اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , التحديات التي تواجه المرأة للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى جعل الإنسان ممتحناً في هذه الدار التي هي دار عمل ولا جزاء، وجعل له فرصاً للسعي لنجاة نفسه في هذه الدار قبل أن ينتقل منها إلى الدار الآخرة، فللإنسان داران: دار الدنيا، وهي دار عمل ولا جزاء، والدار الآخرة وهي دار جزاء ولا عمل.
وهذه الدار الأولى سميت الدنيا إما أن يكون اسمها مشتقاً من الدنو؛ لقربها؛ فهي قبل الآخرة، أو أن يكون مشتقاً من الدناءة لأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، لكنها مع ذلك هي مطية الآخرة، فما لم يتزود الإنسان من هذه الدار لن يجده أمامه: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ [آل عمران:30].
وقد جعل الله عز وجل للإنسان في هذه الحياة الدنيا ثلاث فرص للنجاة بنفسه من عذاب الله:
الفرصة الأولى: عمر الإنسان الشخصي، الذي بدأ بنفخ الروح فيه وهو جنين في بطن أمه، وينتهي بانتزاع الروح منه إذا أتى أجله؛ كما قال تعالى: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61]، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، فما لم يفعله الإنسان في عمره هذا لا يمكن أن يجده، ونهاية هذا العمر مجهولة؛ فإن ساعة موت الإنسان إنما يعلمها ربه سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يطلع الإنسان عليها؛ لأن أحواله متفاوتة، فمن الناس من يموت في نومه، ومنهم من يموت في يقظته بفجأة، ومنهم من يصاب بمرض يكون سبباً لموته.. إلى غير ذلك؛ ولهذا قال الله تعالى: اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42].
ثم الفرصة الثانية هي: عمر هذه الدنيا؛ فإن لها نهاية حتمية، هي بإذن الله للملك في النفخ في الصور نفخة الفزع، التي يصعق الناس لها جميعاً، ويهتفون أربعين سنة، ثم ينفخ النفخة الثانية فإذا هم قيام ينظرون، وقد أخذ الملك الآن الصور فجعله في فيه وهو مصغ ليتاً؛ ينتظر الإذن، والساعة لا تأتيكم إلا بغته ولا يعلم إتيانها إلا الله عز وجل؛ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ [الأعراف:187].
وما لم يعمله الإنسان قبل قيام الساعة وقبل أشراطها الكبرى فإنه لا ينفعه؛ لقول الله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام:158].
الفرصة الثالثة: ما مكننا الله فيه في هذه الدنيا من أنواع النعم؛ فقد أنعم الله علينا بأنواع النعم؛ فخلق أبانا آدم بيمينه ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وكرم ذريته بأنواع التكريم؛ فقال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء:70]، فقد جعل الله هذا الجنس البشري خليفة في هذه الأرض، وجعله بين صنفين أحدهما أسمى منه، وهم الملائكة، والآخر أدنى منه وهو الحيوان البهيمي.
والملائكة شرفهم الله بالطاعات والتكاليف، ولم يمتحنهم بالشهوات؛ فالإنسان جمع الله له بين التكاليف والشهوات؛ فهو مكلف بتكاليف مبتلىً بالشهوات، والحيوان البهيمي سلط الله عليه الشهوات ولم يمتحنه بالتكاليف؛ فإذا أراد الإنسان أن يسمو ويرتفع فإن عليه أن يؤدي تكاليفه وأن لا يتبع الشهوات، وإذا أراد كذلك الالتحاق بالصنف الأدنى وهو الحيوان البهيمي؛ فإنه يتبع الشهوات ويضيع التكاليف.
لا بد للإنسان في هذه الحياة الدنيا من أزمات وامتحانات تواجهه، وهذه الأزمات هي التي يمحصه الله بها ويعرف مستوى إيمانه ومستوى طاعته، وقد جعلها الله امتحاناً لازماً لكل إنسان؛ قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، ((الــم)) * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)) [العنكبوت:1-3]، فلا بد من هذا الافتتان، وهو سنة كونية مستمرة، لكن لله فيه حكماً عجيبة؛ فما يصيب الإنسان في هذه الحياة الدنيا من الامتحانات في طريق الحق منه ما هو تكفير لسيئاته وذنوبه ومنه ما هو رفع لدرجته ومنه ما هو تثبيت له على طريق الحق، وهذه التحديات يثبت الله فيها أقواماً فتكون قلوبهم بيضاء نقية لا تلتصق بها الفتن، ويصرف بها أقواماً آخرين لا يرتضي خدمتهم للدين ولا يرتضيهم للجنة؛ فيرتدون على وجوههم بعد أن يعرفوا الحق، كما قال تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا [الأعراف:146]، وكما قال تعالى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات:9]، وكما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ المُبِينُ [الحج:11].
