اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح متن الرحبية [12] للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد كان الحديث في الدرس الماضي في التعصيب، وذكرنا أن أنواع التعصيب ثلاثة: العاصب بالنفس، والعاصب بالغير، والعاصب مع الغير، والعاصب بالنفس ذكرنا أنه لا يكون أنثى، إلا في حالة واحدة، وهي المعتقة، وكذلك معتقة المعتقة، ومعتقة معتقة المعتقة.. إلى آخره.
وكل ذكر يرث بالتعصيب، إلا اثنين: الزوج، والأخ لأم.
وقد ذكرنا الرجال الوارثين، وهم خمسة عشر فجميعهم يرثون بالتعصيب، إلا اثنين، وهما الزوج والأخ لأم، فهما من أصحاب الفروض، وذكرنا أن التعصيب منه ما يكون بالنسب، ومنه ما يكون بالولاء والسبب، والولاء سببه العتق، والعتق يحصل بعدد من الأسباب، إما عتق التطوع، فقد حض الشارع من ملك رقبةً مسلمة على عتقها، ويحصل بالنذر، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً [الإنسان:7]، وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، ( من نذر أن يطيع الله، فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله، فلا يعصه ).
ويحصل بالكفارة، والكفارات التي فيها العتق متعددة، مثل كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة القتل، وكفارة صيام رمضان، من أفطر عامداً في نهار رمضان، فهذه الكفارات فيها العتق، ويحصل كذلك بالمثلة، فإذا مثل الإنسان بمملوكه، وجب عليه عتقه، ويحصل بالسراية، والسراية معناه: أن يسري العتق إلى من أعتق بعضه، فيسري العتق إلى سائره؛ لأننا ذكرنا أن الله لا شريك له، والحر مملوك لله، فإذا كان الإنسان مبعضاً، بعضه لله، وبعضه للمخلوق، أوهم ذلك الاشتراك فيه في رقبته، والله لا شريك له، فلا يقر الشارع ذلك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أعتق شقصاً له في عبد، قوم عليه قيمة عدل )، (قوم عليه قيمة عدل)، معناه: أنه يعتق باقيه وسائره، ويجب عليه، ودفع قيمته لمالكه، قيمة باقيه لمالكه، ويحصل كذلك العتق بالملك، فمن ملك ذا رحم محرم، فإنه يعتق عليه بمجرد ملكه، كمن اشترى أباه الذي كان مملوكاً، فإنه بمجرد الشراء، يعتق عليه، ومن اشترى أمه، ومن اشترى أخاه، ومن اشترى أخته، ومن اشترى عمه، ومن اشترى عمته، فكل ذي رحم محرم، يعتق بمجرد الملك، ومثل ذلك التدبير، وهو قول الرجل لمملوكه: أنت حر عن دبر مني، معناه: إذا مت فأنت حر، وقد ذكرنا أم الولد وأولادها، فأم الولد معناه: المملوكة إذا استولدها سيدها، فولدت منه مضغةً مخلقة، ولو كانت غير حية، فإذا كانت مضغةً، إذا وضعت حملها دماً -أي: علقةً- فلا تتحرر بذلك، لكن إذا ولدته مضغةً، فإنها تتحرر بذلك بعد موته، وله منها قليل الخدمة، ما دام حياً، ولا يحل له بيعها، كما أجمع عليه الصحابة في أيام عمر رضي الله عنه، وتكون هي وأولادها من بعده أحراراً، بعد موته هو.
وكذلك العتق بالكتابة، معناه: أن يعقد الإنسان عقداً مع مملوكه على أن يدفع له ثمناً، يعتق في مقابله، منجماً على الشهور أو على السنوات، فهذه الكتابة أمر الله بها في كتابه، فقال: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [النور:33]، فإنه يعتق عليه بمجرد دفع آخر نجوم الكتابة، وهذا الولاء المترتب على الحرية الطارئة هو لحمة كلحمة النسب؛ ولذلك له ثلاثة أحكام:
الحكم الأول: هو الميراث، وهو الذي يعنينا هنا.
والحكم الثاني: هو الولاية في النكاح، فمعتق الأمة هو وليها في عقد نكاح، إن لم يكن لها ولي نسب أقرب منه، إذا كان لها ولد حر، أو أب حر، أو أخ حر، أو أي قريب أقرب من المعتق، كما ذكرنا في الجهات من قبل، جهات العصوبة، فإنه يكون وليها، وإذا لم يكن لها من هو دونه من الأولياء، فهو الذي يليها.
والحكم الثالث: الولاية في الموت، والولاية في الموت معناه: أن يكون أحق بغسله، وتجهيزه، والصلاة عليه، فأحق الناس بالصلاة على الميت ولي رجي نفعه، الولي، ثم بعد ذلك من وصاه الميت، وصى الميت أن يصلي عليه، ثم الإمام الأعظم، فولي الميت هو الأولى بالصلاة عليه، وتغسيله وتكفينه وتجهيزه، والمعتق ولي معتقه فهو أولى بالصلاة عليه وتكفينه وتغسيله، إلا إذا كان له ولي أقرب منه من النسب.
كذلك الولاء، الأصل أن يكون مباشراً -كما ذكرنا- كمن أعتق، فالمعتق قد ذكرنا أنه يرث معتقه إذا لم يكن له وارث من النسب، وإذا كان له وارث، فإنه يرث ما أبقت الفروض، فهو عاصب في النفس، وكذلك العتيق نفسه، فقد سبق الخلاف فيه، وذكرنا أن ابن تيمية رجح أن العتيق يرث معتقه، إذا لم يكن له وارث من النسب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت هذه اللحمة بينهما، فلا فرق بين المولى المعتِق، والمولى المعتَق، فكلاهما يرث الآخر، إذا مات وليس له وارث من النسب؛ لأن بينهما علاقةً حميمةً وطيدةً مستمرةً، فكلاهما يكون ولياً للآخر، وهذا يقتضي أيضاً إثبات الحكمين الآخرين، معناه: الولاية في النكاح أيضاً، والولاية في الموت؛ لأنهما تبع للإرث.
وينجر الولاء، وذلك أنه يكون بحسب حال الولد، والولد له أحوال في التبعية، إذاً تكتب: تبعية الولد، وهنا -أي التبعية- سنتكلم فيها عن الولد مطلقاً سواءً كان إنساناً، أو غير إنسان، تبعية الولد.
1- يتبع الولد أشرف أبويه في الدين، فإذا كان الولد أبوه مسلماً، وأمه نصرانية، فهو مسلم من الناحية الدينية، وإذا كانت أمه مسلمةً، وأبوه نصرانياً، أو يهودياً، فإنه تابع لأمه، فالعبرة بـأشرف أبويه ديناً، فالذي هو مسلم هو الذي يجره إلى الإسلام أيّاً كان منهما، سواءً كان أباً أو أمّاً.
2- يتبع الولد أمه في الحرية والملك، الولد تابع لأمه في الحرية والرق والملك، ما الفرق بين الرق والملك؟ يتبع أمه في الحرية والرق والملك، والملك معناه: ملك رقبته، إذا كان هو مملوكاً فملكه تبع لملك أمه، من كانت له أمة، فتزوجها عبد لرجل آخر فولدت ولداً فملكه تابع لأمه لا لأبيه، ويستثنى من هذا مسألة واحدة، فيها خلاف، وهي ما لو زوج رجل أمته عبداً لرجل آخر، وشرط عليه أن يكون النسل بينهما، فالعقد فاسد، ولكن إذا حصل النسل فقد اختلف في تبعيته، وهذا الذي يقول فيه أحد شيوخ المحضرة:
وحيث عبد النش كان عقدمدينة لسيدي نجل أحمد
وشرط النش عليه الاشتراكفي نسلها فالكل تحريماً لذاك
ونسلها لسي دلال النشوقيل بل بينهما ومشي
(وحيث عبد النش كان عقد مدينةً)، والمدينة: الأمة، قال الأخطل:
ربت وربا في قرنها ابن مدينةيظل على مسحاته يتركل
فالولد تابع لأمه في الحرية، إذا كانت أمه حرةً، وكان أبوه عبداً، فهو حر، وإذا كانت أمه أمةً، وأبوه حرّاً فهو عبد، إلا في حالتين، يستثنى من هذا حالتان:
الحالة الأولى: إذا تزوج الرجل امرأةً، يظنها حرةً، فبانت أمةً، وقد ولدت منه أولاداً، فأولاده أحرار، تخلقوا على أصل الحرية، ليس عليهم ولاء لأحد، ولكن يجب عليه دفع قيمتهم لمالك المرأة -لمالك الأمة- إذا تزوج الرجل امرأةً، يظنها حرةً، فأولاده منها أحرار، وعليه دفع قيمتهم لمالكها، ويرجع به على من غشه، إذا كان غشه أحد، فقال: هي حرة، فإنه يرجع عليه بتلك القيمة التي يدفعها للمالك، نعم هذه صورة، تكتب.
