اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الروض المربع - كتاب الطهارة [12] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه! وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه! ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
وبعد:
قال المؤلف رحمه الله: [ وصفة الوضوء الكامل أي: كيفيته أن ينوي ثم يسمي وتقدما ].
المؤلف يقول: وصفة الوضوء الكامل؛ لأن هناك للوضوء صفتان: صفة كاملة، وهي المشتملة على الواجبات والمسنونات، وصفة مجزئة، فلو توضأ مرة مرة، فقد فعل الصفة المجزئة، ولو توضأ ثلاثاً ثلاثاً فقد فعل الصفة الكاملة، كما سوف يأتي تفصيل ما هي الصفة الكاملة.
ينوي ثم يسمي، هذا واجب على مذهب الحنابلة؛ لأن النية لا بد أن تسبق أول واجبات الوضوء، يقول المؤلف: ثم بعد ذلك يغسل كفيه ثلاثاً تنظيفاً لهما، فيكرر غسلهما عند الاستيقاظ من النوم وفي أوله، كيف هذا؟ يقول المؤلف: إن غسل اليدين ثلاث مرات سنة؛ لحديث حمران: ( فدعا بإناء فغسل يديه ثلاثاً، ثم أدخل يده فاستخرجها، فتمضمض واستنشق واستنثر، ثم أدخل يده ) الحديث، قالوا: إن غسل اليدين هنا مستحب؛ لكن لو أنه استيقظ من نوم ليل ناقضاً للوضوء، فإنه يستحب له أولاً أن يغسل يديه ثلاثاً؛ لأن سنة الوضوء أن يغسل يديه ثلاثاً.
الثاني: أن يغسل يديه ثلاثاً؛ لأجل الاستيقاظ من النوم، فيكون بذلك قد غسل يديه ست مرات. والقول الآخر -والله أعلم- عند المذهب، قالوا: إن غسل الكفين ثلاث مرات بنية الاغتسال بسبب الاستيقاظ من نوم الليل كاف، ويدخل الثلاثة المستحبة فيه، كما نقول فيمن أجنب وعليه غسل يوم جمعة فينوي رفع الحدث الأكبر، وينوي استحباب غسل يوم الجمعة، فلا يلزمه -كما مر معنا- أن يغتسل مرتين، وهذا هو الأرجح، والله تبارك وتعالى أعلم.
يقول المؤلف: ثم بعد ذلك يتمضمض ويستنشق ثلاثاً ثلاثاً من غرفة واحدة؛ لحديث عبد الله بن زيد بن عاصم كما في الصحيحين قال: ( وفيه أنه دعا بإناء من تور فيه ماء، ثم أكفأ على يديه فغسلهما ثلاثاً ثم أدخل يده فمضمض واستنشق، واستنثر من كف واحد فعل ذلك ثلاثاً )، من كف واحد يعني: جعل الماء في كفه وجعل جزءاً منه يدخل فمه، وجزءاً منه يدخل أنفه؛ ولهذا في حديث علي رضي الله عنه أيضاً عند أهل السنن: ( بثلاث غرفات )، هذا هو الأفضل. ويجعل الماء في يده اليمنى، ويستنثر بيده اليسرى؛ لأن ( الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن في طهوره كله )، والاستنثار استقذار، فيستنثر بيساره، وقد جاء ذلك في بعض الروايات صريحة.
وعلى هذا فما يفعله العامة من أنهم يتمضمضون ثلاثاً للفم، ثم يأخذون ثلاث غرفات للاستنشاق، فهذا ليس من السنة، وما جاء من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين المضمضة والاستنشاق، فهذا حديث يرويه ليث بن أبي سليم عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يفصل بين المضمضة والاستنشاق )، وهذا حديث مضطرب، وقد ضعفه الإمام أحمد ، ونقل عن سفيان بن عيينة أنه قال: ما هذا؟ طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كأنه ينكر هذه السلسلة، وعلى هذا فالسنة هو عدم الفصل، والله تبارك وتعالى أعلم.
لحديث عبد الله بن زيد : ( فغسل وجهه ثلاثاً )، وكذلك حديث عثمان رضي الله عنهم وغيرهما من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي وصفت وضوءه عليه الصلاة والسلام.
