إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [84]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه المادة يواصل الشيخ الكلام عن تفسير سورة العلق وذكر الفوائد الواردة فيها، ثم يجيب عن الأسئلة الواردة في اللقاء.

    1.   

    تفسير آخر سورة العلق

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا هو المجلس الرابع والثمانون من لقاء الباب المفتوح والذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الرابع من شهر شعبان عام (1415هـ) نفتتحه بالكلام على ما تبقى من تفسير سورة العلق.

    تفسير قوله تعالى: (أرأيت الذي ينهى ...)

    قال الله تبارك وتعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:9-14] كل هذا للتهديد؛ تهديد هذا الرجل الذي كان ينهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة، حتى إنه توعد وقال: لأطأن عنقه إذا سجد، ولكن أبى الله تعالى ذلك، فقد هم به ولكنه نكص على عقبيه ورأى أهوالاً عظيمة حالت بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    تفسير قوله تعالى: (ألم يعلم بأن الله يرى...)

    قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14] يحتمل أن تكون من الرؤية بالعين، ويحتمل أن تكون من رؤية العلم، وكلاهما صحيح، فالرب عز وجل يرى بعلمه ويرى ببصره جل وعلا: لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5] والمراد بهذه الجملة التهديد، أي: ليعلم هذا الرجل أن الله تعالى يراه ويعلمه، وهو سبحانه وتعالى محيط بعمله فيجازيه عليه إما في الدنيا وإما في الدنيا والآخرة.

    ثم قال: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ [العلق:15] (كلا) بمعنى: حقاً، ويحتمل أن تكون للردع، أي: لردعه عن فعله السيئ الذي كان يقوم به تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بمعنى: حقاً لنسفع بالناصية، وجملة (لنسفعاً) جواب لقسم مقدر، والتقدير: والله لئن لم ينتهِ لنسفعاً بالناصية، وحذف جواب الشرط وبقي جواب القسم؛ لأن هذا من القاعدة في اللغة العربية: أنه إذا اجتمع قسم وشرط فإنه يحذف جواب المؤخر. قال ابن مالك في ألفيته :

    واحذف لدى اجتماع شرط وقسم     جواب ما أخرت فهو ملتزم

    وهنا المتأخر هو الشرط (لئن) والقسم مقدرٌ قبله في التقدير: والله لئن لم ينته لنسفعاً، ومعنى (لنسفعاً) أي: لنأخذن بشدة، والناصية مقدم الرأس، و(أل) فيها -أي: في الناصية- للعهد الذهني، والمراد بالناصية هنا ناصية أبي جهل الذي توعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على صلاته ونهاه عنها، أي: لنسفعاً بناصيته، وهل المراد: الأخذ بالناصية في الدنيا، أو في الآخرة يجر بناصيته إلى النار؟ يحتمل هذا وهذا، يحتمل أنه يؤخذ بالناصية، وقد أخذ بناصيته في يوم بدر حين قتل مع من قتل من المشركين، ويحتمل أن يؤخذ بناصيته يوم القيامة فيقذف بالنار كما قال الله تعالى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ [الرحمن:41] وإذا كانت الآية صالحة لمعنيين لا يناقض أحدهما الآخر فإن الواجب حملها على المعنيين جميعاً كما هو المعروف، والذي قررناه سابقاً ونقرره الآن: أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين لا ينافي أحدهما الآخر فالواجب الأخذ بالمعنيين جميعاً.

    تفسير قوله تعالى: (ناصية كاذبة خاطئة)

    قال تعالى: نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ [العلق:16] (ناصية) بدل من الناصية الأولى، وهي بدل نكرة من معرفة وهي جائزة في اللغة العربية، وإنما قال: (ناصية) من أجل أن يكون ذلك توطئة للوصف الآتي بعدها، وهو قوله: كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ [العلق:16] (كاذبة) أي: أنها موصوفة بالكذب، ولا شك أن من أكبر ما يكون كذباً ما يحصل من الكفار الذين يدعون أن مع الله آلهة أخرى، فإن هذا أكذب القول وأقبح الفعل: (خاطئة) أي: مرتكبة للخطأ عمداً، وليعلم أن هناك فرقاً بين خاطئ ومخطئ (الخاطئ) من ارتكب الخطأ عمداً، و(المخطئ) من ارتكبه جهلاً، والثاني معذور والأول غير معذور، قال الله تبارك وتعالى: لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ [الحاقة:37] أي: المذنبون ذنباً عن عمد، وقال تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت.

