إسلام ويب

للذين استجابواللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ابتدأ الشيخ حفظه الله الخطبة بذكر الحكمة الإلهية من خلق الإنسان، وهي: العبادة، وبيّن أن من امتثل الأمر فأطاع واستجاب؛ فهو ناج من عذاب الآخرة، وأن من عصى وتكبر ورفض الاستجابة لربه فقد سبب لنفسه الشقاء في الدنيا والأخرى. وقد ذكر حفظه الله أنواع الظلم، وبين أنها ثلاثة أنواع: ظلم العبد لربه، ولنفسه، ولغيره. ثم ذكر عاقبة الظلم. ثم خلص بعد ذكره لما تقدم إلى أن الاستجابة هي الخيار الأمثل بل هي الخيار الوحيد، وتحدث عن حال الرافض للاستجابة عند الموت وما بعد ذلك، وختم خطبته ببشرى لمن استجاب لربه تعالى.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على هديه واقتفى أثره إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فيا عباد الله: لقد خلقنا الله عز وجل لعبادته.. لم يخلقنا عبثاً، ولم يتركنا هملاً، قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [الأنبياء:16]، وقال سبحانه: ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27]، وقال جل جلاله: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر:85]، وقال عز وجل: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:17-18] وقال جل وعلا: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116].

    لم يخلقنا ربنا ليتكثر بنا من قلة، ولا ليتعزز بنا من ذلة، ولكن خلقنا وأوجدنا لرسالة سامية، ولغاية نبيلة، ولهدفٍ جليل بيَّنه الله في كتابه، وقال فيه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58].

    خلقنا وأمرنا بطاعته، وبين لنا أن سبيل السعادة والفوز في الدنيا والآخرة هو سبيل الطاعة، فقال عز وجل: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132]، وقال عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71]، وقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69].

    خلقنا الله لعبادته وطاعته ونهانا عن معصيته، ومخالفة أمره، والتمرد على شرعه ودينه، وتوعدنا إن نحن عصيناه بالنار، وأخبرنا أننا لا نستطيع أن نفلت من قبضته، ولن يمنعنا منه أحد، فإنه يمنع من كل شيء، ولا يُمنع منه شيء وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا [هود:102-108] نسأل الله بفضله أن يجعلنا من الذين سعدوا بطاعة الله، سعدوا، وبالاستجابة لأوامره، وبالسير على منهجه؛ فكان جزاؤهم: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ * فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ [هود:108-109].

    أما من يضل وينحرف ويرفض السير على الطريق المستقيم؛ فلا تحزن عليه، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل:127]، ويقول رب العزة والجلال: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [فاطر:8]، فإنهم مراقبون وتحت الرصد الرباني، وسوف يُقبض عليهم، ولن يفلتوا من قبضة الله. وهناك وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ [هود:109].

    نهى الله عن معصيته.. فهو لا يحب أن يعصى، يقول ابن القيم في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، وهو ينقل أثراً قُدسياً، يقول الله عز وجل: (إني إذا أُطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإني إذا عُصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد) غضب الله لا يقوم له شيء.

    ففي يوم القيامة حين يدمر الله هذا الكون ويغير معالمه من أجل فصل القضاء بين العباد يقول الله: إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ [الانفطار:1-4] ويقول سبحانه: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [التكوير:1-2]، ويقول عز وجل: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق:1].

    هذه العوالم كلها تتغير عن طبيعتها، ويُبعث من في القبور يقولون: مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا [يس:52] أي: من أيقظنا من رقدتنا الطويلة هذه؟ فيقول أهل الإيمان: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [يس:52-53].

    في تلك اللحظات يبلغ الكرب مبلغه بالناس، والشمس تدنو من الرءوس حتى تغلي منها أدمغة العباد كما يغلي اللحم في القدور، وليست هناك عمارات ولا سيارات ولا مظلات، إلا مظلة واحدة: مظلة الرحمن يظل بها سبعة فئات، سبعة أصناف من الأمة، والبقية في عرصات القيامة؛ الشمس تصهرهم صهراً، وتغلي منها أدمغتهم، ويسيل منهم العرق حتى يلجمهم العرق إلجاماً، والناس في كربٍ عظيم، واليوم طويل، مقداره خمسون ألف سنة.

    أنت إذا وقفت في طابور تنتظر إجراء معاملة، أو قطع تذكرة، وقفت عشر دقائق، أو ربع ساعة، أو نصف ساعة أو أكثر تعجز، لكن في يوم القيامة تقف خمسين ألف سنة، وكيف يكون هذا الوقوف؟

    يقول الله عز وجل عن هذا الوقوف: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534068

    عدد مرات الحفظ

    777179100