إسلام ويب

بين الشرع الحكيم لمن نسي شيئاً من صلاته أنه يسجد سجدتين للسهو ويكبر فيها أربع تكبيرات خفضاً ورفعاً، ثم بين صفة الجلوس في التشهد الأوسط والأخير، وبين وضع المرفقين والذراعين في حال الجلوس للتشهد في الصلاة.

ما يفعل من نسي شيئاً من صلاته

شرح حديث: (من نسي شيئاً من صلاته فليسجد ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يفعل من نسي شيئاً من صلاته.

أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا شعيب بن الليث حدثنا الليث عن محمد بن عجلان عن محمد بن يوسف مولى عثمان عن أبيه يوسف: (أن معاوية رضي الله عنه صلى أمامهم فقام في الصلاة وعليه جلوس، فسبح الناس فتم على قيامه، ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد أن أتم الصلاة، ثم قعد على المنبر فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نسي شيئاً من صلاته، فليسجد مثل هاتين السجدتين)].

المقصود من هذه الترجمة: أن من نسي شيئاً من صلاته، فإنه يسجد للسهو، أي: الذي يفعله أنه يسجد للسهو، وليس كل ما ينسى يجبر بسجود السهو، وإنما يكون ذلك في بعض الأعمال مثل: حصول نسيان أو شك أو مثل من ترك التشهد الأول، وقام للركعة الثالثة، ولم يجلس للتشهد الأول حتى دخل بها وبدأ بها فإنه يجبره بسجود السهو، وأما الأشياء التي لا بد منها كالأركان، وهي مثل: نسيان سجدة، أو نسيان ركوع، أو ما إلى ذلك من الأشياء التي هي أركان فهذه لا يجبرها سجود السهو، بل لا بد من الإتيان بها، وإذا فرغ من الصلاة، وتبين أنه ترك سجدة، أو ترك ركوعاً فإنه يأتي بركعة كاملة، ولا يكفي سجود السهو عن ترك الأركان، وإنما يكفي عن الأشياء التي دون ذلك، فهذه الترجمة وهي قوله: ما يفعله من نسي شيئاً في صلاته، أي: أنه يسجد، هذا المراد به ما عدا الأركان التي لا يجزئ أو لا يجبرها شيء، بل لا بد من الإتيان بها.

وأورد النسائي حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، أنه صلى بالناس فقام عن الجلوس في التشهد الأول، فنبهوه فاستمر في صلاته، ولما فرغ من صلاته سجد سجدتين، ثم إنه صعد على المنبر وأخبرهم بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن من نسي شيئاً من صلاته فيسجد مثل هاتين السجدتين اللتين سجدهما، وكلمة (يفرغ من صلاته) ليس فيه تحديد موضع السجود، والفراغ يمكن أن يكون بحيث لم يبق إلا التسليم، ويمكن أن يكون بعد التسليم، لكن سجود السهو عن ترك التشهد الأول، جاء موضحاً في حديث عبد الله بن بحينة رضي الله تعالى عنه أن السجود قبل السلام؛ وذلك لأنه سجود عن نقص، فالسجود له يكون قبل السلام، وقد سبق أن مر أن السجود إذا كان السهو لزيادة فإنه يكون بعد السلام، وحديث عبد الله بن بحينة الذي تقدم والذي سيأتي يدل على أن سجود السهو عن النقص يكون قبل أن يسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (من نسي شيئاً من صلاته فليسجد ...)

قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].

النسائي له شيخان كل منهما يقال له: الربيع بن سليمان، أحدهما الربيع بن سليمان بن داود الجيزي المرادي المصري، والثاني الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي المصري، وكل منهما شيخ للنسائي روى عنه وأخذ عنه، وهذا الذي في الإسناد الذي يظهر أنه الربيع بن سليمان بن عبد الجبار صاحب الإمام الشافعي وراوي كتبه عنه، والمشهور بوصف صاحب الشافعي، وقد ذكر الحافظ في تهذيب التهذيب أن الشافعي، روى عن شعيب، وكذلك في ترجمة شعيب، أنه روى عن الربيع بن سليمان المرادي لكن في ترجمة الربيع بن سليمان بن داود لم يذكر أنه روى عن شعيب بن الليث، وفي تهذيب الكمال في كل من الترجمتين لم يذكر في أي منهما الرواية عن شعيب، لكن في تهذيب التهذيب ذكر في ترجمة الربيع بن سليمان بن عبد الجبار صاحب الشافعي أنه روى عن شعيب، والربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه ، وروى له الترمذي إجازةً، يعني: معناه أن الترمذي روى له أيضاً بالإجازة، وعلى هذا يكون روى له الأربعة، الأربعة الذين هم أصحاب السنن الأربعة، لكن الترمذي روى له إجازة.