    ومثل ذلك: القاسط والمقسط، القاسط: هو الجائر، والمقسط: هو العادل. قال الله تعالى: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9] وقال تعالى: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً [الجن:15].

    إذاً (خاطئة) أي: مرتكبة للإثم عمداً.

    تفسير قوله تعالى: (فليدع ناديه ...)

    قال تعالى: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ [العلق:17-18] اللام هنا للتحدي، أي: إن كان صادقاً وعنده قوة وقدرة فليدع ناديه، و(النادي) هو مجتمع القوم للتحدث بينهم والتخاطب والتفاهم استئناس بعضهم ببعض، وكان أبو جهل معظماً في قريش وله نادٍ يجتمع الناس إليه فيه، ويتكلمون في شئونهم، فهنا يقول الله عز وجل: إن كان صادقاً (فليدع ناديه) وهذا لا شك أنه تحد كما تقول لعدوك: إن كان لك قومٌ فتقدم، وما أشبه ذلك من الكلمات الدالة على التحدي، قال تعالى: سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ [العلق:18] أي: عندنا من هم أعظم من نادي هذا الرجل وهم الزبانية؛ ملائكة النار -نسأل الله العافية- وقد وصف الله ملائكة النار بأنهم: غِلاظٌ شِدَادٌ [التحريم:6] غلاظ في الطباع شداد في القوة: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ [التحريم:6] بل يمتثلون كل ما أمرهم الله به: وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] لا يعجزون عن ذلك، فوصفهم بوصفين: أنهم في تمام الانقياد لله عز وجل: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ [التحريم:6] وأنهم في تمام القدرة: وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].

    وعدم امتثال أمر الله عز وجل إما أن يكون للعجز وإما أن يكون للمعصية، فمثلاً: الذي لا يصلي الفرض قائماً قد يكون لعجز، وقد يكون للعناد، فهو لا ينفذ أمر الله، لكن الملائكة الذين على النار ليس عندهم عجز، عندهم قوة وقدرة، وليس عندهم استكبار عن الأمر، بل عندهم تمام التذلل والخضوع، هؤلاء الزبانية لا يمكن لهذا وقومه وناديه أن يقابلوهم أبداً، ولهذا قال: سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ [العلق:18] فإن قال قائل: أين الواو في قوله ندعُ؟ قلنا: إنها محذوفة لالتقاء الساكنين، لأن الواو ساكنة وهمزة الوصل ساكنة وإذا التقى ساكنان فإن كان الحرف صحيحاً كسر وإن كان غير صحيح حذف.

    قال ابن مالك رحمه الله في الألفية:

    إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق     وإن يكن ليناً فحذفه استحق

    إذا التقى ساكنان وكان الحرف الأول صحيحاً ليس من حروف العلة كسر، مثل قوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا [البينة:1] وأصلها (لم يكنْ) لأن (لم) إذا دخلت على الفعل جزمته، كما في قوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4] لكن هنا التقى ساكنان وكان الأول حرفاً صحيحاً فكسر، أما إذا كان الأول حرف لين -أي: حرف من حروف العلة- فإنه يحذف كما في هذه الآية سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ [العلق:18].

    تفسير قوله تعالى: (كلا لا تطعه واسجد واقترب)

    قال تعالى: كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19] يقال في (كلا) ما قيل في الأولى التي قبلها، والخطاب في قوله: (لا تطعه) أي: لا تطع هذا الذي ينهاك عن الصلاة، بل اسجد ولا تبال به، فإذا كان الله نهى نبيه أن يطيع هذا الرجل، فهذا يعني أنه جل وعلا سيدافع عنه، أي: افعل ما تؤمر ولا يهمنك هذا الرجل، واسجد لله عز وجل، والمراد بالسجود هنا: الصلاة؛ لكن عبر بالسجود عن الصلاة؛ لأن السجود ركن في الصلاة لا تصح الصلاة إلا به، فلهذا عبر به عنها، وقوله: وَاقْتَرَبَ [الأنبياء:97] أي: اقترب من الله عز وجل؛ لأن الساجد أقرب ما يكون من ربه، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) أي: حري أن يستجاب لكم.

    هذه السورة العظيمة كما سمعناها سورة عظيمة ابتدأها الله تعالى بما منَّ به على رسوله عليه الصلاة والسلام من الوحي، ثم اختتمها بالسجود والاقتراب من الله عز وجل.

    نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم القيام بطاعته والقرب منه، وأن يجعلنا من أوليائه المتقين، وحزبه المفلحين، وعباده الصالحين، إنه جوادٌ كريم.