الصورة الثانية: إذا تزوج الرجل أمة رجل، وشرط عليه حرية أولادها، أن يعتق له أولادها، فإنهم أحرار أيضاً، واختلف في ولائهم، والراجح أنه لمالك الأمة؛ لأنه أعتقهم له.
إذا تزوج الرجل أمةً، وشرط على مالكها حرية نسلها، وهذا الذي يسمى حرية البطن، أن يشترط عليه حرية بطنها، معناها: ما خرج من بطنها، يشترط عليه حريتهم، فهم أحرار، ولا يلزمه دفع قيمة لهم، ولكن ولاؤهم لمالك الأمة، هذا قول، ولاؤهم لمن أعتقهم وهو مالك الأمة، هذا قول.
وقول آخر: أنهم تخلقوا على أصل الحرية، بالشرط السابق فلا يكون عليهم ولاء لأحد، الحرية الأصلية.
والذي يترجح لدي أنه لا ولاء عليهم لأحد؛ لأنهم تخلقوا على أصل الحرية، على مالكها حرية أولاده، فهم أحرار.
إذاً هذا رقم اثنين، فيه ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن الولد تابع لأمه في الحرية، فإذا كانت حرةً فهو حر.
وهو تابع لها في الرق، فإذا كانت رقيقةً فهو عبد.
وهو تابع لها في الملك، حتى لو كان بهيمةً، فابن فرسك، أو ابن ناقتك ملك لك، وإذا كانت الناقة مشتركة، فولدها ملكه على قدر ملاكها، فلا يختص هذا بالإنسان -كما ذكرنا.
3- الولد يتبع أباه في الولاء، فولاؤه لمن له ولاء أبيه.
4- الولد تابع لأبيه في النسب، ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5].
5- الولد يتبع الأخس من والديه، في النجاسة، وحرمة أكل لحمه.
هذا لا يختص بالإنسان، هذا في البهائم.
مذهب الحنابلة والشافعية: أن الفرس طاهرة، وأن لحمها حلال، إذا ذكيت، أنها مما ينتفع بالذكاة، كالبقرة والناقة والعنزة، هذا مذهب الشافعية والحنابلة، ودليله حديث أسماء بنت أبي بكر: ( لقد رأيتنا ذبحنا فرساً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأكلناه ).
وبالنسبة للمالكية: يرون كراهة الفرس، فيجعلونها مثل الحمار الأهلي، والحمر الأهلية جاء فيها النهي، وحمله الجمهور على التحريم، والمالكية يرون ذلك محمولاً على الكراهة، وذلك أن الله يقول في كتابه: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام:145]، فالمالكية يرون أن هذه الآية مقتضية للحصر، قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ [الأنعام:145]، ولم يستثن إلا أربعة أمور، لكن جاء بعدها آيات وأحاديث أخرى، فهذه الآية مكية قطعاً؛ لأنها من سورة الأنعام، وسورة الأنعام قطعاً نزلت كاملةً بمكة، وآية المائدة فيما حرم من المطاعم، هي من آخر ما نزل، أو هي آخر آية نزلت في الأحكام، حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ [المائدة:3]، إلى آخر الآيات، فهذا المقطع من سورة المائدة، هو آخر ما أنزل من آية الأحكام، وقيل: آية الدين آخر ما نزل من آيات الأحكام، وعلى هذا ففيه بعض الإضافات، لكن المالكية يحملون تلك الإضافات على دخولها في جنس الميتة، فكل ما ذكر (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير)، هذه الثلاثة مذكورة، (وما أهل لغير الله به) مذكور، يقولون: (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع)، وكلها داخلات في الميتة؛ لأنه قال: (إلا ما ذكيتم).
والأحاديث منها: ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير )، وقد رأى المالكية أن النهي هنا للكراهة، مع أن في حديث ابن عباس تصريح بالحرمة، ( كل ذي ناب من السباع، فأكله حرام، وكل ذي مخلب من الطير، فأكله حرام )، لكن حديث أبي ثعلبة الخشني، وحديث أبي هريرة، كلاهما حمله المالكية على الكراهة، وعلى هذا، فالولد يتبع أخس أبويه، والخسة معناه: الدناءة فيما يتعلق بنجاسة عينه، وما يتعلق بحرمة أكله، فالبغل ولد للحمار والفرس، فيكون محرم الأكل عند الذين يبيحون أكل الفرس، وهم الشافعية والحنابلة، ويكون روثه وبوله نجساً عند الحنابلة، مع أن الشافعية في الأصل يرون الجميع نجساً، فالشافعية مذهبهم أن اللقب معلل، أن الألقاب معللات، فكل بول، فهو نجس، من أي شيء خرج.
الشافعي عنده الألقابمعللات وأبى الأصحاب
فبول ما يؤكل مثل بولما ليس يؤكل على ذا القول
فمذهب الشافعية أن الألقاب معللة، فكل ما هو بول، فهو نجس، لكن الحنابلة يرون أن بول البغل نجس، لماذا؟ لأنه تابع لأخس أبويه، وهو الحمار، وكذلك لحمه، فهو لا يطهر بالذكاة، ولا يباح أكل لحمه؛ لأنه تابع لأخس أبويه، في حرمة الأكل، وهو الحمار، مع أنهم يبيحون أكل لحم الفرس.
6- الولد تابع للمسقط في الزكاة.
هذه قواعد فقهية تحفظونها، وتنفعكم فيما بعد -إن شاء الله- في كثير من الأمور.
الولد تابع للمسقط في الزكاة، معناه: من كان له بقر، فأرسلها في البراري، فضربت فيها ثيران الوحش، فأتت بأولاد، فهذا القطيع البقري الذي هو مؤلف من البقر الإنسي، والبقر الوحشي، ما حكم الزكاة فيه؟ ساقطةً؛ لأن الولد في الزكاة تابع للمسقط، لا للموجب.
للمسقط، معناه: ما يسقط الزكاة من أبويه، تابع للمسقط من أبويه، المسقط للزكاة من أبويه.
الولد في الزكاة تابع للمسقط، معناه: لمسقط الزكاة من أبويه، فإذا كانت أمه بقرةً إنسية، فهذه ليست مسقطة للزكاة، بل هي موجبة للزكاة، وأبوه ثوراً وحشياً، فهذا مسقط للزكاة، فهو تابع للثور الوحشي.
أنت ملكت أربعين بقرةً، أمهاتها إنسيات، وآباؤها ثيران وحش، فهل تجب عليك الزكاة فيها؟ لا تجب، لماذا؟ لأن الولد في الزكاة تابع للمسقط، لا للموجب من أبويه، هذه تبعية الولد لوالده مطلقاً، سواءً كان أباً أو أماً، سواءً كان الولد إنسياً أو غير إنسي.