وهذه التحديات لا تختص بشريحة من شرائح البشر عن غيرها من الشرائح، بل كل الناس تعروهم هذه التحديات وتطالهم، لكن على كل شريحة أن تعرف ما يواجهها من التحديات؛ لتحذر أن تكتب على وجوهها في النار.
والمرأة كانت في القديم توصف بأنها نصف المجتمع، ولكن الواقع تغير؛ فالمرأة الآن أكثر من نصف المجتمع؛ فقد بين صلى الله عليه وسلم وقوع ذلك وحصوله في آخر الزمان؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن بين يدي الساعة أياماً يظهر فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، ويكثر فيها النساء ويقل الرجال؛ حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ).
ولذلك فلا بد من التركيز على هذه الشريحة لكثرة ما يواجهها من التحديات التي من أعظمها أن هذه الشريحة في الأصل يستغلها أعداء الله عز وجل للصرف عن طريق الحق، وهي كذلك مبتلاة بقوة العاطفة التي كثيراً ما تؤثر على العقل وعلى المصلحة؛ فإن من كان قوي العاطفة؛ كثيراً ما يتأثر بعاطفته في أمر لا يصلح له عقلاً ولا شرعاً.
فلهذا احتاج النساء إلى خصوصية فيما يتعلق بمطاولة التحديات، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ فقد خطب يوم العيد فظن أنه لم يسمع النساء؛ فتوكأ على بلال فوقف على النساء فوعظهن وذكرهن، وقال: ( يا معشر النساء! تصدقن فإن رأيتكن أكثر أهل النار؛ فقالت امرأة: ولم يا رسول الله؟ أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير؛ لو أحسنت إلى أحداهن الدهر ثم رأت منك سوءاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط! ).
وكذلك فإن واحدة من النساء حين أتته صلى الله عليه وسلم فقالت: ( يا رسول الله! إن إخواننا من الرجال قد غلبونا عليك فاجعل لنا يوماً من نفسك؛ اجعل لهن يوم الخميس؛ فكن يجتمعن إليه فيعظهن ويعلمهن )، وكان فيما قال لهن: ( ما من امرأة يموت لها ثلاثة من الولد لم يبلغوا حجاباً إلا كانوا لها حجاباً من النار، فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: واثنين )، وكذلك سألنه عن التصدق على أزواجهن فأرشدهن إلى ذلك وبين أن في ذلك صدقة وصلة.
كل هذا يدلنا على أن هذه الشريحة ينبغي أن يعتنى بها عناية بالغة، وأن في إصلاحها إصلاحاً للمجتمع فيما سواها؛ فإن أهل بيت إذا صلحت منه امرأة واحدة بالإمكان أن تصلح البيت بكامله، وإذا فسدت بالإمكان أن تغوي البيت بكامله، ولاحظوا أن أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها كانت سر فلاح بيتها، وهي التي أتت بـأنس بن مالك وهو في العاشرة من عمره، وهو ولدها اليتيم، الوحيد، فجاءت به إلى رسول الله فقالت: ( يا رسول الله! هذا خويدمك، أنس يخدمك ) ثم سعت لإسلام ابن عمها أبي طلحة الأنصاري ودفعته إلى الإسلام دفعاً حتى أسلم، وكان صوته في الجيش خيراً من فئة أو من مائة، كما في الحديث، وكان لها منه عشرة من الولد اشتهروا بالعلم والصلاح، وكان بعضهم من مشاهير الصحابة، وبعضهم من مشاهير التابعين.
وهكذا؛ فالنساء المؤثرات يصلحن ما وراءهن؛ ولذلك فإن القاعدة الغربية التي تقول: (وراء كل عظيم امرأة) جرب صدقها في كثير من الأحيان، فإن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ما أقدم على كثير من بطولاته إلا بتحديث أسماء أمه له، وهي التي قالت له: (يا بني! إن الشاة لا يؤلمها السلخ بعد الذبح؛ فإن كنت على الحق فاصبر عليه حتى تلقى الله). وكذلك الخنساء هي التي شجعت أولادها على الشهادة في سبيل الله حتى استشهدوا جميعاً في موقعة واحدة، ويقول أحدهم:
يا إخوتي! إن العجوز الناصحةقد ناصحتنا إذ دعتنا البارحة
وكذلك الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يوزن بألف رجل، ما تربى هذه التربية إلا بفعل أمه صفية بنت عبد المطلب ؛ فقد تربى يتيماً في أحضانها؛ فكانت تعوده على كبريات الأمور في صغره وكانت تضربه وتشتد في معاقبته إذا أخطأ، فكان أعمامه ينكرون عليها؛ فكانت تقول:
من خالني أبغضه فقد كذبوإنما أضربه لكي يلب
ويهزم الجيش ويأتي بالسلــب
وأتاها رجل من أعدائه ذات يوم يسأل عنه فقال: أين الزبير ؟ فقالت: خرج إلى النخل فاذهب إليه؛ فذهب إليه فلم تنشغل صفية لعلمها أن الزبير يكفي نفسه، فما مكثت إلا فترة يسيرة حتى جاء الزبير يحمل الرجل على كتفه قد شده وتافه؛ فوضعه فجاءت صفية فقرعته بعود في يدها، فقالت:
كيف وجدت زبرا؟
أعسلاً وتمراً
أم أسداً هزبراً؟!