الآن المؤلف يريد أن يبين ما هو الوجه ولتعلم يا رعاك الله أن الوجه هو كل ما توجه به للغير، فهذا يسمى وجهاً، ولهذا أراد المؤلف أن يبين ما هو الوجه فقال: [ وحده من منابت شعر الرأس المعتاد غالباً ].
لأن بعض الناس ربما تكون غرته أكثر، فيكون بداية شعره من أعلى، وبعضهم بداية شعره ربما تأخذ من الجبهة كثيراً، فهذا ليس بالمعتاد، والمعتاد أن تكون الجبهة طبيعية، فهذا من منابت الشعر المعتاد إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً، يعني: الذي يكون من جهة الوجه، إذا انحدر الوجه من الأعلى إلى قريب من التفاف الرقبة، فإنه يكون قد انتهى مقدار الوجه؛ لأن ما انحدر لا يتوجه به إلى الناس، فلو كان هناك نقطة تحت الذقن لا يراها الناس فهذا ليس من الوجه.
قال المؤلف رحمه الله: [ إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً مع ما استرسل من اللحية ].
المؤلف هنا يرى أن ما استرسل من اللحية ظاهره يجب غسله، هذا هو المذهب، والقول الثاني في المذهب رجحه ابن رجب كما في القواعد أن ما استرسل من اللحية لا يجب غسله، كما أن ما استرسل من شعر المرأة والرجل لا يجب مسحه، فكذلك هنا، فلو كان رجل ذا لحية كثيفة أجزأ أن يغسل وجهه، ولا يلزم أن يمسح لحيته إذا كانت طويلة، هذا الذي يظهر والله أعلم؛ لأن ما استرسل ليس من الوجه.
قال المؤلف رحمه الله: [ ومن الأذن إلى الأذن عرضاً ].
الآن حينما ذكر المؤلف حد الوجه طولاً بدأ يذكر حده عرضاً، فقال: [ ومن الأذن إلى الأذن عرضاً؛ لأن ذلك تحصل به المواجهة والأذنان ليسا من الوجه؛ بل البياض الذي بين العذار والأذن منه ].
العذار: هو العظم الناتئ سمت صماخ الأذن الذي تصله حتى يسمعنا ويفهم المستمع الذي لم يرانا، وهو الذي يقف فيه الحلاق عند منتهاه، هذا معنى العذار، فالبياض الذي يكون بين الأذن وبين هذا العظم يكون من الوجه، فيجب غسله؛ لكن بعض الناس إذا توضأ يقول بأصبعه هكذا، فيمسح الأذن هل هذا صحيح؟ لا، ليست الأذن من الوجه، لكن المراد هو أن يغسل من الأذن إلى الأذن.
الآن المؤلف يقول: إن الشعر النابت من الوجه إذا كان خفيفاً يصف البشرة يجب غسله؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والواجب غسل البشرة، وهي ظاهرة، أما إذا كانت اللحية كثيفة، فإنه لا يجب؛ ولكن يستحب تخليل اللحية على فرض صحة الحديث، وقد قلنا: إن هذه الأحاديث إلى الضعف أقرب، كما أشار إلى ذلك الإمام أحمد و أبو حاتم.
قال المؤلف رحمه الله: [ لا صدغ وتحذيف ].
الصدغ بينه المؤلف بقوله: هو ما انحدر من الرأس إلى منكب اللحيين، وقيل: هو ما بين العين والأذن، الآن إذا أحسست بوجع الرأس تضغط الصدغين الذي هو البياض الذي يكون فيه حفرة من جهة جانبي الجمجمة، هذا هو معنى الصدغ، فيقول المؤلف: (لا صدغ وتحذيف)؛ لأن الصدغ يكون في هذا داخلاً قليلاً؛ لأنه يكون من منابت الشعر، أما أوله من جهة قريبة من العين، فإن هذا من الوجه لا شك، ولا إشكال.
قال المؤلف رحمه الله: [ وهو الشعر بعد انتهاء العذار والنزعة ].
نعم، الذي يكون فوق العذار، يعني: فوق العظم الناتئ؛ لأن هذا من الرأس، والله أعلم.
وأما النزعة الذي هو هذا البياض الذي يكون على الرأس ماذا نسميه؟
نقول له: صنادح، له صنادح
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا النزعتان وهما ما انحسر عنه الشعر من الرأس متصاعداً من جانبيه فهما من الرأس ].