فهذا هو الذي يشير هنا إلى أن ولاء الولد تابع لأبيه، لكن ينجر الولاء، وصفة جره إذا زوج الرجل أمته لعتيق حر معتق، فأتت بأولاد، فأعتق الرجل أمته، وأولادها، فالولاء مباشرةً للمعتق المباشر؛ لأنه لا جر حينئذ، لكن إذا زوج الرجل عتيقته لعبد مملوك، وأتت بأولاد منه، وهم أحرار في الأصل، تخلقوا على الحرية، فولاؤهم لمعتق أمهم، إلا إذا حُرر أبوهم قبل موته، فإذا أعتق أبوهم في أي عام قبل موته، سحب ولاءهم، وجره لمعتقه؛ لأنهم إنما لم يتبعوا لأبيهم في الولاء؛ لأنه عبد، لا ولاء عليه، وعندما تحرر جر ولاءه، فإذاً شرط ذلك أن يكون الأولاد لم يسبق عليهم حرية، فإذا سبقت عليهم حرية أصلاً، بأن تخلقوا على الحرية، بأن كان أحد الأبوين حراً أصلياً، كالعبد إذا تزوج حرةً أصلية، فأولاده لا يمكن أن ينجر ولاؤهم إذا أعتق هو؛ لأنهم ليس عليهم ولاء لأحد، وكذلك الأمة، إذا تزوجها حر أصلي، ثم أعتقت، فإن ذلك لا نفع فيه، لا جر للولاء، بل ولاؤهم لمعتقهم، وهو معتق الأمة، وهنا مسألة تسمى مسألة القضاء، أو مسألة القضاة، قد أخطأ فيها أربعمائة قاض، مسألة أخطأ فيها أربعمائة قاض، فاشتهرت لدى الفقهاء بمسألة القضاة أو مسألة القضاء، هذه المسألة هي: هلك هالك عن أبي معتق، ومعتق أب مثلاً، هذه المسألة قبلها، ستفهمونها بها، هلك هالك عن معتق أب، وأبي معتق، فأيهما يرث؟
لا يرث معتق الأب شيئاً، إنما يرث أبو المعتق، فأبو المعتق عصبة للمعتق، وهو أقرب من الجر؛ فلذلك هو الوارث، فأبو المعتق هو الوارث؛ لأن المعتق أولى من معتق الأب، وهذا عصبته، فهو وارثه، والمسألة التي تسمى مسألة القضاة أو مسألة القضاء مرتبة على هذه، وهي: أخوان حران، وأبوهما عبد، فاشترياه، فعتق مباشرةً، اشتريا أباهما، فعتق بمجرد الشراء، فاشترى عبداً فأعتقه، الذي هو الأب، اشترى عبداً، فأعتقه، ثم مات الوالد.
هذا أخوان، معناه: أخ وأخت، اكتب: رجل وامرأة بدل (أخوان)، اكتب رجل وامرأة، ثم مات الوالد، فورثاه بالعصوبة، للذكر مثل حظ الأنثيين، أخوان معناه: رجل وامرأة، فورثاه بالعصوبة، للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم مات عتيقه، فقد حكم أربعمائة قاض بأنهما أيضاً يرثان العتيق بالعصوبة، للذكر مثل حظ الأنثيين. وأخطئوا في ذلك، فقد نظروا إلى أنهما معتقا المعتق، ونسوا أن الرجل عاصب بالنسب للمعتق، فهو مقدم على معتق المعتق.
والأخ مقدم على الأخت؛ لأنه هو يرث أباه بصفته ولداً له، لا بصفته معتقاً له. هي لا ترث الولاء، الولاء لا يورث بالعصبة، هو لو كانت القضية، لو كان العتيق الأول ليس أباً لهما، بأن اشتريا عبداً، اشتراه رجل وأخته، اشتريا عبداً وأعتقاه، ثم اشترى ذلك العبد عبداً، فأعتقه، فمات العبد الأول، فورثاه بالعصوبة، ثم مات الثاني، فورثاه بالعصوبة أيضاً، للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يكون فيها إشكال، لكن هذه القضية الآن تعارض فيها جهتان من جهات العصوبة: النسب والولاء، فيقدم النسب على الولاء، هذا وجه الغلط الذي حصل لأربعمائة قاض.
ولا أعرف وقت النازلة، لكن اشتهرت لدى الفرضيين بمسألة القضاء أو مسألة القضاة؛ لأنها أخطأ فيها أربعمائة قاض.
قال المؤلف رحمه الله: ( باب الحجب ).
الحجب في اللغة: المنع، ومنه حاجب العين؛ لأنه يحجبها عما يصيبها، لو ضرب الإنسان فوق عينه، فإن حاجبه يمنع وصول الضربة إلى العين، ومنه الحاجب؛ أي: البواب الذي يمنع الدخول من الباب.
له حاجب عن كل أمر يشينهوليس له عن طالب العرف حاجب
وفي حديث ( المرأة التي أتاها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تبكي عند قبر، فقال: يا أمة الله! اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمثل مصيبتي، فقيل لها: ويلك، إنه رسول الله، فجاءت إلى بيته، فلم تجد حاجباً ولا بواباً، فقالت: يا رسول الله، والله ما عرفتك، وإني تائبة، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى )، فلم تجد عند بيته حاجباً، ولا بواباً، الحاجب هو الذي يمنع دخول الباب، والبواب الذي يستأذن، فإذاً هذا هو الحاجب في اللغة، والحجب في الاصطلاح معناه: منع من أحرز سبباً من أسباب الإرث من الميراث، فمن ليس له سبب من أسباب الإرث أصلاً لا يحجب، كالشخص الأجنبي، منع من أحرز سبباً من أسباب الإرث من الميراث، أسباب الإرث قد ذكرناها ثلاثة، من يذكرنا بها؟ النسب، والنكاح، والولاء، هذه أسباب الإرث، فمن أحرز سبباً من هذه الأسباب، فجاء شيء يمنعه من الميراث، عرض مانع يمنعه من الميراث، فهذا هو الحجب.
والحجب ينقسم لدى أهل الفرائض إلى قسمين: إلى الحجب بالصفات، والحجب بالأشخاص.
فالحجب بالصفات: هو الاتصاف بالموانع السابقة، قد ذكرنا موانع الإرث، فإذا قتل الإنسان مورثه، فهذه صفة تحجبه من ميراثه، والرق صفة تمنعه من ميراث مورثه.. وهكذا.
فالحجب ينقسم إلى قسمين: حجب صفات، وحجب أشخاص، فحجب الصفات، معناه: قيام مانع من موانع الإرث، بعد تحقق السبب -سبب الميراث.
حجب صفات أولاً، ثم حجب أشخاص، فحجب الصفات: هو قيام مانع من موانع الإرث بالإنسان بعد قيام السبب به، قيام مانع من موانع الإرث بعد حصول السبب.
الحجب قسمان: حجب صفات، وحجب أشخاص، فحجب الصفات معناه: الاتصاف بمانع من موانع الإرث بعد حصول السبب، هذا حجب الصفات، حصول مانع بعد حصول السبب.
وحجب الأشخاص ينقسم إلى قسمين: إلى حجب حرمان، وحجب نقص.
فحجب الحرمان معناه: إسقاط المستحق بالكلية، بمعنى: منع الوارث بألا ينال أي حظ من الميراث، يحرم من الميراث، هو حجب إسقاط.
وحجب النقص معناه: نقص نصيبه.
فحجب الحرمان يحصل بسبب اختلاف الجهة، وبسبب اختلاف الدرجة، وبسبب اختلاف القوة، قد سبق أن العاصب إما أن تتفق جهته ودرجته، وحينئذ لا يحجب إذا اتحدت، إذاً اكتب الحالات الأربع للعاصب في حجب الحرمان:
الحالة الأولى: اتحاد الجهة والدرجة، فلا حجب، كالأخوين، والولدين، حيث كانت الجهة واحدةً، لكن مع ذلك لا يحجب أحدهما الآخر، لكن المهم أنه إذا اتحدت الجهة وجهات العصوبة قد سبق بيانها، وذكرنا فيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: مذهب المالكية والشافعية: أن جهات العصوبة سبعة.
والقول الثاني: مذهب الحنابلة، و أبي يوسف، و محمد بن الحسن الشيباني: أنها ستة.
والقول الثالث: مذهب أبي حنيفة: أنها خمسة.
أبو حنيفة يسقط بيت المال، فلا يراه وارثاً أصلاً، ويجعل الجد مع الأب، فهو من جهة الأبوة، ويجعل أولاد الإخوة مع الإخوة، فهم جهة واحدة عندهم، وبالنسبة للحنابلة، و أبي يوسف، و محمد بن الحسن، يسقطون فقط بيت المال، ويوافقون على أن الإخوة والجد درجة واحدة، وأن أبناء الإخوة درجة مستقلة، يوافقون المالكية والشافعية على ذلك، فإذاً إذا اتحدت الجهة، فكانت جهة الإرث واحدةً، واتحدت الدرجة، لم يكن بعضهم أبعد من بعض، فلا حجب.
رجل توفي عن ولدين، أو عن ولد وبنت، فلا يمكن أن يحجب أحدهما الآخر؛ لأن جهة الميراث واحدة -جهة العصوبة- والدرجة واحدة.
توفي رجل عن ولد، وولد ولد، فالجهة واحدة، هي البنوة، ولكن الدرجة مختلفة، فالدرجة التي هي أقرب حاجبة للدرجة التي هي أبعد، هذا واضح جداً، هو أن الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى، حيث اتحدت الجهة.