[حدثنا شعيب بن الليث].

وهو شعيب بن الليث بن سعد، وهو ثقة، نبيل، فقيه، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.

[حدثنا الليث].

وهو المحدث، الفقيه، فقيه مصر ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن محمد بن عجلان].

وهو محمد بن عجلان المدني وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، ومحمد بن عجلان المدني هذا هو الذي ذكروا في ترجمته أن أمه حملت به ثلاث سنوات.

[عن محمد بن يوسف مولى عثمان].

وهو مولى عثمان القرشي، وهو مقبول، أخرج له النسائي، وابن ماجه .

[عن أبيه يوسف].

وهو القرشي المدني، مقبول، أخرج له النسائي، وابن ماجه كابنه.

[عن معاوية].

وهو معاوية بن أبي سفيان، وأبو سفيان صخر بن حرب، ومعاوية هو أمير المؤمنين أبو عبد الرحمن أول ملوك المسلمين، وخير ملوك المسلمين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي يتكلم فيه كثيرون من أهل البدع ويذمونه ويبغضونه، ومن المعلوم أن أي بغض، وأي تنقص لأحد من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو دال على سوء من فعل ذلك، ودال على خذلانه؛ لأن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم تجب محبتهم وتجب مودتهم، وأن تكون القلوب مملوءة بحبهم، والألسنة رطبة بذكرهم بالجميل اللائق بهم، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكثيرون من السلف تكلموا في معاوية بن أبي سفيان بالكلام الحسن الذي يليق به، والذي يليق بفضله وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزه الله ألسنتهم من أن تتكلم فيه، وأن تلغ فيه كما حصل ممن خذله الله عز وجل، من الذين تكلموا فيه، وسبوه، وعادوه، وكلام سلف الأمة فيه كثير، ولهذا يقول شارح الطحاوية: ومعاوية أول ملوك المسلمين، وخير ملوك المسلمين، وإنما كان خير الملوك؛ لأنه صحابي، والصحابة خير ممن جاء بعدهم.

وقد جاء عن بعض سلف هذه الأمة أنه سئل عن معاوية، فقيل له: ماذا تقول في معاوية ؟ فقال: ماذا أقول في رجل صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: (سمع الله لمن حمده، فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد)، ومعنى سمع: استجاب، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (سمع الله لمن حمده)، استجاب الله لمن حمده، ومعاوية وراءه يقول: ربنا ولك الحمد، ماذا يقال في رجل هذا شأنه؟ أكرمه الله عز وجل أن يكون من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يصلي وراء الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول عندما يرفع رأسه من الركوع يقول: (سمع الله لمن حمده) ومعاوية، وغيره من المصلين وراءه يقولون: ربنا ولك الحمد، فهذا شرف أنهم ظفروا بصحبته، وأكرمهم الله بصحبته، وقال معاوية: ربنا ولك الحمد بعد أن قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (سمع الله لمن حمده) أي: استجاب الله لمن حمده، وهو كاتب الوحي للرسول عليه الصلاة والسلام.

والحديث ذكره الشيخ الألباني في ضعيف سنن النسائي، ومن المعلوم أن ذلك من أجل محمد بن يوسف وأبوه، لكن الحديث وهو كونه يسجد سجدتي السهو عند ترك التشهد الأول، ثابت في حديث عبد الله بن مالك بن بحينة الذي يأتي بعد هذا، وقد سبق أن مر بنا في جملة الأحاديث عند النسائي أن من ترك التشهد الأول، فإنه يجبر ذلك بأن يسجد للسهو قبل السلام، كما جاء مبيناً في حديث عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله تعالى عنه.

