اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الروض المربع - كتاب الطهارة [29] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
قال المؤلف رحمه الله: [وتشترط النية لما يتيمم له كصلاة أو طواف أو غيرهما من حدث أو غيره كنجاسة على بدنه، فينوي استباحة الصلاة من الجنابة والحدث إن كانا، أو أحدهما أو عن غسل بعض بدنه الجريح ونحوه؛ لأنها طهارة ضرورة فلم ترفع الحدث، فلا بد من التعين تقوية لضعفه، فلو نوى رفع الحدث لم يصح].
والثاني: أنك لو نويت استباحة الصلاة جاز لك أن تصلي بما هو بمثابة قوة الصلاة أو دونها لا أعلاها، ولا يوجد شيء أعلى من الصلاة ولو نويت استباحة قراءة القرآن جاز لك البقاء في المسجد، وجاز لك الذكر؛ لكن لم يجز لك الصلاة؛ لأنها أعلى، لأنها استباحة، وهذا -كما قلت- مبني على أن التيمم مبيح، وعلى القول الراجح وهو مذهب أبي حنيفة ، ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية وتلميذه ابن القيم على أن التيمم رافع وليس بمبيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( الصعيد الطيب طهور المؤمن، وإن لم يجد الماء عشر سنين )، فسمى التيمم طهوراً.
وعلى هذا فلو نوى رفع الحدث صح، ولو نوى التيمم لقراءة القرآن جاز أن يقرأ به القرآن وأن يطوف، وأن يصلي؛ لأن التيمم أقيم مقام الماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( طهور المؤمن وإن لم يجد الماء عشر سنين )، فأقامه مقام الماء.
يقول المؤلف: (من حدث أو غيره كنجاسة على بدنه)، وهذا مبني على الخلاف وقد مر، والراجح أن التيمم للنجاسة على البدن في الأماكن التي يشق غسلها لا يصح.
يعني: أنه لا بد أن ينوي رفع الحدث الأصغر، والأكبر، فلو نوى استباحة الصلاة عن الحدث الأكبر فقط لم يصح في أحكام الحدث الأصغر، فلا يدخل الأصغر في الأكبر في التيمم، وهذا مبني على مسألة أن التيمم مبيح أو رافع، والراجح أنه لو نوى رفع الحدث الأكبر في التيمم جاز؛ لأن التيمم كالماء، والله أعلم.
وأما قول المؤلف: (لأنها طهارة ضرورة فلم ترفع الحدث).
نقول: هب أنها طهارة ضرورة، فالضرورة التي سميتها أقيمت مقام الماء؛ بل قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: من قال: لا يطهر إذا نوى رفع الحدث، فقد خالف الكتاب والسنة، ومعناه: أنه من نوى رفع الحدث دون الاستباحة فقد خالف الكتاب والسنة.
يعني: فلو نوى الحدث الأكبر، أو نوى استباحة الصلاة للحدث الأكبر دون الحدث الأصغر لم يصح أن يفعل أحكام الحدث الأصغر، ولو نوى الحدث الأصغر لم يصح أن ينوي به الحدث الأكبر؛ لأن كل حدث مستقل تماماً، فلأجل أن التيمم طهارته طهارة ضرورة، فإننا نقصره على ما ينويه في الشيء المعين، دون تعدية لضعفه، هذا دليل الحنابلة.
والراجح أن التيمم يقوم مقام الماء؛ لأن الشارع أطلق التيمم، وجعله قائماً مقام الوضوء، وهذا يقتضي أن يأخذ حكمه إلا ما اقتضى الدليل خلافه، والذي اقتضى الدليل خلافه هو أنه إذا وجد الماء بطلت طهارة التيمم، والثاني -ذكرنا ذلك في فروض التيمم- أنه خاص بعضوين -بخلاف الماء- يعني: خاص بمراعاة الترتيب في طهارة الماء دون التيمم، الثالث: أن غسل العضوين في الماء يختلف عنه في التيمم؛ فالماء يعمم المتطهر به، وأما في التيمم فيعمم الفعل لا المتطهر به، ومعنى يعمم الفعل في التيمم: أن يعمم المسح لا أن يعمم دخول التراب أو الرمل، أما في الماء فلا بد من التعميم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن لم يسبغ: ( ويل للأعقاب من النار ).
قال المؤلف رحمه الله: [ لأنها أسباب مختلفة والحديث: ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) وإن نوى جميعها جاز ].
يعني: لو نوى بتيممه استباحة الصلاة في الحدث الأكبر والحدث الأصغر، ولإزالة النجاسة التي على البدن صح، أما أن ينوي واحدة دون الأخرى فلا يصح على مذهب الحنابلة، والراجح خلاف ذلك.
والراجح خلاف ذلك كما مر معنا لحديث: ( الصعيد الطيب طهور المؤمن، وإن لم يجد الماء عشر سنين ).
قال المؤلف رحمه الله: [ أو نوى استباحة الصلاة وأطلق فلم يعين فرضاً ولا نفلاً لم يصل به فرضاً ].
يعني: لو أنه نوى استباحة الصلاة؛ لكن لم يقل: استباحة صلاة المغرب أو العشاء، فلا يصح.
الحنابلة يقولون: لو نوى استباحة الصلاة دون تعيين فرض لم يصح؛ لأنهم يشترطون التيمم لكل صلاة، بحيث أن التيمم يبطل لدخول الوقت أو لخروج الوقت، فلأجل هذا قالوا: لو نوى استباحة الصلاة دون تعيين فرض لم يصح؛ لأنه لو نواها الظهر يبطل بخروج وقت الظهر، ولو نواها الظهر قبل دخول وقت صلاة الظهر يبطل؛ لأن الوقت لم يدخل؛ لأنه لو دخل الوقت لا بد فيه من تيمم جديد، وهذا مبني على أن التيمم عندهم مبيح، وأنه يتيمم لوقت كل صلاة؛ لما مر معنا في استدلال الحنابلة في ذلك.
والراجح والله تبارك وتعالى أعلم أن التيمم يأخذ حكم الماء كمذهب أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله، ولم يصح عن أحد من الصحابة بإسناد صحيح، أنه أمر بالتيمم لوقت كل صلاة، وإنما هو فعل، فعن علي بن أبي طالب(أنه كان يتيمم لكل صلاة)، وفي سنده ضعف رواه البيهقي ، وفي سنده الحارث الأعور ، وكذلك روي عن ابن عباس كما رواه ابن المنذر و البيهقي ، وفي سنده ضعف؛ لأن في سنده الحسن بن عمارة ، وروي عن ابن عمر رضي الله عنه رواه البيهقي و ابن المنذر، يرويه عامر بن عبد الواحد الأحول عن نافع عن ابن عمر: (أنه كان يتيمم لوقت كل صلاة)، وقد صحح الحديث ابن المنذر و البيهقي ، ولكن الأقرب أن الحديث إلى الضعف أقرب؛ لأن عامراً الأحول تكلم فيه الإمام أحمد ، وقال غير واحد من أهل العلم: أن رواية عامر عن نافع ضعيفة، وهذا منها، وروي عن عمرو بن العاص، وكل هذه الآثار عن الصحابة لا تصح، والله أعلم.
ومشتهر عند أهل الحديث أن الصحيح عن ابن عمر من فعله، فأقول: إنه لم يصح، ولو صح عن ابن عمر من فعله، فإن الفعل ليس دليلاً على الوجوب، فإذا كان فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليس دليلاً على الوجوب، ففعل الصحابة من باب أولى.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولو على الكفاية، ولا نذراً لأنه لم ينوه وكذا الطواف ].
يعني: لو نوى استباحة الصلاة دون تعيين فرض لم يصح، ولو كانت الصلاة حكمها فرض كفاية كصلاة الجنازة، فلا بد أن ينوي استباحة صلاة الجنازة، وكذلك الصلاة المنذورة، لا تصح لأنه لم ينو، وكذلك الطواف، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا نذراً لأنه لم ينوه وكذا الطواف، وإن نواه أي: استباحة فرض صلى كل وقته فروضاً ونوافل، فمن نوى شيئاً استباحه ومثله ودونه، فأعلاه فرض عين فنذر ].
أراد أن يرتب الأشياء الأعلى ثم الأدنى، فقال: (وإن نواه)، يعني: نوى استباحة فرض معين، (صلى كل وقته) وقت هذا الفرض، (فروضاً ونوافل)، فلو أنه نوى استباحة صلاة الظهر بعد دخول وقت الظهر صلى في هذا الوقت فروضاً ونوافل، (فروضاً) فيما لو فاتته صلاة العصر من الأمس جاز أن يصلي به؛ لأنها ليس لها وقت، وجاز أن يصلي به نوافل، وأن يتطوع، فإذا خرج وقت الظهر بطل التيمم، فقال: (فأعلاه)، أي: فأعلى نية الاستباحة (فرض عين) كصلاة الظهر، تعيين صلاة الظهر، أو تعيين صلاة العصر أو المغرب أو غير ذلك، ثم نذر، ثم فرض كفاية.
قال المؤلف رحمه الله: [ فأعلاه فرض عين، فنذر، ففرض كفاية، فصلاة نافلة، فطواف نفل ].
يعني: (فطواف) طواف مطلق، أو تطوع مطلق.
قال المؤلف رحمه الله: [ فمس مصحف، فقراءة قرآن، فلبث بمسجد ].
يعني قوله: (فطواف نفل) يعني: التطوع في الطواف، ثم (مس مصحف فقراءة قرآن، فلبث بمسجد).
هذا بناءً على مذهب الجمهور كـمالك و الشافعي و أحمد ، خلافاً لـأبي حنيفة ، والراجح قول أبي حنيفة ، كما مر مراراً وتكراراً.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولو كان التيمم لغير صلاة ما لم يكن في صلاة الجمعة ].
يعني: (ولو كان التيمم لغير صلاة)، فإنه إذا خرج الوقت بطل التيمم إلا يوم الجمعة؛ لأن يوم الجمعة يجوز أن تتيمم قبل دخول وقته للضرورة، فلو قلنا: إن وقت صلاة الجمعة بعد زوال الشمس كالظهر فيلزم على الناس أن يأتوا بتراب للمسجد، فإذا دخل الإمام وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شرع في التيمم؛ لكنهم قالوا: إنه يستثنى، ونقول: هذا الاستثناء إذا لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، ولا عن كتاب ربنا دل ذلك على أن ما أصلتموه ضعيف، كما قال ابن تيمية رحمه الله: من قال: إن النية لا بد فيها من استباحة -وعلى هذا التفاصيل- فقد خالف الكتاب والسنة.
قال المؤلف رحمه الله: [ أو نوى الجمع في وقت ثانية من يباح له فلا يبطل تيممه بخروج وقت الأولى؛ لأن الوقتين صارا كالوقت الواحد في حقه ].
يعني: لو نوى الجمع للظهر والعصر في وقت الظهر جاز، ولو كانت صلاة العصر لم يدخل وقتها؛ لأننا قلنا: إنه لو تيمم لوقت فرض لم يدخل وقته لم يصح، إلا إذا نوى الجمع؛ لأن وقت الثانية هو وقت للأولى عند نية الجمع.
يقول المؤلف: إن الطهارة في التيمم عن حدث أصغر تبطل بمبطلات الوضوء بالماء، وهي الخارج من السبيلين، وأكل لحم الجزور، والنوم، وغسل الميت، وزوال العقل كالإغماء والجنون، ومس الذكر، وخروج الفاحش النجس من غير السبيلين كالدم وغيره.
إذاً: كل هذه الأشياء مبطلات التيمم والله أعلم. وكذلك يقال في الحدث الأكبر؛ لأن البدل له حكم المبدل.
قال المؤلف رحمه الله: [ لأن البدل له حكم المبدل، وإن كان لحيض أو نفاس لم يبطل بحدث غيرهما ].
أم نقول: إن المرء إذا صلى بالتيمم، ثم وجد الماء، فإن صلاته باطلة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته )، فهذا واجد للماء، فليتق الله وليمسه بشرته، ولا يتأتى هذا إلا بقطع الصلاة؛ ولقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، فدل ذلك على أنه إن وجد الماء فبطل التيمم، ولعل هذا القول الثاني أظهر وأحوط، والله تبارك وتعالى أعلم.
قلنا: إن التيمم يصح لعادم الماء، أو لعاجزٍ عن استعماله، فالعادم إذا وجد الماء بطل التيمم، والعاجز عن استعماله إن زال سبب العجز كالشخص الذي يشق عليه استعمال الماء كخوف البرد، فإذا زال هذا البرد وجب الوضوء بالماء.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولو في الصلاة فيتطهر ويستأنفها ].
بناءً على القول الراجح عند الحنابلة.
قال المؤلف رحمه الله: [ لا إن وجد ذلك بعدها فلا تجب إعادتها؛ وكذا الطواف ].
فإن وجد الماء بعد ذلك، فلا يعيد؛ لحديث أبي سعيد ( أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا فلم يجدا الماء، فتيمما صعيداً طيباً، ثم وجدا الماء بعد فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة، ولم يعد أحدهما الصلاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أعاد الصلاة والوضوء: لك الأجر مرتين، وقال للذي لم يعد الصلاة وأعاد الوضوء: أصبت السنة )، وإصابة السنة أعظم أجراً من وجود الأجرين.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويغسل ميت ولو صلي عليه وتعاد ].
يقول المؤلف: إن الميت إذا لم نجد الماء الذي نغسله به يممناه، ثم صلينا عليه، فإن وجد الماء قبل أن يدفن، وجب إعادة غسله، وإعادة الصلاة؛ لأنه قبل الدفن كالذي وجد الماء ولم يبحث عنه، أو لأنه صلى بالتيمم في الوقت المختار، مع علمه بوجود الماء في الوقت المختار على الخلاف.
والقول الثاني: أنه إن صلي عليه، فلا يلزم الإعادة، والله أعلم؛ لكن إعادة غسله لا بد.
لعلنا نقف عند هذا الحد، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: إذا نووه فرضاً، يعني: لو الآن نقول: النفل المقيدة، إن كان الذي يريد يصلي هذا النفل قد تيمم لدخول وقت فرض جاز أن يصلي بهذا التيمم، لكنه لو طلعت الشمس مثلاً بطل تيمم الفجر، وإن احتاج لركعتي الفجر وهو لم يصلها وجب عليه أن يتيمم لها.
أما إذا لم ينو هذا الفرض لم يصح، ولهذا قال: لو نوى استباحة فرض وأطلق دون تعيين لم يصح، لكن إذا كان قد تيمم لنية استباحة صلاة الظهر صح للظهر خاصة، إذا كان قد دخل وقتها، وتصح صلاته لفروض قد فاتت.
الجواب: له أجر على تيممه، وله أجر على اجتهاده، فصار له أجران فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، وجزاكم الله خيراً.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الروض المربع - كتاب الطهارة [29] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي
https://audio.islamweb.net