إسلام ويب

خطورة الولاء الفكري لأعداء اللهللشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عرض الشيخ -حفظه الله- في هذه المحاضرة الكثير من المبادئ التي تهدم بمعول الإلحاد والزندقة صرح الإسلام ومنارة الدين، والتي قد تلقاها بعض أبناء المسلمين الذين ذهبوا إلى الغرب لتلقي الدراسات العليا، حيث تم دس السم في العسل. وقد فند الشيخ هذه الشبه بعد أن بين مصادرها ودعاتها، سواء كانت في العقائد أو السلوك أو الأدب أو اللغة.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فإن منهج التربية الإسلامية ينبغي أن يكون متكاملاً للفرد المسلم، فيعرف معاني كلام الله ومعاني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ينبغي أن يلمَّ بتاريخه الإسلامي، وينبغي أن يكون واعياً لما يدبره أعداء الإسلام من كيد للمسلمين، والذين يغفلون الجانب الأخير من جوانب التربية -وهو تربية الفرد المسلم على الوعي، وعلى ضرورة تتبع مخططات أعداء الإسلام- يخسرون كثيراً؛ لأنهم سيعيشون في زاوية مظلمة لا يشعرون بما يحاك حولهم، وهذا المعنى أيها الإخوة مهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على فضح مكائد اليهود وخطط المنافقين، وكان القرآن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً هذا الأمر.

    السبب في ملاحقة المسلمين لحضارة الغرب

    وموضوعنا في هذه الليلة يتصل بهذه القصية اتصالاً وثيقاً جداً، وهو موضوع له خطورة وشأن وحساسية، وهذا الموضوع هو: (خطورة الولاء الفكري لأعداء الله) وبعبارة أخرى: خطورة تبني أفكار الكفار.

    لقد نشأت أجيال من المسلمين في هذا العصر تتبنى آراء الكفرة وتعتقد بها وتدعو إليها، وحصلت نتيجة هذا ونتيجة نشرهم لأفكارهم في أوساط المسلمين أضرار عظيمة على المسلمين، لا نزال نلمسها بين حين وآخر حتى في بيوتنا.

    والأخذ من الكفرة وتبني مواقفهم دليل على الزيغ وعلى النفاق والعياذ بالله، والله عز وجل حذرنا أن نتولى الكفار، فقال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] ومن يتولهم سواء أعانهم أو ناصرهم أو حماهم أو دافع عنهم أو تبنى أفكارهم أو دخل في عقدهم أو أقام بينهم محباً لهم: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من تشبه بقوم فهو منهم) أي: تشبه بأفكارهم أو بمظهرهم.

    وكثير من أبناء المسلمين مع الأسف قد وقعوا فيما حذر الله ورسوله، فتبنى كثير منهم آراء الكفرة ودعوا إليها ونافحوا عنها، وربما كانوا أكثر حماساً من أصحابها الأصليين، وصادف ذلك جهلاً في أوساط المسلمين حملهم على التقليد الأعمى لهذه الشعارات والمذاهب التي طرحت في الساحة، والرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا وقال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة -وفي رواية: حذو النعل بالنعل- حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، وحتى لو أن أحدهم نكح أمه علانية لكان في أمتي من يفعل ذلك) القذة: ريش السهم المجتمعة في النصل، فأنت تراها متتابعة ومتقاربة آخذ بعضها ببعض، وهكذا سيتبع كثير من المسلمين الكفرة كما أخبر عليه الصلاة والسلام متابعة شديدة لصيقة لما عليه الكفار من الآراء والمعتقدات، وهذا ما حصل وبالذات بشكل واضح في هذا العصر، حيث حصل من هذا التشبه وهذه المتابعة للكفرة ما لم يحصل في تاريخ المسلمين في أي زمان مضى.

    ولذلك نجد أن حال المسلمين اليوم من الضعف والمهانة لم يصلوا إليها من قبل قط، وأحد الأسباب الرئيسية هي قضية (لتتبعن سنن من كان قبلكم) فتابعناهم في الأفكار والمعتقدات والمذاهب السائدة عندهم، وفي أشكالهم وهيئاتهم وملابسهم وطريقة حديثهم وكلامهم وهكذا.

    بداية التخطيط للغزو الفكري

    وتبدأ القصة عندما وجد أعداء الإسلام الذين احتلوا بعضاً من بلدان المسلمين أو أجزاء كبيرة جداً من بلدان المسلمين، وجدوا أن القهر بالقوة لا يفيد في مسخ الشخصية الإسلامية، بل إنه سيتولد عنه جهاد إسلامي ضد هؤلاء المحتلين المعتدين، ففكروا مراراً وتكراراً -من يوم أن أسر ذلك الملك الكافر في المنصورة ثم أطلق سراحه- في كيفية وضع منهج يتغلغلون فيه في بلاد المسلمين حتى يطيحوا بعقيدة المسلمين، ويجعلوا أبناء المسلمين تبعاً وأذناباً لهم.

    وعندما ندرس كيفية انتشار بعض المذاهب الهدامة في بلدان المسلمين كـالقومية مثلاً، فإننا سنجد أيها الإخوة أن المسألة بدأت من بعض الكفار الذين يعيشون في بلدان المسلمين كالنصارى مثلاً الذين لهم اتصال وثيق أصلاً بالكفار، فنقلوا مبادئ الكفار إلى بلدان المسلمين، وساعد هؤلاء -الطابور الخامس- الكفرة على ترحيل أجيال من أبناء المسلمين إلى بلدان الكفار ليتربوا هناك فينشئوا على الكفر ثم يعودوا إلينا.

