إسلام ويب

الواجب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به والإنصات لقراءته، باستثناء سورة الفاتحة؛ لأنها ركن من أركان الصلاة فتجب قراءتها على الإمام والمأموم والمنفرد.

ترك القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر به

شرح حديث عمران بن حصين في ترك القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر به

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر به.

أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى حدثنا شعبة عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فقرأ رجل خلفه: (سبح اسم ربك الأعلى) فلما صلى، قال: من قرأ (سبح اسم ربك الأعلى)؟ قال رجل: أنا، قال: قد علمت أن بعضكم قد خالجنيها)].

يقول النسائي رحمه الله: ترك القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر به. في الصلاة السرية، في غير الصلاة الجهرية، وأورد النسائي في هذا حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بهم صلاة الظهر، فقرأ رجل بـ(سبح اسم ربك الأعلى)، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته، قال: أيكم قرأ بـ(سبح اسم ربك الأعلى)؟ قال رجل من القوم: أنا، فقال: قد علمت أن بعضكم خالجنيها ) أي: نازعنيها، حصل منازعة في القراءة، ومن المعلوم أن هذا إنما حصل برفع صوته، أي: هذا الرجل، حصل منه رفع الصوت، هذا الذي فيه منازعة وفيه مخالجة.

والحديث ليس فيه دلالة على ما ترجم له النسائي من ترك القراءة، ولكنه ترك الجهر، الحديث يدل على أن الإنسان لا يجهر، ولا يظهر شيئاً من القراءة في الصلاة السرية، وليس فيه دلالة على ما ترجم له من أن المأموم يترك القراءة في الصلاة السرية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر، أو ذكر هذه المخالجة والمنازعة التي حصلت من ذلك الرجل، حيث سمع منه قراءة (سبح اسم ربك الأعلى) يقرأ لكن لا يجهر، لا يظهر منه صوت يشوش على الإمام ولا على المأمومين، وإنما يقرأ سراً في نفسه ولا يترك القراءة خلف الإمام، وعلى هذا فالقراءة خلف الإمام في الصلاة السرية، يقرأ الإمام الفاتحة والسورة، ولا يرفع صوته بالقراءة بحيث يشوش على أحد من الناس، سواء الإمام أو المأمومين.

تراجم رجال إسناد حديث عمران بن حصين في ترك القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر به

قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].

هو العنزي، كنيته أبو موسى ولقبه الزمن، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ووفاته سنة 252هـ وهو قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وهو يعتبر من صغار شيوخ البخاري الذين أدركهم وأدركهم من بعد البخاري، بخلاف الشيوخ الكبار الذين ما أدركهم من بعد البخاري، فهؤلاء كبار، أدركهم في آخر حياتهم وهو في أول حياته، وأما الذين أدركهم في معظم حياته، ووفاتهم قريبة من وفاته، فهؤلاء يعتبرون من صغار شيوخه الذين أدركهم من بعده.

[حدثنا يحيى].

وهو ابن سعيد القطان المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، المعروف كلامه الكثير في الرجال في نقدهم وتوثيقهم وتجريحهم، وهو الذي سبق أن ذكرت عن الذهبي كلمة عنه وعن ابن مهدي أنه قال: إذا اجتمع يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه. أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا شعبة].

وهو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، أمير المؤمنين في الحديث، وهو وصف عال رفيع من أرفع صيغ التعديل، وأعلى صيغ التعديل، وهو الوصف بأمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن قتادة].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن زرارة].

هو زرارة بن أوفى العامري البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكان ثقة عابداً، وكان قاضياً في البصرة، وكان يصلي بالناس الصبح، ففي يوم من الأيام قرأ بهم في سورة المدثر، فلما جاء عند قوله: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ [المدثر:8-9]، شهق شهقة ثم سقط ومات وهو في صلاته عندما قرأ هذه الآية، وقد ذكر هذا ابن كثير عند تفسير هذه الآية في سورة المدثر، وذكر هذا غيره، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: مات فجأة في الصلاة.

[عن عمران بن حصين].