    1.   

    الأسئلة

    ما يتم به الفصل بين الصلاة والصلاة

    السؤال: فضيلة الشيخ: ورد في الحديث المتفق عليه النهي عن وصل صلاة بصلاة حتى يتحدث أو يخرج، فهل الذكر الوارد بعد الصلاة يقوم مقام الحديث؟ وهل لو خرج من مصلاه إلى ساحة المسجد أو الملحق الخارجي يجزؤه عن ذلك نرجو التكرم بالجواب؟

    الجواب: الذي ورد هو حديث معاوية رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألا نصل صلاة بصلاة حتى نخرج أو نتكلم) أما الخروج فظاهر أن يخرج، أي: يقوم من مكانه في الصلاة ويذهب إلى أهله، وأما الكلام فقيل: المراد بالكلام هنا كلام الآدميين؛ لأنه هو الذي يحصل به التمييز بين الصلاتين، وأما التسبيح والتهليل فلا يحصل به الفصل. وقال بعضهم: بل يحصل به الفصل؛ لأن هذا التسبيح والتهليل وإن كان لا يبطل الصلاة وليس من كلام الآدميين لكنه علامة على انقطاع وانفصال الصلاة في الأولى عن الثانية، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله: الأولى أن يفصل بين الفرض وسنته بكلام أو انتقال من مكانه، وبناءً على كلام الفقهاء: لو انتقل من مكانه الذي هو فيه في صلاة الفرض إلى مكان آخر في المسجد سواءً كان داخل المسقف أو في الرحبة، فإنه يحصل به المقصود.

    حكم تارك الصلاة

    السؤال: من المعلوم أن تارك الصلاة لا يصلى عليه إذا مات، مثلاً: أخبرت إماماً أراد أن يصلي على تارك الصلاة هل هذه من الغيبة؟

    الجواب: تارك الصلاة لا يصلى عليه إذا مات؛ لأنه كافر مرتد عند دين الإسلام -والعياذ بالله- بدلالة القرآن والسنة وكلام الصحابة رضي الله عنهم، بل حكي إجماع الصحابة على أنه كافر مرتد خارج عن دين الإسلام.

    وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز أن يصلى عليه؛ لقول الله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84] فإذا قدم إلى الإمام من تعلم العلم اليقين أنه لم يصل إلى أن مات فالواجب عليك أن تخبر الإمام وجوباً، وليس هذا من الغيبة، بل هذا من النصيحة؛ لأنك بإخبارك إياه تنهاه عن منكر، إذ أن الصلاة عليه حرام، وفي هذه الحال إذا أخبرته يجب على الإمام أن يتوقف وأن يقول: لا أصل على من لا يصلي.

    لكن يبقى النزاع فيما بين أهله وبين الإمام مثلاً؛ لأن أهله ربما ينكرون أنه لا يصلي، ربما يقولون: إنه يصلي، فيقول: إذا كنتم تعتقدون أنه يصلي فاذهبوا أنتم وصلوا عليه وحسابكم على الله، أما أنا فقد بلغني عمن أثق به أو أنا أعلم عن حاله أنه لا يصلي فلا أصلي عليه، وقد قدمت لي جنازة كانوا يقولون: إنه لا يصلي، فلما قدم وسألت قالوا: هذا فلان، قلت: لا أصلي عليه، فقال أهله: إنه كان يصلي ويخلي لا يترك الصلاة مطلقاً فمن ثم تقدمت وصليت عليه. ولا حرج على الإمام إذا رأى من الجنازة ما يقتضي ألا يصلي عليه، لا حرج عليه أن يتأخر، فقد فعله من هو خير منا، فعله النبي عليه الصلاة والسلام حين قدم إليه رجل فسأل: (أعليه دين؟ قالوا: نعم ديناران، ولم يكن له وفاء، فقال: صلوا على صاحبكم -وتأخر- حتى عرف ذلك في وجوه القوم، فتقدم أبو قتادة رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! الديناران علي) فلما استثبت النبي صلى الله عليه وسلم من أبي قتادة وأنه ملتزم بهما تقدم وصلى عليه، فهو قد انصرف وأبى أن يصلي عليه؛ لأنه وجد فيه ما يقتضي ألا يصلي عليه، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يفتح الله عليه لا يصلي على من عليه دينٌ لا وفاء له، وذلك لأن صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام شفاعة والدين لا تنفع فيه الشفاعة؛ لأنه لا بد أن يقضى لصاحب الحق حقه.