يعني: أنه لا يجب غسله، ولكن يجب مسحه.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يغسل من داخل عينيه ولو من نجاسة ولو أمن الضرر ].
لأن هذا يضر، وهو مدعاة إلى العمى، وما روي عن ابن عمر أنه صنع ذلك، فقد أنكر عليه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ثم إن غسل العينين لا يجب؛ لأن الذي يجب هو غسل ظاهر ما كان خلف رموش العين، وما غطى العين.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويغسل الشعر الظاهر من الكثيف مع ما استرسل منه ].
قول المؤلف: (ويغسل الشعر الظاهر من الكثيف)، يعني: لو كان شخص له لحية كثيفة، فإنه يغسل فقط الظاهر منه، وهذا لا إشكال فيه؛ لكن ما استرسل منه، فإننا نقول: الراجح أنه لا يجب؛ لأنه ليس من الوجه، وليس من الرأس أيضاً.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويخلل باطنه وتقدم ].
أما تخليل باطن اللحية، فقد قلنا: إن هذا من باب التخليل؛ لحديث عثمان رضي الله عنه، وقد جاء في بعض روايات الصحابة: ( وإن خلل فحسن )، ولكنه ليس سنة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل أحياناً؛ ويترك أحياناً، يقول: لأن من الصحابة من لم يذكر التخليل، ومنهم من ذكر التخليل على فرض صحته، فيكون قد فعل ذلك أحياناً وتركه أحياناً.
يعني: أن الوسخ اليسير الذي يكون تحت الظفر مثل الذين يشتغلون في الرمال، ثم التصق شيء من الرمل تحت الأظفار، وهذا بلا شك يمنع من وصول الماء إلى ما تحت الأظفار، فيقول العلماء: إن مثل هذا اليسير معفو عنه، وكذلك الذي يصنع العجين، أو يعمل في العجين، ربما التصق تحت أظفاره شيء، يقول العلماء: هذا مما يتعذر امتناع عامة الناس منه، ولهذا ابن تيمية رحمه الله جوز ما يمنع وصول الماء من العجين، ونحن نقول: وبوية، ومناكير -عافانا الله وإياكم من منكر ونكير- إذا كان تحت أطراف أو في بين أطراف الظفر، وشق على المرأة نزعه، فنقول: هذا مما يعذر.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويغسل ما نبت بمحل الفرض من إصبع أو يد زائدة ].
يعني: إنه إذا كان أصبع زائدة في محل فرض اليد، فإنه يجب عليه أن يغسله، ولو كانت هناك لحمة أو عظم ناتئ، فيجب عليه أن يغسله.
والذين يدهنون أيديهم بالفازلين أو غير ذلك، هل يجزئ؟ نقول: إذا كان الدهن له جرم أو شيء متجمع، فلا شك أن هذا المتجمع يمنع وصول الماء، فيجب إزالته، وأما إذا كان قد دخل الجسم، فلا حرج في ذلك، وقد نقل ابن المنذر إجماع أهل العلم على أن الحاج يدهن، وهذا يدل على أنه لو ادهن، ثم توضأ بعد ذلك أن ذلك يجزئه، والله تبارك وتعالى أعلم،
(ثم يمسح كل رأسه).
هذا دليل على أن (الباء) للإلصاق، ومعنى (يمسح كل رأسه)، ولم يقل: يمسح كل شعرات رأسه؛ لأنه لا يلزم أن يمسح كل الشعرات، ولكن يلزم أن يعمم سائر رأسه بالماء.
يقول المؤلف: (مع الأذنين مرة واحدة).
وطريقة المسح بينه المؤلف بقوله: [فيمر يديه على مقدم رأسه إلى قفاه].
لحديث عثمان بن عفان : ( فبدأ بمقدم رأسه حتى انتهى بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه )، هذه هي الصفة المعروفة. وأما المرأة فإن كانت قد مشطت شعرها، فجوز لها الفقهاء كـأحمد رحمه الله، قال: تضع يدها على وسط رأسها، ثم تذهب إلى مقدم رأسها، ثم بعد ذلك تضع يدها على وسط رأسها، ثم تنزل حتى لا يضيع جهد امتشاط الشعر، لا حرج في ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: [ فيمر يديه من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه ].