هو عمران بن حصين الصحابي المشهور، أبو نجيد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

وهذا الإسناد: محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة بن الحجاج عن قتادة بن دعامة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين، ستة كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، وكلهم بصريون إلا عمران، لا أدري هل هو بصري أم لا؟ محمد بن المثنى بصري، ويحيى بن سعيد القطان بصري، وشعبة بن الحجاج واسطي، ثم بصري، وقتادة بصري، وزرارة بن أوفى بصري، وعمران بن حصين لا أدري.

فإذا صح أنه مات في البصرة فهو بصري، وإذاً هذا إسناد مسلسل بالبصريين، رجاله بصريون.

شرح حديث عمران بن حصين في ترك القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر به من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الظهر أو العصر ورجل يقرأ خلفه، فلما انصرف قال: أيكم قرأ بسبح اسم ربك الأعلى؟ فقال رجل من القوم: أنا، ولم أُرد بها إلا الخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد عرفت أن بعضكم قد خالجنيها)].

أورد النسائي حديث عمران بن حصين من طريق أخرى، وهو بمعنى وبلفظ الحديث المتقدم، وفيه اعتذار الصحابي الذي قرأ بـ(سبح) قال: أنا، وما أردت إلا الخير، وهو دال على ما دل عليه الذي قبله، وكما قلت: هو لا يدل على ترك القراءة في الصلاة السرية من المأموم، وإنما يدل على ترك الجهر، وعلى أن المأموم لا يجهر؛ لأنه لو جهر يشوش على المأمومين وعلى الإمام، فالصلاة السرية لا يجهر بها لا من الإمام ولا من المأموم، لكن الإمام إذا سمع منه قراءة جزء من الآية في بعض الأحيان، لا بأس بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يقرأ، أو يسمع منه جزءاً من الآية، فيعرفون السورة التي يقرأ بها في الصلاة السرية، لكونهم سمعوا منه بعض آية، فكان يظهر صوته أحياناً في بعض الآيات أو في بعض آية، يسمعهم إياها فيعلمون ما يجهر به، أو ما يقرأ به السورة التي يقرأ بها.

تراجم رجال إسناد حديث عمران بن حصين في ترك القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر به من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا قتيبة].

هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا أبو عوانة].

وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وذكرت فيما مضى أن (أبا عوانة) كنية اشتهر بها الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو من طبقة شيوخ البخاري ومسلم، وممن اشتهر بكنية (أبي عوانة) رجل متأخر، هو صاحب المستخرج على صحيح مسلم الذي يقال له: كتاب المستخرج، ويقال له: الصحيح، ويقال له: المسند، فذاك متأخر وهذا متقدم.

[عن قتادة عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين].

وهؤلاء تقدم ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به

شرح حديث أبي هريرة في ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به.

أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفاً؟ قال رجل: نعم يا رسول الله، قال: إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة من الصلاة حين سمعوا ذلك)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به. يعني: ترك المأموم القراءة خلف الإمام فيما جهر به الإمام، وأورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة -يعني: صلاة جهرية- فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفاً؟ فقال رجل: أنا. فقال: إني أقول مالي أنازع القرآن. فانتهى الناس عن القراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله عليه الصلاة والسلام )، وهذا يدل على أن المأموم لا يقرأ وراء الإمام فيما جهر به، يعني: قراءة السورة، أما قراءة الفاتحة فإنه يقرؤها؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على استثنائها، حيث قال: (لا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وأما غيرها فهو الذي يمنع منه، وهو الذي لا يجوز للإنسان أن يقرأ خلف الإمام، في الجهرية طبعاً، المأموم يقرأ السورة والفاتحة في الصلاة السرية، وأما في الجهرية فيقرأ الفاتحة فقط ولا يقرأ السورة، بل يستمع لقراءة الإمام.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به

قوله: [أخبرنا قتيبة].

وقد مر ذكره.

[عن مالك].

وهو إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة؛ مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن شهاب].

وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، ينتهي نسبه إلى جده زهرة بن كلاب أخو قصي بن كلاب، وهو إمام محدث فقيه، وإمام جليل، وهو من صغار التابعين، روى عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز بجمع السنة وتدوينها، وقال فيه السيوطي في الألفية:

أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمر

[عن ابن أكيمة الليثي].

