وبعد:
أيها الأحبة في الله! عنوان المحاضرة: سوء الخلق، صوره ومظاهره، وأسبابه وعلاجه.
حسن الخُلق غرض من أغراض الدين, وهدف من أهداف بعثة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم, يقول في الحديث الذي رواه الإمام مالك في موطئه : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فكان من أهداف بعثته صلى الله عليه وسلم التي منها إصلاح الأرض ودعوة الناس إلى عبادة الله وحده, وترك الشرك, وإلى عمارة الأرض بهذا الدين.
أيضاً من ضمن الأغراض للبعثة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم: إكمال مكارم الأخلاق, وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم منزلة حسن الخلق وعاقبته, وأثره على الإنسان, حتى قال صلى الله عليه وسلم: (كاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة)، وقال عليه الصلاة والسلام وهو يبين منزلة صاحب الأخلاق الإسلامية الفاضلة يوم القيامة، قال: (إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)؛ كلما كنت على خلق قويم، وخلق فاضل كان ذلك مدعاة إلى أن تكون قريباًمن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة, وقد أثنى الله سبحانه وتعالى وامتدح نبيه صلى الله عليه وسلم ووصفه بأنه على خلق عظيم فقال: نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:1-4], هذا الخلق العظيم سئلت عنه عائشة رضي الله عنها -والسائل من الصحابة؛ يريد أن يعرف ما هو هذا الخلق الذي تحلى به النبي صلى الله عليه وسلم وامتدحه الله به وأثنى عليه- فلما سئلت قالت: (كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن)، فمن أراد أن يعرف خلق النبي صلى الله عليه وسلم فليتعرف وليقرأ القرآن ليجد جميع الصفات وجميع الكمالات البشرية، وجميع الخصال الحميدة التي جاءت في كتاب الله متمثلة بأعلى صورها وأعظم مقاماتها في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم, فهو أكرم الخلق، وسيد ولد آدم، وصاحب اللواء يوم العرض, وأول من تنشق عنه الأرض, وصاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة, وأول من يدخل الجنة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, فقد أوتي من الأخلاق ما لم يؤته أحد غيره حتى الأنبياء؛ الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أعطوا من مكارم الأخلاق الشيء العظيم، ولما قص الله عز وجل أخبارهم قال: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90] كل ما عند الأنبياء من فضائل هي مجموعة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم, ونحن مأمورون باتباعه, يقول الله سبحانه وتعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، الأسوة والقدوة والمثال الذي ينبغي أن يقتدى به وأن يحتذى وأن يسار على طريقه: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم, لكن لمن؟ لفئة من الناس، قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21]؛ الذي يرجو الله ويرجو لقاء الله ويرجو اليوم الآخر ويذكر الله كثيراً قدوته محمد صلى الله عليه وسلم, لا يرفع رأسه بأحد إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو الذي تميز به صحابته, حتى عد القرن الذي عاش فيه النبي صلى الله عليه وسلم خير القرون, وعد صحابته أفضل الخلق بعد الرسل, حتى تلقت الأمة كل أقوالهم بالقبول, وحكموا بعدالة كل صحابي حتى ولو جهل, ولهذا يقول العلماء من أهل الجرح والتعديل في الحديث: لا تضر جهالة الصحابي، فإن الصحابة كلهم عدول؛ لأنهم اتبعوا هذا الرسول صلى الله عليه وسلم, وتمثلوا أخلاقه, وساروا على هديه وسنته صلى الله عليه وسلم.
وسوء الخلق والعياذ بالله مناقض ومعارض لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ولحياة النبي صلى الله عليه وسلم, ولهذا يدل سوء الخلق على قلة التوفيق -والعياذ بالله- وعلى الخذلان لمن يكون سيئاً, وبعض الناس لا يدري ما هو سوء الخلق! تراه يظن أنه من أحسن الناس أخلاقاً وهو من أسوئهم أخلاقاً, نظراً لعدم وضوح القضية في ذهنه, يرى نفسه بمنظار الجمال والحسن والاستقامة والخلق، ولا يحكم على نفسه بنظرة غيره. أنت لا تقيم نفسك! الذي يقيمك هو غيرك؛ لأن الإنسان كالجمل لا يرى عوجة رقبته؛ لأن رأسه وعيونه ترى الذي أمامه لكن لا يستطيع أن يلف رأسه ويرى عوجة رقبته التي هي أعوج رقبة في الدنيا, وكذلك بعض الناس مثل البعير لا يرى عيوب نفسه وعوجة رقبته, من الذي يراك؟ غيرك, ولهذا الله سبحانه وتعالى جعل هذه الأمة المحمدية شاهدة على الأمم، فقال: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143] وفي الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وقد مرّ عليه بجنازة فأثنى الناس عليها خيراً فقال: (وجبت، ثم مرّ عليه بجنازة أخرى فأثنى الناس عليها شراً, قال: وجبت، فتعجب الصحابة، قالوا: يا رسول الله! ما وجبت؟! الأول ذكره الناس بخير وأثنوا عليه بالخير فقلت: وجبت, والثاني ذكره الناس بشر وأثنوا عليه بشر فقلت: وجبت -يعني: الاثنين سواء؟- قال: الأول أثني عليه خيراً فقلت: وجبت أي: الجنة, والثاني أثني عليه شراً فقلت: وجبت أي: النار, لماذا؟ قال: أنتم شهداء الله على خلقه), وأنت لا تنتزع الشهادة من الناس بالقوة أو بالإغراء أو بالمال، تنتزعها بالخلق, ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن تسعوهم بأخلاقكم) هل تستطيع أن تعطي كل الناس مالاً من أجل الثناء عليك؟ لا. لا تقدر ولو كنت من كنت, لكن تستطيع أن توزع على العالم كله خلقاً؛ لأنه لا يكلف, كونك تبتسم في وجه أخيك المسلم, وتعوده وتكرمه؛ تكون صادقاً وتكون وفياً وتكون براً وتكون تقياً وتكون حليماً وتكون شجاعاً، وتكون صاحب مروءة، وصاحب نخوة وشجاعة، وصاحب أخلاق بمجموعها المعروفة, هذا تقدر عليه وبالتالي تفرض عليهم احترامك, ولا يجدون مدخلاً عليك ولا يستطيعون أن يسبوك أو يلوموك، لماذا؟ لأنك إنسان فاضل ذو خلق, حتى عدوك لو سئل عنك لقال: نعم. لا أقول فيه شيئاً؛ لأنه لو قال فيك شيئاً لقال الناس: كذاب, فهو لا يريد أن يُكذَّب.