وكذلك فإن أم الإمام مالك رحمه الله يقول: إنها كانت السبب في علمه؛ فقد كان في خباه لا يشتغل بالعلم، فقالت له أمه: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل أن تتعلم من علمه، قال: فجمعت دراهم فوضعتها في صرة واشترت لي ملابس بيضاً وعممتني بعمامة وقالت: اذهب إلى الحلقة ولا ترجع إلي حتى تكون سيد الحلقة.
وكذلك أم محمد بن إسماعيل البخاري وقد كانت من الصالحات المستجابات الدعاء، لقد تربى في أحضانها يتيماً ليس له أخ ولا أخت، فأصيب بالجدري فعمي وهو في الرابعة من عمره، كف بصره، لكن أمه لم تيأس أن يكون ولدها هذا إمام من أئمة المسلمين وأمير للمؤمنين في الحديث؛ فكانت تجتهد في الصدقة والدعاء وفي قيام الليل، يقول: أيقظتني ذات ليلة فقالت: قم وأبشر! فإني كنت أدعو أن يرد الله عليك بصرك فأخبرت في نومتي هذه بالإجابة؛ فأصبح وقد رد الله عليه بصره، ثم خرج في طلب الحديث فقالت له: إن مغزلي كاف بجمع ما تحتاج إليه من الدنيا، فكانت تعمل بمغزلها وتجمع له كل ما يحتاج إليه من الدراهم والدنانير، فيشتري الكتب ويسافر الأسفار حتى لم تبق مدينة في العالم فيها من يشتهر بعلم الحديث أو العلم إلا دخلها وأخذ عنه.
وهكذا كثير من النساء كن وراء كثير من العباقرة والسادة والقادة في أمتنا الإسلامية؛ لهذا كان التركيز على النساء من لدن أعداء الحق أيضاً تركيزاً عظيماً، والجميع يعرف أن مجال التنافس في هذه الحياة الدنيا بين حزب الله وحزب الشيطان في العامل البشري؛ فحزب الله لا ينافس على الدنيا ولا على المال ولا على السلطة ولا على الشهرة، بل لا يزن هذه الأمور بأي ميزان، لكن إنما ينافس على البشر؛ فهو يريد هداية أكبر قدر ممكن من البشر، وحزب الشيطان يريد إغواء أكبر قدر ممكن من البشر، ومن هنا فمجال التنافس هو البشر؛ لذلك فإن حزب الشيطان لا يجد مجموعة من البشر أياً كانت إلا حاول إغواءها أو أن يزرع فيها من يفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، وهذه سنة حزب الشيطان دائماً، وفي المقابل لا بد أن يقع الدفع؛ لأن من سنة الله أن يبقى التدافع مستمراً في هذه الأرض بين حزب الله وحزب الشيطان ولو توقف هذا التدافع لحظة واحدة لفسدت الأرض، كما قال الله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ [البقرة:251].
لذلك كان لزاماً علينا أن نهتم بالتحديات التي تواجه المرأة المسلمة وبالأخص في عصرنا هذا الذي له خصوصيته؛ فنحن في آخر الأمم وكذلك في آخر هذه الأمة، وكذلك في وسط الفتن التي بين النبي صلى الله عليه وسلم حصولها ووقوعها، فقد صح عنه أنه قال: ( إن بين يدي الساعة أياماً يكثر فيها الهرج )، وبين كذلك: ( إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا )، وكذلك بين صلى الله عليه وسلم ما يخرج بين يدي الدجال من الدجاجلة، ونبه إلى ضرورة المبادرة بالأعمال الصالحة قبل حصول ذلك، فقد أخرج الترمذي في السنن وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بادروا بالأعمال ستاً؛ فهل تنتظرون إلا غنىً مطغياً أو فقراً منسياً أو مرضاً مضنياً أو هرماً مفنداً أو الدجال فـالدجال شر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر )؛ فلذلك لا بد من المبادرة بالأعمال الصالحة في هذه الأمور كلها وهي من التحديات المقبلة التي لا بد أن تقع.
والمرأة في مجتمعنا هذا تواجه نوعين من أنواع التحديات:
النوع الأول: تحديات بدهية موروثة، وهي بعض العادات السيئة التي هي من عادات أهل البادية التي كانت منتشرة في بلادنا هذه، وتحتاج المرأة إلى أن تتعداها وتتركها.