وهو عمارة بن أكيمة الليثي، وهو ثقة، صدوق، خرج حديثه مسلم والأربعة، وهو ثقة في التقريب.

وهناك ابن أكيمة آخرون أيضاً من أولاد هذا، لكن هذا هو عمارة بن أكيمة، ثقة، خرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن أبي هريرة].

وهو عبد الرحمن بن صخر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

قراءة أم القرآن خلف الإمام فيما جهر به الإمام

شرح حديث: (لا يقرأن أحد منكم إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قراءة أم القرآن خلف الإمام فيما جهر به الإمام.

أخبرنا هشام بن عمار عن صدقة عن زيد بن واقد عن حرام بن حكيم عن نافع بن محمود بن ربيعة عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة فقال: لا يقرأن أحد منكم إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن)].

أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: (قراءة أم القرآن خلف الإمام فيما جهر به الإمام) وهذه الترجمة تعتبر استثناء من الترجمة السابقة؛ لأن الترجمة السابقة ترك القراءة، وهي مطلقة، وهنا القراءة بأم القرآن، يعني: ترك القراءة في غير أم القرآن، أما أم القرآن فإنه يُقرأ بها وراء الإمام سراً، وقد مر بنا حديث أبي هريرة الذي قال فيه للرجل الذي سأله قال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي. وذلك عندما ذكر حديث: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين...) قال: اقرأ بها في نفسك. فهناك استدل بها أبو هريرة على أن الإنسان يقرأ بها في نفسه؛ لأن الله تعالى يقول: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين)، وذكر ما يخص الله وما يخص العبد، فـأبو هريرة استدل بذاك الحديث على قراءة الفاتحة سراً وراء الإمام، وذلك أن الصلاة قسمت بين الله وبين العبد قسمين، فيحافظ عليها.

ثم أيضاً ما جاء في الحديث من استثناء قراءة الفاتحة وراء الإمام: (لا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب).

قوله: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة، فقال: لا يقرأن أحد منكم إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن)، جاء في بعض الروايات قال: (ما لي أنازع القراءة؟ فلا تقرءوا وراء إمامكم إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)، وهذا يدلنا على استثناء قراءة الفاتحة، وأن المأموم يقرأ بها في السرية والجهرية، وفي السرية يقرأ معها سورة، وفي الجهرية لا يقرأ معها شيئاً، وهذا هو الذي رجحه الإمام البخاري وكثير من المحدثين، على أن قراءة الفاتحة تلزم المأموم في الصلوات كلها سريها وجهريها، وإنما الذي يمنع من قراءته في الجهرية هو قراءة ما عدا الفاتحة؛ لأن ذلك داخل في قوله: (لا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب)، وأيضاً داخل في قوله: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]، وهذه الآية المراد بها في الصلاة، ومعنى هذا أن غير الفاتحة لا يقرأ المأموم وراء الإمام شيئاً بل يسمع، وأما الفاتحة فإنه يقرأ بها ولو كان الإمام يقرأ.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يقرأن أحد منكم إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن)

قوله: [أخبرنا هشام بن عمار].

هو هشام بن عمار الدمشقي، وهو صدوق، خرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن صدقة].

هو صدقة بن خالد الدمشقي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .

[عن زيد بن واقد].

وهو -أيضاً- ثقة، خرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. مثل الذي قبله تماماً، وهو دمشقي أيضاً.

[عن حرام بن حكيم].

وهو دمشقي أيضاً، وهو ثقة خرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن نافع بن محمود بن ربيعة].

قال عنه الحافظ: إنه مشهور، خرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأبو داود، والنسائي. و(مشهور) معناها مجهول الحال، يعني: حاله مجهول الحال، والحديث ثبت من طرق أخرى، وبعض العلماء قال: إنه منسوخ، يعني: أن قراءة المأموم الفاتحة وراء الإمام منسوخ بالحديث الذي قال: (فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام)، لكن هذا لا يدل على النسخ، وإنما انتهوا عن الشيء الذي هو خارج عن الفاتحة، وأما الفاتحة فإن الاستثناء جاء فيها، وجاء ما يخصها.