فسوء الخلق -أيها الإخوة!- يبدأ مع زوجتك, ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, حصل في يوم من الأيام في بيته خلاف عائلي بينه وبين عائشة كما يحدث بين الرجل وامرأته ولكن خلاف بسيط, فاستدعى الرسول صلى الله عليه وسلم والدها أبا بكر من أجل أن يحل المشكلة البسيطة, فلما جاء أبو بكر رضي الله عنه وأراد الرسول أن يتكلم -يعرض القضية- قامت عائشة بسرعة النساء وقالت: (أحلف عليك يا رسول الله ألا تقول إلا الحق, و
فالشاهد أيها الإخوة! أن سوء الخلق من مظاهره الغلظة، لا تكن غليظاً، بعض الناس حتى مع أولاده لم يسلم على ولده من يوم خلق! الأقرع بن حابس رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن , قال: ( أوتقبلون صبيانكم؟ قال: نعم. قال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً, فقال عليه الصلاة والسلام: من لا يَرحَم لا يُرحَم), كان يقبل أبناءه صلى الله عليه وسلم, وكان يأخذهم في حجره, بل كان وهو يصلي يمتطي الحسن ظهره وهو ساجد, فلا يرفع الرسول صلى الله عليه وسلم ظهره حتى ينزل, ولما سلم استغرب الصحابة طول السجود, فقال: (إن ابني هذا ارتحلني -أي: ركب علي- فكرهت أن أزعجه حتى نزل), اللهم صل وسلم على رسول الله، إذا أتى الآن شخص يصلي وجاء الطفل من أمامه لطمه, لماذا تأتي من أمامي؟ فيقول الولد: لماذا لطمني؟ من أجل أنه يصلي، إذاً الصلاة هذه ليست طيبة..!!! فتنشأ في نفس الولد عقدة ضد الصلاة التي لطم من أجلها، بل قطع صلى الله عليه وسلم الخطبة عندما رأى الحسن يدخل من باب المسجد وكان ثوبه طويلاً فجعل يتعثر, فقطع الخطبة ونزل وأخذه, ورجع إلى المنبر وأكمل الخطبة, هذا من كمال رحمته صلى الله عليه وسلم! فإذا أردت أن تكون من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فانزع هذا الخلق كلياً. لا تكن غليظاً, ولا تكن شديداً, ولا تكن عنيفاً, وإنما كن هيناً ليناً بسيطاً طيباً مع زوجتك وأولادك، ومع جيرانك ومع زملائك في العمل، ومع رؤسائك ومرءوسيك ومع الدنيا كلها, لماذا؟ يقول عليه الصلاة والسلام: (إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبعدكم مني منزلة يوم القيامة كل عتل جعظري مستكبر)، هذا الغليظ العنيف، تراه دائماً مكشر الوجه, مقطب الجبين, دائماً غاضب حتى على نفسه والعياذ بالله, هذا مظهر وصورة من صور سوء الخلق.
قس نفسك واعرف نفسك، لا أحد يعرفك, إذا دخلت البيت ففرح بك أهلك فأنت ذو خلق حسن, وإن دخلت البيت قالوا: جاء العفريت! فأنت ذو خلق سيء، بعض الناس إذا دخل بيته استيقظ النائم, وقعد القائم, وقام القاعد وحصلت طوارئ..! وبعضهم إذا دخل بيته ينهال عليه أفراد أسرته, هذا يتعلق في رقبته وهذا يسلم عليه, والمرأة تستقبله، لماذا؟ لأنه جاء روحهم, وجاء حياتهم, وجاء نورهم, جاء الذي ينتظرونه, رب الأسرة، هذا الذي يجدون عنده الحنان, ويجدون عنده العطف, ويجدون عنده الشفقة، يمسك هذا على يده ويسلم عليه, ويأخذ الصغير يلاعبه, والكبير يلاطفه, والبنت يسألها: كيف الدروس؟ كيف أنت اليوم؟ طيبة .. جيدة.. ما شاء الله، هكذا الأخلاق, هذا من حسن الخلق.
فحاول يا أخي! ألا تكون سريع الغضب وإن جاءك الشيطان من باب الغضب فاستعذ بالله.
القرآن الكريم يعلمنا الأخلاق، والذي تمثله النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر قضية لقاء الرجل بامرأته في الحلال، قال سبحانه: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] انظروا التعبير البياني البليغ, وقال سبحانه: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187] وعائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح تقول: (ما رأى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا رأيت منه) انظر الألفاظ! لم تأت بالألفاظ الأخرى, ولم تأت بالألفاظ الجارحة الفاضحة، هكذا أيها المسلم! لا تقل إلا لفظة طيبة؛ لأنك طيب, والمؤمن لا يخرج من لسانه إلا طيب.
