إسلام ويب

من رحمة الله بعباده أن شرع لهم عبادات متنوعة؛ حتى تتناسب مع أحوالهم وميولهم، ومن تلك العبادات: صيام رمضان الذي يأتي في العام مرة واحدة، وهذه العبادة لها شروط وأحكام ومستحبات.

تنوع العبادات في الشريعة الإسلامية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فالله سبحانه وتعالى شرع شرائع وفرض فرائض وحد حدوداً، وبين هذه الفرائض وهذه الشرائع وهذه الحدود للأمة وفصلها في كتابه وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ودلل عليها وبينها وأحكمها وجلاها وأوضحها حتى تقوم الحجة على الناس كافة.

ومن هذه الشرائع والفرائض التي شرعها الله سبحانه وتعالى للناس: أركان الإسلام الخمسة، ومن هذه الأركان: الصيام، إذ جعله الله سبحانه وتعالى ركناً رابعاً من أركان الإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً )، فهذه هي أركان الإسلام، والأركان: هي الدعائم التي يبنى عليها أو يقوم عليها بناء الإسلام، وذلك أنها إذا زالت هذه الأركان مجتمعة لا قيمة لهذا البناء.

تنوع الشرائع من جهة الصفة والهيئة والعدد

والله سبحانه وتعالى ينوع الشرائع ويعددها من جهة صفتها وهيئتها، ومن جهة زمانها ومكانها، ذلك لجملة من الحكم: من هذه الحكم: لما فطر الله عز وجل الإنسان عليه من جبلة الملل والسآمة؛ فإن الإنسان يسأم حتى من العمل الصالح التعبدي، وليست العلة في العمل الصالح، ولكن العلة فطرية قائمة فيه؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما جاء في الصحيح: ( مه! عليكم من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا ).

فقوله: (من العمل ما تطيقون) يعني: ما يطيقه الإنسان من العمل؛ حتى لا يكثر على نفسه بالاستدامة على عمل معين ولا ينوع في ذلك، أو يستكثر إكثاراً يفقد النفس من ذلك شهوتها ورغبتها وإقبالها على العلم، فرغبة الإنسان في هذا هي على التنويع، فجاءت العبادات منوعة؛ فجاءت الصلاة العبادة البدنية، وجاء الصيام وهو ما يتعلق بالأكل والشرب، وجاء ما يتعلق بالزكاة في الأمور البدنية، وجاء أيضاً ما يتعلق بالأمور الاجتماعية من صلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجار، وإكرام الضيف، وغير ذلك مما يتعلق من منظومة العبادة.

تنوع الشرائع من جهة الزمان والحكم

وكذلك اختلفت من جهة الزمان، فمنها ما يكون ليلاً، ومنها ما يكون نهاراً، ومنها ما هو أسبوعي، ومنها ما هو شهري، ومنها ما هو حولي، ومنها ما هو فصلي؛ ولهذا نوعها الله سبحانه وتعالى فجاء ثمة شرائع يومية، وشرائع يومية منها ما هو واجب ومتأكد، ومنها ما هو ليس بواجب وليس بمتأكد فيدخل في دائرة الاستحباب، والاستحباب جعله الله عز وجل على مراتب: منه ما هو من الأمور المتأكدة، ومنه ما هو من الأمور غير المؤكدة، مثل السنن والمستحبات في ذلك؛ ولهذا جاءت الشريعة بهذا التنوع، فلا يوجد عبادة من العبادات إلا وفيها تنوع في زمانها، فنجد مثلاً ما يتعلق بالصلاة، جعل الله سبحانه وتعالى الصلاة في أوقات أو ساعات الليل والنهار، وجعل الله سبحانه وتعالى أيضاً هذه الشعيرة العظيمة، جعل منها فرائض، وجعل منها نوافل، وجعل منها ما يكون في بيت الإنسان، ومنها ما يكون في المسجد، وذلك كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح: ( أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة ).

وجاءت أيضاً هذه الشرائع منها ما هي مطلقة وغير محددة بوقت معين ولا بمكان، وذلك من النوافل العامة التي يتعبد بها الإنسان في صلاته، ومنها ما هي مقيدة بمناسبة معينة، المناسبة إما أن تكون مكانية كدخول الإنسان للمسجد، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد وغيره: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) ، ومنها ما هو مقيد بعمل يفعله الإنسان، وذلك كصلاة ركعتين بعد الوضوء، وغير ذلك من الأعمال التي يجعلها الله سبحانه وتعالى متنوعةً تدور مع الإنسان، لماذا؟ حتى توافق رغبة من الإنسان حتى يستكثر، فتكثر المناسبات حتى يقبل الإنسان على العمل.

وكذلك الحج جعل الله عز وجل فيه فريضة، وجعل فيه نافلة، وجعل من جنسه ما زمانه متسع، فيستطيع الإنسان أن يؤدي العمرة وهي من جنس الحج وأعماله يفعلها الإنسان متى شاء من أيام السنة.

من حكم تنوع العبادات

والله سبحانه وتعالى يعدد هذه المناسبات وينوعها رحمةً بالعباد، لماذا؟ حتى يستكثروا من العمل الصالح إذا لم تناسبه هذه تناسبه التي تليها، وإذا لم تناسبه التي تليها تناسبه الأخرى وهكذا، فيجد الإنسان أنه قد حصل عملاً صالحاً وفيراً.

وكذلك اختلاف أحوال الناس من جهة الإقبال على العمل، فمن الناس من يستروح إلى شيء من الأعمال ويقبل عليه، ويجد من ذلك كلفة في بعض الأعمال، والله سبحانه وتعالى جعل أعمال البر متعددة متنوعة بما يتناسب مع فطرة الإنسان وكذلك إمكانيته وقدرته التي آتاه الله عز وجل إياها، فجعل الله سبحانه وتعالى العبادات تتناسب مع قدرة الإنسان وإمكانه.

ولهذا نجد أنه في أعمال البر والصدقات والإحسان، لم يجعل الله عز وجل الثواب للإنسان على ما يقدم من عطاء، وإنما يؤجر الإنسان على ما يبقى لديه؛ والنبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في حديث عمر بن الخطاب عند الترمذي وغيره، قال عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى: ( لأسبقن أبا بكر إن سبقته يوماً ) ، يعني: يريد أن ينافس عمر بن الخطاب أبا بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى في عمل من الأعمال، وذلك لمنزلة أبي بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقدامه عليه، وهذا نوع من المنافسة بالخير، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يستنفق الصحابة وأن يطلب منهم الإكثار من الصدقة، وذلك في مناسبة من المناسبات في غزوة من الغزوات، فجاء أبو بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى بماله كله وجاء عمر بن الخطاب بشطر ماله.