إذا اختلفت الجهة سواءً اتحدت الدرجة أو لم تتحد، فالعبرة بالجهة التي هي أقرب، فرجل توفي عن ولد، وأخ، فالدرجة في كلتا الجهتين هي أقرب درجة، الأخ، لا توجد درجة في الإخوة أقرب من الأخ الشقيق، والولد، لا توجد درجة من البنوة أقرب من الولد، لكن هذه الجهة مقدمة على هذه، فيرثه ولده دون أخيه، وأخوه لا يرث مع الولد، نعم.
اختلاف الجهة سواءً اتحدت الدرجة أو لا. فالدرجة المقدمة حاجبة للدرجة المؤخرة، أو لا، فالجهة المقدمة حاجبة للجهة المؤخرة، الابن حاجب للأخ وللعم، فالجهة المقدمة حاجبة للجهة المؤخرة.
اختلاف القوة، فالشقيق حاجب لغير الشقيق، مثلاً الأخ الشقيق حاجب للأخ لأب، والعم الشقيق حاجب للعم لأب، وابن العم الشقيق حاجب لابن العم لأب.. وهكذا، ابن الأخ الشقيق حاجب لابن الأخ لأب، هذه هي القوة؛ لأن القوة هي الشقاقة، معناه: أن تكون جهة الإدلاء متعددةً، والضعف يقابل القوة، وهو أن تكون جهة الإدلاء منفردةً.
ابن الأخ طبعاً هذه جهة، ذاك عند اختلاف الجهة، وقد سبق أن الجهة التي هي القربى مقدمة على الجهة البعدى مطلقاً، والجهة القربى حاجبة للجهة البعدى مطلقاً، اتحدت الدرجة أو اختلفت.
والحجب خاص بالعصبة، والورثة بالنسبة لحجب الحرمان ينقسمون إلى أربعة أقسام:
1- لا يَحجبون، ولا يُحجبون، الزوجان لا يُحجبان ولا يَحجبان، فلا يحجبان أحداً، ولا يحجبان -أيضاً- حجب حرمان، بالنسبة للزوجين كلاهما يحجب حجبي نقص بوجود الولد، فالزوج يحجب حجب نقصان، من النصف إلى الربع بوجود الولد، والزوجة تحجب حجب نقصان، من الربع إلى الثمن بوجود الولد، لكن لا يحجبان حجب حرمان، ولا يحجبان أحداً.
2- يَحجبون ولا يُحجبون، الأبوان وولدا الصلب، الذكور والإناث من الأولاد، أولاد الصلب هؤلاء، يحجبون لكن لا يحجبون أبداً، والوالدان لا يحجبان أبداً، ولكنهما يحجبان، لا يحجبان حجب حرمان، أما الأم فتحجب حجب نقص بوجود العدد من الإخوة تحجب من الثلث إلى السدس، والأب كذلك يحجب حجب نقصان بوجود الولد، إذا كان الميت له ولد، فلا يرث إلا السدس، وإذا لم يكن له ولد، فإنه يرث كل المال إذا انفرد، وما أبقت الفروض إذا كان معه فروض.
الأم تحجب أمها، تحجب الجدة، وتحجب أم الأب -الجدة من جهة الأب-، وتحجب أم أبي الأب، فهي لا ترث معها جدة أصلاً، الأم لا ترث معها جدة.
3- يُحجبون ولا يَحجبون، فالإخوة لأم، فإنهم يحجبون بوجود الأصل الوارث، والفرع الوارث مطلقاً، ولا يحجبون أحداً، نعم يحجبون الأم حجب نقصان عند تعددهم، لكن لا يحجبون حجب إسقاط أبداً.
4- يَحجبون ويُحجبون، وهذه بقية الورثة جميعاً، الإخوة لأم يُحجبون، ولا يَحجبون، يحجبون، لكن لا يحجبون حجب حرمان، كل الكلام هنا عن حجب الحرمان، يُحجبون ولا يَحجبون -اكتب: الإخوة لأم- إذا مات ميت وترك إخوةً لأم وترك بنتاً، فالإخوة للأم لا يرثون شيئاً، كذلك إذا مات وترك أباً أو ابناً أو جداً، فالإخوة للأم يحجبون بالأصول والفصول، نعم، هذا هو التقسيم المشهور لدى أهل الفرائض، ولدينا تقسيم آخر يقال فيه..
القسم الرابع: بقية الورثة جميعاً، فالإخوة الأشقاء والإخوة لأب، والأخوات الشقائق، والأخوات لأب، وبنات الابن، وبنو الابن، والأعمام الأشقاء، والأعمام لأب، وبنو العم الأشقاء، وبنو العم لأب، جميع هؤلاء يَحجبون، ويُحجبون، فكل طبقة تحجب التي هي أبعد منها، وتُحجب هي بوجود الأصل الوارث أو الفرع الوارث، كما بينا، وطبعاً هذا استثناء منه أشياء قليلة جداً، مثلاً قد سبق أن الإخوة الأشقاء، أنهم عاصبون بالنفس، فإذا احتوت الفروض على التركة، لا يرثون شيئاً، ويستثنى من هذا مسألة واحدة، وهي مسألة مشتركة، وسنأتي عليها بعد قليل.
كذلك أن الأخت لا ترث مع العصب، ويستثنى من ذلك الأكدرية، وهي مسألة ستأتي أيضاً قريباً، ترث فيها الأخت مع الجد، فهما مسألتان، فيهما استثناء من هذه القاعدة، هذا هو التقسيم المشهور لدى أهل الفرائض، هذا التقسيم الذي ذكرناه هو المعروف في علم الفرائض، ويمكن أن أضيف إليه تقسيماً آخر، فنقول: الأصول لا تحجب إلا بالأصول، والفروع لا تحجب إلا بالفروع، والحواشي تحجب بالأصول وبالفروع.
فالأصول لا تحجب إلا بالأصول، والفروع لا تحجب إلا بالفروع، والحواشي تحجب بالأصول وبالفروع وبالحواشي.
الأصول لا تُحجب إلا بالأصول، معناه: أن الجد يحجب بالأب، لكن لا يُحجب بغيره، لا يحجب بولد، ولا بأخ، وكذلك الوالد لا يحجب بولد، ولا بأخ، فالأصول لا تحجب إلا بالأصول، والفروع كذلك لا تحجب إلا بالفروع، فالأولاد والبنات لا يحجبهم الوالد، ولا الأخ، لا يحجب الفرع إلا بالفرع، لكن الولد يحجب ابن الابن، الابن يحجب ابن الابن وهكذا.
والحواشي تحجب بالأصول وبالفروع وبالحواشي، من مات وله أولاد فإخوته لا يرثون شيئاً من الإخوة من الحواشي، ويحجبون بالفروع، ويحجبون بالأصول كذلك، من مات وله أب وله إخوة، فالأب حاجب للإخوة؛ لأن الأصول تحجب الحواشي، كذلك الحواشي بعضها يحجب بعضاً، وقد سبق عند اختلاف القوة أو اختلاف الدرجة، فاختلاف القوة: الأخ الشقيق حاجب للأخ لأب، والعم الشقيق حاجب للعم لأب، وهكذا أبناء الأخ الشقيق حاجبون لأبناء الأخ لأب، وأبناء العم الشقيق حاجبون لأبناء العم لأب، هذا عند اختلاف القوة، وكذلك عند اختلاف الدرجة، فالأخ حاجب لابن الأخ، حتى لو حصلت القوة، فالجهة واحدة، والقوة واحدة، ولكن اختلفت الدرجة، فالدرجة المقدمة أقوى من الدرجة المؤخرة دائماً، كذلك الدرجة القربى مقدمة على الدرجة البعدى.
هذا بعض ما يتحدث عنه في حجب النقصان، ونصل الآن إلى حجب الإسقاط.
وحجب النقصان، يرجع إلى سببين: انتقال وازدحام، فالانتقال أربعة أقسام، والازدحام ثلاثة أقسام.
الانتقال أربعة أقسام:
1- الانتقال من فرض إلى فرض أقل منه، كانتقال الأم من الثلث إلى السدس.
2- الانتقال من فرض إلى تعصيب أقل منه بالضرورة، والانتقال، دائماً المنتقل إليه أقل حتى يكون هذا حجب نقصان من فرض إلى تعصيب أقل منه، كانتقال البنت من وارثة للنصف إلى عاصبة وارثة للثلث، بسبب إقرارها بأخ.