    إذاً: إخبار الإمام بذلك من النصيحة وليس من الفضيحة، بل يجب على من علم بحاله أن يبين، لكن قد تأتي أحاديث يتوهم بعض الناس منها أنها تدل على عدم كفر تارك الصلاة، ونحن نجمل القول فيها -أي: في إبطال الاستدلال بها على عدم كفر تارك الصلاة- فنقول: الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة في كفر تارك الصلاة نصوص وأدلة محكمة ليس فيها إشكال، والنصوص الأخرى التي استدل بها من لا يرى كفر تارك الصلاة لا تخرج عن أقسام:

    الأول: ألا يكون فيها معارضة أصلاً، مثل قول بعضهم: إن الله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ويدخل في قوله: (ما دون ذلك) ترك الصلاة، فنقول: إن ترك الصلاة ليست دون الشرك بل هي من الشرك، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة).

    واستدل بعضهم بحديث عتبان بن مالك رضي الله عنه: (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) فيقال: هذا لا دليل فيه أيضاً، لأن قوله: (يبتغي بذلك وجه الله) تمنع أن يترك الصلاة، فكل من أراد وجه الله لا يمكن أن يترك الصلاة أبداً، يعني: رجل يحافظ على ترك الصلاة وهو يبتغي وجه الله، بأي طريقٍ يصل إلى الله إذا كان يترك الصلاة؟!! إذاً: لا دليل فيه.

    واستدل بعضهم بحديث الشفاعة: (أنه يخرج من النار من لم يعمل خيراً قط) فيقال: هذا عام لم يقل الرسول: من لم يصل. ونصوص كفر ترك الصلاة خاصة، والقاعدة الأصولية تقول: (الخاص يقضي على العام) أما لو جاء في الحديث أنه خرج وهو لم يصل لله صلاة لكان هذا واضحاً، ويجب أن تحمل النصوص الأخرى على أنها لا تكفر كفراً مخرجاً عن الملة، لكن يقول: لم يعمل خيراً، (وخيراً) نكرة في سياق النفي، فهي عامة، والعام يخصص بالخاص.

    واستدل بعضهم بحديث صاحب البطاقة الذي أخرجه الترمذي : (أنه يؤتى ببطاقة فيها لا إله إلا الله فترجح بالسيئات) قالوا: وليس فيها ذكر الصلاة، فيقال: وليس فيها أنه ذكر الصلاة لا إثباتاً ولا نفياً، فيبقى هذا الحديث عاماً ويخصص بالصلاة.

    وهناك أحاديث ضعيفة استدلوا بها، والأحاديث الضعيفة لا تقاوم الأحاديث الصحيحة فليست معارضة؛ لأنها غير قائمة فلا تكون مقاومة.

    والخلاصة: أن القول الراجح الذي ندين الله به والذي نعتمد فيه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن من ترك الصلاة فإنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وأنه أسوأ حالاً من اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى يقرون على دينهم حسب ما تقتضيه الشريعة بالجزية، وأما هذا فلا يقر على دينه، هذا يقال: إما أن تصلي وإلا قتلناك، لا يمكن أن تبقى على الأرض وأنت لا تصلي. هذا الواجب، فنسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى الصراط المستقيم.

    تحويل لفظ الجمع إلى المفرد في الدعاء والعكس

    السؤال: بالنسبة للكتيبات التي فيها الدعاء مكتوب بالجمع، هل نحولها إلى المفرد؟

    الشيخ: أي جمع؟

    السائل: اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت.

    الشيخ: هو حديث القنوت التي تذكر؟

    السائل: نعم القنوت.

    الشيخ: اللهم اهدني فيمن هديت، للإفراد، لكن إذا كان إماماً فهو يدعو لنفسه ولغيره، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إذا دعا الإمام بدعاء عام يؤمن عليه المأموم وخص نفسه به فهو خائن. خائن للذين وراءه، مثلاً: افرض أنك إمام تقول: اللهم اهدني فيمن هديت، وهم يقولون: آمين، هل دعوا لأنفسهم؟

    السائل: لا.

    الشيخ: صار يدعي لنفسه وهذه فيها خيانة، قل: اللهم اهدنا فيمن هديت، وتنوي أنه لك ولمن وراءك، لكن إذا كنت وحدك فقل: اللهم اهدني فيمن هديت، كما تقول بين السجدتين: رب اغفر لي وارحمني.