التكبير في سجدتي السهو

شرح حديث: (أن رسول الله قام في الثنتين من الظهر فلم يجلس ... فلما قضى صلاته سجد سجدتين ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التكبير في سجدتي السهو.

أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو ويونس والليث أن ابن شهاب أخبرهم عن عبد الرحمن الأعرج أن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه حدثه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الثنتين من الظهر فلم يجلس، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، كبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس) ].

أورد النسائي، هذه الترجمة وهي: باب التكبير في سجدتي السهو، المقصود من الترجمة: إثبات التكبير في سجدتي السهو، وأن الإنسان عندما يسجد للسهو يكبر عندما يخر للسجود -وهو يخر عن جلوس- وعندما يرفع من السجود، في كل من السجدتين، معناه: يكبر أربع مرات لسجدتي السهو، عند الخرور للسجود وعند الرفع من السجود فإنه يكبر، وهذا فيه التنصيص على حصول التكبير عند السجود للسهو، وسبق أن مر الحديث الذي يدل بعمومه أيضاً على هذا، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكبر عند كل خفض ورفع؛ وهذا فيه خفض ورفع، ولهذا سجود التلاوة عندما يصلي الإنسان ثم يأتي عند سجدة ويخر ساجداً، فإنه يكبر عند السجود وعند القيام، ويدخل ذلك في عموم الحديث، (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكبر عند كل خفض ورفع) يعني: في الصلاة.

فهذه الترجمة تتعلق بتكبير سجود السهو، أي: عند الخفض والرفع منه، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن مالك ابن بحينة رضي الله عنه، وفيه التصريح بأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكبر عند السجدتين، أي: سجدتي السهو.

[عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه حدثه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الثنتين من الظهر فلم يجلس، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، كبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم)].

فالرسول صلى الله عليه وسلم، قام في الركعتين أو بعد الركعتين من صلاة الظهر، ولم يجلس للتشهد الأول، ولما فرغ من الصلاة، ولم يبق إلا السلام، سجد سجدتين كبر فيهما، وكان السجود وهو جالس، أي: أن السجود عن جلوس وليس عن قيام، وكان ذلك قبل السلام، ثم قال: (مكان ما نسي من الجلوس) ، وفي هذا دليل على أن التشهد الأول ليس بركن، وأنه يجزئ عنه سجود السهو إذا نسيه، وأن سجود السهو في النقص يكون قبل السلام، وأن سجود السهو يكون فيه التكبير، سواء في ذلك ما كان عند السجود أو عند القيام من السجود.

ترجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قام في الثنتين من الظهر فلم يجلس ... فلما قضى صلاته سجد سجدتين ...)

قوله: [أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح].

وهو أبو الطاهر المصري وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له البخاري ولا الترمذي .

[أخبرنا ابن وهب].

وهو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[أخبرني عمرو ويونس والليث].

عمرو هو ابن الحارث المصري وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

ويونس هو ابن يزيد الأيلي وهو مصري، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والليث هو ابن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة وقد مر ذكره، فهؤلاء ثلاثة مصريون كلهم روى عنهم النسائي رحمه الله.

و عبد الله بن وهب المصري، والذي روى عنه أيضاً أبو الطاهر المصري، الذي روى عن عبد الله بن وهب، فهؤلاء كلهم مصريون يعني: ثلاث طبقات يعني: شيخ النسائي، وشيخ شيخه، وشيخ شيخ شيخه ، كل هؤلاء مصريون.

[أن ابن شهاب أخبرهم].

وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، محدث، فقيه، وإمام مشهور، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، الذين رأوا صغار الصحابة، وأدركوا صغار الصحابة، ومحمد بن مسلم الزهري هذا هو الذي كلفه الخليفة عمر بن عبد العزيز بتدوين السنة، وهو الذي قال فيه السيوطي في الألفية:

أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمر

والمراد من ذلك: أن قيامه بالتدوين إنما كان بتكليف من السلطان، وأما حصول التدوين بجهود فردية وبأعمال خاصة فإن هذا كان موجوداً من قبل، يعني: في الصحابة والتابعين، ومن المعلوم أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد جاء ذلك مبيناً في حديث أبي هريرة، (وأنه كان يكتب ولا أكتب)، فالمقصود بكتابة الزهري للسنة أي: أنه بتكليف من السلطان، بتكليف من ولي الأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وحديث الزهري أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الرحمن الأعرج].

وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني الملقب بـالأعرج وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الله بن بحينة].

وهو عبد الله بن مالك بن بحينة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

صفة الجلوس في الركعة التي يقضي فيها الصلاة

شرح حديث أبي حميد الساعدي في صفة الجلوس في الركعة التي يقضي فيها الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صفة الجلوس في الركعة التي يقضي فيها الصلاة.

أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن بشار بندار واللفظ له قالا: حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبد الحميد بن جعفر حدثني محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في الركعتين اللتين تنقضي فيهما الصلاة أخر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركاً ثم سلم)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب صفة الجلوس في الركعة التي يقضي فيها الصلاة، المقصود من هذه الترجمة: صفة الجلوس في التشهد الأخير، أو الركعة الأخيرة من الصلاة التي هي المغرب مثلاً، والمراد من ذلك بيان كيفية الجلوس فيه، ومن المعلوم أن المصلي له في الجلوس ثلاث حالات أو حالتان: حالة جلوس بين السجدتين، وحالة جلوس للتشهد الأول، وجلوس للتشهد الثاني، وكذلك أيضاً جلوس في الثنائية، يعني: الفراغ من الصلاة إذا كانت ثنائية كالفجر أو السنن، فالسنة أنه عند الجلوس بين السجدتين وفي التشهد الأول يفرش الإنسان رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى ويجعل أصابعها متجهة إلى القبلة، هذه هي الهيئة التي تكون بين السجدتين وفي التشهد الأول.

وكذلك أيضاً في الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد، وهي الفجر والسنن، فإنه يجلس مفترشاً، لكن في الصلاة التي فيها تشهدان يختلف التشهد الثاني عن التشهد الأول في كيفية الجلوس، وقد جاء مبيناً في حديث أبي حميد الساعدي الذي معنا، وهو: أنه يؤخر رجله اليسرى، يعني: عن مقعدته ويخرجها من عند رجله اليمنى المنصوبة من تحتها ويجلس، ويجعل وركه الأيسر على الأرض متوركاً ليس مفترشاً، يعني: يكون الورك الأيسر على الأرض، والرجل اليسرى أخرجت من تحت اليمنى واليمنى منصوبة، وأصابعها متجهة إلى القبلة، كما جاء ذلك موضحاً في حديث أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه، فهذه الكيفية التي هي كيفية الجلوس في الركعتين التي يقضي فيهما الصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث أبي حميد الساعدي في صفة الجلوس في الركعة التي يقضي فيها الصلاة

قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن بشار بندار واللفظ له].

يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله أيضاً محمد بن بشار بندار، فإنه شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهذان الشخصان لهما ثالث، وهو: محمد بن المثنى وهو أيضاً شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهؤلاء الثلاثة ماتوا في سنة واحدة، وهي سنة (252هـ) أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وهم جميعاً من صغار شيوخ البخاري، وليس بين وفاتهم وبين وفاته إلا أربع سنوات، وكانت وفاة هؤلاء الثلاثة في سنة واحدة، وهي سنة (252هـ).

ومحمد بن بشار، لقبه بندار ورسمها: أن النون متصلة بالباء، وفي نسخة جاءت النون منفصلة عن الدال، وهي كلمة واحدة بندار هذا لقبه محمد بن بشار لقبه بندار، يذكر أحياناً باسمه ولقبه كما هنا، وأحياناً يذكر باسمه فقط ولا يذكر لقبه، وأحياناً يذكر لقبه فقط، ومعرفة ألقاب المحدثين مهمة، وفائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما لو ذكر باللقب مرة وذكر بالاسم مرة أخرى، فإن من لا يعرف أن بنداراً لقب لـمحمد بن بشار، لو رأى محمد بن بشار في إسناد، ثم رأى إسناد آخر فيه بندار، وليس فيه محمد بن بشار، يظن أن هذا شخص آخر، لكن من عرف أن هذا هو محمد بن بشار، لقبه بندار، يعرف أن هذا هو هذا، سواء جاء في إسناد واحد، أو في إسنادين، فهذه فائدة معرفة ألقاب المحدثين، أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما لو ذكر باسمه مرة وذكر بلقبه مرة أخرى.