    ولذلك عندما تدرس أي مذهب هدام انتشر في بلدان المسلمين كـالقومية أو الشيوعية أو الوطنية أو زمالة الأديان أو المذاهب الأدبية الهدامة أو الدعوة لتحطيم اللغة العربية، تجد أنها نشأت في الأصل من اتصال وثيق بين مرتدين وكفرة يعيشون بين المسلمين وبين الكفرة في بلدان الكفار، ثم بعد ذلك انتقلت محلياً إلى أبناء المسلمين؛ فنشأ الآن جيل من أبناء المسلمين لا يحتاج الكفار بعد ذلك أن يخططوا كثيراً من أجل تقويته ومن أجل النفوذ إلى أوساط المسلمين؛ لأنه قد نشأ بين المسلمين من يحمل هذه الأفكار وينافح عنها ويدعو إليها.

    وأساس البلاء أيها الإخوة هو مخالفة واضحة لذكر من أذكار الصباح والمساء الذي نقوله يومياً، وعدم اعتراف به، وهذا هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً) هؤلاء لم يرضوا لا بالله رباً، ولا بالإسلام ديناً، ولا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً، فلذلك استوردوا لنا هذه الأفكار ونقلوها إلينا، وكان بينهم وبين الكفرة اتصال وثيق -كما ذكرت آنفاً- تعبر عنه هذه الآية، يقول الله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ [محمد:26].

    تقولات لمن يوصمون بالولاء الفكري

    والله يعلم المؤامرات التي حاكوها والدسائس التي دبروها، هؤلاء الذين يعيشون بين المسلمين قالوا للكفار: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ [محمد:26] سنأخذ منكم ونتلقى عنكم ونتبنى مواقفكم وآراءكم ومذاهبكم ومعتقداتكم.

    فلنأخذ على سبيل المثال بعض الأمور التي انتقلت إلى بلدان المسلمين وصار لها خطورة واضحة جداً فمثلاً: الدعوة إلى الارتماء في أحضان الكفار وأخذ حضارتهم دون وعي ولا تمييز، عندما نأخذ شخصية مثل طه حسين الذي لقبوه بعميد الأدب العربي ورشح يوماً من الأيام لجائزة نوبل، هذا الرجل الذي ذهب إلى فرنسا وتربى هناك ورضع من ألبان الكفرة فكرياً، لما ألف كتابه: مستقبل الثقافة في مصر يقول فيه: بل نحن قد خطونا أبعد جداً مما ذكرت، فالتزمنا أمام أوروبا أن نذهب مذهبها في الحكم، ونسير سيرتها في الإدارة، ونسلك طريقها في التشريع، التزمنا هذا كله أمام أوروبا لأننا حريصون على التقدم والرقي.

    وهذا سلامة موسى صديق طه حسين يقول متحدثاً عن نفسه: إنه شرقي مثل سائر مواطنيه، ولكنه ثار على الشرق -وهم يعبرون بكلمة الشرق عن بلاد الإسلام ومهبط والوحي وديار الرسالة الخاتمة- عندما أيقن أن عاداته تعوق التقاءه، ودعا إلى أن يأخذ الشرقيون بعادات الغربيين كي يقووا مثلهم. فهو إذاً يدعو صراحة إلى هذا.

    ومن هؤلاء أيضاً: أحمد لطفي وصهره إسماعيل مظهر وقاسم أمين ؛ هؤلاء دعوا إلى نفس الفكرة أن نحذو حذو الكفار، وأن نأخذ الحضارة الغربية بحلوها ومرها، لكي نتقوى مثلهم.

    هؤلاء هل هم يجهلون أن القوة في التمسك بالإسلام؟! أم أنهم يريدون أن يرسخوا في أذهان أبناء المسلمين هذه الحقيقة الكفرية، وكذلك احتقار الماضي الإسلامي وتربية الأجيال تربية لا دينية؟!

    ويقول صاحب كتاب: مصر ورسالتها : عندما فتح العرب مصر .

    انظر إلى الكيفية التي يعبرون بها عن إرادتهم لسلخ أبناء المسلمين عن ماضيهم، وعن تاريخهم الإسلامي، هم يريدون قطع الصلة بين النشء المسلم وبين التاريخ الإسلامي.

    يقول: عندما فتح العرب مصر عام ستمائة وأربعين للميلاد كانت ولاية بيزنطية تحكم من القسطنطينية ، وعندما غزا الفرنسيون مصر عام (1798) وجدوها ولاية عثمانية تحكم من نفس القسطنطينية.

    فبين عام (640) وبين (1798) تقريباً اثنا عشر قرناً، ألف ومائتا سنة، هذه الفترة التي حكمت فيها مصر حكماً إسلامياً من دخول المسلمين بقيادة عمرو بن العاص إلى مصر وحتى انتهاء سلطة الخلافة العثمانية على مصر باحتلالها.

    يقول: لم يكن حالها عام (1798) بأحسن من حالها عام (640) كان الناس في بؤس وذل، وكان البلد في خراب، ثم يقول: فكأن اثني عشر قرناً من تاريخ ضاعت سدى، كأن هذه السنوات الكثيرة قد انقضت ونحن نيام بعيدين -هكذا على حد تعبيره- عن الوجود.

    ثم يقول: شيء لم يحدث في تاريخ بلد مثل مصر أبداً، تصور اثني عشر قرناً ونصف تذهب سدى. معناها: هذه فترة الحكم الإسلامي في مصر كلها كانت هباءً منثوراً، ما استفادت منها البلد ولا شيء، فإذاً يقول: نحن نريد أن نستمر الآن ونبتدئ حياة جديدة بعد عصور الذل التي عشناها.

    لقد سلخ أبناء الأمة المسلمين عن التاريخ الإسلامي وعن القيادات الإسلامية التي حكمتهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088799812

    عدد مرات الحفظ

    779116160