    وقد تورد عليَّ أن الله تعالى قال في القرآن في الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] وهذا يقوله المنفرد والإمام والمأموم، أليس كذلك؟

    فيقال: القرآن الكريم نزل للجميع، والله عز وجل علم أنه سيكون من هذه الأمة من يكون إماماً للناس بهذه السورة، لو نزلت في السورة اهدني الصراط المستقيم والناس سيصلون جماعة كيف يقول الإمام؟ إما أن يدعو لنفسه خاصة، وإمام أن يحرف القرآن ويقول: اهدنا الصراط المستقيم. فالفاتحة بصيغة الجمع؛ لأن الله علم بأنه سيقوم بهذه السورة من يكون إماماً ووراءه جماعة فلهذا نزلت بهذا اللفظ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:5-6].

    وإذا كان منفرداً فيمكن الإنسان أن ينوي في نفسه اهدنا معشر الأمة الإسلامية الصراط المستقيم.

    ولا مانع إذا دعوت بالقنوت وأنت وحدك فتقول: اللهم اهدني فيمن هديت.

    السائل: إذا مرت عليّ آية من الآيات كيف أحولها؟

    الشيخ: لا تحولها بل تقرأها كما نزلت.

    السائل: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]

    الشيخ: تقول: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] لا تغير القرآن، فالقرآن لا يغير.

    كذلك أيضاً في حديث عبد الله بن مسعود دعاء الغم والكرب: (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك) المرأة لا تقول: عبدك، تقول: اللهم إني أمتك بنت عبدك. لأنها امرأة، فتقول: اللهم إني أمتك. هذا ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله.

    وقال غيره: تقول المرأة: اللهم إني عبدك. لأنها شخص، فتصف نفسها أنها عبد باعتبار أنها شخص.

    وبمناسبة دعاء القنوت: في هذه الأيام يقنت المسلمون لإخوانهم في الشيشان والبوسنة والهرسك ، وقد بلغني أن بعض الأئمة يقنت بقنوت الوتر.. (اللهم اهدنا فيمن هديت) وهذا غير صحيح وهو جهل؛ لأن قنوت النوازل خاص بالنوازل، وعلى هذا فتدعو لله عز وجل بالنصر للشيشان والبوسنة والهرسك وبهزيمة أعدائهم الذين اعتدوا عليهم ولا تدعو بقنوت الوتر.

    حكم الحصول على الشهادة بالغش

    السؤال: فضيلة الشيخ أثابك الله: بالنسبة لبعض الطلاب الذين تخرجوا بشهادات كانوا غشوا بها في الفصول الدراسية سواءً كان ذلك في السنوات الأولى أو في المتوسط وبعضها في الجامعة في الشهادة النهائية، فما حكم هذه الشهادة؟ هل يجوز له أن يتوظف بها وماذا يعمل؟ وبعضهم يقول: أنا أغش في المتوسط لكن إذا أتيت آخر سنة لا أغش حتى تكون شهادتي حلالاً، فما ردكم على هذا وما توجيهكم؟

    الجواب: توجيهنا في هذا الأمر أن يتقي الإنسان ربه وأن لا يخرج من دائرة الأمة الإسلامية بهذا العمل الشنيع؛ لأن هذا ليس من عمل المسلمين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من غشنا -وفي لفظ: من غش- فليس منا) فتبرأ النبي عليه الصلاة والسلام منه، وهذه البراءة ليست براءة مطلقة بمعنى: أن من غش فهو كافر، لكنها براءة مقيدة، أي: ليس منا بهذا العمل، فهذا العمل يتبرأ منه كل مسلم.

    ومن غش في الشهادات التي قبل النهائية فهو آثم، ويكفي أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع، وأن يحذر من يقتدي به في هذا العمل.

    وأما إذا كانت في الشهادة التي يترتب عليها الوظيفة فهذه مشكلة ولا بد من حلها حلاً جذرياً، فإذا كان العمل المنوط به يتعلق بالمادة التي غش فيها فإنه يجب عليه أن يستقيل من الوظيفة؛ لأنه غير متقن لهذا العمل، وإن كان لا يتعلق بالمادة التي غش فيها فأرجو أن التوبة تكفي إن شاء الله، على أني لا أدري عن المسئولين هل يسمحون له بالبقاء في وظيفته مع الغش أم لا.