كما في حديث عثمان وغيره.
قال المؤلف رحمه الله: [ ثم يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما ].
لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ( فرأيته قد وضع سبابتيه في صماخ أذنيه، وإبهامه خلف أذنه، ثم أمرهما ) الحديث.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويجزئ كيف مسح ].
(ويجزئ كيف مسح) سواء مسح بهذه الطريقة التي ذكرها عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو يمسح بأن يجعل يده بالوسط، ثم يتقدم أمامه وخلفه، أو يمسح بيد واحدة يعمم سائر الرأس، كل ذلك جائز، العبرة أن يمسح سائر رأسه، والله أعلم.
ويظهر من قول المؤلف: (ويجزئ كيف مسح) على أنه لو غسل، فإنه يكره عند الحنابلة، يكره إلا أن يمر يديه على رأسه، أو يده على رأسه، فلو غسل بأن وضع الصنبور على رأسه من غير إمرار اليد، قالوا: ذلك لا يجزئ، وهذا يحصل عند اللاعبين الذي يلعبون، فإذا جاء وقت الصلاة توضأ، فإذا أراد أن يمسح رأسه طأطأ رأسه تحت الصنبور، وصب على رأسه، وربما أدار يده على ذلك، أو يديه، وربما لم يصنع، فقال المؤلف: إذا لم يمر يديه، فإن ذلك لا يجزئ مع الكراهة، والذي يظهر والله أعلم أنه يكره؛ لكن إذا عمم سائر الرأس بذلك فإن ذلك يجزئ، والله أعلم.
كما مر معنا، وهذا واجب؛ لأن ترك مثل هذا مدعاة إلى العقوبة، وقد ثبت في الصحيح عن عائشة و عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ويل للأعقاب من النار ).
قال المؤلف رحمه الله: [ويغسل الأقطع بقية المفروض؛ لحديث: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) ].
الأقطع مثل أن يكون مقطوع الكفين، فيجب عليه أن يغسل ذراعيه، ومن كان مقطوع المفصل قد بدأ عظم الجزء الآخر من المرفق، فيجب عليه أن يغسله؛ لأننا قلنا: يجب غسل اليدين مع المرفقين، لكنه لو قطعت يده من وسط العضد، أو من أعلى العضد، فهل يجب عليه أن يغسل شيئاً، نقول: لا؛ لأن محل الفرض قد زال، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ فإن قطع من المفصل أي: من مفصل المرفق غسل رأس العضد منه، وكذا الأقطع من مفصل كعب يغسل طرف ساق ].
يعني: مثل من كان مقطوع الرجل من مفصل الكعب، فإنه يغسل أول الساق؛ لأننا قلنا: يغسل رجليه مع الكعبين، والله أعلم.
المؤلف بدأ حينما انتهى من وضوئه الكامل أراد أن يبين ما الذي يسن له فعله، فقال: ويرفع نظره إلى السماء، أولاً: لتعلم يرعاك الله أن أصح شيء في الباب هو ما رواه مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر قال: ( كانت علينا رعاء الإبل، فجاءت نوبتي، فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه وهو يقول: ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يصلي ركعتين مقبلاً بهما بوجهه إلا وجبت له الجنة، فقلت: ما أحسن هذا، فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود، فالتفت فإذا عمر بن الخطاب ، قال: قد علمت حين جئت آنفاً، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء )، هذا الحديث يرويه مسلم من طريق أبي مسلم الخولاني عن عقبة عن عمر ، وعن أبي عثمان النهدي عن جبير عن عقبة عن عمر .
جاءت روايات وزيادات على هذا الحديث ليست على هذا المنوال، ليست على هذه الطريقة، من ذلك ما رواه الإمام أحمد و أبو داود من طريق زهرة بن معبد عن ابن عمه عن عقبة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انتهى من وضوئه رفع رأسه إلى السماء وقال ) الحديث، هذه الزيادة ضعيفة؛ لأن ابن عم أبي عقيل زهرة بن معبد ضعيف، وعلى هذا فلا يفرح برفع النظر إلى السماء، فالرواية فيها ضعيفة، رواها الإمام أحمد وأبو داود، وفي سندها رجل مجهول.