أما من يتخصص باختيار الألفاظ البذيئة ولا تجد على لسانه إلا السباب والشتائم حتى في تعامله مع المرءوسين عنده، مثلاً يكون في منصب أو رتبة أو في شيء فلا ينادي الموظفين عنده بأسمائهم، بل يقول: أنت يا متين، أنت يا طويل، أنت يا قصير، لماذا تسمي الناس بغير أسمائهم؟ لماذا تتعمد إساءتك إلى الناس بألفاظك هذه؟ أتدري أنك بهذه الألفاظ تسقط نفسك من عيون الناس؟ حتى ولو كنت مسئولاً كبيراً, يصبرون عليك لكن من داخل نفوسهم يقولون: الله أكبر عليه، الله يأخذ هذا العفريت .. وإذا جاءتك إحالة على المعاش أو مصيبة قالوا: الله لا يرده, ما كان يترك كبداً بارداً والعياذ بالله!
فالبذاءة في اللسان من علامات سوء الخلق, يجب أن يكون لسانك نظيفاً, ولا يتكلم إلا بما هو نظيف.
فبعض الناس ليس عنده حياء ولا يستحي, لا يستحي أن يقول زوراً, ولا يستحي أن يقع في منكر, أو أن يرى في مكان لا يليق, هناك رجال من يوم أن خلقوا إلى الآن لم يدخلوا قهوة, لا يستطيع أن يدخل القهوة، يقول: والله لو أموت جوعاً لا أدخلها، لماذا؟ قال: لأنها لا تصلح, انظر إلى الحياء! وبعضهم بالعكس أحسن مكان عنده القهوة, حتى قال شاعرهم:
أعز مكان في الدنا بطن قهـوة وخير جليس خنفس وكلاب |
بينما الأول يقول:
أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب |
وسرج سابح أي: ظهر جواد، لكن تغير هذا الجيل وأصبح أحسن مكان عنده القهوة, تراه في البيت يضيق مع زوجته ومع أولاده، قالوا: اسمر معنا, قال: لا. أذهب أعمر الشيشة, ويدخل في القهوة وتأتيه الشيشة بعنقها الملوي، وبريحتها العفنة، وقد مصها قبله أكثر من واحد, حتى قال فيها الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله:
كذلك معشوقة الشيطان قد نصبت بها فخاخ لأرباب الجهالات |
وإذا انتهى مسحها وقال لزميله: خذ, (من أجل ذاك وقبلها ذاك وذاك..) وإذا انتهى قال: هات الورق والكيرم والدمنة إلى آخر الليل, والله إن الذي فيه حياء يستحي أن يمر من الشارع الذي بجانب القهوة، فضلاً عن أن يدخل فيها أو يقعد فيها، فقلة الحياء مظهر من مظاهر سوء الخلق.
أما أن تذهب وتذبح بالدين وإغراق ذمتك وذمة الناس من أجل أن تظهر أمام الناس بأنك كريم فهذا ليس بكرم, هذا إسراف وتبذير, وبعضهم يقدم للضيف ما لا يأكله, مثلاً الضيف شخص وذبح له ذبيحة, ويأتي ضيف آخر ويقول: والله لا أضع فلاناً مع فلان! لا بد له من رأس، ثم يذبح اثنين وقال: الله يحييكم على شرف فلان وفلان!! لماذا؟ هل سيأكل الذبيحة كلها؟ لماذا؟ هل مع الرجل بطن أم قلاب؟ وهل تدري أنك عندما خصصت له ذبيحة أنك أهنته لأنك حملته ديناً في ظهره؟ بمجرد أن يراك في قريته أو مدينته يقول: يا ليته ما جاء! لماذا؟ قال: والله ذبح لي في الرياض فلابد أن أذبح له ذبيحة! فلماذا تحمل الناس ديوناً؟! فلو أنك أدخلته في الذبيحة الأولى سيأكل هنيئاً ويقول: الله يخلف عليك, هذه العادات والأعراف كانت في الجهل، أما اليوم والحمد لله الناس تعلموا, والناس فقهوا, والناس تثقفوا، فلا ينبغي أن تتمسك بالعادات التي ما أنزل الله بها من سلطان, عادة الكرم عادة محمودة في العرب، لكنها معتدلة ليست مطلقة بحيث يقع الناس في الإسراف والتبذير, وتبديد الثروات فيما لا مصلحة منه ولا فائدة ولا طائل, لا. الإسلام وسط, فالبخل من سوء الخلق.
والبخل يجعل صاحبه يقتر على أهله ولا يأتي لهم بما تعود الناس بحسب المستوى المعيشي للأمة, الناس يأكلون في بيوتهم كل يوم لحمة بينما هذا لا يأتي لهم بلحمة! يقول: اليوم الغداء خبز وشاهي!! قالوا: والعشاء؟ قال: جبنة وخبز, قالوا: والفطور؟ قال: ما يحتاج الفطور! الفطور غير مناسب! فهذا بخيل.