هلك هالك عن بنت معروفة النسب إليه، وهي ترث نصف ماله، فأقرت هذه البنت بوارث آخر، وهو أخ لها، فانتقلت من وارث للفرض إلى وارث للتعصيب، ونصيبها أقل؛ لأنها كانت بالفرض ترث النصف، وهي الآن مع أخيها يرثان جميع المال، للذكر مثل حظ الأنثيين، فلها الثلث فقط تعصيباً.
ليست استحقاقاً، هي أقرت بأن هذا الولد أبوه أبوها، هو معروف نسب أبيها، لكن ما كان في مدينتها، فأقرت به هي، قالت: لأبي ولد سواي، وهو فلان، المولود في المكان الفلاني.
3- الانتقال من تعصيب إلى تعصيب أقل منه، قد يقع الانتقال من تعصيب إلى تعصيب أقل منه، فيكون التعصيب جر نقصاً على صاحبه، كالأخت مع البنت، فهي عاصبة مع الغير، ترث النصف، فإذا أقرت بأخ، فإنها تنتقل إلى عاصبة بالغير، فترث مع أخيها النصف، للذكر مثل حظ الأنثيين، الأخت مع البنت عاصبة مع الغير، وهما يقتسمان المال، البنت لها النصف من كتاب الله، والأخت لها النصف، وكذلك من كتاب الله، فهي عاصبة مع الغير، لكن إذا أقرت هذه الأخت بأخ لها، فهذا الأخ سينقلها من التعصيب مع الغير إلى التعصيب بالغير، فأصبحت عاصبةً بالغير، فهي وأخوها يرثان النصف، للذكر مثل حظ الأنثيين، نعم، هي جنت على نفسها في الواقع.
الصورة الأخيرة: الانتقال من تعصيب إلى تعصيب أدنى منه، العاصب مع الغير، كالأخت مع البنت، الأخت، إذا هلك هالك عن بنت وأخت، فالبنت ترث النصف فرضاً، والأخت ترث النصف تعصيباً، وهي عاصب مع الغير، والأخوات قد يصرن عاصبات إن كان للميت بنت أو بنات، فهي عاصب مع الغير ترث النصف، فإذا أقرت بأخ لها، فإنه سيعصبها، وتنتقل من العاصب مع الغير إلى عاصب بالغير، الأخت هذه، فتكون مع أخيها وارثين للنصف بالتعصيب, للذكر مثل حظ الأنثيين، فينتقص نصيبها.
رابعاً: الانتقال من تعصيب إلى فرض أقل منه أيضاً.
هلك هالك عن بنت، وبنت ابن، وابن ابن، فالأصل أن البنت لها النصف، وأن بنت الابن مع ابن الابن يرثان ما بقي، النصف الباقي، بالتعصيب بالغير للذكر مثل حظ الأنثيين، فإذا انتفى هذا الابن المعصب، فإنها تنتقل إلى صاحبة فرض، فترث السدس المكمل للثلثين، فانتقص نصيبها، أصبحت وارثة للسدس في الفرض.
وإعادة: الانتقال من عاصب إلى صاحب فرض، وهو أقل، كانتقال بنت الابن مع البنت -بنت الصلب- من عاصبة مع الغير، عندما يكون لها أخ أو ابن عم معصب، إلى وارثة للسدس، مكمل الثلثين فرضاً، فإذاً هذه أربعة أقسام هي أقسام الانتقال.
عن بنت، وبنت ابن، وابن ابن، نعم، فبنت الابن مع ابن الابن عاصبة، يرثان النصف، للذكر مثل حظ الأنثيين، فإذا لم يكن معها ابن ابن، رجعت، انتقلت إلى صاحبة فرض، ترث السدس المكمل للثلث.
أما القسم الثاني وهو الازدحام:
1- ازدحام في الفرض، كمن هلك عن أربع زوجات، وبنت، فالزوجات لهن الثمن، يزدحمن فيه، لو كانت الزوجة واحدةً، ورثته جميعاً، ولو كانتا اثنتين، ورثتاه جميعاً، ولو كن ثلاثاً، ورثنه جميعاً، وقد صرن أربعاً، فازدحمن فيه، هذا يسمى الازدحام بالفرض؛ لأن الفرض واحد، هو الثمن هنا، أو الربع، إذا لم يكن هناك بنت، ومثل هذا الجدات، قد ذكرنا أن المالكية يورثون جدتين، فإذا هلك هالك، وترك جدةً واحدة، فلها السدس، فإذا ترك جدتين، لم يزد نصيبهما، فلهما السدس، فتزدحمان فيه، الحنابلة يورثون ثلاث جدات، والشافعية والحنفية يورثون أربع جدات، فيزدحمن في ذلك السدس، ومثل هذا أيضاً بنات الابن مع البنت الواحدة، فلهن السدس تكملة للثلثين، فإن كانت واحدةً أخذته، وإن كن اثنتين أخذتاه، وإن كن ثلاثاً أو أربعاً أو عشراً، يزدحمن في ذلك السدس.
2- ازدحام في التعصيب، وهذا مثل المسألة المشهورة بالدينارية الكبرى، مسألة اشتهرت بين أهل الفرائض بالدينارية الكبرى، وهي: رجل توفي، وهو غني، وترك سبعمائة دينار، وترك زوجةً، وأمّاً، وبنتين، وأختاً واحدة، واثني عشر إخوة أشقاء، فأخته لم تنل إلا ديناراً واحداً، فغضبت، فجاءت إلى الشعبي، فقالت: لقد قسم القاضي تركتة أخي، وقد ترك سبعمائة دينار فأعطاني ديناراً واحداً، فقال: هل ترك أخوك: أمّاً، وزوجةً، وبنتين، واثني عشر أخاً غيرك؟ قالت: نعم، قال: ذلك نصيبك، هذه تسمى الدينارية الكبرى، وعكس الدينارية الصغرى التي ترك فيها الرجل سبعة عشر ديناراً، وسبع عشرة امرأة، فورثنه، كل امرأة ترث ديناراً واحداً، وهاتان المسألتان نظمهما الشيخ محمد سالم رحمة الله عليه فقال:
ثلاث زوجات وجدتانوأخوات لأب ثمان
وأربع للأم فالشأن انحصرفي سبع عشرة وسبعة عشر
تأخذ كل امرأة دينارابقسم عبد نوره استنار
فريضة تنمى إلى الدينارتعرف بالصغرى لدى الكبار
وأختها الكبرى التي فيها الفئهموروثهم ورثهم سبعمائه
فلم تفز شقيقة المورثإلا بدينار فلم تكترث
بل ظلت القسمة هذه ضيزىإن لم تميز حظها تمييزا
قيل لها هل كان من بين النفرمن الأشقاء الذكور اثنا عشر
قالت نعم وزوجة وأممع بنات قيل ذاك الحكم
فالدينارية الصغرى هي: ثلاث زوجات، وجدتان، وثمان أخوات لأب، وأربع أخوات لأم، فالجميع سبع عشرة امرأةً، والرجل ترك سبعة عشر ديناراً، كل امرأة تستحق ديناراً واحداً.
وتقدمت الدينارية الكبرى.
3- العول، فإذا زادت الفروض على أصل المسألة، فهذا يسمى عولاً، فينقص من جميع الفروض بالتساوي، لا يظلم أحد، لكن ينقص من جميع الفروض بالتساوي.
امرأة ماتت عن زوج، وأخت شقيقة، وأم، فالزوج يرث النصف. والأخت الشقيقة ترث النصف، والأم ترث الثلث، فزادت السهام على أصل المسألة، زادت الفروض على أصل المسألة؛ لأن أصل المسألة ستة: الزوج له ثلاثة، والأخت الشقيقة لها ثلاثة، والأم لها اثنان، فعالت المسألة، لكن لو كان مكان الأم أيضاً جدة، فالجدة لها السدس.
وسيأتينا -إن شاء الله- أن الفرائض التي تعول: ثلاثة: ستة، واثنا عشر، وأربعة وعشرون.