قوله: [عن عبادة بن الصامت].

هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

تأويل قوله عز وجل: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)

شرح حديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [تأويل قوله عز وجل: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].

أخبرنا الجارود بن معاذ الترمذي حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تأويل قول الله عز وجل: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]. وأورد تحت ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي يقول فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد)، ومحل الشاهد منه قوله: (وإذا قرأ فأنصتوا)، والمقصود من قوله: (تأويل) أن هذا محمول على أنه في الصلاة؛ أن قوله: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]، على أنه في الصلاة، وأنه يجب على المأموم إذا قرأ الإمام في الصلاة الجهرية أن يستمع، ولا يقرأ إلا بفاتحة الكتاب، وأما في غير الصلاة، فإذا كان في مجلس يقرأ فيه القرآن، فلا يتشاغل عن القرآن بحديث أو بكلام، والتشاغل عن القرآن مع وجوده عمل غير طيب، فإذا كان -مثلاً- عند الإنسان مسجل فلا يفتحه والقرآن يقرأ ويسمع القرآن وهو متشاغل عنه، بل يغلقه ويتحدث بما شاء، أما كون القرآن يسمع والقراءة مرتفعة والصوت يسمع، ثم يتشاغل الإنسان عنه، فهذا عمل غير حسن، لكن العلماء قالوا: إن هذه الآية محمولة على أن المراد بها القراءة في الصلاة، فلهذا أورد النسائي هذه الترجمة، وأورد الحديث تحتها تفسيراً لها، يعني: أن القراءة إنما هي في الصلاة: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].

تراجم رجال إسناد حديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا...)

قوله: [أخبرني الجارود بن معاذ الترمذي].

وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.

[حدثنا أبو خالد الأحمر].

هو سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر، وهو ثقة، وهو صدوق يخطئ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن محمد بن عجلان].

وهو صدوق، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن زيد بن أسلم].

وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي صالح].

وهو ذكوان السمان، اسمه ذكوان ولقبه السمان، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي هريرة رضي الله عنه].

وقد مر ذكره.

شرح حديث: (إنما الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا...) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا محمد بن سعد الأنصاري حدثني محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا)، قال أبو عبد الرحمن: كان المخرمي يقول: هو ثقة، يعني: محمد بن سعد الأنصاري].

أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه: (إنما الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا)، والمقصود منه: وإذا قرأ فأنصتوا، فهو دال على ما دلت عليه الرواية السابقة من إنصات المأموم وراء الإمام، ولكن ذلك في غير الفاتحة، أما الفاتحة فإن المأموم يقرأ بها، ثم قال النسائي: قال المخرمي وهو: محمد بن عبد الله بن المبارك: إنه ثقة، يعني: محمد بن سعد الأنصاري شيخه، يعني شيخ المخرمي، فـالمخرمي يحكي عن شيخه، ويصفه بأنه ثقة.

تراجم رجال إسناد حديث: (إنما الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا...) من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].

هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي البغدادي، وهو ثقة حافظ، خرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.

[حدثنا محمد بن سعد الأنصاري].

وهو صدوق، قال الحافظ عنه: أنه صدوق، والمخرمي -تلميذه- يقول عنه: أنه ثقة كما ذكر النسائي هنا، وحديثه أخرجه النسائي وحده.

[حدثني محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة].

وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

الأسئلة

حكم من رأى المني عند وضوئه لصلاة الضحى بعد اغتساله عند صلاة الصبح من الجنابة

السؤال: إذا احتلم الرجل ثم اغتسل للصبح ونام أو لم ينم، ثم عند وضوئه لصلاة الضحى وجد ماء، فهل يعيد الاغتسال؟ وما حكم صلاة الصبح؟

الجواب: ما دام أنه اغتسل لصلاة الصبح، ثم بعد ذلك نام بعد صلاة الصبح ووجد ماء بعدما قام، فهذا لا علاقة له بصلاة الصبح، يعني كان عنده جنابة واغتسل لها، ثم بعدما صلى الصبح نام، ولما استيقظ وإذا ثوبه فيه بلل، فإنه يغتسل لهذا الذي رآه في منامه، أو الذي حصل له في منامه، وأما صلاة الصبح فقد انتهت، والغسل قد حصل لها، وهذا إنما حصل في النوم.