هناك قصة ذكرها أحد الكتاب في كتاب سيار في الرياض يسمونه أبو الرءوس، وفي المنفوحة عنده أراض وبيوت من قبل أربعين سنة, وعنده عمارات لكن الرجل متخصص في شراء الرءوس, إذا جاء المجزرة لا يشتري إلا الرءوس, لا يشتري اللحم, ويشتري الكروش ومعها الأمعاء, ويجمعها ويذهب بها إلى امرأته, قالت: ما في غيرها؟ قال: أبداً أحسن ما في الذبيحة الرأس: فيه العيون وفيه المخ وفيه المسامع, والرجل ما فيه إلا رأسه, والذبيحة ما فيها إلا رأسها, حتى إن المسكينة انذبحت من رأسه, ومرت الأيام والرجل لا تراه إلا يراقب الرواتب من أن تصرف ويذهب يأخذ الديون, فيذهب إلى صاحب الدين ويصلي العصر عنده، فإذا لم يجده صلّى المغرب، يرقبه في المسجد فإذا لم يأت قعد حتى صلّى العشاء فإذا به لم يأت، فتعجب فسأل عنه قالوا: غير موجود يمكن أنه مسافر, وكان في المسجد رجل عليه علامة الخير وعلامة العافية والصحة، مظهره حسن وريحته حسنة, رأى الرجل فإذا به جالس في طرف المسجد ظن أنه فقير أو شحاذ, فأتى إليه وقال: يا فلان..قال: نعم. قال: تفضل معنا نتعشى, فقال: حاضر جزاك الله خيراً, وهذا البخيل فرح بالعشاء من أجل أن يوفر العشاء في البيت لليلة ثانية, فذهب معه البيت وأدخله البيت، وإذا به ما شاء الله! البيت مزهر والنور والفراش الحسن, ويضع ذاك العشاء الطيب, فهذا استغرب وقال: هذا أمير أو موظف كبير أو تاجر من رجال الأعمال..فسأله فقال: ما عندك من عمل؟ قال: ليس عندي أي عمل, فقال له: ما وظيفتك؟ قال: ليس عندي وظيفة, فقال له: أعندك تجارة؟ قال: ليس عندي تجارة, فقال له: فمن أين هذه الفلوس وهذه الخيرات، من أين تأتيك؟ قال: من الله عز وجل، الله رازقنا! فقال له: كيف رازقك؟ قال: والله أنا متخصص والحمد لله في مراقبة الناس الذين يموتون وهم بخلاء, وما إن يموت أحدهم حتى أذهب وأتقدم لزوجته وأرى ما كان من خير وراءه, فقال له: أصحيح؟ قال: نعم. قال: وهناك بخيل في المنفوحة يقولون له: أبو الرءوس، والله إني أرقبه إلى أن يموت من أجل أن آخذ ماله..!! فقال له: وتفعل هذا؟ قال: نعم. فوقعت في قلبه، وبعد أن انتهى من العشاء استأجر سيارة أجرة بعشرة ريال، وأول مرة في حياته يستأجر سيارة، فقد كان يمشي بالأقدام حتى يصل إلى بيته! فنزل في السوق ويأتي بسيارة ويحملها كيس أرز وكيس دقيق وكيس سكر وصندوق شاي, ومن قبل كان لا يأتي إلا بالقرطاس! وعلى هذا لا يعطي المرأة، عنده شنطة عليها أقفال ويخرج لها بالحبة, لكن الآن جاء بالسيارة وهي مليئة بالملابس والطيب والصابون والخيرات, ويأتي بالسيارة على الباب ويفتح الباب وينادي: يا أم فلان.. قالت: نعم. هي تعرف ما معه, ما معه إلا رءوس, قال: تعالي أنت والعيال, قالت: لماذا؟ -لأنه معودهم أنه لا يأتي بشيء- قال: تعالي احملي, قالت: ماذا نحمل ما الذي جئت به الآن! لعلك لم تترك رأساً واحداً في المجزرة؟ قال: لا. تعالي هناك أخبار طيبة, فنـزلت المرأة ورأت ما في الباب وقالت: من الذي أعطانا؟ قال: تعالي احملي واستدعي الأولاد، ففرح الأولاد عندما رأوا الخيرات، ويقوم الرجل صاحب السيارة ينزل الأكياس والمقاضي, والأولاد أخذوا الحلوى, والصابون أدخلته المرأة في الحمام؛ لأنه ما كان يشتري الصابون, يقول: الصابون هذا يخرب ويحرق الأجساد, والوسخ يجعل الجسم قوياً! والصابون يقطع القماش، وإذا غسلت القماش كل يوم تقطع القماش، اتركوا الغترة وسخة إلى أن تتقطع من نفسها!! ثم تغسلت وغسلت أولادها وعطرتهم بعد أن كانت ريحتهم منتنة من الكروش والرءوس التي كان يشتريها, ويدخل وإياها في ذاك الليل ويرتاحون, وليلة طيبة, وفي الصباح قالت: يا ابن الحلال! ما الذي حصل؟ وما الذي غيرك؟ قال: العلم عند الذي يرقب أبو الرءوس.
فالشاهد يا أخي الكريم! لا تكن بخيلاً, فإن البخيل بعيد من الله, بعيد من الناس قريب من النار, والكريم قريب من الله .. قريب من الناس .. قريب من الجنة: (لما خلق الله جنة عدن قال لها: تكلمي؟ قالت: قد أفلح المؤمنون, قال: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل) فلا تكن بخيلاً, ولا تكن أيضاً مسرفاً ولا مبذراً، وإنما كن وسطاً معتدلاً, أكرم الضيف إذا أتاك لكن لا تذهب تستلف له, أعطه الموجود في بيتك, وإذا رأيت الضيف لا تتجنبه، اعزمه ولكن لا تحلف عليه؛ لأن بعض الناس يحرج الضيف، والأولون كانوا يحلفون؛ لأن الضيف متشوق للعزيمة لكن يستحي أو لا يريد أن يثقل, الآن لا. الضيف هو صاحب الفضل, والناس ظروفهم تغيرت، فإن حلفت عليه أو طلقت فقد قيدت حريته وضايقته, ولكن اعرض عليه الكرامة وأكدها ثم إذا اعتذر فاعذره؛ لأن الإكرام محبة لا بإكراه ولا قيد. هذا مظهر من صور سوء الخلق.