ومن هذه العادات: عادة الاختلاط السيئ التي باضت وأفرخت في البوادي، فأصبح كثير من الناس لا يعرف الاستئذان ولا يعرف الاستئناس، ولا يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والدخول على النساء، قالوا: والحمو يا رسول الله؟! قال: الحمو: الموت )، والحمو قريب الزوج فهو أشد من غيره، لأنه لا يتحفظ منه كما يتحفظ من غيره، ولذلك جعله النبي صلى الله عليه وسلم كالموت.
وكذلك من هذه العادات الموروثة: عادة الجهل وعدم الاهتمام بالعلم؛ فإن كثيراً من النساء في بعض البيئات البدوية ما تهتم بالعلم ولا تعتني به، بل تظن أن الشرع لم ينزل إلا للرجال، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مهتم بالرجال دون النساء؛ فهذا غاية في فداحة الغلط.
وكذلك فإن من هذه العادات السيئة: أن كثيراً من النساء يتلبسن كذلك ببعض الأخطاء التي تدوم؛ فلا يسأل عن حكمها ويكبر عليها الصغير ويشيب عليها كذلك ويموت عنها فتبقى متوارثة كأنها سنة، وما هي إلا خرافة ما أنزل الله بها من سلطان؛ فالعادات التي تتعلق بالولادة وحاجة المرأة إلى أن يكون لها مرافق وقرين وغير ذلك من الأمور السيئة التي هي من عادات أهل البادية، التي ما أنزل الله بها من سلطان، كلها من هذه العادات التي هي من التحديات التي تواجه المرأة.
كذلك من هذه العادات: الضعف البين في شخصية المرأة؛ فإن المرأة البدوية ضعيفة الشخصية فلا تتحمل اتخاذ القرار أبداً، ولا يمكن أن تواجه أهلها بأي قرار جاد، فحتى لو عرفت الحق وأيقنته واقتنعت به لا تستطيع أن تعلن عن رأيها بسبب ضعف الشخصية الناشئ عن هذه العادات البدوية، وهذا مناف للشرع وللتربية الصحيحة التي ربى عليها النبي صلى الله عليه وسلم أمته؛ فكل إنسان له أن يظهر ما اقتنع به من الآراء، وأن يعبد الله سبحانه وتعالى بما يراه صواباً، وهو غير مسئول عن قناعات الآخرين بل هو مسئول عن اجتهاده هو وقناعته؛ فلذلك أصبح كثير من النساء لا يفدن في نصرة الإسلام ولا في نشره لضعف شخصيتهن أمام الآباء والأزواج والأهل وأمام العادات؛ فتخاف المرأة أن تشوه وأن تذكر بسوء إذا أعلنت الحق أو أمرت بمعروف أو أنكرت منكراً، أو سعت في إصلاح أياً كان، وهذا كله ما أنزل الله به من سلطان، وإنما هو تعطيل لأكثر من نصف طاقة المجتمع عن نصرة دين الله عز وجل، ومنع للنساء من الأجر الكثير، وأداء حق البيعة التي بايعن عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بيعة لله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10].
كذلك من هذه العادات البدوية السيئة: عدم عناية النساء كذلك بالطهارة والنظافة في كثير من البيئات، وهذا ما يستمر حتى مع الحضارة، فنجد كثيراً من النساء لا تعتني بطهارتها مع أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر الاستتار من البول؛ قال: ( استتروا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه )، ومر بقبرين جديدين فقال: ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير.. ) ثم قال: ( بلى، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول ).
وكذلك فإن من هذه العادات السيئة: التفريط في الصيام بسبب الإرضاع أو الحمل أو نحو ذلك؛ فإن الرخصة في ترك الصيام للمرضع أو الحامل مقيدة بشرط الضرر، أما إذا كانت المرأة لا تجد ضرراً من الصوم في الحمل أو في الإرضاع ولا تخشى على جنينها من ذلك؛ فليس لها رخصة في الإفطار.
ومثل هذا من العادات السيئة: خروج كثير من الشابات من بيوت الأهل في أوقات الريبة، وعدم سؤال الأهل عنهن، ومشاهدة الأهل لكثير من أنواع الاختلاط السيئ وسكوتهم على ذلك؛ فكل هذا من العادات البدوية المقيتة المخالفة للشرع، التي يلزم تغييرها وهو من التحديات المواجهة للمرأة المسلمة في زماننا هذا، فإنها إذا أرادت أن تقتلع هذه العادات من قريباتها أو جاراتها أو اللواتي تؤثر فيهن فستلقى عنتاً وعناءً مبيناً؛ لأن هذه العادات قد ترسخت من أزمنة طويلة.