[واللفظ له].

أي: اللفظ لـمحمد بن بشار أي: المتن الموجود هذا لفظ محمد بن بشار ومعنى ذلك أن يعقوب بن إبراهيم لفظه ليس مطابقاً لهذا اللفظ الموجود بل هو بمعناه، ولكن المعنى متفق عليه عندهما، واللفظ المذكور لفظ محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم لم يذكر لفظه هنا.

[قالا: حدثنا يحيى بن سعيد].

وهو القطان، المحدث، الناقد، البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا عبد الحميد بن جعفر].

وهو عبد الحميد بن جعفر الأنصاري، وهو صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[حدثني محمد بن عمرو بن عطاء].

وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي حميد].

أبو حميد الساعدي، وهو المنذر بن سعد بن المنذر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث وائل بن حجر في صفة الجلوس للتشهد الأخير

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا جلس أضجع اليسرى ونصب اليمنى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ويده اليمنى على فخذه اليمنى، وعقد ثنتين الوسطى والإبهام وأشار)].

أورد النسائي حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه في نفس الموضوع؛ وهو صفة الجلوس وأنه قال: (أضجع اليسرى ونصب اليمنى)، والمقصود مطابق للترجمة، يعني: أن هذا يكون توركاً، كما جاء في الحديث الأول عن أبي حميد رضي الله تعالى عنه.

وهذا الحديث يدل على: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في ثلاثة مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع، هذا هو الذي يدل عليه حديث وائل بن حجر رضي الله عنه، وقد سبق أن مر بنا أنه أيضاً يكون عند القيام إلى التشهد الأول ترفع اليدين، وهذا في صحيح البخاري من حديث أبي حميد الساعدي، وكذلك أيضاً جاء في بعض الأحاديث في السنن، أنه يكون عند السجود، في مواضع من السجود، وأن هذا يكون أحياناً، وحديث وائل بن حجر، يدل على الرفع في هذه المواضع الثلاثة، وفيه أيضاً: أنه عند الجلوس يضجع اليسرى وينصب اليمنى، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث تحت الترجمة، وبالنسبة لليدين يضع اليد اليسرى على الفخذ اليسرى، واليد اليمنى على الفخذ اليمنى ويعقد الإبهام والوسطى، (وأشار) يعني: يشير بالسبابة، ولكن المقصود من إيراد الحديث هو الجملة الوسطى وهي ما يتعلق بكيفية الجلوس في نهاية الصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر في صفة الجلوس للتشهد الأخير

قوله: [أخبرنا قتيبة].

وهو ابن سعيد بن جميل طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا سفيان].

وهو ابن عيينة ؛ لأن المزي في تهذيب الكمال ذكر أن قتيبة بن سعيد، يروي عن سفيان بن عيينة، فإذا جاء سفيان مهمل غير منسوب، يروي عنه قتيبة، فإنه يحمل على سفيان بن عيينة، وقتيبة بن سعيد ولد سنة 150هـ ، ومات سنة 240هـ، ولد في السنة التي مات فيها أبو حنيفة، والتي ولد فيها الشافعي ؛ لأنه هو والشافعي لدة؛ ولدوا في سنة واحدة، والشافعي توفي سنة 204هـ وعمره أربع وخمسون سنة، وأما قتيبة فقد عاش إلى سنة أربعين، ومات قبل وفاة الإمام أحمد بسنة واحدة وعمره تسعون سنة، وسفيان الثوري أدرك إحدى عشر سنة من حياته؛ لأن سفيان الثوري توفي سنة 161هـ، وقتيبة بن سعيد ولد سنة 150هـ، والمزي في تهذيب الكمال ذكر أن قتيبة يروي عن سفيان بن عيينة، وما ذكر سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة هو المكي وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عاصم بن كليب].

صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن أبيه].

عن أبيه كليب بن شهاب، وهو أيضاً صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء رفع اليدين، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن وائل بن حجر].