جاء رجل إليه يشتكي زوجته فلما طرق الباب وإذا به يسمع امرأة عمر وهي تتكلم على عمر بكلام مثل الرصاص, فقال الرجل: هذا أمير المؤمنين وهذه زوجته تفعل به هكذا..؟! فتراجع, ففتح عمر الباب وقال: ما لك, قال: يا أمير المؤمنين جئت لغرض وانتهى الغرض, قال: ما هو الغرض؟ قال: جئت لأشكو زوجتي عليك فسمعت زوجتك تقول لك أكثر مما قالت زوجتي عليّ, قال: أما يرضيك أنها طابخة الطعام, وغاسلة الثوب, ومربية ولدي, وقاضية حاجتي, أفلا أصبر لها إذا جاء منها شيء؟ من الذي يقدم لك هذه الخدمات إلا هذه المرأة المسكينة، فلا تقعد تحاسب الدقيق والقطمير والنقير وإنما غض الطرف وابذل ما تيسر وتجاوز عما لا يمكن حصوله؛ لأن هذا من حسن الخلق, أما ذاك الحرفي الدقيق الذي يحاسب على أقل غلطة فهذا سيئ خلق, والذي هو سيئ خلق في بيته سيكون أسوأ عند الناس والعياذ بالله!
أما إذا ضعف الإيمان وضعف الدين فإن هذا مدعاة إلى وقوعك في سوء الخلق وإن لم تشعر.
أما أن تبقى أمياً لا تعرف شيئاً كالجماد، تعطى القرآن ويقال لك: اقرأ! تقول: لا أستطيع أن أقرأ, لماذا لا تتعلم؟ قال: أتعلم الآن؟!! نعم. تعلم الآن, العلم من المهد إلى اللحد, والعلم سهل: هذا ( أ ) ألف, وهذا اسمه ( ب ) وثلاثة وأربعة حروف.. وبعد ذلك ركبها حتى تصبح كلمات, وبعد الكلمات جمل, وهكذا تكون قد عرفت قدرها وأصبحت تقرأ, أما أن تستحي إذا قعدت في المجالس والناس يتناولون الأوراق والكتب وأنت قاعد مثل الجماد لا تعرف أن تقرأ حرفاً؟! هذا لا ينبغي لك, العلم نور والجهل داء ووبال على الرجل وعلى المرأة, لكن اقرأ، بمن؟ باسم ربك, فرق بين من يقرأ الكتاب الكريم والسنة المطهرة وبين من يقرأ المجلات الرخيصة العارية والجرائد الفاضحة، فهذا يقرأ باسم الشيطان.
أما الذي يقرأ باسم الرحمن باسم الله فإنه يقرأ كتاب الله, ويقرأ سنة رسوله، ويقرأ كتب الإسلام ويقرأ المجلات الإسلامية فهذا يكون عنده نور.
أما الذي يقرأ الباطل فهذا ظلام على ظلام والعياذ بالله.
أما أن تيأس وتقول: أنا هكذا إلى أن أموت!! معناه: سترضى أن تبقى سيئاً وخلقك سيئ إلى أن تموت, وبهذا تحكم على نفسك بسوء الخلق، وتحكم على نفسك بالدمار والشذوذ والخذلان في الدنيا والآخرة والعياذ بالله.
عن المرء لا تسَلْ وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي |
إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي |
يقول: من صاحبت يا أبا زيد كنت له نديداً، فهل رأيت قرداً يمشي مع الغزلان؟ أم غزالاً يمشي مع القرود!! أو غراباً يمشي مع الحمام؟ لا. الغراب مع الغربان والقرد مع القرود, فإذا رأيت شخصاً طيباً يمشي مع السيئين فهو سيئ, لو أنه طيب لذهب مع الطيبين, إلا أن يكون قصده الدعوة وإصلاحهم فمحمود, أما أن يرضى بمنكرهم ولا يغير عليهم فما هي إلا أيام وليالي وإذا به مثلهم, هذه بعض أسباب الوقوع في سوء الخلق.
أولاً: كراهية الله سبحانه لك, وكراهية الرسول لك, وكراهية الصالحين لك, وقربك من النار, وبعدك عن الجنة, وكراهية الخلق, فلماذا تعمل على أن تكون مكروهاً عند الله وعند خلقه؟ العاقبة وخيمة, والنهاية والمآل سيئ, فإذا فكرت حملك التفكير على أن تصحح من مسارك وتصلح من وضعك بحيث تجتنب سوء الأخلاق ومظاهره وصوره، وتعمل على أن تكون في مكارم الأخلاق وفي أحسن الأخلاق حتى تصل إلى النهايات الجيدة وإلى العواقب الحميدة.
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا |
يزيد حماقة فأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيباً |
العود الأصلي -العود الأزرق- كلما زدت في إحراقه كلما زادت ريحته, كذلك الرجل الصالح صاحب الخلق الكريم؛ كلما زدت في إزعاجه كلما ظهر حلمه, ودخل عليه مرة رجل وهو في مجلسه فسبه وشتمه وأقذع له في القول, فلم يرد عليه الشافعي بكلمة, فلما خرج الرجل قالوا: يا إمام! ألا دافعت عن نفسك؟ فرد عليهم بثلاثة أبيات يقول لهم:
قالوا سكت وقد عوتبت فقلت لهم إن الجواب لباب الشر مفتاح |
والصمت عن جاهل أو أحمق شـرف وفيه أيضاً لصون العرض إصلاح |
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة والكلب يخزى لعمري وهو نباح |
الكلب ينبح طوال الليل لكن هل يخاف منه أحد؟ والأسد ساكت لا يقول ولا كلمة ولكن الناس تخاف منه، فلا تكن كلباً نباحاً, والآخر يقول:
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار |
يقول: لو كلما نبح كلب رميته بحجر لأكملت الحجارة, وأصبحت الحجارة غالية والصخرة بمثقال! لكن لا ننتبه ولا نتأثر بنبح الكلاب.