قال المؤلف رحمه الله: [ ومنه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ].
هذه الرواية الصحيحة، ومثلها يزيد كما روى النسائي من حديث أبي سعيد الخدري من قوله، وأبو سعيد لا يأخذ إلا عن رسول الله صلى الله عيله وسلم، ولا يأخذ عن بني إسرائيل، قال: (من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك) فهذا يدل على السنة الثانية أن يقول هذا الدعاء بعد الانتهاء من الوضوء، وهذا أيضاً دعاء كفارة المجلس.
أما قول: ( اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين )، فهذه الرواية ضعيفة، جاءت من طرق، جاءت من حديث ابن عمر و أنس عند البيهقي في السنن الكبرى، وفي سندها زيد العمي ، وجاءت عند الترمذي ، وصححها الألباني رحمه الله، وقد ضعفها الترمذي و البخاري ، حيث أن فيه اضطراباً شديداً، وهو مخالف لرواية مسلم ، و أبو إدريس الخولاني لم يسمع من عمر كما قاله البخاري ، فالحديث ضعيف، كما ضعفه الترمذي ، وأشار البخاري أيضاً إلى ضعفه خلافاً للشيخ الألباني رحمه الله و أحمد شاكر .
لا بأس تباح معونة المتوضئ يعني: بأن يعينه، له أن يصب عليه الماء، فهذا مباح، لكن ليس من السنة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعان بأن يصب له، وقد قال أحمد رحمه الله: ما أحب أن يعينني على وضوئي أحد؛ لأن عمر قال ذلك، وهذا يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما فعل ذلك لبيان الجواز، وإلا فإن غالب فعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو أن يتوضأ بنفسه بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، والمعونة المقصود بها هو أن يصب عليه شخص، أما أن يوضئه شخص، فإن هذا لا يستحب، والله أعلم.
(وسن كونه عن يساره)، يعني: الذي يصب يكون عن يساره؛ لأجل أن، يبدأ بيمينه، فإن كان عن يمينه فالحمد لله؛ ولكن هم قالوا: إنه لأجل أن يسهل عليه الصب، وعلى كلٍ ما هناك سنة في هذا الأمر؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء، والله أعلم.
تنشيف أعضاء الوضوء، قال ابن عباس رضي الله عنه: كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، والذي يظهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تروح أحياناً يعني: بدأ يزيل الماء بيده، ومرة استعمل المنديل، وإن كانت الروايات فيها ضعيفة، ومرة ترك المنديل، وأما حديث ميمونة : ( فأتيته بالمنديل فرده ) ليس دليلاً على أفضلية ترك المنديل؛ لأن ميمونة تقول: ( فجعل يمسح الماء بيديه )، فلو كان الماء مقصوداً وجوده لما مسحه بيديه، فدل على أن استخدام المنديل جائز، وتركه جائز، والله أعلم.
صورة المسألة: لو أنك مريض وجاء إليك شخص ووضأك، فبدأ هو يصب الماء ويمسح يديك، ثم يمسح رأسك، يقول المؤلف: إن نويته أنت صح وضوءك، لكن إن لم تنوه، فإنه لا يصح، هذه صورة المسألة.
يقول المؤلف: (إن لم يكن الموضئ مكرهاً بغير حق)، يعني: أن الصاب الذي يصب عليك الماء مكره، يعني: ألزم، وقيل له: لا بد أن تصنع هذا، وإلا فعلنا بك وفعلنا بك، قالوا: إن هذا في حكم من استخدم ماءً مغصوباً، فإذا أكره كان كحكم الماء المغصوب، والذي يظهر والله أعلم أن ثمة بينهما فرقاً، ولو صار واحداً فإن الراجح والله أعلم أن الوضوء بالماء المغصوب يصح مع الإثم، وكما قلنا: هو مذهب الجمهور خلافاً للحنابلة، ويقول المؤلف: (وكذا الغسل والتيمم)، يعني: أن الغسل يأخذ حكم الوضوء، وكذا التيمم في مسألة الإعانة، وفي مسألة أن يغصب ويكره المعان.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين! والله أعلم، وصلى الله عليه وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الروض المربع - كتاب الطهارة [12] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي
https://audio.islamweb.net