الستة تعول ثلاث مرات، والأربعة تعول لما بينها وبين العشرة، والاثنا عشرة تعول لما بينها وبين السبع عشرة، والأربعة والعشرون تعول عولةً واحدةً، إلى سبعة وعشرين، إذاً هذا الازدحام في العول، وفي هذا نعرف حجب النقصان أنه يرجع إلى سبعة أقسام، أربعة منها بانتقال، وثلاثة بازدحام؛ لذلك قال المؤلف رحمه الله:
(الجد محجوب عن الميراثبالأب في أحواله الثلاث)
الجد: ميراثه في الأصل له ثلاث حالات؛ لأنه إما أن يرث السدس، وإما أن يرث الثلث، وإما أن يرث ثلث الباقي، إذا كان وارثاً بالفرض، وإذا كان وارثاً بالتعصيب، له المقاسمة مع الإخوة، فإذاً له ثلاث حالات في الفرائض، فإذا كان مع أب، فهو محجوب مطلقاً؛ لأن الأصول تحجب بالأصول التي هي أقرب منها؛ فلذلك قال:
(الجد محجوب عن الميراثبالأب في أحواله الثلاث)
المقصود بالثلاثة: في أحوال الأب الثلاثة، لكن حال هذا اللفظ يذكر ويؤنث، وإذا أنث يمكن أن تثبت التاء، ويمكن أن تحذف، فيقال: حالة، مثل قول الشاعر:
فجاء بجلمود له مثل رأسهليشرب ماء القوم عند التقاسم
على حالة لو أن بالقوم حاتماعلى جوده لضن بالماء حاتم
ويقال فيها: حال أيضاً، فحالة تجمع على حالات، وحال تجمع على أحوال؛ مثل قول أبو الطيب المتنبي:
وحالات الزمان عليك شتىوحالك واحد في كل حال
فإن تفق الأنام وأنت منهمفإن المسك بعض دم الغزال
في أحواله الثلاثة.
(وتسقط الجدات من كل جهةبالأم فافهمه وقس ما أشبهه)
الأم مسقطة لكل جدة؛ لأن الجدة لا ترث إلا بالإدلاء بالأم، سواءً كانت أمها، أو كانت أم الأب، أو كانت أم أبي الأب، فلا ترث إلا ما... الأم؛ فلذلك لا ترث مع الأم، ومن هنا يقال: كل من أدلى بجهة؛ فإنه لا يرث معها إلا الإخوة لأم، الإخوة لأم يرثون مع الأم، وهم يدلون بها، علاقتهم بالميت هي الأم، كل من أدلى بجهة فإنه لا يرث معها؛ أي: مع وجود تلك الجهة إلا الإخوة لأم، فإنهم يرثون معها، فلذلك قال:
(وتسقط الجدات من كل جهةبالأم فافهمه وقس ما أشبهه)
أي: اعلم أن الأصول لا تحجب إلا بالأصول، وأنها تحجب بها حجب إسقاط، وهو حجب الحرمان.
(وهكذا ابن الابن بالابن فلاتبغ عن الحكم الصحيح معدلا)
كذلك ابن الابن، فإنه محجوب بالابن، وهذا عند اتحاد الجهة، واختلاف الدرجة، فالجهة متحدة، وهي البنوة، ولكن الدرجة مختلفة، قرباً وبعداً، فالدرجة القربى مسقطة للدرجة البعدى، وهذا يدل على أن الفرع لا يحكم إلا بالفرع أيضاً -كما ذكرنا- فالفرع يحجب بالفرع ولا يحجب بغيره، والأصل يحجب بالأصل، ولا يحجب بغيره.
(فلا تبغ عن الحكم الصحيح معدلا)، المعدل معناه: مكان العدول، والعدول: الميل، عدل عن الصراط، بمعنى مال عنه، (فلا تبغ عن الحكم الصحيح معدلا)؛ أي: لا تطلب عدولاً عن الحكم الصحيح.
(ويسقط الإخوة بالبنيناوبالأب الأدنى كما روينا)
أما الحواشي، فإنهم يسقطون بالأصول، وبالفروع، ويسقط بعض الحواشي ببعض أيضاً -كما ذكرنا-؛ فلهذا قال: (يسقط الإخوة بالبنينا)، فمعناه: أن الإخوة سواءً كانوا أشقاء، أو لأب، أو لأم يسقطون بالبنين، إذا كان للميت ابن، أو كان له ابن ابن، فذلك مسقط للإخوة مطلقاً.
(وبالأب الأدنى)، كذلك يسقط الإخوة مطلقاً بالأب الأدنى، معناه: بأبي الإنسان دِنْيَةً، أبوه الذي ولده، بخلاف الجد، فستأتي حالاته مع الإخوة.
والأدنى هنا من الدنو لا من الدناءة. أي: الأقرب، الدنيا (فُعلا)، الألف التي فيها ألف التأنيث، وهي مانعة من التنوين، وأنتم تسمعون بعض الناس يقولوا: دنياً وأخراً، وهذا لحن؛ لأن الألف ألف التأنيث، وألف التأنيث مطلقاً يمنع الصرف الذي حواه كيفما وقع، قالوا: دنيا وأخرى، ودنيا مشتقة من الدناءة؛ لأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، أو مشتقة من الدنو؛ لأنها أقرب إلينا من الآخرة، والأب هنا الأدنى.
والأدنى ممنوعة من الصرف؛ لأن ألفها ألف التأنيث، وألف التأنيث يمنع الصرف مطلقاً.
(وبالأب الأدنى كما روينا)، معناه: هكذا روانا مشايخنا، معناه: علمونا من الرواية، أو ببني البنين، كيف كانوا، كذلك أولاد الأولاد؛ لأنهم يسقطون الإخوة أيضاً مطلقاً، سواءً كانوا إخوةً أشقاء، أو لأب، أو لأم، فإنهم يسقطون بولد الابن، ولو نزل.
(سيان فيه الجمع والوحدان)، كذلك يستوي في ذلك الجمع، والوحدان معناه: سواءً كان الولد واحداً، فانفرد، أو كان ولد الولد واحداً، أو كان جمعاً، فإنه مسقط للجميع، بخلاف الإناث، فالإناث عندما نصل إليهن، يحصل التفريق بين عددهن ومفردهن، فبنت الابن تسقط بالعدد من البنات، ولا تسقط بالبنت الواحدة؛ لأنها معها ترث السدس المكمل للثلثين.
والأخت لأب مع الأختين الشقيقتين فصاعداً ساقطة، لكن مع الأخت الواحدة الشقيقة ترث السدس المكمل للثلثين.
والوُحْدان معناه: الآحاد، وهي بضم الواو، على الأفصح، وبكسرها أيضاً.
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهمطاروا إليه جماعات ووحدانا
(ويفضل ابن الأم بالإسقاطبالجد فافهمه على احتياط)
ابن الأم، كذلك الأخ لأم يزيد ويفضل، معناه: يزيد على الأخ الشقيق، والأخ لأب، فيمن يسقطه بالجد، فالأخ الشقيق، والأخ لأب، والأخ لأم، الثلاثة يسقطون بالأب المباشر، وبالولد المباشر، وبولد الولد، يزيد عليهم الأخ لأم بأنه يسقط أيضاً بالجد، وهو الأب غير المباشر، وهذا معنى يفضل، وليس هذا من الفضل الذي هو المنزلة، بل من الفضل الذي هو الزيادة، فيقال: فضل عن كذا، معناه: زاد عليه.
(ويفضل ابن الأم بالإسقاطبالجد فافهمه على احتياط)
(فافهمه على احتياط)، معناها: احتط به، واعرفه من جميع جوانبه.
(وبالبنات)، كذلك الإخوة لأم يسقطون بالفرع الوارث مطلقاً، سواءً كان ذكراً أو أنثى، تعدد أو انفرد، ويسقطون بالبنات، وبنات الابن، سواءً انفردن، أو تعددن؛ ولذلك قال:
(وبالبنات وبنات الابنجمعاً ووحداناً فقل لي زدني)
فيسقط الإخوة لأم، ويحجبون بالفرع الوارث مطلقاً، سواءً كان ذكراً، أو أنثى، سواءً كان مباشراً، أو نازلاً، سواءً تعدد، أو انفرد، فإذا كان للميت بنت ابن ابن ابن، فإنه لا يرثه أخوه لأم؛ لأنه إنما يرثه هو عند الكلالة، والكلالة، معناه: ألا يكون له أصل ولا فرع، وهنا تفريق دقيق بين الحجب بالصفات، والحجب بالأشخاص، فالحجب بالأشخاص يبقى الشخص معه مقدر الوجود، والحجب بالصفات: الشخص معه مقدر العدد، فالشخص المرتد -نعوذ بالله، أو الرقيق، أو القاتل لا اعتبار له أصلاً، حتى لو لم يكن وارثاً، لا يحجب به، فالأم قد سبق أنها تحجب من الثلث إلى السدس بالعدد من الإخوة، والعدد ذكرنا الخلاف فيه: هل هو اثنان أو ثلاثة، وأنه يحصل فيه التعدد، وقد ذكرنا الخلاف أيضاً في الإناث وحدهن، فيمكن أن يكون أخ لأب وأخت لأم، أو أخوان لأم، أو أخوان لأب، أو أخ شقيق وأخ لأب، أو أخ شقيق وأخ لأم، يحصل التعدد، فتحجب الأم من الثلث إلى السدس، لكن هذا حجب بأشخاص، وذلك أن الأشخاص -وإن كانوا محجوبين- غير وارثين، إلا أن لهم وجوداً يحجبون به، وفي الحجب أمر أعجب؛ لأنهم قد حَجبوا، وحُجبوا، لكن المتصف بصفة من الموانع -من موانع الإرث- كأنه لا وجود له، فوجوده كالعدم، فلا يؤثر مطلقاً، لا حجب إسقاط ولا حجب نقص.
(وبالبنات وبنات الابنجمعاً ووحداناً فقل لي زدني)
(فقل لي زدني)، وقبلُ قال لك: (فقل لي حسبي)، ما الفرق بينهما؟ أنه هناك عند إكماله للفروض، وهنا ما زال في أثناء الكلام على الحجب؛ ولذلك فقال: (فقل لي زدني)، معناه: أنك استوعبت الماضي، وتريد أن تزاد فيه.
(ثم بنات الابن يسقطن متىحاز البنات الثلثين يا فتى)
بنات الابن يسقطن عند تعدد البنات؛ لأن بنات الصلب إذا تعددن، ورثن الثلثين، ولا يرث البنات أكثر من الثلثين أبداً، وعند انفراد بنت الصلب، فإنها ترث النصف، فيبقى من نصيب البنات السدس، فتعطاه بنات الابن، وهو السدس المكمل للثلثين، وكذلك الأخوات؛ فلذلك قال:
(ثم بنات الابن يسقطن متىحاز البنات الثلثين يا فتى)
متى يحوز البنات الثلثين؟ إذا تعددن، معناه: إذا كن اثنتين فصاعداً.
(إلا إذا عصبهن الذكر)، وهذا الذي سميناه من قبل القريب المبارك؛ لأنها لا ترث بدونه، هي ساقطة بدون وجوده، لكن بوجوده أصبحت عاصبةً، وانتقلت من سقوط إلى عاصبة؛ فلذلك قال:
(إلا إذا عصبهن الذكرمن ولد الابن على ما ذكروا)
وهنا قال: (الذكر من ولد الابن)، معناه: سواءً كان أخاً لها، أو ابن عم لها، أو كان أنزل منها درجةً، إذا احتاجت إليه، فمن هو أعلى منها درجة يحجبها، ولا يعصبها، ومن هو مساو لها، سواءً كان أخاها، أو ابن عمها، أو من هو أنزل منها درجةً، يمكن أن يعصبها، فترث معه ما بقي، للذكر مثل حظ الأنثيين.
رجل كان له ولدان، فترك أحدهما ولداً، والآخر بنتاً، وماتا في حياته، ثم مات هو، فورثته بنت أحد أبنائه، وولد أحد أبنائه، فهما فيما بينهما ابنا عم، لكن بالنسبة للميت هما ابنا ابن.
(ومثلهن الأخوات اللاتييدلين بالقربى من الجهات)
كذلك الأخوات المدليات بالأبوين معاً؛ أي: الأخوات الشقائق، فإنهن إذا أخذن فرضهن، وهو بالتعدد، فورثن الثلثين، يسقط الأخوات لأب، وإذا لم يتعددن، فكان للميت أخت شقيقة، وأخت لأب، فالأخت الشقيقة ترث النصف، والأخت لأب تكمل الثلثين لميراث السدس الباقي، السدس المكمل للثلثين؛ ولهذا قال: (ومثلهن)؛ أي: مثل البنات الأخوات في هذا الحكم، فالأخوات لأب مثل بنات الابن، والأخوات الشقائق مثل بنات الصلب، فإذا تعددن حجب الأخوات لأب، وإذا انفردت الأخت الشقيقة، فإن الأخوات لأب يرثن السدس المكمل للثلثين.
(ومثلهن الأخوات اللاتييدلين بالقربى من الجهات)
(إذا أخذن فرضهن وافياأسقطن أولاد الأب البواكيا)
أولاد الأب: هن بنات، ولسن أولاداً، وهذا التعبير فيه خلل.
(إذا أخذن فرضهن وافيا)، معناه: إذا تعددن، إذا تعدد الأخوات الشقائق، فإنهن يسقطن اللواتي لأب.
(إذا أخذن فرضهن وافيا)، يمكن أن تقول: (تسقط بنات أبِهِ بواكيا)، فهذا على لغة القصر، وهي لغة من لغات الأسماء الخمسة المعروفة.
يسقط بنات أبِهِ بواكيا، نعم، وهذا على الجزم بـ (إذا)، و(إذا) حرف شرط، وهي تجزئ في الشعر، لا في النثر.
واســـتـــغـن ما أغناك ربك بالغنىوإذا تـــصبـك خـــــصــــاصة فتجمل
أولاد بدل البنات، والمقصود هنا أنهن يسقطن بنات الأب؛ أي: الأخوات لأب، فتركنهن بواكيَ، لا حظ لهن في الميراث، عندما يتعدد الشقائق، فالأخوات لأب بواكٍ، لا حظ لهن في الميراث، والبواكي جمع باكية بالتأنيث، فواعل مختصة في الأصل بالمؤنث، هذا الأصل فيها، إلا غير العاقل كالصواهل، فالصواهل تطلق على الذكور والإناث من الخيل، ولكن فواعل في الأصل للإناث.
وعر قلوصي في الركاب فإنهاستفلق أكبادا وتبكي بواكيا
(وإن يكن أخ لهن حاضراعصبهن باطناً وظاهرا)
هذه أيضاً (باطناً وظاهراً) تكميل لا فائدة فيه، إذا كان للأخوات لأب أخ لأب، سواءً كان شقيقاً لهن، أو كان منفرداً، فإنه يعصبهن، وحينئذ ينتقلن من ذوات فرض إلى عاصبات بالغير، فيرثن ما أسأرت الفروض، ما تركت الفروض من التركة، يرثنه مع الأخ، للذكر مثل حظ الأنثيين.
(وليس نجل الأخ بالمعصبمن مثله أو فوقه في النسب)
ابن الأخ لا يعصب ابنة الأخ، ابنة الأخ لا ترث مطلقاً، سواءً كانت ابنة أخ شقيق، أو ابنة أخ لأب، أو ابنة أخ لأم، ابنة الأخ لا ترث مطلقاً، كابنة العم، سواءً كان شقيقاً، أو عمّاً لأم، فإنها لا ترث مطلقاً، فلا يعصبها أخوها، فابنة الأخ لا تعصب مطلقاً، سواءً كانت ابنة أخ شقيق، أو كانت ابنة أخ لأب، وكذلك غيرها من النساء، فإنما يعصب الابن، أو الأخ فقط، وبقية العصبة، لا يعصبون أخواتهم.
ثم قال: ( باب المشركة أو المشتركة ).
هذه فريضة من الفرائض المسماة، والفرائض المسماة، معناه: التي اشتهرت باسم محدد، وهي فريضة عرضت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقسمها أولاً باجتهاده، وبعد عام تكررت النازلة، فعرضت عليه، فقسمها على القسمة الأولى، فخاصمه أصحابها، فخرج عن اجتهاده الأول ليغير اجتهاده، ومع ذلك لم يعدل حكمه الأول؛ لأنه كان حكماً اجتهادياً صحيحاً بمقتضى الاجتهاد، وهذه طريقة عمر في القضاء، أنه كلما تجددت نازلة، لا بد أن يجدد فيها الاجتهاد؛ ولذلك كتب في كتابه لـأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ولا يمنعنك قضاءً قضيت فيه بالأمس، فراجعت فيه نفسك، فهديت به إلى رشدك، أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، لا ينقضه شيء، وإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
وهذه القضية تسمى المشتركة، وتسمى المشركة، وتسمى اليمية، وتسمى الحمارية.
فتسمى المشركة؛ لأنه شرك فيها الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم، وكذلك المشتركة؛ لأن نصيب الإخوة لأم -وهو الثلث- اشترك فيه معهم الإخوة الأشقاء، وتسمى اليمية نسبةً إلى اليم، والحجرية، والحمارية؛ لأن الذين خاصموا قالوا لـعمر: هب أن أبانا كان حماراً، أو حجراً ملقًى في اليم، أليست الأم تجمعنا؟ فعرفها، وسبب ذكرها هنا مع الحجب: أنها استثناء من الحجب الذي ذكرناه؛ لأن الأصل أن العاصب، إذا احتوت الفروض على التركة، لا يرث شيئاً، ويستثنى من ذلك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأب في هذه المسألة، عند الذين يرون تورثيهم.
فقال:
(وإن تجد زوجاً وأما ورثاوإخوةً للأم حازوا الثلثا)
(وإخوة أيضاً لأم وأبواستغرقوا المال بفرض النصب)
(فاجعلهم كلهم لأمواجعل أباهم حجراً في اليم)
(واقسم على الإخوة ثلث التركهفهذه المسألة المشتركه)
زوج، وأم، وإخوة لأم، وإخوة أشقاء، فالمسألة من ستة على الأصل، وأصحاب الفروض فيها قد احتووا على التركة بكاملها؛ لأن الزوج يرث النصف، عند عدم وجود الفرع الوارث، والأم ترث السدس، لوجود العدد من الإخوة لأم، والأشقاء، والإخوة لأم؛ لأنهم عدد، يرثون الثلث، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، فهذه المسألة اختلف فيها العلماء على قولين:
القول الأول: أنها يسقط فيها الإخوة الأشقاء، ولا يرثون شيئاً، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة، فيرون أن الإخوة الأشقاء لا يرثون شيئاً أصلاً؛ لأن الفروض قد احتوت على الأنصباء، ولم يبق لهم شيء، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر )، فألحقت الفرائض بأهلها، فلم يبق شيء.
القول الثاني: مذهب المالكية والشافعية: أن الإخوة الأشقاء يجعلون كالإخوة لأم، فيرثون معهم ثلثهم؛ لأنهم ليسوا أضعف منهم بالإدلاء، الإخوة لأم يدلون بأم، والإخوة الأشقاء يدلون بأم وأب، فزيادتهم في القوة لا تقتضي حجراً، ولا منعاً، فالعدل يقتضي إشراكهم معهم، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه اجتهد في المسألة الأولى، فقسمها على نحو مذهب الحنفية والحنابلة، فحرم الإخوة الأشقاء، وبعد عام تكررت النازلة، فجاء الإخوة الأشقاء، فقالوا: يا أمير المؤمنين، هب أن أبانا كان حماراً أو حجراً يلقى في اليم، أليست الأم تجمعنا؟ فقال: أعيدوا علي ما قلتم، فأعادوه عليه، فقال: ما هو إلا الثلث فأنتم فيه شركاء، فقسمه بينهم، فجاء الأولون فقالوا: يا أمير المؤمنين، أعطيت هؤلاء وحرمتنا؟ فقال: تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي، فالاجتهاد يقتضي استقرار القضاء وعدم نقضه، وإذا كانت النازلة كل مرة إذا تجدد فيها الاجتهاد، تنقض جميع القضايا السابقة، لا يكون القضاء ثابتاً، وتتردد الأملاك، فلذلك يحتاج فيه إلى الثبات والاستقرار، وحكم القاضي لا يتعاقب، ما دام القاضي على قضائه إذا كان عدلاً؛ ولذلك قال ابن عاصم رحمه الله:
والحكم العدل على قضائهخطابه لا بد من إمضائه
والتعقب يختص به أحكام أهل الجور، فمن كان من القضاة من أهل الجور، ثبت عنه أنه يأخذ الرشوة، أو ثبت عنه الجهل في حكم الشرع، أو ثبت عنه الميل مع الهوى، فتتعقب أحكامه، وينقض منها أربعة: هي ما خالف نصّاً من كتاب أو سنة، وما خالف القاعدة الفقهية المتفق عليها المسلمة، وما خالف جلي القياس الواضح، وهذا الذي يقول فيه الفقيه:
إذا قضى حاكم يوما بأربعةفالحكم منفسخ من بعد إبرام
خلاف نصٍ وإجماعٍ وقاعدةٍكذا القياس الجلي قدك إفهام
فنحن الآن نقسم هذه المسألة على مقتضى مذهب الحنابلة والحنفية، الزوج له واحد على اثنين، والأم لها واحد على ستة، والإخوة لأم لهم واحد على ثلاثة، والإخوة الأشقاء ليس لهم شيء، فإذاً نجعل هنا الزوج له ثلاثة، والأم لها واحد، والإخوة الأشقاء لهم اثنان، إذا كانوا مثلاً أخوان لأم، اكتبوا هنا: أخوان لأم؛ حتى لا تنكسر، فإذاً المسألة الآن منقسمة تماماً من ست، لكن إذا أخذنا بمذهب المالكية والشافعية، فإننا نقسمها تقسيماً آخر، فنقول: الزوج له واحد على ثلاثة، والأم لها واحد على ستة كذلك، والإخوة: الأخوان لأم، ومعهم الأخوان الشقيقان أيضاً، فالجميع لهم الثلث لهم واحد على ثلاثة، فلذلك نجعل الزوج وحده، والأم وحدها، والجميع اثنان هذه درجة واحدة، هؤلاء جميعاً لهم اثنان، وهذه واحد، وهذه ثلاثة، فحصل الانكسار في اثنين على أربعة والكسر مباين مثلاً.
أقصد هي اثنين على ثلاثة هذا خمسة، على الإخوة الأشقاء ثلاثاً مباين، فنضرب أصل المسألة في الخمسة، في العدد المنكسر، فأصل المسألة ستة مضروبة في خمسة، ثلاثون، فمن له شيء في أصل المسألة أخذه مضروب فيما ضربت فيه، فالزوج له ثلاثة مضروب في خمسة، أي: خمسة عشر، والأم لها واحد مضروب في خمسة: خمسة، والبقية الخمسة هؤلاء لهم عشرة كل واحد له اثنان، فكان هو جزء السهم بالنسبة للعشرة، فهذه قسمة المالكية والشافعية في المسألة.
هنا لا بد من مراعاة القيود، وإن تجد زوجاً وأماً ورثا، الأم هنا المقصود بها ذات السدس سواءً كانت أماً أو جدةً، ما في تغيير، لو كان مكان الأم جدة، لكن لو كان مكان الزوج زوجة، تغيرت، نعم؛ لأننا لا نريد أن يفضل شيء عن الفروض.
وإخوةً لأم، لو كان أخ واحد لأم أيضاً، تغيرت؛ لأنه يبقى السدس، يرث السدس، ويبقى السدس للإخوة الأشقاء، يقتسمونه فيما بينهم، وهنا قيد آخر، وهو أن الإخوة الأشقاء ورثوا بصفة الإخوة لأم، والإخوة لأم ذكرهم، وأنثاهم سواء، فهؤلاء ثلاثة إخوة أشقاء، لو كانوا اثنان، إذا كانوا ذكرين وأنثى مثلاً، لو كانوا ذكرين وأنثى، فإن القسمة لا تختلف؛ لأنهم لا يرثون بالإدلاء بالأب، وإنما يرثون بالإدلاء بلأم، والإخوة لأم ذكرهم، وأنثاهم سواء، فالإخوة الأشقاء هنا يدلون بالأم، فذكرهم، وأنثاهم سواء، كالإخوة لأب، لا فرق إذاً في المسألة بين ذكرهم، وأنثاهم في المشتركة بالخصوص، فالمشتركة قد يقع الاختلاف فيها في جوانب أخرى، فتختل، تخرج عن الاشتراك.
لكن إذا كان عدد الإخوة لأم اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، لا فرق؛ لأن نصيبهم الثلث دائماً، والإخوة الأشقاء أيضاً لو كان فيهم ذكر، وأنثى، فلا فرق؛ لأنهم يرثون بصفة الإخوة لأم، فالإخوة ذكرهم، وأنثاهم سواء، لا يرثون للذكر مثل حظ الأنثيين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا إيماناً ويقيناً وصدقاً وإخلاصاً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح متن الرحبية [12] للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي
https://audio.islamweb.net