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

موضع الذراعين

شرح حديث وائل بن حجر: (أنه رأى النبي جلس في الصلاة ... ووضع ذراعيه على فخذيه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب موضع الذراعين.

أخبرنا محمد بن علي بن ميمون الرقي حدثنا محمد وهو ابن يوسف الفريابي حدثنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جلس في الصلاة فافترش رجله اليسرى، ووضع ذراعيه على فخذيه وأشار بالسبابة يدعو بها)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: موضع الذراعين، وهي أنها تكون على الفخذين، يعني: يضع اليدين على الفخذين، والذراعان يكونان عليهما، لكن لا يكون معتمداً على فخذيه، وإنما تكون موضوعة أو قريبة منها، وليس معناه أنه متكئ عليها ومعتمد عليها يعني: على فخذيه. وأورد النسائي حديث وائل بن حجر وفيه الدلالة على ما ترجم له المصنف.

قوله: (وضع ذراعيه على فخذيه) من غير أن يكون هناك اعتماد. يعني: أنه ليس هناك اعتماد؛ لأن الإنسان لا تعتمد أعضاؤه بعضها على بعض في الصلاة، لا في الجلوس، ولا في السجود، من حيث: أنه يفترش ذراعيه في حال سجوده ويعتمد عليها، أو يضع ذراعيه على فخذيه، وهو ساجد ويتكئ عليها، أو كذلك وهو جالس يتكئ بذراعيه على فخذيه، وإنما يضعهما على فخذيه.

ثم أيضاً ذكر ما يتعلق باليدين، وأنه (أشار بالسبابة يدعو بها) في الرواية السابقة ذكر: (ثم أشار)، وهنا قال: (يدعو بها)، يعني: بالسبابة، والوسطى مع الإبهام قد عقد بينهما أو حلق بهما وجعلهما كالحلقة.

تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر: (أنه رأى النبي جلس في الصلاة ... ووضع ذراعيه على فخذيه ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن علي بن ميمون الرقي].

وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

[حدثنا محمد وهو ابن يوسف الفريابي].

وهو ابن يوسف الفريابي وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو الفريابي) الذي قالها هو من دون محمد بن علي بن ميمون الرقي الذي هو تلميذه، أي: النسائي أو من دون النسائي هو الذي قال هذه الكلمة، التي بين بها من هو محمد بن يوسف ؛ لأن محمد بن علي الرقي ما زاد على أن قال محمد بن يوسف، لكن من دون هذا التلميذ هو الذي أضاف كلمة: (هو الفريابي).

[حدثنا سفيان].

وهو ابن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد لازمه محمد بن يوسف الفريابي.

[عن عاصم عن أبيه عن وائل].

وقد مر ذكرهم.

موضع المرفقين

شرح حديث وائل بن حجرفي موضع المرفقين في الجلوس للتشهد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [موضع المرفقين.

أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال: (قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، ووضع يديه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك، فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من يديه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، وحد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثنتين وحلق، ورأيته يقول هكذا، وأشار بشر بالسبابة من اليمنى، وحلق الإبهام والوسطى)].

أورد النسائي حديث وائل بن حجر فيما يتعلق بوضع المرفقين، وهناك ذكر الذراعين وهنا المرفقين.

قول وائل بن حجر رضي الله عنه هذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، من الحرص على معرفة أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام في صلاته، وفي حجه، وما إلى ذلك من الأعمال التي يعملها، وهم يشاهدونه ويعاينونه؛ لأنه يقول في نفسه، ويقصد، ويعزم على أن ينظر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام حتى يعرف كيفية فعله، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقال في الحج: (خذوا عني مناسككم) فشأنهم أنهم يتلقون عنه أقواله وأفعاله عليه الصلاة والسلام، ووائل بن حجر رضي الله عنه يقول: (لأنظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي)، يعني: حتى يعرف كيفية صلاته، معناه: أنه يعقد العزم ويتجه هذا الاتجاه ويقصد هذا القصد، وهو أن يعرف الهيئة والكيفية التي يفعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام.

قال: [(فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه)].



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب السهو - (باب ما يفعل من نسي شيئاً من صلاته) إلى (باب موضع المرفقين) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net