولم يقرأ معها شيء أن صلاته باطلة، بل إن قراءة الفاتحة هي أقل شيء، ويضاف إليها ما يضاف.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعداً)

قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].

سويد بن نصر وهو المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.

[أخبرنا عبد الله].

هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، جمعت فيه خصال الخير، هكذا قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن معمر].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت].

وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

فضل فاتحة الكتاب

شرح حديث: (... أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل فاتحة الكتاب.

أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو الأحوص عن عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل عليه السلام، إذ سمع نقيضاً فوقه، فرفع جبريل عليه السلام بصره إلى السماء فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط، قال: فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ حرفاً منهما إلا أعطيته)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: فضل فاتحة الكتاب، وأورد فيها حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي فيه: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان عنده جبريل فسمع نقيضاً من السماء، يعني: صوت، فرفع جبريل بصره فقال: هذا باب فتح من السماء لم يفتح قط قبل ذلك، فنزل منه ملك وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ).

ومحل الشاهد من ذلك كونه قال في آخره: (أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما أحد قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة) يعني: كونها وصفت بهذا الوصف، وأنها نور، ومن المعلوم أن القرآن كله نور، وقد وصف القرآن بأنه نور، ووصفت سورة الفاتحة بأنها نور، وخواتيم سورة البقرة وصفت بأنها نور، فهذا يدلنا على وصف القرآن كله، وبعضه بالنور، وهو في الحقيقة نور؛ لأنه نور يستضاء به في ظلمات الجهل، ويهتدى بهذا النور إلى الصراط المستقيم، ولا وصول إلى السعادة إلا عن طريق هذا الوحي الذي هو نور، وقد جاء في القرآن في سورة التغابن: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، وصف القرآن بأنه النور الذي أنزله الله على رسوله محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

والحديث يدل على فضل الفاتحة كما ترجم له المصنف، أيضاً يدل على أن الوحي لا يختص بنزوله جبريل، وأنه قد ينزل به بعض الملائكة الآخرين، كما جاء في هذا الحديث الذي جاء فيه أن هذا الملك نزل بهذه البشارة، وهي ما أوتيه عليه الصلاة والسلام من هذه السورة وخواتيم سورة البقرة، فيدل على أن بعض الملائكة قد ينزل بشيء من القرآن، وأن ذلك لا يختص بجبريل، وإن كان جبريل هو المعروف بأنه هو الملك الموكل بالوحي، إلا أن ذلك لا يختص به دائماً، بل قد يحصل من غيره أن ينزل بالوحي كما جاء في هذا الحديث الذي معنا.

تراجم رجال إسناد حديث: (... أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].

محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.

[حدثنا يحيى بن آدم].

يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، حافظ، فاضل، وهو صاحب كتاب الخراج، وحديثه أخرجه أ صحاب الكتب الستة.

[قال: حدثنا أبو الأحوص].

أبو الأحوص، وهو: سلام بن سليم، وهو ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عمار بن رزيق].

عمار بن رزيق، وهو لا بأس به، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .

[عن عبد الله بن عيسى].

عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، جده عبد الرحمن بن أبي ليلى المشهور الذي يروي عن الصحابة، الذي هو: محدث، فقيه، وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة فيه تشيع، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن سعيد بن جبير].

سعيد بن جبير، وهو محدث، فقيه، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

عن عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة في الصحبة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الافتتاح - (باب ترك قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في فاتحة الكتاب) إلى (باب فضل فاتحة الكتاب) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net