أما العادات الخارجية الوافدة: فهي كذلك كثيرة، وهي تحديات بارزة أبرز من سابقتها وأقوى؛ فالنساء تعرضن منذ أواخر الدولة العثمانية إلى كثير من الضغوط بمحاولة نقل ما لدى الغربيين من ثورة النساء والمطالبة بحقوقهن إلى البلاد الإسلامية، وقد بدأ ذلك في تركيا فأقيم فيها أندية لحقوق المرأة والمطالبة بها، وكان تسيسها بالتفسخ والانحلال، وكذلك وصلت هذه الأندية إلى مصر؛ فاشتهرت مسيرة النساء التي طالبن فيها بالتحرر من الحجاب وخلعن ملابسهن أمام الناس، وكذلك في كثير من البلدان الأخرى حتى أصبحت بعض الحكومات تتخذ القرارات بمنع تغطية رءوس النساء في المدارس، كالحال في المغرب وتونس وغيرها، وكذلك في الأوراق الرسمية؛ ففي المغرب وتونس يمنع منعاً باتاً أن يمنح الجواز لأي امرأة تستر رأسها حتى لو كانت أصلح النساء، ولو كانت محجبة في كل الأوقات لا بد أن تأتي بصورة تكشف فيها عن رأسها وتوضع تلك الصورة في الجواز، وهكذا.
فهذا إذاً من التحديات الوافدة التي جاء خطورة عظيمة على النساء ومروق وفسوق يقتضي خروجهن عن أمر الله عز وجل وتعديهن لحدود الله.
وكذلك فإن من هذه التحديات العظيمة التي تواجه النساء وهي وافدة إليهن: المؤامرة التي أقامها المحفل الماسوني حين رأى أن المرأة بالإمكان أن تفسد المجتمع من أصله؛ فسعى لإغواء النساء، وكان من خطته المرسومة أن مهنة السكرتارية ينبغي أن يكون فيها النساء دائماً؛ فلا يمكن أن يخلو مكتب من امرأة تكون سكرتيرة فيه، فتخلو بالرجل وتغلق عليهما الباب وتطلع على أسرار المشاكل، فبالإمكان أن تأخذ منها تلك الأسرار لضعف عاطفتها ولسهولة التأثير عليها، وقد انتشرت هذه المؤامرة في البلدان كلها؛ فأصبحت مهنة السكرتارية في الغالب تختص بالنساء، ومن المعلوم أن أي مدير أو رئيس أو وزير إذا كان له سكرتيرة فلا بد أن تحصل الخلوة بينها وبينه، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الخلوة بالنساء فقال: ( ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما )، وبين الضرر الفادح في ذلك، الماحق بالدين.
وكذلك من هذه التحديات البارزة التي تواجه النساء: أن المنظمات التنصيرية تركز كذلك على النساء في عملها، فيحاول المنصرون دائماً أن يدخلوا من الحلقة الضعيفة في المجتمع؛ فيبحثون عن الأطفال أولاً بتربيتهم من البداية على التنصير، ويبحثون من الأطفال عن الذين لديهم ضعف إما أن يكون ذلك الضعف مرضاً؛ فيحتاج هؤلاء الأطفال إلى علاج فيداووهم، ويكونون عاجزين عن العلاج فتتبنى المنظمات التنصيرية علاجهم لتأخذهم وتغير دينهم، وكذلك إذا كان لديهم ضعف من الناحية التعليمية أو فقر مدقع فتحاول المنظمات التنصيرية دائماً أخذ هؤلاء الأولاد والتأثير عليهم؛ ولذلك يستغلون الحروب والكوارث كالجفاف والمجاعات لأخذ أولاد المسلمين، وقد شاهدنا في جنوب فرنسا مخيماً أقيم لأولاد البوسنة، وفيه أكثر من خمسة آلاف ولد وبنت، تشرف على تربيتهم الكنيسة ولا يعرفون شيئاً عن دين الإسلام ولا عن آبائهم ولا أمهاتهم بل تؤخذ الأموال وتجمع من العالم لتنصير هؤلاء الأولاد الصغار، الذين هم من أولاد المسلمين، ومثل هذا في أولاد إفريقيا؛ ففي البلدان الإفريقية التي تنتشر فيها المجاعات والأوبئة؛ ينشط المنصرون بأخذ أولاد المسلمين بتربتيهم على هذا الدين المحرف المنسوخ المبدل.
كذلك من عادة هذه المنظمات التنصيرية: التركيز على النساء في العمل والتنظيف لأن كثيراً من النساء تجد الحاجة إلى النفقة ولا تجد في كثير من الأحيان الفرص للعمل؛ لأن كثيراً منهن ليس لها من الثقافة للأعمال التي يمكن أن تعود عليها بريع ذي قيمة؛ فلذلك تبادر المنظمات التنصيرية إلى اتخاذ النسوة اللواتي يحتجن إلى المال فتستغلهن استغلالاً بشعاً.