    حكم ترك الحج

    السؤال: فضيلة الشيخ! يقول الله تبارك وتعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97] وقد نقل عن الصحابة أنهم كانوا لا يرون عمله تركه كفراً إلا الصلاة. فكيف نوجه هذه الآية؟

    الشيخ: يجاب عن هذه الآية بأحد وجهين:

    إما أن يقال: بأن من لم يحج فهو كافر كما قال ذلك بعض السلف ، وأن ترك الحج مع القدرة عليه كفر كترك الصلاة. وهذا مروي عن الإمام أحمد رحمه الله، فإن عنه رواية: أن من ترك الحج فهو كافر، وعلى هذا فلا إشكال.

    وأما على رأي الجمهور وهو الوجه الثاني: فيوجهون الكفر هنا بأنه كفر عملي يعني: أنه لا يخرج من الإسلام، وأنه كقوله صلى الله عليه وسلم: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت) ومعلوم أن الطعن في النسب لو سبيت الإنسان بنسبه، أو ناح نائح على ميت أن هذا ليس كفراً مخرجاً عن الملة، فيحملون هذا على أنه كفر عملي أي: ليس كفراً مخرجاً عن الملة، ويؤيد هذا قول عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين المعروفين: [كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة].

    حكم طلب الشكر من الناس في فعل الخير

    السؤال: فضيلة الشيخ! لقد فهمت من ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن من عمل خيراً لطلب الشكر أو الدعاء فإن العمل غير خالص لوجه الله. فما توجيهكم؟

    الجواب: نعم هذا صحيح، الإنسان الذي يعمل عبادة لا تكون إلا لله، فإذا أشرك فيها مع الله أحداً فهذا مبطل للعبادة، فلو صلى من أجل أن يشكره الناس على الصلاة ويثنون عليه بذلك، فلا شك أنه أراد بعمله غير الله، ثم إما أن يكون شركاً أكبر أو أصغر حسب ما يكون بالقلب.

    وأما إذا صلى لله ثم أثني عليه بتلك الصلاة فهذا لا بأس به، وربما يكون هذا من عاجل بشرى المؤمن، لكن يجب على الإنسان أن يخص ما لله لله لا يشرك به أحداً، والناس لا يغنونك من الله شيئاً، والله يغنيك من كل الناس، فلم لا تتقرب إلى الله بما يُتقرب إلى الله به، تتقرب إلى الناس بالصلاة وهي لله؟!!

    السائل: ولكن الإشكال يا شيخ قوله: (أو الدعاء) مثلاً: يتصدق إنسان من أجل أن يدعو له هذا الإنسان؟

    الشيخ: حتى هذا أيضاً نقص في الإخلاص، قال الأبرار: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً [الإنسان:9] والدعاء من الجزاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له) ولا شك أن هناك فرقاً بين الإنسان يعطي لله عز وجل يريد التقرب إلى الله عز وجل، وبين إنسان يقول: أعطيه من أجل أن يدعو لي. فرق بعيد.

    متابعة الإمام

    السؤال: إذا وجد المأموم الإمام ساجداً هل ينحط ساجداً، أم يقعد ثم يكبر ويسجد مع الإمام؟

    الجواب: إذا وجد الإمام على حال قائماً أو راكعاً أو ساجداً أو قاعداً فليصنع كما يصنع الإمام، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا) وقال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بسند فيه ضعف: [إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حالٍ فليصنع كما يصنع الإمام].

    السائل: لكن السؤال يا شيخ: هل يسجد بتكبيرة الإحرام، أم يكبر للسجود؟

    الشيخ: لا. تكبيرة الإحرام يكبرها وهو قائم، ثم إذا سجد يسجد دون تكبير.

    الفرق بين المعجزة والكرامة والكهانة

    السؤال: كيف نفرق بين المعجزة والكرامة والكهانة؟

    الجواب: المعجزة تكون للأنبياء، والكرامة للأولياء؛ أولياء الرحمن، والكهانة لأولياء الشيطان، والآن المعجزة لا يمكن أن تقع؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء ولا يمكن أن تقع.

    والكرامة موجودة من قبل الرسول ومن بعد الرسول إلى يوم القيامة، تكون على يد ولي صالح، إذا عرفنا أن هذا الرجل الذي جاءت هذه الكرامة على يده هو رجل مستقيم قائم بحق الله وحق العباد عرفنا أنها كرامة.

    وينظر في الرجل فإذا جاءت هذه الكرامة من كاهن -يعني: من رجل غير مستقيم- عرفنا أنها من الشياطين، والشياطين تعين بني آدم لأغراضها أحياناً، فربما يكون مثلاً من السحرة من تحمله الشياطين إلى مسافات بعيدة وترده: قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ [النمل:39] لسليمان: أَنَا آتِيكَ بِهِ [النمل:39] يعني: بعرش ملكة اليمن : أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ [النمل:39] يجيبه من اليمن من أقصى الجنوب إلى الشام، قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وكان معروف أنه يقوم من مقامه في ساعة معينة.