فعليك يا أخي الكريم! أن تكون مترفعاً عالي الهمة, يقولون في المثل: ما يضير السحاب نبح الكلاب، وهذا مثل عند العرب، وما كنت أعرف سبباً لهذا المثل إلى أن قرأت في كتاب الحيوان للجاحظ عن عادات الكلاب، يقول: إن الحيوان الوحيد في الأرض الذي يكره المطر هو الكلب, جميع المخلوقات تحب المطر, الإنسان يحب المطر, البهائم تحب المطر, الطير تحب المطر؛ لأن حياتها على الله ثم المطر, إلا الكلب؛ إذا رأى السحاب قام ينبح, يريد السحاب أن يتراجع، لماذا؟! قالوا: لأن المطر إذا نزل تبلل جلد الكلب, وإذا تبلل جلده انبعثت منه رائحة كريهة تؤذي الكلب حتى يود أن ينسلخ من جلده, فلا يريد المطر, لكن هل يتأثر السحاب من نبح الكلاب؟ هو ينبح يريد السحاب أن يذهب لكن السحاب لا يتأثر، وكذلك أنت كن كالسحابة لا تتأثر بما تسمع من سباب أو من شتائم، وإنما اصفح وأعرض عن الجاهلين.
فلا تصحب أخا الفسق وإياك وإياه فكم من فاسق أردى مطيعاً حين آخاه |
يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ما شاه وللناس على الناس مقاييس وأشباه |
وللقلب على القلب دليل حين يلقاه |
فعليك أن تبحث عن الرفقة الصالحة وعن الأخيار, وأن تجلس معهم وأن تصاحبهم حتى تكتسب شيئاً من صفاتهم, ومن أخلاقهم.
وأيضاً من وسائل العلاج: الحلم, وهو سيد الأخلاق, والحلم هو أن تتمهل وتتثبت، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للأحنف بن قيس : (إن فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة), الحلم: أن تحلم ولا تستعجل ولا تتسرع، وهذا يحملك باستمرار إلى النتائج الطيبة, لا يوجد أحد ندم على الحلم وعلى التثبت, لكن كم ندم من أناس على السرعة وعلى الانفعال.
هذه -أيها الإخوة- مجمل الأسباب والوسائل التي يمكن للإنسان أن يكون بها حسن الخلق, وأن يجتنب سوء الخلق.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا إلى أحسن الأخلاق, وأن يجنبنا سيئ الأخلاق, وأن يوفقنا لصادق الإيمان وصالح الأعمال، وأن ينصر دينه وأن يعلي كلمته, وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية, ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنه سميع الدعاء.
كما نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ لنا ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا، وأن يجعل كيد من يريدنا في ديارنا أو غيرنا من ديار المسلمين أن يجعل كيده في نحره, وأن يجعل تدميره في تدبيره, وأن ينزّل عليه بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين, كما نسأله عز وجل أن يوفق ويصلح ولاة أمورنا، وأن يوفق علماءنا ومشايخنا ودعاتنا وشبابنا وشاباتنا وجميع المسلمين للعمل لهذا الدين والدعوة إليه والمنافحة عنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجواب: صحيح والله! إن هذا من المحزن, ومن المؤسف جداً أن ترى هذه المظاهر على الطيبين, وأيضاً من المحزن أن يبررون هذه المواقف, وأن يعتبرونها ديناً, وأن يقولوا: هذا من الحب في الله والبغض في الله, فنحن نتعامل مع الإخوة في الله بأخلاق, إذا رآه يبش له ويقبل عليه ويحتضنه, وإذا رأى شخصاً آخر ليس مثله في الالتزام أو أقل منه كشر فيه ونفر فيه ولم يسلم عليه وأعرض عنه، ويظن أن هذا من الدين، أو يظنه من الحب والبغض وهذا من سوء الفهم وقلة العلم, لا يا أخي الكريم! هذا الذي ترى عليه علامات القصور يحتاج إلى دعوة منك, وإلى اجتباء وإلى حب, وآخر علاج عندك أن تبغضه.
أما أن تبدأه بالبغض فكأنك بهذا تطرده, وتجعل بينك وبينه حاجزاً بحيث لا يقبل كلامك, وإذا سمع أنك أبغضته قال: وأنا أبغضه, وإذا أبغضك أبغضك وأبغض المبدأ الذي أنت عليه والدين الذي تدعو إليه, فيكون تصرفك أنت بالبغض ابتداءً كأنك قاطع طريق بين هذا وبين الهداية, بدلاً من أن تدعوه بالخلق الكريم وبالابتسامة وبالإكرام حتى يقول: ما شاء الله! انظر إلى هؤلاء المتدينين, لا أرى لنفسي قيمة ولا أرى لي احتراماً إلا عندهم! فيحمله هذا الاحترام والتقدير إلى أن يلتزم, لكن إذا رآك قال: الله أكبر على هؤلاء، كلما أرى واحداً كأنه الشيطان يريد أن يأكلني! ما بهم هؤلاء المتدينين؟! يظنون أن هذا من الدين وليس من الدين, لا بد أن نتحلى بالأخلاق الكريمة وأن نبش في وجوه الناس، وأن نكرم الناس؛ لأننا نريد أن نصدر على هذا ونمرر على هذا الخلق ما عندنا من مبادئ, وما عندنا من أخلاق, وما عندنا من دين وعقائد, فربما لا يقبلها الناس أبداً إلا من رجل ذو خلق, ولهذا اختار الله عز وجل لحمل هذا الدين ولإبلاغه للناس أكرم الناس خلقاً صلى الله عليه وسلم الذي قال الله له: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] حتى كان الكفار يلقبونه بأنه: الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم, فلا ينبغي لك -أيها الأخ في الله- إلا أن تظهر الخلق الطيب.