ومثل ذلك ما يرى في هذه الأزمنة كذلك من تحدي وسائل الإعلام؛ فالنساء وجه لهن من البرامج الإعلامية السيئة ما هو أكثر وأكبر، وأشد نكاوة ما وجه إلى الرجال؛ فالقنوات الفضائية تخصص ثلثي وقتها للبرامج التي تهم النساء، وكذلك المجلات الخليعة أكثرها موجه إلى النساء، وكذلك في السينما وغيرها من الوسائل، يراد بها إغواء النساء قبل الرجال.
كذلك من التحديات العظيمة التي تواجه النساء في هذا الزمان: تحدي العمل والإنتاج أو الاتكالية والسلبية؛ فالموازنة بين هذين الأمرين من التحديات البارزة أمام النساء في هذا الزمان؛ فالمرأة إما أن تكون سلبية غير منتجة وهي بحاجة إلى ما يكفيها وما تقوم به بواجباتها، وإما أن تكون كذلك مثل الرجل تسعى للكسب فتفرط في كثير من واجباتها وتخرج عن كثير من آدابها، وتحدي الموازنة بين الأمرين من أبلغ التحديات في زماننا هذا؛ ولهذا فإن كثيراً من الأعمال ينبغي أن يعرف النساء أنها لا تصلح لهن وليس في مهنهن؛ فالمهن العضلية مثل نقل البضائع وحملها، وكذلك المهن التي تقتضي العمل في الأوقات، أوقات الريبة؛ أوقات الليل وأول النهار وآخره، هذه المهن لا تصلح للنساء، إنما يصلح للنساء التدريس أو ما يشبهه من المهن النظيفة التي ليس فيها إعمال للعضلات، ولا تعرض للاختلاط ولا تعرض كذلك للفتن.
وكذلك من هذه التحديات التي تواجه النساء في هذا الزمان: التسيب الاجتماعي الحاصل الذي يقتضي تفكك الأسر وفشو الطلاق في الناس وعدم قيام الرجال بمسئوليتهن في رعاية النساء، وهذا التفكك مشاهد في جميع أنحاء العالم ويشكو منه الناس في كل مكان الآن، وآثاره سيئة؛ لأنه يؤدي إلى عقد نفسية، ويؤدي كذلك إلى مشكلات بين الأقارب قد تصل إلى قطيعة الرحم والاعتداء على الحقوق.
وكذلك من المشكلات التي تواجه النساء والتحديات العظيمة أمامهن: دورهن كذلك في الدعوة إلى الدين في وقت الحاجة؛ فإن حماية البيضة مقدمة على غيرها؛ ولذلك أخرج البخاري في الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رأيت فاطمة و عائشة و أم سليم يوم أحد مشمرات عن أسوقهن يحملن القرب ويصببن الماء في أفواه الجرحى، فإذا جاء تهديد لبيضة الإسلام؛ فلا بد أن يعمل النساء كما يعمل الرجال؛ لأن البيضة مقدمة على ما سواها؛ ولذلك شمرة سيدة نساء العالمين فاطمة رضي الله عنه عن ساقيها وشمرت عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، و أم سليم بنت ملحان رضي الله عنهن أجمعين، شمرن عن أسوقهن يحملن القرب ويصببن الماء في أفواه الجرحى عندما حصلت معركة أحد.
فلذلك لا شك أن المرأة تواجه تحديات عظيمة من هذا القبيل في هذا الزمان؛ فلا بد أن يكون للمرأة الدور البارز الكافي في إقامة الحجة والمشاركة في إعلاء كلمة الله عز وجل والسعي إلى هداية الناس بما تستطيعه، لكن مع ذلك لا بد أن تحافظ على واجباتها في المنزل وفي تربية الأولاد، وأن تعتني بتنظيم وقتها حتى لا يطغى بعض الجوانب على بعض، وحتى لا يكون عملها سلبياً في الجهة الأخرى أو ينعكس عليها لفتور هي عاجزة عن تحمل تبعاته، والتوازن بين هذه الأمور يحتاج إلى فقه وصبر؛ فلذلك هو من أبلغ التحديات التي تواجه النساء في زماننا هذا.
كذلك من التحديات التي تواجه النساء في هذا الزمان: ما يتعلق بإحسان المعاشرة والمعاملة في البيوت؛ فإن كثيراً من النساء تقدم في الأصل على الزواج بشخص على أساس مادي بحت، على أساس أن لديه مالاً أو مستوى اجتماعياً أو وظيفة؛ فإذا حصل وأن أصبحت ربة بيت تبين لها عجزها عن الاستمرار في هذه العلاقة وندمت حيث لا ينفع الندم، وصعب عليها حينئذ تعدي هذا التحدي السافر الذي يواجهها، وهذا النوع من التحديات أساسه الشرعي أن يكون الإنسان قبل أن يقدم على أي قرار ينظر بالمعيار الشرعي ولا ينظر بالمعيار المادي، والمعيار الشرعي هو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في الرجال في قوله: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه؛ فأنكحوه، وإلا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )، وقال في النساء: ( تنكح المرأة لأربع: لحسبها ولجمالها ولمالها ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك )، ومن سار على المعيار الشرعي فإنه لا يندم، وكذلك قبل الإقدام على أي أمر شرع الشارع المشورة، والتثبت من الأخبار، وما ندم من استخار ولا خاب من استشار.