    التعبير بلفظ الآية بدل المعجزة

    السؤال: ما الفرق بين المرائي والمخلص وأيهما أصح: التعبير بلفظ آية أم معجزة في معجزات الأنبياء؟

    الجواب: هناك فرق بين المرائي والمخلص مهما كان، مهما تظاهر المرائي بزي التقوى فالله تعالى يفضحه، لكنك الآن ذكرت لفظ معجزة والصحيح أنه لا يقال: معجزة ويقال: آية، لأنه لا يوجد حرف واحد لا في القرآن ولا في السنة سميت به آيات الأنبياء معجزات أبداً، فهي آية، وآية أدل على المعنى المقصود من معجزة، فالمعجزة تكون حتى من السحرة، حتى الساحر يأتي بالمعجزات لكن آية على صدقة هي التي جاءت (( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ))[الحديد:25] أي: بالآيات البينات، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بعث الله نبياً إلا أتاه ما يؤمن على مثله البشر) فلذلك إن شاء الله تمحو كلمة المعجزة من قاموسك، ولا يغرنك أنها موجودة بكثرة في الكتب، وقد نبه على هذا شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب النبوات وبين أن الصواب أن يقال: آية بدل معجزة.

    حكم من شك في أثناء الصلاة أنه أحدث

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظكم الله: إذا كان الرجل مسافراً ثم دخل عليه وقت صلاة المغرب وأراد أن يجمع معها العشاء وكان قبل ذلك محدثاً ثم توضأ وهو في الطريق دخل عليه الوقت وشك في وسط الصلاة أنه أحدث بعد ذلك، ثم لم يلتفت إلى ذلك فأكمل، وبعد أن وصل إلى مدينته كان في نفسه شيء من هذه الصلاة ثم أعاد وقصر؟

    الجواب: أولاً: يجب أن تعلم أن الإنسان إذا شك هل أحدث أم لا، فلا يلتفت إلى هذا الشيء وليتله عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شكي إليه هذا الشيء أن الإنسان يحس بشيء في بطنه فيظن أنه خرج منه شيء فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) واحمد الله على العافية، تله عنه وصل وصلاتك صحيحة ولا تشك فيها، نعم لو تيقنت بعد هذا أنك أحدثت وأنك صليت على غير وضوء فتوضأ وأعد الصلاة، وفي هذه الحال إذا أعدتها فإنما تعيدها تامة احتياطاً.

    حكم من مات في بلاد الكفر ولم يعلم هل غُسِّل أم لا؟

    السؤال: فضيلة الشيخ! يوجد بعض الناس يذهبون إلى بلاد الكفار لبعض العمليات الجراحية ثم يقدر الله عز وجل أن أحدهم يموت فلا ندري هل غسل أم لا، ثم يوضع في صندوق مقفل ويرجعونه إلى أهله، فكيف الحل: هل يدفن في هذا الصندوق، أم يفتح الصندوق ثم يغسل ويصلى عليه؟

    الجواب: إذا علمنا أن الذي تولى غسله مسلم، فالغسل الأول يكفي، ثم إن علمنا أن هذا المسلم صلى عليه فقد سقطت الفريضة لكن لا مانع أن تعاد الصلاة مرة ثانية، وأما دفنه في التابوت فلا، والواجب إخراجه من التابوت ودفنه كما يدفن الناس.

    فإن علم أن الذين غسلوه كفار فهذا التغسيل لا يكفي؛ لأن تغسيل الميت عبادة وليس غسل تنظيف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماءٍ وسدر) والعبادة لا تصح من الكافر.

    إعادة الصلاة لمن صلى الفريضة ودخل المسجد وهم يصلون

    السؤال: بالنسبة لإعادة الجماعة إذا دخل الإنسان المسجد وقد صلى المغرب ودخل المسجد الآخر هل يصلي معهم؟

    كذلك بالنسبة لدخول المسجد لأجل صلاة الجنازة، إذا رأى الجماعة يصلون وقد أتى المسجد لأجل صلاة الجنازة فقط، هل يدخل في الصلاة ثم يقطعها مع الإمام يعني: يقطع صلاته مع الإمام. أرجو توضيح ذلك؟

    الجواب: إذا دخل المسجد وقد صلى المغرب ووجد أناساً يصلون فليصل معهم ثلاثاً كما صلى الإمام؛ لأن هذه صلاة معادة وليست فريضة، وحينئذٍ لا يكون قد أوتر مرتين. فالإعادة غير الابتداء.