متى يكون البغض في الله؟ عندما تكون قد استنفذت جميع الوسائل, ثم وجدت أن البغض يؤدي دوراً أو أنه ينفع فلا بأس.
أما إذا عرفت أن البغض يضر فلا يجوز لك, ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : البغض والهجر دواء يستخدم عند الحاجة, وحينما يكون له أثر نافع, أما إذا كان له ضرر فيحرم الدواء, فالحبوب هذه تأخذها من أجل أن تعالجه، لكن إذا أخذتها وأحرقت بطنك فلا يجوز أن تستخدمها، وكذلك الهجر؛ تهجر من ينفعه الهجر، مثلاً زوجتك إذا هجرتها ينفع الهجر، لماذا؟ لأنها محتاجة إلى أن تلاطفها, فإذا أعرضت عنها وهجرتها هجراً شرعياً سألتك: ما لك غاضب؟ تقول: غاضب لأنك تبرجتِ, أو لأنك لم تصلي, أو لأنك ما قرأتِ القرآن, أو تأخرتِ عن الصلاة, فتقول: حقاً؟ سأتوب إن شاء الله ولا أعود, لكن عندما تهجر جارك ولا تسلم عليه فإذا سأل جارك: ما به؟ قيل له: فلان هجرك لأنك لا تصلي في المسجد, قال: الله لا يجعله يرضى إلى يوم القيامة, والله لن أصلي حتى في البيت من أجل خاطره! فهجرك هذا نفع أم ضر؟ هجرك هذا ضر الرجل, لكن لو أنه لا يصلي صبرت عليه وأصبحت تكرمه وتعزمه وتهدي له وتزوره، وكلما رأيت مناسبة قذفت عليه بكلمة, أو أعطيته كتاباً, أو شريطاً يستحي أن يرده ويستحي أن يرد عليك؛ لأنه يراك ذا أخلاق كريمة, فيجاملك إلى أن يأذن الله بهدايته, والهداية ليست بيدك, أنت تحرص على هدايته والله هو الهادي, وللهداية ساعة لا تحددها أنت, ولكن الذي يحددها هو الله, والله تعالى يقول: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [النحل:37] وقال سبحانه: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272].
الجواب: هذا أيضاً من الخطأ, الرجل المتدين من مقتضيات تدينه أن يكون ذا خلق مع أبنائه خصوصاً في دعوتهم إلى الله, بعض الآباء إذا أتى ليوقظ ابنه يضربه على الصلاة فيلطمه أو يركضه برجله: قم يا حمار! قم يا قليل الدين، الله لا يوفقك.. فكيف يصلي وقد قلت له: يا حمار ودعوت عليه أن الله لا يوفقه..؟! لكن ما الذي يضيرك إذا أتيت عنده تمسك رأسه وتقول له: فلان فلان.. الله يوفقك.. الله يشرح صدرك, الله يأخذ بيدك قم, فيقوم وينشط؛ لأنك دعوت له.
أما أنك تدعو عليه لا يجوز ولا يجوز التخون ولا النظر بالشك, ولا العبارات الجافية للأبناء, إنما اجعل عباراتك طيبة, ادع لأولادك, ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدع أحدكم على مال ولا ولد), لأن دعوتك قد تكون في وقت استجابة، يمكن أن تقول لولدك: الله لا يردك.. فيستجيب الله, مع أنك لا تريد أن يحصل لابنك أي مكروه، ولكن من الغضب ومن الحمق بعض الآباء يدعو على أولاده ثم يندم إذا استجيبت دعوته, فلا تدع عليه, اجعل بدل الدعاء عليه الدعاء له, وبدل الله يهلكك الله يصلحك، الكلمة واحدة لكن هذه تنفع وهذه تضر، خاصة وأنك متدين ولا يتوقع منك في تدينك إلا الخير, والخير مع أقرب الناس إليك وهم أولادك، وإذا لم يكن فيك خير لأولادك فلن يكون فيك خير للناس.
الجواب: الأفضل الصبر؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:43], فإذا صبرت على ما تلقى من أذى أو سباب أو شتائم أو استهزاء , فإن ذلك أرفع منزلة لك عند الله, وإذا أخذت حقك ونزلت -الرجل سبك وأنت لم تسبه- فضاربته ورب العالمين أعانك عليه, لكن نخاف أن تضارب شخصاً آخر فيضربك, فأنت لا تعتبرها قاعدة مسلّمة, ولا ننصح الشباب أنهم إذا أوذوا أن يضربوا؛ لأن الضرب ليس وسيلة للتعامل, وأيضاً الشرع منع كف الأيدي, قد تريد أن تأدبه فيموت تحت يديك ويذهب بك إلى السجن، فأنت لا شك أخطأت في ضربك له، كما أخطأ هو في سبك وفي الاستهزاء بك, ولكن الحمد لله, فهذه إن شاء الله تعوض الضربة, وعليك ألا تعود إلى هذا ولا ننصح إخواننا بالمضاربة؛ لأن المضاربة من أخلاق الناس التافهين؛ لا أحد يضارب وهو رجل، لا يضارب إلا السوقة والناس الذين ليس لديهم عقل, فالعاقل لا يمد يده على الآخرين، وإنما يعفو ويصفح ويحلم ويتحمل.
أما المضاربة فليست من أخلاق الكرماء وليست من أخلاق الرجال الفضلاء إلا في ميدان, فإذا رفع لواء الحق أمام لواء الباطل فالميدان ميدانه, وإنما مجرد مضاربات وكلمات.. وكل يوم تريد أن تضارب ومعك سكين وعصا، واخرج لي في الوادي وسوف أجلس لك عند بيتكم، فهذه من أعمال الأطفال وليست من عمل الرجال.