وكذلك من هذه التحديات أيضاً: عدم القدرة على تحمل أعباء مسئولية البيت الجديد والبيت الأول؛ فالمرأة تربت في بيت والديها، ولوالديها عليها من الحقوق الشيء الكثير، ولإخوتها وأخواتها وللزوج كذلك حقوق أعظم؛ فالموازنة بين هذه الحقوق وإيتاء كل ذي حق حقه تحد بارز أمام المرأة؛ فقد ظهر في زماننا هذا بصورة أوضح؛ لأن كثيراً من الأزواج لا يهتم بالعلاقة بأهل المرأة؛ فيريد أن يقطع المرأة من أهلها وأن يجعلها شخصاً لا علاقة به بأحد سوى البيت، وهذا خطأ في التصور ومخالفة للشرع؛ فإن الله عز وجل يقول: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]؛ فلذلك من مقاصد النكاح أن يؤدي إلى المودة والرحمة بين الأسر، وأن يكون سبباً للاتصال لا سبباً للقطيعة.
ولهذا فإن من العادات المتفشية في مجتمعنا أن النكاح يكون سبباً لكثير من أنواع الإفساد التي جاء أصلاً لمخالفتها؛ فعقد النكاح إذا حصل في مكان كان سبباً للاختلاط، وكان سبباً لكثير من المشكلات المخالفة للشرع مع أنه في الأصل يراد به القضاء على هذه الأمور، فلماذا شرع النكاح؟ شرع لمكافحة السفاح ولمكافحة المحرمات وللتعفف عما حرم الله، وكثير من الناس يقلبون هذه العادة فيجعلونها على خلاف ذلك، وكذلك فإن التكاليف التي ستكلفها المرأة وأهلها بسبب النكاح أيضاً هي مخالفة لشرع الله؛ لأن النكاح المقصود به: أن تكرم المرأة وأن تتحمل عنها كل تبعاتها، وأن تكون في بيت الصيانة والحضانة والعفاف، لا تحتاج إلى شيء؛ فأصبحت اليوم بفعل هذه العادات السيئة تعاني من كثير من التكاليف التي ما أنزل الله بها من سلطان، وكذلك يكلف أهلها أيضاً بكثير من التكاليف التي هي أقصى ما يكون من الإجحاف والبعد عن الحق والبعد عن العدل؛ فهم بعد أن أحسنوا بإسداء موليتهم إلى الإنسان، ووثقوا به الثقة الكاملة بعد ذلك يكلفون بأنواع من المتاعب والأشياء التي ما كلفهم الله بها ولا أرشدهم إليها رسوله صلى الله عليه وسلم.
التحدي في تجاوز هذه العقبات كله إما أن يتم بتقوية الإيمان بالله عز وجل والانطلاق من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن إدراك النساء جميعاً أنهن لسن أكرم على الله عز وجل من أمهات المؤمنين ومن بنات المؤمنين صلى الله عليه وسلم، وعليهن أن يرضين بما آتاهن الله؛ فلا يمكن أن ينتزعن حقوقاً لم يعطها الله للنساء، ولا يمكن كذلك أن يكون المطلوب لهن خيراً وأوفر مما تطيب لبنات النبي صلى الله عليه وسلم ولأزواجه أمهات المؤمنين؛ فإذا عرف النساء ذلك عرفن أن العادات السيئة والضوابط الاجتماعية المخالفة للشرع التي يعتبرها بعض الناس من الأخلاق الراقية أو يعتبرونها من الحياء؛ وما أنزل الله بذلك من سلطان، كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل مع أصهاره، وكان علي بن أبي طالب يذهب إلى الحدائق فينتزع الدلي من الماء فيأخذ مقابل كل دلو تمرة فيأتي بالتمر يحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيأكله معه.
وكذلك فإن تقوية إيمان النساء بالله عز وجل وصمودهن وصبرهن في وجه ما يلقاهن من الكيد والأذى والكلام وما ينقل ويروى بين الناس، إذا حصل فإنه مقو لعزائمهن وشخصياتهن؛ فإذا كانت المرأة مؤمنة مصدقة؛ فإنها تعلم أنها لا بد إذا سارت على طريق الحق أن تجد كثيراً من النكبات والأزمات؛ ولذلك لا تقدم على طريق الحق إلا بنفس مطمئنة صابرة، فتعلم أن طريق الجنة محفوف بالمكاره وأن طريق النار محفوف بالشهوات؛ وبذلك تقدم بنفس شجاعة، تريد الوصول إلى الجنة مهما كلف ذلك "لا بد من صنعاء وإن طال السفر" فهي تريد الوصول إلى الجنة وإلى مرضاة الله عز وجل وإلى أن تكون من أولياء الله عز وجل.
فلذلك لا بد أن تجد كل سالكة لطريق الحق كثيراً من المضايقات، وهذه المضايقات منها - وهو أهونها - ما يجري على ألسنة الناس من الكلام والخوض في الأعراض والكلام في الأشخاص وهذا النوع لا يسلم منه أحد؛ فالناس زعموا لله عز وجل المتصف بكل صفات الكمال، المنزه عن كل النقائص، الذي خلقهم وأكرمهم؛ زعموا له صاحبة وولداً: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا [المائدة:64]، وأنبياء الله عليهم السلام ما منهم أحد إلا قيل فيه: ساحر، كذاب، مجنون، كاهن، شاعر، طالب سلطة.. وما ضرهم ذلك شيئاً، وأهل الحق جميعاً لا بد أن يلقوا من التكليف ما لقيه السابقون، لكن تعزية المؤمنات أن يعلمن أن كل واحدة منهن هي حلقة واحدة من سلسلة طويلة فيها كل من سلك طريق الحق؛ فكل نكبة أصابت نوحاً أو إبراهيم أو موسى أو عيسى أو محمداً صلى الله عليه وسلم فتصيب كل سالكي هذا الطريق، وأنا متأكد أن الأخوات الآن في نعم، لو أخبرهن عدل صادق بأن على باب المسجد مسماراً قد دخل في رجل نوح و إبراهيم و موسى و عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم لجاءت كل واحدة تريد أن تطأ هذا المسمار للبركة؛ فهذا المسمار هو بمثابة هذه النكبات التي توجد على طريق الحق.
ولذلك فطريق الحق طريق محفوف بالأشواك، لا بد أن يجد الإنسان عليه الكثير، وأول تحد فيه تحدي الأقارب والأهل؛ فإن الإنسان قد فتح عليه خمس جبهات في وقت واحد، لا بد أن يحاول الانتصار على كل جبهة منها وحدها:
الجبهة الأولى: جبهة الشيطان، والله تعالى يقول: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر:6]؛ فلا بد أن يحاول الإنسان الانتصار على الشيطان.
الجبهة الثانية: جبهة النفس، التي قال الله فيها: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف:53].
الجبهة الثالثة: إخوان السوء والأصدقاء الذين يأمرون الإنسان بالمنكر ويحضونه عليه ولا يعينونه على المعروف، وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقِينَ [الزخرف:67]، وقال فيهم: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا [الفرقان:27-29].
والجبهة الرابعة: الأهل والأقارب؛ فإنهم في كثير من الأحيان يكونون سبباً للانحراف؛ للضغوط التي يمارسونها؛ ولذلك قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14]، وقال تعالى: أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [الأنفال:28].
كذلك الجبهة الخامسة: مفاتن الدنيا وشهواتها؛ فإنها داعية كذلك للغرور، وهي دار الغرور؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن أخوف ما أخافه عليكم ما ستجدون بعدي من زهرة الدنيا؛ فإنها خضرة حلوة، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم إلا آكلة الخضر؛ فإنها رفعت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس؛ فثلطت وبالت ثم رفعت، ولنعم صاحب المسلم هي إن أطعم منها الفقير والمسكين وابن السبيل )، وبهذا إذا عرفت المرأة المسلمة أعداءها الخمسة، واستطاعت الانتصار على هؤلاء الأعداء؛ فإن ذلك سيكون سبباً لانتصارها في الدنيا والآخرة ولتجاوزها لكل التحديات والعقبات ووصولها إلى مرضاة الله عز وجل.
وهذا التحدي الأخير بالخصوص، وهو ما يتعلق بشهوات الدنيا ومفاتنها، وهو الجبهة الخامسة، من الأمور التي أصبحت اليوم ظاهرة بارزة؛ فإن أكثر النسوة دائماً يسعين وراء الموضات ويسعين وراء الاستكثار من الدنيا؛ فمن سعى وراء الدنيا لن يبالي من حلها أخذها أو من غير حلها، ولا يبالي كذلك هل وضعها في محلها أو وضعها في غير محلها؟ وهذا هو الخطر الداهم، كما قال بعض السلف: أكل ما اشتهيت اشتريت؟! لا يمكن أن يكون الإنسان متبعاً لهواه في كل الأمر وإلا قاده إلى النار.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا، وأن يلهمنا رشدنا وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، وأن يوفقنا لأحسن الأعمال والأخلاق، وأن يصرف عنها سيئها، لا يهدي لأحسنها ولا يصرف سيئها إلا هو، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , التحديات التي تواجه المرأة للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي
https://audio.islamweb.net