انظروا إلى سؤال النبي عليه الصلاة والسلام لـعمر بن الخطاب ولـأبي بكر ! لما جاء أبو بكر عليه رضوان الله تعالى بالمال، قال له النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما أبقيت لأهلك؟ ) ، ما قال له النبي عليه الصلاة والسلام: كم أنفقت، قال: كم أبقيت؟ ( فقال أبو بكر الصديق: أبقيت لهم الله ورسوله، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام عمر بن الخطاب فقال له: كم أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم شطر مالي )، النبي عليه الصلاة والسلام سأل: كم أبقى وما سأل: كم أنفق؟ لأن الله سبحانه وتعالى يجعل المال من جهة نفاسته بإمكان الإنسان، من الناس من يملك ألفاً ومن الناس من يملك مائة ألف، النفاسة المالية لدى الإنسان صاحب الألف توازي النفاسة المالية عند الإنسان إذا كان لديه مائة ألف، فإذا أنفق شطر الألف قد يوازي عند الله عز وجل الذي ينفق شطر المائة ألف؛ وذلك لنفاسته عنده؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى يأجر الإنسان بما يتركه من حاجة وفاقة بعد إنفاقه؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام جاء عنه في الخبر أنه قال: ( درهم سبق ألف دينار ) ، يعني: أن الإنسان الذي ينفق درهماً لا يملك إلا إياه يسبق من أنفق ألف دينار وهو يملك ألوفاً مؤلفة من الدنانير.

وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده: أن نوع العبادة من جهة الزمان، ونوعها من جهة المكان، ونوعها من جهة المناسبة، ونوعها من جهة قدرة الإنسان، فمن الناس من هو أشل لا يستطيع أن يؤدي الصلاة قائماً، فلو كانت العبادة مجردة للصلاة فقط ولا يوجد غير هذه الصلاة يؤديها لوجد بعض الناس في نفسه حسرة وانكساراً أن الناس تتقرب إلى الله سبحانه وتعالى ولا يوجد لديه شيء يقربه إلى الله سبحانه وتعالى كما يفعل الناس، فجعل أبواباً من ذلك متعددة منها الصيام، ومنها الصدقة، ومنها ذكر الله عز وجل، ومنها قراءة القرآن.

فكان هذا التنوع من أمور العبادة يناسب قدرة الإنسان وعجزه، فكان في منظومة المدافعة التي أوجد الله عز وجل الإنسان عليها، السنة الموجودة في الخلق سنة قدرة مالية، سنة قدرة بدنية، وقدرة ذهنبة، وقدرة مكانية، ويختلف الناس في طبائعهم: فمن الناس من هو في بلد فقر ومن الناس من هو في بلد غنى، ومن الناس من هم في بلد بسطة في الجسم، ومن الناس من هو بلد فتن ومنهم من هم في بلد أمن وغير ذلك، فهذا التنوع من العبادات تشبع حالة الإنسان أن يتقرب لله سبحانه وتعالى وأن يكثر من رصيده عند الله جل وعلا، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى ولطفه في ذلك؛ لهذا تنوعت العبادات وكان من أنواعها ما يتعلق بالصيام.

التنوع في عبادة الصيام

ونجد أن الصيام الذي شرعه الله سبحانه وتعالى شرعه متعدداً ومتنوعاً وليس على زمن معين، فجعله الله سبحانه وتعالى على مراتب: منها ما هو حولي وهو صيام شهر رمضان، منها ما هو أيام حولية كصيام عرفة وكصيام يوم عاشوراء، ومنها ما هو أسبوعي كصيام الاثنين والخميس، ومنها ما هو شهري كصيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو الأيام البيض، ومنها ما هو يوم وراء يوم كصيام داود: أن يصوم يوماً وأن يفطر يوماً، ومنها أن يصوم الإنسان شهراً بعينه من غير استيعاب له بكامله كصيام شهر الله المحرم وصيام شعبان؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكثر من صيامهما.

ولهذا نقول: إن الله سبحانه وتعالى نوع هذه العبادة حتى تتناسب مع الإنسان، فربما يكون الإنسان مسافراً في هذا الشهر أو مريضاً فتفوته، فلا يستدرك العبادة إلا في العام القادم في تلك المناسبة، فجعل الله عز وجل هذه الشريعة تبقى مع الإنسان على سبيل الدوام، إن فاته هذا الفضل في هذا اليوم فثمة يوم يليه، وإن فاتته المناسبة الأسبوعية أو الشهرية فإن هناك ما يليها، فكان فضلاً من الله سبحانه وتعالى ومنة على العباد أن يستكثروا من أعمال الطاعات، وذلك رحمةً بالعباد ولطفاً بهم.

والله سبحانه وتعالى يمتن على عباده كثيراً في أمور التشريع فيقول: لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة:53] ، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:52] ، يعني: أمثال هذا التنوع من العبادات هو الذي يقرب العباد إلى الله سبحانه وتعالى حتى يستكثروا من الطاعات رحمةً منه، فلو كانت العبادة نوعاً واحداً أو زمناً واحداً أو مناسبةً واحدة، أو على صفة وحال واحدة، فإن الإنسان يفوته من الخير الكثير الذي لا يمكن له أن يستدرك ذلك، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى وسعة فضله.

فرضية صيام رمضان

ونحن سنتكلم على ما يتعلق بأحكام الصيام:

أحكام الصيام منها ما يتعلق برمضان ومنها ما يتعلق بغيره، ونتكلم فيما يتعلق برمضان وهذه المناسبة وقربها ودنوها، وكذلك لجلالة فضلها باعتبار أنها ركن من أركان الإسلام، وقد بين الله سبحانه وتعالى فضلها ومزيتها وأثرها أيضاً على الإنسان.

مراحل تشريع صيام رمضان

الله جل وعلا شرع صيام رمضان بعدما كان الصيام قبل ذلك ليوم أو أيام معدودة، فقد جاء في حديث معاذ بن جبل وفي حديث عائشة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ثم وجد الناس يصومون يوم عاشوراء، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بصيام يوم عاشوراء )، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوجب ذلك ابتداءً كما في حديث سلمة بن الأكوع: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر منادياً أن ينادي في الناس وخارج المدينة وذلك في يوم عرفة: أن من كان ممسكاً فليتم صومه، ومن كان مفطراً فليمسك بقية يومه )، كان واجباً في ابتداء الأمر صيام يوم عاشوراء، ثم فرض الله سبحانه وتعالى بعد ذلك صيام رمضان وكان فرضه أيضاً على التخيير: بين الصيام والكفارة، وبقي عاشوراء على ما هو عليه واجباً؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العظيم: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ [البقرة:184]، يعني: على الذين يطيقون الصيام -يعني على القادر الذي لا يرغب في الصيام- فدية تكون بدلاً عن الصيام.

الحِكم من التدرج في فرض صيام رمضان

هذا في ابتداء الأمر، وهذا نوع من الرحمة والتوطين أيضاً للعباد أن يتوطنوا على شيء من العبادة فلا تفاجئهم بعدما كانوا على خلو منها ولم يجربوها قبل ذلك.

فليس من المناسب أن يأتي شهر كامل لا يأكل الإنسان فيه ولا يشرب من طلوع الشمس إلى غروبها على أقوام لم يكن لديهم عهد بذلك ولا بقية باقية من الشرائع السابقة بمثل هذا النوع إلا النزر اليسير، فكان من رحمة الله سبحانه وتعالى مجيء هذه الشريعة العظيمة من الله سبحانه وتعالى على سبيل التدرج؛ حتى يقبلها العباد قبولاً حسناً.

وهذا من الحكم الإلهية في التشريع: أن الله عز وجل لا يفاجئ الناس بوجوب فرضي، وإنما يقدم ذلك بشيء من النوافل؛ ولهذا تقول عائشة عليها رضوان الله تعالى: ( أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم أقرت صلاة السفر وزيدت في صلاة الحضر )، وقبل ذلك كانت الصلاة من جهة أدائها غير مؤقتة بمواقيت، حتى جاء جبريل فصلى بالنبي عليه الصلاة والسلام عند البيت الحرام في أول الوقت وفي آخره، فقال: ( الوقت بين هذين )، ثم أصبح بعد ذلك شريعةً للناس، فهذا نوع من التوطين للناس حتى يترسخوا على العقيدة والعمل.

وهذا ظاهر من جهة أصل التشريع ومن جهة توطين غير من لم يتوطن على أداء العبادة؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول كما جاء في السنن من حديث عبد الله بن عمرو، قال: ( مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشر )، هذا نوع من التوطين: أنك يجب عليك أن توطن ابنك بأمره بالصلاة وهو ابن سبع سنوات، سبع سنوات ليس بمكلف، يعني: بينه وبين التكليف أكثر من سبع سنوات أخرى، فأمره بذلك في حال السبع سنوات، لماذا؟ حتى يتوطن؛ لأن الصلاة هي من أشد العبادات كلفةً على الإنسان، وذلك أنها يومية، وأنها مختلفة في الوقت؛ إذا ليست في وقت واحد، فلا بد أن تتوافق مع غفلة أو نوم أو راحة أو مطعم أو ملهى أو غير ذلك من مصارف الإنسان ومتعه، فتحتاج إلى نوع من التجلد والصبر، فجاءت على سبيل التوطين حتى يتدرب عليها الإنسان، لماذا؟

لأن الصبي في ابتداء أمره ليس بصاحب لذة ولا بمتعة، وكذلك أيضاً ليس بصاحب مشاغل، فإذا توطن عليها قوي على المشاغل ولم تقو عليه المشاغل، فكان في ذلك أكثر توطيناً؛ ولهذا الذين يقصرون في جانب تربية أبنائهم في أمور الصلاة فيفرطون في هذا الأمر، فلا يأمرون أبناءهم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، تأتي عليهم مرحلة البلوغ فيجدون أن الابن يتمرد عليه في أداء الصلاة، والسبب في هذا هو التقصير في أنه ما أمره بالصلاة وهو ابن سبع سنوات.

فإذا كان يوجه للطفل -وهو ابن سبع سنوات- كل يوم خمس مرات، فليحسب الإنسان في السنة كم؟ السنة الواحدة ثلاثمائة وأربعة وستون أمراً مضروبة في خمسة، ثم في العام الآخر كذلك، لا يمكن أن يصل إلى مرحلة البلوغ والأوامر تتكرر عليه إلا وهو منضبط انضباطاً تاماً، ولكن يقع الخلل في الأولياء، ثم إذا فرط الأبناء قال: فرط الأبناء وتمردوا، والسبب في ذلك هو الخلل الذي كان منه.

لهذا جاءت الشريعة بالتوطين على أمور العبادات على سبيل التدرج، ومن ذلك ما يتعلق بأمر الصيام فكان توطيناً، حتى كانوا يصومون أبناءهم كما جاء في حديث الربيع: ( كانوا يصومون أبناءهم ويلهونهم بالعهن من القطن حتى يأتي الطعام )، وذلك نوع من التوطين، وكذلك كانوا يصومونهم في يوم عاشوراء؛ حتى يعتادوا على ذلك، ثم لما جاء رمضان انتقل الحكم من ذلك من التخيير إلى فرض رمضان على سبيل التعيين من خير تخيير، وهذا في قول الله سبحانه وتعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] ، حينئذ تحول الأمر من التخيير إلى الفرض العيني.

فنقول: إن ما يتعلق بمثل هذا الأمر والعبادة، نقول: إن الله سبحانه وتعالى لطف بعباده ورحمهم بأمثال هذه الشرائع وتنوعها، ومن ذلك ما يتعلق بعبادة الصيام وغيرها من العبادات.

فالله سبحانه وتعالى شرع الشريعة وأمر الإنسان بفعلها، وجعل لها أثراً في ذاته من جهة محو السيئات التي يرتكبها؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما )، إذاً: تقوم بعمل وتؤجر عليه، ثم يأتي ويرتد على السيئات الماضية فيما يكون من عمل الإنسان بالمحو، هذا فضل كبير، لكن هذا مشروط بكون الإنسان يصوم رمضان إيماناً واحتساباً، فإذا فعل ذلك فإن الله جل وعلا يغفر له ما تقدم من ذنبه فضلاً من الله سبحانه وتعالى ومنة؛ ولهذا الله جل وعلا يقول في كتابه العظيم: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] ، يعني: تمحو عمل الإنسان السيئ ويبدله الله عز وجل بذلك أجراً.

وهذا من بركة الطاعات، وهذا أيضاً من الحكم في تنوع العبادة، فالإنسان لا يخلو من ذنب، فقد يقع إما في غيبة وإما في نميمة وإما في أمر من الأمور المحرمة من الصغائر أو أمور الكبائر، وهذه المحرمات أيضاً تختلف: فمنها ما يقترفها الإنسان في يومه وليلته، ومنها ما هي أسبوعية ومنها ما هي أبعد من ذلك، هذه تتكاثر على الإنسان، فمن رحمة الله عز وجل أن تغالب بالحسنات؛ حتى تمُحى تلك السيئات التي يأتي بها الإنسان.

لهذا يجد الإنسان أنواع العبادة كثيرة في يومه وليلته: منها أذكار الصباح وأذكار المساء، التسبيح التهليل الصلوات بجميع أنواعها، بر الوالدين وصلة الأرحام، فيجد الإنسان تكاليف متعددة، وهذه التكاليف أراد الله سبحانه وتعالى بها أن تقاوم ما يصدر من الإنسان من محرمات حتى يتفاجأ بعد ذلك أن عمله في ذلك وفير وذنبه في ذلك قليل، وهذا أيضاً من رحمة الله عز وجل بتنوع هذه العبادات.

وهي أيضاً تختلف وتتباين من جهة قوتها على دفع السيئات، فالعمل العظيم يمحو الله سبحانه وتعالى به السيئة العظيمة.

كذلك ينبغي أن يعلم: أن السيئة العظيمة يمحو الله عز وجل بها الحسنة أيضاً، وهذه سنة المدافعة والمغالبة بين الحسنات والسيئات، الله عز وجل يقول: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] ، هذه حسنة تذهب السيئة، لكن الإنسان إذا جاء بسيئة أيضاً قد تمحو تلك الحسنة التي يفعلها الإنسان، فهذه المغالبة والمدافعة بين الكبائر والكبائر والصغائر من جهة أمور الطاعات والمعاصي ينبغي للإنسان أن يتنبه لها، فهو في دائرة مغالبة ومكاثرة، وهو في حال متاجرة في أمر الدنيا، فيجب على الإنسان في ذلك أن يستكثر من العمل الصالح.

منة الله على هذه الأمة بصيام رمضان

لقد فرض الله سبحانه وتعالى الصيام على هذه الأمة، وأكرمها وامتن عليها بفرضيته، يقول الله سبحانه وتعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] ، فامتن الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة بأن شرع لها الصيام كما شرعه على الأمم السابقة، ولكن صيام رمضان هذا من خصائص هذه الأمة، فذكر الله عز وجل أن أصل شريعة الصيام موجودة، أما رمضان فهو خاص بهذه الأمة؛ ولهذا الله عز وجل يقول: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185] ، فخص هذه الأمة بهذا الصيام، قال: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] ، فجعل الله سبحانه وتعالى اشتراك العبادة في الأمة مع الأمم السابقة هو في أصل وجنس العبادة لا في وصفها وكذلك عددها ومناسباتها، هذا في ظاهر السياق؛ ولهذا نقول: إن الله سبحانه وتعالى امتن على الأمة بتنوع عبادات وأوصافها، وامتن عليها بصيام رمضان.

من فضائل رمضان

ومن فضائل رمضان: أن الله سبحانه وتعالى جعله ركناً من أركان الإسلام، وذلك أنه بمقدار أهمية العمل تكون قيمته في الشريعة، فإذا تأكد الأمر على شيء فالثواب عليه عظيم؛ ولهذا تجد حتى في السنة الكونية أن الإنسان كلما قام بعمل أعظم، فإن الأجر والثواب عليه أعظم من غيره، وهذا يجده الإنسان؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى كلما أكد أمراً وأجراً أو عملاً عظيماً، فإنه يجعل له ثواباً عظيماً عنده في مقدار الوجوب؛ ولهذا الواجبات أعظم أجراً من المستحبات.

ولهذا إذا تزاحم على الإنسان فريضة ونافلة فلا يفوت الفريضة لأجل النافلة ولو كانت النافلة أكثر عدداً، فمن الناس من يقول: إذا قمت الليل لم يتبق من وقت صلاة الصبح إلا وقت يسير، ولو قمت الليل لربما نمت بينهما ولم أقم وذلك لتعب ونحو ذلك، فهل نقول له: قم الليل كله باعتبار أنه إحدى عشر ركعة، وفوت صلاة الفجر وهي ركعتان؟ نقول: لا، إن صلاة الفجر وهي ركعتان هي خير من جميع النوافل؛ لأن تلك مستحبة وهذه واجبة، ولهذا كلما كان الشيء واجباً فإن ثوابه عند الله سبحانه وتعالى أعظم من غيره.

ونأخذ من ذلك جملة من اللوازم: منها: أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل كما جاء في حديث أبي قتادة عن صيام يوم عرفة، فقال: ( يكفر السنة الماضية والسنة الباقية ) ، وسئل عن صيام يوم عاشوراء، قال: ( يكفر سنة ) ، إذا كان يوم عرفة يكفر سنتين ويوم عاشوراء يكفر سنة واحدة وهما نافلة وليسا بواجبين، فهذا يدل على أن رمضان أعظم تكفيراً من ذلك بأضعاف؛ وذلك لأنه أكثر عدداً وأعظم تأكيداً من جهة الشريعة، وهذا من فضله؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم جعل التكفير غير مؤقت بزمن ولا بعدد، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )، فما قال: ذنوب حول ولا حولين ولا سنة ماضية وباقية، وإنما قال: ما تقدم من عمر الإنسان: عشر عشرين ثلاثين سنة بحسب حال الإنسان، ولكن شريطة أن يكون ذلك إيماناً واحتساباً.

ومعنى (إيماناً) أن يكون خالصاً لله سبحانه وتعالى، و(احتساباً) أي: راغباً فيما عند الله، لا أن يصوم مواكبةً أو عادةً لكون الناس يصومون ثم يمسك معهم، وهمه من ذلك أن يجتمع مع الناس في سحره وفطره، وما عدا ذلك لا يتذكر من صيامه واحتسابه من ذلك شيئاً، حينئذٍ يضعف الاحتساب ويضعف أثر الطاعة.

ولهذا نقول: إن عظم العبادة عند الله سبحانه وتعالى بعظم عمل القلب، فعمل القلب هو الذي يعظم العبادات، فإذا أخلص الإنسان لله سبحانه وتعالى في صيامه فأقبل على الله جل وعلا أثابه الله سبحانه وتعالى على ذلك أعظم من غيره؛ ولهذا تجد الناس يشتركون في عبادة من العبادات هي في ظاهرها واحدة، هذا ترفعه عبادته إلى أعلى عليين وهذا تضعه عبادته -مع أنها عبادة- في أسفل سافلين؛ لأن هذا فعلها بإخلاص وصدق وإقبال على الله، وهذا فعلها برياء وسمعة وشرك، من أجل فلان أو أحب حمد الناس أو غير ذلك فضعفت، ومن الناس من تراهم في الصلاة مثلاً في صف واحد، لكن هذا تقبل له صلاة كاملة، وهذا الربع، وهذا الثلث، وهذا النصف، وهذا الخمس، وهذا العشر بحسب حال إقبال الإنسان، فلا يستوي الناس، وهذا الأمر الذي نعرف به بركة الأعمال الصالحة.

وبركة الأعمال الصالحة ليست بكثرتها، وإنما بقوتها نوعاً، وبهذا يمتاز المتعبدون لله سبحانه وتعالى بما شرع الله بالأحب إلى الله سبحانه وتعالى من الأعمال، فيعرف ما يحب الله، ويعرف أيضاً ما يعظم الله سبحانه وتعالى به الأجر للإنسان، فيقبل على الله حتى يكون ثوابه في ذلك عظيماً.

وهذا سر ما تجد كثيراً من الناس لديه نوع من العبادة الكثيرة، ولكن بركتها عليه قليلة؛ باعتبار أن هذه الكثرة قابلها قلة قلبية وضعف قلبي فأنزل أثرها عليه، وهذا عبادته في ذلك قليلة، ولكنه صاحب إقبال، فهو ممتلئ من جهة الصدق مع الله عز وجل، وهذه العبادة القليلة ترفعه في ذلك ويكون ميزانها عند الله سبحانه وتعالى عظيماً؛ ولهذا العبادات ليست بالظواهر، كما أن الماديات ليست بالظواهر، قد تأتينا بحجارة عظيمة جداً لكنها جوفاء، فما فيها فارغ فوزنها في ذلك خفيف، كذلك أيضاً قد تأتيني بما دونها، ولكنها ممتلئة حينئذ فيكون ثوابها عظيماً، كذلك العبادة إذا امتلأ قلب الإنسان بالتعظيم لله جل وعلا والتقرب إليه إيماناً واحتساباً كان ثواب العمل اليسير عند الله عز وجل عظيماً، وإذا أتى بعبادة عظيمة في ظاهرها لكنها جوفاء في داخلها خاوية، فإن أثرها على الإنسان يكون يسيراً.

لهذا يجب على الإنسان أن يحتاط للعبادة مما يضعف قيمتها ووزنها؛ وذلك من خلو القلب من الإيمان والصدق والاحتساب لله سبحانه وتعالى، كذلك أن يجتنب المحرمات التي تقاوم تلك الطاعة وتضعفها، فالصيام أمر الله عز وجل الإنسان بأن يجتنب أثناءه المفطرات، ويجتنب أيضاً المحرمات الأخرى.

قد يقول قائل: هي محرمة في غير رمضان، نعم؛ محرمة في غير رمضان، لكن أنت في عبادة عظيمة يجب أن تحافظ عليها حتى تخرج من رمضان وثقلها عظيم؛ لهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول كما جاء في حديث أبي هريرة في الصحيح: ( من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ) ، يعني: الإنسان يقع في الغيبة في النميمة في الكذب في شهادة الزور وهو صائم، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه ) ، يعني: ليس ثمة حاجة أن تترك الصيام حالك كحال المفطرين، عبادتك في ذلك جوفاء فارغة كحال البالونة: ضخامة ولكنها ليس لها وزن، وحينما تأتي بحجارة يسيرة تضعها تكون أثقل منها.

لهذا نقول: ينبغي ألا ينخدع الإنسان بما يؤديه من عبادة ظاهرة إذا كان قلبه في ذلك فارغاً، فإن هذا يفرغ العبادة، فلا بد من الإخلاص والصدق والتجرد لله سبحانه وتعالى؛ ولهذا يذكر غير واحد من السلف مسألة ما ينقص ثواب الإنسان من الغيبة والنميمة والكذب والبهتان، حتى قال إبراهيم النخعي عليه رحمة الله: كانوا يقولون: إن الغيبة تفطر الصائم، وليس معنى تفطر الصائم: أنها أكل وشرب، ولكن وقوع الإنسان فيها يأتي على حسناته بالنقصان فيكون حينئذ كحال المفطرين، لم يتحقق له من ذلك أجر، وقد قال بهذا غير واحد من العلماء كـأنس بن مالك وغيره من السلف في هذه الحرمات التي تضعف عمل الإنسان.

لهذا نقول: إنه من الأمور المتأكدة أن على الإنسان -قبل أن يباشر الصيام، وغيره من العبادات- أن يملأ قلبه إيماناً واحتساباً لله سبحانه وتعالى؛ حتى يثقل ميزانه ذلك العمل، ويكون أثره عليه بالبركة، وبالتكفير، وبالاستدامة ودوام العمل الصالح، فيكثر من ذلك تقرباً لله سبحانه وتعالى.

من يجب عليه صيام رمضان ومن يحرم عليه

ثم من الأمور المهمة التي ينبغي الكلام عليها: ما يتعلق ببدء رمضان.

فقد جعل الله عز وجل فرض صيام رمضان في الشهر التاسع من العام الهجري من السنة القمرية التي تبتدئ بمحرم، وفرضه الله سبحانه وتعالى على العباد وكتبه على كل قادر مستطيع من المكلفين، فمن كان مسلماً بالغاً عاقلاً قادراً مستطيعاً على الصيام فإنه يجب عليه أن يمسك، ويستحب في هذا أن يصوم الصغار تعويداً لهم، بقدر وسعهم وإمكانهم حتى يتوطنوا على ذلك، ولو صاموا بعض رمضان لا كله، مثل: أن يصوم يوماً ثم يفطر اليوم الذي يليه، حتى يأتي شيء من التوطين بحسب أعمارهم، والصغير قد يجد كلفة من ذلك كابن السابعة أو الثامنة أو نحو هذا، فربما يجد كلفة بصيام يوم كامل، فيوطن على التيسير في ذلك؛ لأنه لا يأثم بهذا، ولكن حتى يكتب له في ذلك الأجر، فإنه يجري له قلم الحسنات ولا يجري عليه قلم السيئات، فيوطن في ذلك حتى إذا كبر فإنه يدرك في ذلك تمام الصيام.

كذلك أيضاً من الأمور المهمة: أن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده فرفق بهم من جهة الوجوب، فمن كان معذوراً كأن يكون مريضاً أو مسافراً فقد رخص الله عز وجل له أن يفطر، وأن يقضي بمقدار تلك الأيام؛ ولهذا الله عز وجل يقول: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] ، عدة الأيام التي أفطرها الإنسان في رمضان يقوم بقضائها بعد ذلك بالعدد، ولا يلزم من ذلك الترتيب إذا كان عليه خمسة أو عشرة أن يقضيها بعد رمضان، سواء سردها سرداً أو قضاها بعد ذلك متفرقة فإن الأمر في ذلك فيه سعة.

وكذلك يحرم على المرأة أن تصوم رمضان وهي حائض أو نفساء؛ لأنها ليست من أهل التكليف في ذلك، وهي تختلف عن المعذور، المسافر لا يحرم عليه باعتبار أن عذره في ذلك ليس بمحرم عليه الصيام، وأما بالنسبة للحائض والنفساء فإنه يحرم عليهما الصلاة والصيام، ويجب عليهما قضاء الصيام، ولا يجب عليهما قضاء الصلاة، وإنما كان التفريق بين القضاء في الصلاة والصيام؛ لأن الصلاة كثيرة، وأما بالنسبة للصيام الواجب في رمضان فإنه يأتي في العام مرة، ثم قضاؤه ميسور بخلاف الصلاة؛ فإن المرأة يأتيها الحيض كل شهر، ومن النساء من يكثر حيضها فيأتيها عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً، فيشق عليها أن تقضي صلاة تلك الأيام، في كل يوم خمسة فروض، هذا عدد كثير على المرأة يشق عليها أن تعيدها بعد ذلك، ولديها من الذرية والأبناء والزوج والانشغال بنفسها وأهلها وبيتها ما يصعب عليها ذلك، فلا يكلفها الله سبحانه وتعالى بهذا، فمنعت منعاً من أداء الصلاة وقضائها، ومنعت من أداء صيام رمضان، وأوجب الله عز وجل عليها القضاء.

علامة دخول رمضان

والله سبحانه وتعالى قد جعل علامة دخول رمضان برؤية الهلال كما جاء في حديث عبد الله بن عمر وجاء أيضاً في حديث أبي هريرة بألفاظ متعددة: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته )، فيدخل الشهر حينئذ بالرؤية، لا يدخل الشهر إلا بذلك، وهذا محل اتفاق عند العلماء: على أن الشهور القمرية لا يجوز أن يأخذها الإنسان إلا بالرؤية؛ لظاهر النص يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا وخنس في الثالثة بإبهامه )، النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال: ( نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب ولا نحسب )، يعلم أن ثمة قراء وكتابة وحساباً، فالحساب معلوم حتى في الجاهلية، فلم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام بتعلم الحساب لإثبات الأشهر.

كذلك أيضاً من الأمور المهمة: أن بعض الناس يظن أن هذا العلم الجديد: علم الحساب ودقة الناس فيه، أنه علم جديد، والأمر ليس كذلك، بل هو معروف حتى عند الجاهليين ولكنه معلوم عند القلة؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( لا نكتب ولا نحسب ) ، إذاً: فيعلم أن ثمة حساباً، ولكن تركه عمداً.

هنا أمر وهو: أن بعض الناس يقول: إن مسألة دخول الشهور وانصرامها إذا عرفنا بالدقة دخول الشهر لماذا لا نأخذ به؟ نقول: الشريعة لديها مقاصد، أحياناً لا تتشوف إلى الدقة وإنما تتشوف إلى التيسير، التيسير في هذا على الناس أن يأخذ الناس الوقت بما يرون، لماذا؟ لأن الشريعة لم تأت لزمن دقة وتدع زمن غير الدقة، ولم تأت إلى الحاضر وتدع البادي، الشريعة جاءت كاملة حتى يأخذ بذلك البحري والبري والحاضر والبادي في القرية في المدينة، حتى يأخذ بذلك برؤيته.

ولهذا نقول: إن الشريعة إنما جاءت في أمر بالتيسير، وهذا شبيه بقول النبي عليه الصلاة والسلام، وجاء مرفوعاً وموقوفاً عند الترمذي ، قال: ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) ، يعني: أن القبلة إذا كان الإنسان بعيداً عنها لا يجب عليه أن يصوب عليها، بل أن يصلي ناحيتها، هذا تشوف إلى مبدأ التيسير؛ ولهذا كان السلف عليهم رحمة الله كما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله: أنه كان ينهى عن الاستدلال بالجدي، وهو من النجوم في معرفة القبلة تصويباً، وذلك أن الشريعة لم تتشوف إلى التشديد على الناس حتى يشق عليهم، فربما كان الإنسان في فلاة فيبحث عن النجوم حتى يصيب، فإذا مال عنها درجة أو درجتين جاءه شيء من الوسواس ثم يقول: صليت في عام كذا أو في فترة كذا ثم ملت انحرفت يسيراً؛ فلهذا النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( المشرق والمغرب ما بينهما قبلة ) ، إذا كنت تصلي من جهة الناحية، بخلاف إذا كنت عند الكعبة وأنت تراها.

إذاً: الشريعة من مقصدها في ذلك التيسير، وهذا التيسير حاصل لكون الشريعة عامة جاءت للشخص الذي في البحر الذي يصيد والشخص الذي في البر، وجاءت للشخص البادي وكذلك للحاضر في زمن الجهل وزمن العلم، وهذا شبيه بأوقات الصلوات الخمس، الصلوات الخمس الله ربطنا سبحانه وتعالى برؤية الشمس، إذا رأيت غروب الشمس وجب عليك أن تصلي صلاة المغرب برؤيتك أنت، وكذلك أيضاً من جهة طلوع الشمس وانصرام وقت صلاة الفجر، وينقضي الفرض بذلك؛ ولهذا نقول: إن الله سبحانه وتعالى أراد وقصد من ذلك تيسيراً للأمة.

وأما بالنسبة للأخذ بالحساب فنقول: إن الأخذ بالحساب في أبواب النفي، والنفي في ذلك على نوعين:

النوع الأول: النفي في نفي المطلع، وجود الكوكب في الفضاء، وجود القمر أو الهلال في الفضاء، إذا نفى أهل الفلك وجوده، كأن يقولوا: هو أصلاً في الفضاء غير موجود، وإنما في الجهة الأخرى من الأرض، فهذا هو نفي لوجوده، هذا قد يؤخذ به في النفي في هذا النوع.

أما النفي الثاني: ما يتعلق بنفي الرؤية، يقولون: موجود في الفضاء، لكن ننفي الرؤية أن يرى، هذا لا يؤخذ بذلك، فإذا رئي فإنه لا يقدم إلا النص في ذلك كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته ).

عقد النية لصيام الفريضة والنافلة

من الأمور المهمة في مسائل الصيام: النية؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( إنما الأعمال بالنيات )، وقد جاء أيضاً في حديث حفصة وكذلك في حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً وموقوفاً، قال: ( لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل )، ذكر النية من الليل، أي: لا بد أن تسبق العمل حتى يكتب له، وهذا في صيام رمضان بخلاف صيام النفل، صيام رمضان لا بد أن تكون النية من الليل، أن يعلم أن هذا رمضان.

وأما الإنسان الذي لا يدري: أرمضان غداً أو ليس في غد؟ فأراد أن ينام يقول: ثم أنظر في أحوال الناس، لن أطعم في ذلك شيئاً ثم أصبح ووجد الناس صائمين، نقول حينئذٍ: يجب عليك أن تقضي وأن تمسك هذا اليوم لحرمة هذا الشهر، لماذا؟ لأن النية لم تسبق العمل، ويؤتى إن شاء الله الأجر، لكن يجب عليه في ذلك القضاء.

أما صيام النافلة كصيام الإثنين والخميس، وصيام يوم وإفطار يوم، وصيام أيام البيض، وغيرها من الأيام التي يريد الإنسان أن يتعبد لله عز وجل فيها، وليست من الفرائض، فنقول: لا حرج عليه أن يعقد النية من النهار، كما جاء في حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى، أنها قالت: ( دخل علي النبي عليه الصلاة والسلام فقال: أعندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إني إذاً صائم )، ( وجاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى عائشة فقال: إني أصبحت صائماً، أعندكم شيء؟ فقالت للنبي عليه الصلاة والسلام: نعم، أهدي إلينا حيس، فأهدي للنبي عليه الصلاة والسلام فأكل منه )، وهذا دليل على جواز قطع صيام النافلة وجواز النية أيضاً من النهار في النافلة.

أما الفريضة فلا يجوز للإنسان أن يقطعها من النهار ولا تجزئ عنه نية النهار، بل يكون حينئذ من الليل، ونية صيام النافلة من النهار سواء كان من الصباح مبكراً أو من نصف النهار، الأمر في ذلك فيه سعة، كما جاء عن غير واحد من السلف عليهم رضوان الله تعالى.

الإمساك عن المفطرات

كذلك يجب على الإنسان أن يمسك عن المفطرات: المفطرات هي أصل الإمساك، ومنها الأكل والشرب، الأكل والشرب هو أمر معلوم، إذا تناول الإنسان من ذلك شيئاً متعمداً فقد أفطر، أما بالنسبة للناسي (إذا أكل الإنسان أو شرب ناسياً فإنما أطعمه الله وسقاه) كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيقال: إنه يعذر بذلك، ولا يجب عليه القضاء.

أنواع المنافذ الجوفية للإنسان

وكذلك من الأمور المهمة: أن ثمة نوازل أو مسائل شرعية تتعلق بالمفطرات ينبغي أن نتبصر بها وهي المفطرات الحديثة، سواء كان ما يتعلق بأمور المغذيات أو الإبر أو الحقن أو غير ذلك مما يستعمله الإنسان، فنلخص ذلك فنقول: إن المنافذ الجوفية للإنسان على نوعين، وهذا باختصار:

النوع الأول: منافذ يقينية، وهي الأنف والفم، وإذا وصل إلى جوف الإنسان من هذين المنفذين شيء فقد أفطر، إلا ما يتعلق بأمر الناسي، فإنه يعذر في ذلك.

النوع الثاني: منافذ ظنية، كالعين، فإن الإنسان ربما يقطر في عينه شيئاً ويجد طعم ذلك في حلقه، فنقول: هذا لا يضر الإنسان، لكن حكمه في ذلك كحكم المبالغة في المضمضة، فعلى الإنسان أن يحتاط وألا يستكثر بل يضع شيئاً يسيراً بحيث لا يصل إلى جوفه، وأما ما يتعلق ببعض ما يتناوله الإنسان فهل تلحق المنافذ الظنية أو المنافذ القطعية، مثلاً الإبر التي يأخذها الإنسان عن طريق الوريد أو عن طريق العضل، نقول: الأصل في كل ما يغني عن الطعام والشراب أنه مفطر، فالذي يأخذ المغذيات عن طريق الوريد، يتناول طعاماً، وإنما فعله اختصار لأثر الطعام، وذلك أن الطعام يتناوله الإنسان إلى المعدة ثم تقوم المعدة بامتصاصه، ثم بعد ذلك يتحول إلى غذاء للجسم، وهذا جاء بغذاء اختصر فيه طريق ذلك الطعام حتى يقوى به الجسم؛ ولهذا نجد من الناس من المرضى من يجلس أشهراً أو سنوات على هذه المغذيات وهو حي وربما في نشاطه، وحينئذٍ نقول: إن هذا من المفطرات. خاصة ما يكون في الوريد؛ وذلك لعظم أثره، وكذلك لاستغناء الإنسان به عن الطعام والشراب.

وأما ما يأخذه الإنسان عن طريق العضل -باعتبار أنه لا ينتشر في الجسم، وغالبه في ذلك موضعي، أو ربما لا يغني لو انتشر عن الطعام والشراب، وذلك كبعض المسكنات أو المهدئات التي ليست بمغذية- فنقول: هذا لا يضر الصائم، ويدخل في هذا ما لا يصل إلى جوف الإنسان مما يضعه الإنسان على جسده، مثل الملصقات والدهانات والكريمات وأدوية الجروح والحروق، فهذا أيضاً لا يضر الصائم.

ويدخل في هذا تبعاً ما لا يصل إلى جوف الإنسان بما يقطع فيه الأطباء وذلك مما يضعه الإنسان في أذنيه، والأصل في الأذن أنها ليست منفذاً إلى الجوف، إلا إذا كانت مخروقة الطبلة، فإنهم يقولون: إنها تكون منفذاً إلى الجوف، وإلا فالأصل أنها ليست منفذاً، فإذا وضع الصائم فيها شيئاً من المراهم فإن هذا لا يضره.

وكذلك ما يتناوله الإنسان من أدوية، سواء كان في ذكره أو في دبره، وكذلك المرأة، الأصل في ذلك أنه لا يفطر إذا لم يكن غذاءً يغني عن الطعام والشراب.

أحكام الدم الخارج من الصائم

وأيضاً من الأمور المهمة المتعلقة بمسائل الإمساك: ما يتعلق بأحكام الدم، فالدم الذي يخرج من الإنسان من جروح أو غير ذلك هذا لا يفطر الصائم.

وأما بالنسبة للحجامة فقد اختلف العلماء في ذلك، وهي على الأرجح لا تفطر الصائم.

وعلى هذا نقول في دم التبرع: إذا احتاج إليه الإنسان ولا يستطيع تأجيله إلى الليل فيفعله الإنسان ويتم صومه إن استطاع، وإذا لم يستطع وكان مضطراً إليه نهاراً فإنه يفطر، فيكون حينئذٍ من جملة الضرورات كأن ينقذ الإنسان مريضاً أو غير ذلك، أو نزف من الإنسان دم كثير فخشي على نفسه فأصيب مثلاً بضعف أو دوار، أو يخشى من حاله إغماء أو غير ذلك فلا حرج عليه أن يفطر، أما في ذات الفعل فالأرجح فيه أنه لا يفطر في هذا، وهي أيضاً من المسائل الخلافية، ولو قضى ذلك اليوم احتياطاً لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث شداد وثوبان: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) فلا بأس.

مسائل متنوعة في الصيام

الإكثار من الأعمال الصالحة في رمضان

ويستحب للإنسان أن يكثر من أعمال الطاعات في رمضان، وأظهر شيء في هذا قراءة القرآن كما جاء في حديث عبد الله بن عباس: ( أن جبريل كان يدارس النبي عليه الصلاة والسلام القرآن في كل عام مرة، فلما كان العام الذي توفي فيه دارسه جبريل مرتين )، فيكثر الإنسان من قراءة القرآن تدبراً وتأملاً، والجمع بين الختم مع التدبر أولى من القراءة التي يقرأها الإنسان حدراً ولا يعقل منها شيئاً، ونقول: جمع الإنسان بين الختم والفهم أولى من تعدد ختم مع ضعف فهم، وهذا هو الأقرب وهو الذي تعضده في ذلك النصوص.

الجماع في نهار رمضان

وكذلك ما يتعلق ببعض المنهيات في هذا: يتفق العلماء على النهي عن الجماع في نهار رمضان وجواز ذلك في ليله، وأن من جامع في نهار رمضان فيجب عليه الكفارة وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فإنه يصوم شهرين متتابعين، وإذا لم يجد فإنه يطعم ستين مسكيناً، والحكم في ذلك كما أنه على الرجل، كذلك أيضاً على المرأة للاشتراك في الحكم، كذلك أيضاً من الأمور المهمة في هذا على قول عامة العلماء: أنه يقضي ذلك اليوم الذي جامع فيه، ويجب عليه أن يمسك في ذلك اليوم.

تعجيل الفطر

كذلك يستحب للصائم أن يلتزم ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من سنن وهدي، ومن ذلك تعجيل الفطر كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث سهل ، قال: ( ما يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر )، فيتعجل الفطر، وأفضل الفطر أن يكون على تمر، وإذا لم يستطع الإنسان فإنه يفطر على ماء، وإذا لم يجد فإنه يتناول ما شاء، والذي يظهر لي -والله أعلم- أن التمر ثم الماء ثم اللبن، وهذا ما جاء وصح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ابتدأ الفطر به، وأما بالنسبة للرطب فإنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام تفضيله على أجناس التمر، فيقال: يفطر على التمر، وهذا ما دل عليه الدليل عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وإذا تضاد عند الإنسان تعجيل الفطر مع تناول التمر، كأن يكون التمر في المنزل وهو خارج المنزل ومعه ماء، هل ينتظر ويؤخر الفطر حتى يصل إلى التمر، أم يتناول الماء ولو أخر التمر؟ نقول: تعجيل الفطر آكد من التمر.

الدعاء عند الفطر

ويستحب له الدعاء عند الفطر، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة عن النبي عليه الصلاة والسلام، ومجموعها يدل على أن لها أصلاً، وأصح الأدعية عند الفطر هو ما جاء في حديث عبد الله بن عمر عن أبي داود في قوله: ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ).

المواظبة على قيام الليل

ويستحب للإنسان المواظبة على قيام الليل، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في المسند والسنن قال: ( من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة )، فيصلي الإنسان مع الإمام، ويؤتيه الله عز وجل أجر قيام الليلة من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر فضلاً من الله سبحانه وتعالى ومنةً لعباده.

حفاظ الصائم على صيامه من الخدش

وكذلك من الأمور المستحبة: أن يحافظ الإنسان على ليل رمضان ونهاره من أن يخدش، وكثير من الناس يظنون أن الإنسان يحافظ على نهاره وأما ما عداه من الليل فلا يشمله ذلك، فحينئذ تجد الناس يتساهلون مثلاً بالغيبة والنميمة أو البغي أو في مشاهدة الفضائيات وجرأتها على الدين خاصةً في رمضان؛ ولهذا يفتح في رمضان من المسلسلات والبرامج والغناء والطرب وغير ذلك ما لا يفتح في غيره، وهذا من الجهل العظيم والمكابرة أيضاً والمحادة لله في عدم احترام حرمة هذا الشهر العظيم، فينبغي للإنسان أن يحفظ نفسه ويحفظ بصره وسمعه وبدنه وجوارحه عن كل ما يخدش في ذلك الصيام.

قضاء صيام رمضان لأهل الأعذار

ومن الأمور المهمة: أن يعلم الإنسان أن الله عز وجل جعل له رخصةً إذا كان مسافراً أو كان مريضاً أن يفطر وأن يقضي بعد ذلك، والقضاء في هذا يجب عليه أن يكون قبل رمضان التالي، ولا يجب عليه أن يقضي الصيام الذي عليه متتابعاً، فلو قضاه متفرقاً كأن يكون عليه مثلاً خمسة أيام أو ستة فيقضي هذا في أسبوع وهذا في أسبوع وهذا في أسبوع فلا حرج عليه، ولو جعله متتابعاً فهو أفضل، وإذا أخره إلى ما بعد رمضان التالي فنقول حينئذ: إنه يأثم، واختلف العلماء في وجوب الكفارة مع القضاء عليه فيما بعد ذلك، جمهور العلماء يرون عليه وجوب الإطعام.

صيام النوافل قبل القضاء

وكذلك من الأمور المهمة في هذا الباب: ما يتعلق بصيام الإنسان للنوافل قبل القضاء، وذلك أن من الناس يقول: أريد أن أتنفل كصيام الست من شوال أو غير ذلك وعلي قضاء أريد أن أأجل ذلك، هل يجوز له أن يؤخر القضاء ويقدم النافلة؟ نقول: المسألة أيضاً هي من مواضع الخلاف، والأرجح في هذا جواز ذلك، أن يصوم الإنسان من النوافل ما شاء وأن يؤجل القضاء، لكن الأفضل أن يقدم القضاء على النافلة؛ باعتبار أنه الآكد فلا حرج عليه في ذلك.

ومن أفضل المواضع التي يكون فيها القضاء هي الأيام الفاضلة كأيام عشر ذي الحجة، أن يصوم الإنسان القضاء فيها كما كان عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى يفعل، ولو صام الإنسان فرق القضاء كأن يكون عليه خمسة أيام أو عشرة أيام، فجعلها الاثنين والخميس وأخذ يتتبع الأيام الفاضلة فتكون قضاءً وتكون في ذلك أجراً، فهذا أيضاً مما لا حرج فيه، وهو أيضاً من الأمور المستحسنة التي كان يحبذها السلف الصالح.

أسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكم التوفيق والسداد والإعانة، وأن ينفعنا بما سمعنا وأن يجعله حجةً لنا لا علينا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , رمضان فضائل وأحكام للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

https://audio.islamweb.net