الحكم على الحديث الوارد في غمز الشيطان للمولود

السؤال: ما صحة الحديث الذي فيه (أن المولود عندما يولد يغمزه الشيطان في آخر السرة، أو في آخر أضلاعه)؟

الجواب: الحديث ثابت في الصحيح، يعني: كونه يغمز- يطعن فيه- فيصرخ، هذا ثابت في الصحيح، وأظنه في الصحيحين أو في أحدهما.

القائل لعبارة: (فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه الرسول)

السؤال: ورد في الرواية: (قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة من الصلاة حين سمعوا ذلك). بعض أهل العلم قال: أن قوله: (قال) يعود على الزهري، وقال بعضهم: عائد إلى أبي هريرة، فما هو الصحيح؟

الجواب: لا أدري، لكنه لا شك أنه كلام أحد الرواة، لكن هذا إخبار بالواقع، لكن كما هو معلوم الانتهاء عن الشيء الذي ينتهى عنه، أما قراءة الفاتحة فالرسول صلى الله عليه وسلم استثناها، فقال: يقرأ بها ولو كان الإمام في الصلاة الجهرية؛ لأنه ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، وأبو هريرة قال للرجل الذي سأله: اقرأ بها في نفسك يا فارسي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين ).

حكم الأخذ برخص السفر في حق من يخرج مسافة مائة كيلومتر

السؤال: هناك بعض طلبة العلم يخرجون إلى بعض القرى المجاورة للمدينة، والتي تبعد مائة كيلو وأكثر، فهل هم في حكم المسافرين؟

الجواب: نعم، من خرج إلى مكان يبعد مائة كيلومتر فهو في حكم المسافر بلا شك.

مداخلة: وهل يخطبون يوم الجمعة؟

الشيخ: ما فيه بأس، ما دامت المسافة مائة كيلو فهم في سفر، سواء سيخطب أو لأي حاجة أخرى.

حكم الأخذ من اللحية ما جاوز القبضة استناداً إلى فعل ابن عمر

السؤال: هل يجوز تقصير اللحية مقدار قبضة في اليد بدليل أثر ابن عمر رضي الله عنه؟

الجواب: لا يجوز أخذ شيء من اللحية، والدليل على هذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يتعين على الناس اتباعه، والرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يأخذ من لحيته شيئاً.

مداخلة: هل ثبت عن ابن عمر هذا الفعل؟

الشيخ: نعم، جاء عنه ولكنه في النسك، فكان في النسك يأخذ ما زاد عن القبضة، يقبض على لحيته بيده وما خرج عن يده أخذه، وكان هذا عند الانتهاء من النسك، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء عنه هذا، لا في النسك ولا في غيره.

ضابط قبول الحديث الذي في سنده (مقبول الحديث) أو من قيل فيه: (لا بأس به)

السؤال: هل الحديث الذي في سنده (مقبول الحديث) أو (صدوق) أو (لا بأس به) يقبل إذا لم يكن له شاهد يقويه؟

الجواب: نعم الصدوق يقبل، وأما الذي هو مقبول فهذا يحتاج إلى من يعضده ويساعده.

كيفية معرفة أحوال رجال السند عند المتقدمين ممن صنف في علم الجرح والتعديل وأحوال الرجال

السؤال: كيف عرف أول من دون أحوال رواة الحديث؟

الجواب: عرف عن طريق الرجال، يعني: إن كان يتحدث عن إنسان يعرفه يقول: هو كذا وكذا، وإن كان بواسطة يقول: قال فلان، حدثني فلان قال: فلان ثقة، وهذا موجود في بعض الكتب التي تعنى بالأسانيد، مثل الخطيب البغدادي في كتابه تاريخ بغداد، عندما يذكر التوثيق يقول: حدثني فلان، قال: حدثني فلان، قال: حدثني فلان، قال: فلان ثقة، إسناد ينتهي بأن يقال: (قال: فلان ثقة)، أو (قال: فلان ضعيف)، أو (قال: فلان فيه كذا)، فإذا كان ممن أدركه يقول: فلان كذا - يعني يعرفه - مثلما قال النسائي : كان المخرمي يقول: محمد بن سعد الأنصاري ثقة؛ لأنه شيخه، يعني: يخبر عن شيخه بأنه ثقة، يعني إخباراً عن معرفة وعن مشاهدة ومعاينة، وإذا كان ما أدركه يقول: قال فلان كذا، مثلما قال النسائي عن المخرمي؛ لأنه يروي عن المخرمي أن محمد بن سعد الأنصاري وهو شيخ المخرمي أنه ثقة، فمن كان مدركاً إياه يعرف حاله، ويتكلم عن المشاهدة والمعاينة، وإذا ما كان أدركه يروي بالإسناد، وأحياناً يكون الإسناد الذي حصل فيه التضعيف ما هو صحيح، يعني: في الطريق من هو ضعيف لا يحتج بروايته لو جاء عنه الحديث، فكذلك لا يحتج بروايته فيما جاء في التضعيف أو التوثيق.

ما يدل عليه حديث: (من عصى الله في الإسلام أخذ بالأول والثاني)

السؤال: الحديث: ( من عصى الله في الإسلام أخذ بالأول والثاني )، يدل على أنه من تاب من الذنوب الماضية ثم عاد إليها أنه يؤاخذ بالذنوب الماضية التي تاب منها والذنوب الجديدة، أم أنه يؤاخذ بالذنوب الجديدة كما رجح ابن كثير المؤاخذة بالذي تاب منها؟

الجواب: من المعلوم أن الكافر إذا أسلم فالإسلام في حقه يجب ما قبله، هكذا جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لما جاء عمرو بن العاص رضي الله عنه ليبايع مد يده للرسول صلى الله عليه وسلم فمد الرسول يده، فقبضها عمرو فقال: ( لماذا يا عمرو؟ فقال: أردت أن أشترط، قال: وماذا تشترط؟ قال: أن يغفر لي، قال: أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، والهجرة تهدم ما كان قبلها، والحج يهدم ما كان قبله )، هكذا جاء الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويقول الله عز وجل: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، فالإسلام يهدم ما كان قبله من الذنوب والمعاصي، الشرك وغير الشرك، لكن إذا عمل الإنسان سيئة في الإسلام فإنه يؤاخذ بها.

الجمع بين حديثي: (من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج)، و(من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة)

السؤال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج )، وقال: ( من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة )، فهل يجمع بين هذين الحديثين بأن لا يقرأ المأموم في الصلاة الجهرية؟

الجواب: صلاته خداج، يعني: غير تمام، لكن أبا هريرة رضي الله عنه استدل على القراءة بحديث القسمة، قال: اقرأ بها يا فارسي في نفسك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين )، يعني أنك تقرأ بها، وتأتي بنصيبك الذي هو في آخرها الدعاء، وفي أولها الثناء على الله عز وجل، لكن قالوا في الجمع بين هذا الحديث وبين حديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ): إن من كان له إمام فقراءته قراءة له، فيكون المأموم ليس عليه قراءة، لكن فيما يتعلق بالفاتحة فعليه قراءتها؛ لأنه جاء حديث يخصها، وأن المأموم يستمع لغير الفاتحة، وأما الفاتحة فإنه عليه أن يقرأ وإن كان الإمام يقرأ، فقوله: ( من كان له إمام فقراءته قراءة له )، المراد منه أنه لا يحتاج إلى أن يقرأ غير الفاتحة، أما الفاتحة فقد جاء حديث يخصها وأنه يقرأ بها، لكن غيرها من القرآن التي هي السورة وهي القراءة الطويلة والكثيرة، فهذه تكفي قراءة الإمام وهي قراءة عن المأمومين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الافتتاح - (باب ترك القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر فيه) إلى (باب تأويل قوله عز وجل: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) ) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net