الجواب: لا يا أخي الكريم! قد صرح العلماء بناءً على الحديث الصحيح أنه: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرم) سواء مع أسرة, أو مع غير أسرة, ملتزمة أو غير ملتزمة، تعرفهم أو لا تعرفهم؛ لأن المرأة عورة ولا يحميها إلا الرجل, إذا سافرت المرأة منفردة استشرفتها الشياطين, وامتدت إليها الأعين, حتى ولو كان السفر جواً, والسفر جواً ربما يؤدي إلى مفسدة, فقد تجلس في كرسي وهي لا تملك إلا الكرسي هذا, ويكون الكرسي الثاني لرجل, وقد تذهب الرحلة غير المكان المقصود. أحياناً الطائرة تتجه إلى الرياض لكن الجو غير مناسب فتنزل في جدة , فمن يستقبلها وقد تتأخر الرحلة, وقد تحصل طوارئ كثيرة, فلا يا أخي الكريم! لا تسافر زوجتك إلا وأنت معها.
بعض الناس يبخل بتذكرة قيمتها (200) أو (300) ريال, ويعرض نفسه للإثم ويعرض عرضه للضياع:
أصون عرضي بمالي لا أضيعـه لا بارك الله بعد العرض في المال |
الجواب: الولد صغير ويحتاج إلى تربية وتوجيه منك ومن والده ووالدته في أن يتعامل بتعامل إسلامي؛ لأن أعظم عمل يجب أن تتخلق به هو مع والديك؛ لأن أكثر الناس فضلاً عليك بعد الله سبحانه وتعالى هما الوالدان, والله عز وجل قد قرن طاعته بطاعتهما وقال: اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14] وقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23] وقال سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [النساء:36] فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل الله شكره, فلا بد أن تكون باراً بوالديك, حسن التعامل معهم؛ لأن تعاملك مع الوالد مهم جداً والوالدة, وكما تحب أن يكون أولادك بررة فيجب أن تكون باراً بأبيك وبأمك.
أما إذا عققتهما فإن الجزاء من جنس العمل, سيجعل الله لك أولادا يعقونك, ويزيدون فوق ذلك.
الجواب: هذه الأشياء ليس عليها دليل, المرأة من الناحية الشرعية إذا مات عنها زوجها فإنها تعتد عدة الوفاة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام في البيت الذي بلغها فيه الوفاة -بيت زوجها- ولا تنتقل منه حتى تنتهي الأربعة الأشهر والعشرة الأيام, ولا تنتقل ولا تخرج إلا لما لا بد منه مثل المستشفى، أو إذا كانت معلمة فيجوز أن تخرج لأداء الوظيفة وترجع, وأيضاً إذا اقتضى حضورها إلى المحكمة لعمل وكالة أو لإثبات صك وراثة, فإنها تذهب ولا حرج.
أما أن تخرج للعزائم أو للتمشيات أو التسوق فهذا ممنوع, وإنما تمكث في بيتها.
أما أثناء مكثها في بيتها فيجوز لها أن تخرج في فناء بيتها وتصعد سطح المنـزل, ويجوز لها أن تغتسل في كل يوم وفي كل ليلة, ولكنها تجتنب أشياء:
أولاً: تجتنب وسائل الزينة كلها من الذهب والخضاب والحناء والكحل والملابس المزركشة ووسائل الطيب, ولكنها يجوز أن تغتسل بالصابون ولو كان فيه رائحة طيب, هذه هي العدة.
أما أنها تلبس ملابس سوداء كما يقولون, أو لا تظهر على السطح من أجل ألا يراها القمر؛ لأن في القمر رجال قاعدون كما يقولون, أو لا تخرج في الحوش, أو لا ترد على التليفون, ولا تري النساء شعرها.. هذا كله ليس له دليل, وليس له أساس وغير مشروع، والذي ذكرنا هو الذي يلزم المرأة فقط, ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعوضها عن زوجها بخير, وأن يرزقها الصبر وأن يحسن خاتمة الميت.
الجواب: في مقام الدعوة وفي حالة الرغبة إلى جلب قلوبهم للإسلام يجب علينا أن نظهر لهم هذه الأخلاق الطيبة كمرحلة من مراحل الدعوة, على أساس جذبهم إلى الدين, وإعطائهم بعدها كتباً وأشرطة وعرض الإسلام عليهم, فإن قبلوا فالحمد لله, وإن لم يقبلوا وحددوا موقفاً وقالوا: لا نريد أن نسلم, هنا يلزم بعد ذلك أن تبغضه في الله, وألا تتعامل معه إلا بما تحتاجه ظروف العمل وفي نطاق العمل فقط.
أما أن تزوره أو تعزمه أو تتمشى أنت وهو, أو تتكلم معه أو تضحك له فلا, ليس من الحب في الله والبغض في الله؟ وهذا كافر والله تعالى يقول: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ [المجادلة:22], فتبغضهم بقلبك ولا تتعامل معهم بالتعامل الذي تتعامل به مع إخوانك المسلمين, لكن لا تحاربهم ولا تعاديهم؛ لأنهم ليسوا محاربين, الكفار الذين دخلوا إلى هذه البلاد دخلوا بعقد أمان, هم معاهدون وفي عقد أمان مع ولي الأمر, فلا يجوز قتلهم, ولا يجوز العدوان عليهم, ولا إهانتهم وأخذ أموالهم, لا. وإنما نبغضهم بقلوبنا ونصبح وإياهم في عزلة شعورية إذا يئسنا من استجابتهم للدين؛ لأن هذا هو التعامل الشرعي.
وفي الختام أسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق والسداد، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛؛
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر