إسلام ويب

للمسجد في للإسلام مكانة عظيمة، ولهذا فقد كان أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة بناء المسجد، وأمر المسلمين أن يتخذوا المساجد في مناطقهم، ولأهميته فقد اختص بأحكام منها دخول الحائض والجنب، وأذكار الدخول والخروج، وكراهة البزق وإنشاد الضالة فيه، وغيرها.

باب في بناء المساجد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

أما بعد:

فبأسانيدكم إلى أبي داود رحمنا الله تعالى وإياه، قال:

[ باب في بناء المساجد

حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أمرت بتشييد المساجد )، قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى.

حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس، وقتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ).

حدثنا رجاء بن المرجى حدثنا أبو همام الدلال قال: حدثنا سعيد بن السائب عن محمد بن عبد الله بن عياض عن عثمان بن أبي العاص: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كان طواغيتهم ).

حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ومجاهد بن موسى وهو أتم، قالا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا أبي عن صالح قال: حدثنا نافع أن عبد الله بن عمر أخبره: ( أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن والجريد وعمده -قال مجاهد: وعمده خشب النخل-) ].

وفي هذا أنه لا حرج من بناء المساجد في المواضع التي يكون فيها السوء، وذلك مثل مواضع الأصنام، أو كأن تزال دور زنا أو دور خمور أو غير ذلك ثم يبنى في موضعها مسجد، فهذا لا حرج فيه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ( فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر وبناه على بنائه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد، وأعاد عمده -قال مجاهد: عمده خشباً- وغيره عثمان، فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج -) قال مجاهد: وسقفه الساج- قال أبو داود: القصة: الجص ].

وفي هذا جواز تغيير المباني للحاجة، ولو كان الذي بناها عظيم، والنبي عليه الصلاة والسلام بنى المسجد ومعه الصحابة، وما قال من كان من الصحابة كـعمر وعثمان لما غيروا في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام: هذه حجارة وضعها النبي صلى الله عليه وسلم لا نزيلها، وهذا شيء من أعمدة النخل وضعه النبي صلى الله عليه وسلم لا نغيره، بل يغيره؛ لأن المصلحة في هذا من جهة الأصل، وأنشئ المسجد؛ ليعبد الله عز وجل فيه، فيوسع ويزال، وكذلك أيضاً: ما قالوا: هذه الحجارة مسها النبي عليه الصلاة والسلام لنحتفظ بها تعظيماً أو غير ذلك، ولهذا نقول: إن المصالح العامة أولى من بقاء الآثار، فإذا وجد أثر في موضع أو نحو ذلك فإنه يزال.

والآثار في ذلك على نوعين: آثار لمعظم في أمر الدين، فهذا يحتاط في ذلك ويزال، ويتلف، ويخفى كما كان السلف يصنعون ذلك، وأما من كان من أمر الدنيا للأب والجد وغير ذلك من بقايا أمورهم فهذا لا يعظم، ولكن ينظر إليه للعبرة، فهذا أمر آخر، فاحتفاظ الإنسان به مما لا حرج فيه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حاتم قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن فراس عن عطية عن ابن عمر: ( أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت سواريه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جذوع النخل أعلاه مظلل بجريد النخل، ثم إنها نخرت في خلافة أبي بكر فبناها بجذوع النخل وبجريد النخل، ثم إنها نخرت في خلافة عثمان فبناها بالآجر فلم تزل ثابتة حتى الآن ) ].

وعطية هو العوفي وهو ضعيف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم، فقال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، وإنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى بني النجار فقال: يا بني النجار! ثامنوني بحائطكم هذا، فقالوا: والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل، قال أنس: وكان فيه ما أقول لكم، كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خرب، وكان فيه نخل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين، فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه حجارة، وجعلوا ينقلون الصخر، وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم، وهو يقول: اللهم لا خير إلا خير الآخره فانصر الأنصار والمهاجره ).

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي التياح عن أنس بن مالك، قال: ( كان موضع المسجد حائطاً لبني النجار فيه حرث ونخل، وقبور المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثامنوني به، فقالوا: لا نبغي به، فقطع النخل وسوى الحرث ونبش قبور المشركين ) وساق الحديث، وقال: (فاغفر) مكان (فانصر) قال موسى: وحدثنا عبد الوارث بنحوه، وكان عبد الوارث يقول: خرب، وزعم عبد الوارث أنه أفاد حماداً هذا الحديث].

باب اتخاذ المساجد في الدور

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اتخاذ المساجد في الدور

حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب ).

حدثنا محمد بن داود بن سفيان قال: حدثنا يحيى يعني: ابن حسان قال: حدثنا سليمان بن موسى قال: حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة قال: حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن أبيه سمرة ( أنه كتب إلى بنيه: أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا، ونصلح صنعتها ونطهرها )].

باب في السرج في المساجد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السرج في المساجد

حدثنا النفيلي قال: حدثنا مسكين عن سعيد بن عبد العزيز عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ( يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس فقال: ائتوه فصلوا فيه، وكانت البلاد إذ ذاك حرباً، فإن لم تأتوه وتصلوا فيه، فابعثوا بزيت يسرج في قناديله ) ].

وقد روى ابن ماجه وابن عساكر أن تميماً هو أول من أضاء المصابيح في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزيت.

باب في حصى المسجد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حصى المسجد

حدثنا سهل بن تمام بن بزيع قال: حدثنا عمر بن سليم الباهلي عن أبي الوليد قال: ( سألت ابن عمر عن الحصى الذي في المسجد؟ فقال: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه، فيبسطه تحته، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال: ما أحسن هذا ).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا: حدثنا الأعمش عن أبي صالح قال: كان يقال: إن الرجل إذا أخرج الحصى من المسجد يناشده.

حدثنا محمد بن إسحاق أبو بكر قال: حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد قال: حدثنا شريك قال: حدثنا أبو حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال أبو بدر: أراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد )].

الأحاديث في مناشدة الحصى معلولة.

باب في كنس المسجد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كنس المسجد

حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحكيم الخراز قال: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي، فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها )].

باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال

حدثنا عبد الله بن عمرو أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو تركنا هذا الباب للنساء )، قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات، وقال غير عبد الوارث: قال عمر: وهو أصح.

حدثنا محمد بن قدامة بن أعين قال: حدثنا إسماعيل عن أيوب عن نافع قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمعناه، وهو أصح.

حدثنا قتيبة يعني: ابن سعيد قال: حدثنا بكر يعني: ابن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير عن نافع أن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يدخل من باب النساء ].

وهذا كان في زمن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله، وجاء أن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي جعل باباً للنساء، والأصح أن عمر هو الذي فعل ذلك، لما كثر النساء وخشي اختلاطهن بالرجال جعل لهن باباً مستقلاً في هذا، ونهى الرجال أن يخرجوا وأن يدخلوا معهن.

باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد

حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي قال: حدثنا عبد العزيز يعني: الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سويد قال: سمعت أبا حميد أو أبا أسيد الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك )].

والسلام على النبي عليه الصلاة والسلام عند دخول المسجد، وكذلك الصلاة عليه لم يثبت فيهما شيء، وإنما يقول الدعاء، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، اللهم! إني أسألك من فضلك عند خروجه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح قال: ( لقيت عقبة بن مسلم فقلت له: بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، قال: أقط؟ قلت: نعم، قال: فإذا قال ذلك: قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم ) ].

باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد

حدثنا القعنبي قال: حدثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا جاء أحدكم المسجد فليصل سجدتين من قبل أن يجلس ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا أبو عميس عتبة بن عبد الله عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن رجل من بني زريق عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه زاد: ( ثم ليقعد بعد إن شاء، أو ليذهب لحاجته )].

وإنما شرعت تحية المسجد حتى لا تتخذ المساجد مواضع للجلوس وحديث الناس وسمرهم وغير ذلك، فشرع أن الإنسان لا يدخل المسجد إلا ويصلي ركعتين، ثم بعد ذلك يفعل ما يشاء من الأمر المباح.

باب في فضل القعود في المسجد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل القعود في المسجد

حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يحدث، أو يقم: اللهم اغفر له اللهم ارحمه )

حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ).

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى ينصرف، أو يحدث، فقيل ما يحدث؟ قال: يفسو، أو يضرط ).

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا صدقة بن خالد قال: حدثنا عثمان بن أبي العاتكة الأزدي عن عمير بن هانئ العنسي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى المسجد لشيء فهو حظه )].

باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد

حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي قال: حدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا حيوة يعني: ابن شريح قال: سمعت أبا الأسود يقول: أخبرني أبو عبد الله مولى شداد أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فليقل: لا أداها الله إليك، فإن المساجد لم تبن لهذا ) ].

ويستثنى من ذلك الضالة التي تفقد في المسجد؛ لأنها لا تطلب في غيره، فإذا فقد الإنسان مثلاً مفتاحاً، أو فقد الإنسان ساعة في المسجد فيسأل جماعة المسجد لأن الشريعة جاءت بحفظ الأموال، وما جاء النهي في ذلك إلا أن تطلب، أو أن تنشد الضالة خارج المسجد، ويطلب اجتماع الناس في المسجد لأجل هذا، فيقول: الناس يجتمعون، فتقصد المساجد لنشد الضالة وعرض البيع وغير ذلك.

باب في كراهية البزاق في المسجد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية البزاق في المسجد

حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هشام وشعبة وأبان عن قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( التفل في المسجد خطيئة وكفارته أن تواريه ).حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها ).

حدثنا أبو كامل قال: حدثنا يزيد يعني: ابن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( النخاعة في المسجد... )، فذكر مثله.

حدثنا القعنبي قال: حدثنا أبو مودود عن عبد الرحمن بن أبي حدرد الأسلمي قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من دخل هذا المسجد فبزق فيه، أو تنخم فليحفر فليدفنه، فإن لم يفعل فليبزق في ثوبه ثم ليخرج به )].

وليس الترخيص في هذا أن يبزق وأن يتفل ثم يدفن لا، لكن لو تفل وبزغ فكفارتها الدفن، وليس المراد بذلك هو أن يرخص له أن يتفل ابتداءً؛ لأنه ماذا يصنع بشيء تفله في تربة المسجد؟ يقول: يدفنه، أما الترخيص ابتداءً فينهى عن ذلك وهي خطية.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد بن السري عن أبي الأحوص عن منصور عن ربعي عن طارق بن عبد الله المحاربي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قام الرجل إلى الصلاة، أو إذا صلى أحدكم فلا يبزق أمامه، ولا عن يمينه، ولكن عن تلقاء يساره إن كان فارغاً، أو تحت قدمه اليسرى ثم ليقل به ).

حدثنا سليمان بن داود قال: حدثنا حماد قال: حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: ( بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوماً إذ رأى نخامة في قبلة المسجد فتغيظ على الناس، ثم حكها، قال: وأحسبه قال: فدعا بزعفران فلطخه به، وقال: إن الله قبل وجه أحدكم إذا صلى، فلا يبزق بين يديه ) ].

سبحان الله! وهذا من حكمته عليه الصلاة والسلام حيث شدد في البزاق، ولم يشدد في البول في حديث الأعرابي الذي تقدم؛ لأن الأعرابي جاهل، والذي بزق عالم، مع أن البول أشد من البزاق.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن حبيب قال: حدثنا خالد يعني: ابن الحارث عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب العراجين، ولا يزال في يده منها، فدخل المسجد فرأى نخامة في قبلة المسجد فحكها، ثم أقبل على الناس مغضباً، فقال: أيسر أحدكم أن يبصق في وجهه؟ إن أحدكم إذا استقبل القبلة فإنما يستقبل ربه عز وجل، والملك عن يمينه، فلا يتفل عن يمينه، ولا في قبلته، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه، فإن عجل به أمر فليقل هكذا ). ووصف لنا ابن عجلان ذلك أن يتفل في ثوبه، ثم يرد بعضه على بعض.

حدثنا يحيى بن الفضل السجستاني وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: ( أتينا جابراً يعني: ابن عبد الله وهو في مسجده، فقال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون ابن طاب فنظر فرأى في قبلة المسجد نخامة فأقبل عليها، فحتها بالعرجون، ثم قال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه بوجهه، ثم قال: إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا، ووضعه على فيه ثم دلكه، أروني عبيراً، فقام فتًى من الحي يشتد إلى أهله فجاء بخلوق في راحته، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله على رأس العرجون ثم لطخ به على أثر النخامة قال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم ) .

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو عن بكر بن سوادة الجذامي عن صالح بن خيوان عن أبي سهلة السائب بن خلاد، -قال أحمد- من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن رجلاً أم قوماً، فبصق في القبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ: لا يصلي لكم، فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم، وحسبت أنه قال: إنك آذيت الله ورسوله ).

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا سعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف عن أبيه، قال: ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فبزق تحت قدمه اليسرى ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد الجريري عن أبي العلاء عن أبيه، بمعناه، زاد ثم دلكه بنعله.

حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الفرج بن فضالة عن أبي سعيد قال: ( رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق بصق على البواري ثم مسحه برجله، فقال له: لم فعلت هذا؟ قال: لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ) ].

باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد

حدثنا عيسى بن حماد قال: أخبرنا الليث عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول: ( دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله، فقال: أيكم محمد؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا له: هذا الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب! فقال له صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، فقال له الرجل: يا محمد! إني سائلك )، وساق الحديث ].

وفي هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجلس كسائر أصحابه، ولهذا سأل فقال: أيكم محمد! يعني: أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن متميزاً في مقعد أو في مجلس أو نحو ذلك، ولكنه إذا خطب الناس وعلمهم كان على منبر حتى يسمعوا عنه ويروه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عمرو قال: حدثنا سلمة قال: حدثني محمد بن إسحاق قال: حدثني سلمة بن كهيل ومحمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن ابن عباس قال: ( بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم عليه فأناخ بعيره على باب المسجد، ثم عقله، ثم دخل المسجد، فذكر نحوه، قال: فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب قال: يا ابن عبد المطلب! ) وساق الحديث.

حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: حدثنا رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، قال: ( اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم! في رجل وامرأة زنيا منهم ) ].

وفي هذا جواز دخول الكفار المسجد، سواء كان لفتيا أو غيرها، كما دخل اليهود مسجد النبي عليه الصلاة والسلام.

باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً ).

حدثنا سليمان بن داود قال: أخبرنا ابن وهب قال: حدثني ابن لهيعة ويحيى بن أزهر عن عمار بن سعد المرادي عن أبي صالح الغفاري ( أن علياً رضي الله عنه مر ببابل وهو يسير، فجاءه المؤذن يؤذنه بصلاة العصر، فلما برز منها أمر المؤذن، فأقام الصلاة، فلما فرغ قال: إن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي في المقبرة، ونهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة ) .

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أزهر وابن لهيعة عن الحجاج بن شداد عن أبي صالح الغفاري عن علي، بمعنى سليمان بن داود قال: (فلما خرج) مكان (فلما برز).

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد، ح وحدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الواحد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -وقال موسى في حديثه: فيما يحسب عمرو إن النبي صلى الله عليه وسلم قال-: ( الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة )].

باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل؟ فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال: صلوا فيها فإنها بركة )].

باب متى يؤمر الغلام بالصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب متى يؤمر الغلام بالصلاة

حدثنا محمد بن عيسى يعني: ابن الطباع قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها ).

حدثنا مؤمل بن هشام يعني: اليشكري قال: حدثنا إسماعيل عن سوار أبي حمزة -قال أبو داود: وهو سوار بن داود أبو حمزة المزني الصيرفي - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها، وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ) ].

وهذا تدرج من النبي عليه الصلاة والسلام، وذلك لأن الصلاة فيه نوع كلفة وثقل باعتبار أنها يومية وراتبة يعود عليها الإنسان، فجاء من الشارع البيان أنه ينبغي للإنسان ويجب على ولي الأمر أن يأمر أولاده بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، وهذه الثلاث قبل الضرب، ولا يجوز أن يضرب قبل ذلك، وأرى أنه لا يجوز أن يأمر قبل ذلك، يعني: قبل السبع، ولا يجوز أن يضرب قبل العشر، فالترغيب قبل السبع، والأمر بعد السبع، وينهى عن الضرب قبل العاشرة، ويجوز الضرب بعدها، وذلك أن الإنسان إذا جاء بما أمر الله عز وجل به، فأمر الصبيان بالصلاة وهم أبناء سبع سنين فثلاث سنوات، ويأمر كل يوم خمس مرات، في السنة في ثلاثمائة وأربعة وستين يكون في ذلك آمراً، فإنه لا يحتاج إلى ضرب بعد ذلك بل سيتعود على ذلك، ولكن يقصر بعض أولياء الأمور في أمر أبنائهم بالصلاة، فإذا وصلوا العاشرة أرادوا أن يقفزوا الأمر إلى الضرب، وهذا نوع من التقصير، ولهذا لا يمكن أو ربما يكون من المحال أن صبياً يؤمر كل يوم خمس مرات، ولا يفرط وليه بذلك مدة ثلاث سنوات ثم يحتاج إلى الضرب بعد ذلك، لكن الشريعة جاءت في مسألة ما بعد عشر سنوات، وأنه ربما يفرط بعض الآباء في أبنائهم، أو ربما يتوب بعض الآباء من تقصيره، فجعل له أيضاً توجيه ما بعد العاشرة، ولهذا نقول: ينبغي لولي أمر الصبي أن ينظر إلى صبيه بعد العشر على حالين: حال أمره بها قبل ذلك مع شيء من التقصير، فنقول: إن التشديد في ذلك أكثر من غيره، وأما الحالة الثانية: إذا لم يأمره أصلاً، فلا يبادره بالضرب؛ لأنه قصر الأب من جهة الأصل في الأمر، فعليه أن يلين معه، وأن يغلب جانب الأمر على جانب الضرب، حتى يجمع بين ما فات وما بقي من الحكم الشرعي.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زهير بن حرب قال: حدثنا وكيع حدثني داود بن سوار المزني بإسناده ومعناه، وزاد: ( وإذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره، فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة ). قال أبو داود: وهم وكيع في اسمه، وروى عنه أبو داود الطيالسي هذا الحديث، فقال: حدثنا أبو حمزة سوار الصيرفي.

قال: حدثنا سليمان بن داود المهري قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني هشام بن سعد قال: حدثني معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني قال: ( دخلنا عليه، فقال لامرأته: متى يصلي الصبي؟ فقالت: كان رجل منا يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك، فقال: إذا عرف يمينه من شماله، فمروه بالصلاة )].

والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كتاب الصلاة [2] للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

https://audio.islamweb.net