    وإذا أتى المسجد من أجل الجنازة ووجدهم يصلون دخل معهم أيضاً، إلا إذا كانت هذه آخر ركعة ويخشى إن قام يقضي الركعة الباقية أن يصلى على الجنازة فلا بأس أن ينتظر حتى يسلم الإمام ثم يصلي على الجنازة.

    وأما إذا كانت الركعة الثالثة فليدخل معهم ولا حرج أن يسلم مع الإمام إذا كان يخشى أن ترفع الجنازة، لأنه صلى ركعتين.

    حكم عمل الشيء لأمور مترتبة عليه

    السؤال: السؤال حفظك الله مرتبط بسؤال الأخ فيما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله أنه قال: إن الإنسان إذا عمل عملاً من الأعمال الصالحة وأراد شكر الناس أو شيئاً من غرض الدنيا فإنه ينقص من الأجر. فيوجد بعض الأحاديث التي حث النبي عليه الصلاة والسلام فيها على العمل وذكر ترغيباً في ذلك ما يكون فيه الأجر في الدنيا أو ما يترتب على ذلك.. من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) فكم في هذا الحديث من ترغيب فمثلاً يطلب هذا أو يكون له اهتمام بهذا الجانب ما هو الجواب؟

    الجواب: هذه المسألة بارك الله فيك غير مسألة الذي ذكر السائل السابق، الذي ذكر يريد التقرب إلى الناس في الثناء عليه، أما هذا فهو يريد أن ينتفع هو بنفسه؛ لأن بسط الرزق قد يكون سبباً للخير والصدقات ونفع المسلمين، وطول العمر أيضاً يكون سبباً لزيادة العمل الصالح وربما يكون عالماً ينفع الناس بعلمه، فهو خير، وإلا لا شك أن ما يذكره الرسول عليه الصلاة والسلام من الثواب العاجل يريد به الحث، لكن لا يريد أن يكون قصد الإنسان بهذا العمل الثواب العاجل، الفرق بين أن يكون هناك شيء يحث الإنسان على فعل الخير الذي لا يكون إلا لله وبين من يريد هذا الذي صار وسيلة لغيره.

    حكم الدراسة في الكليات التي يدرس فيها القوانين الوضعية

    السؤال: فضيلة الشيخ! الدراسة في الكليات التي يدرس فيها القوانين الوضعية ما حكمها بارك الله فيك؟

    الشيخ: هذه الجامعات التي يدرس فيها القوانين الوضعية هل يدرس فيها علوم أخرى؟

    السائل: لا أدري.

    الشيخ: أنا أظن أنه يدرس فيها علوم أخرى، ولا يوجد جامعة إلا ويدرس القوانين الوضعية.

    السائل: لكن قد يكون المقصود هذه القوانين الوضعية ...

    الشيخ: التخصص، قد يكون بعض الكليات تخصصها علم الاقتصاد مثلاً المبني على القوانين.

    نقول: إذا درس الإنسان علم القانون من أجل أن يطبق ما وافق الشريعة وينكر ما خالف الشريعة ويبين زيفه وبطلانه فهذا حسن، ولا يمكن للإنسان أن يعرف كيف يرد على الباطل إلا إذا عرف الباطل، أما إذا درس هذه القوانين ليعمل بها سواءً وافقت الشرع أم لم توافق فهذا لا يجوز.

    فهذا هو الحد الفاصل يقال: أنت قرأت هذه القوانين لتطبقها وإن خالفت الشرع فهذا حرام، وأما إذا كنت تريد أن تقرأ هذه القوانين من أجل بيان بطلانها وتصحيح ما أقره الشرع فلا بأس في هذا ولا تضر، إلا إذا كان الإنسان يخشى أن يدرسها من لا يفهم فيقرر هذه المواد المخالفة للشرع فهذا على خطر.

    وقت قنوت النوازل

    السؤال: قنوت النوازل هل يكون في الصلوات الخمس أم هو مخصوص في الصلوات الجهرية؟

    الجواب: قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قنت في كل الصلوات الخمس، وورد أنه قنت في المغرب والفجر خاصة، والأمر في هذا واسع، لكن في ظني أن الاقتصار على المغرب والفجر فيه خير وبركة؛ لئلا يمل الناس، لأنك تعرف الناس ليس عندهم الرغبة أو الشعور بالأسى والألم لما يجري لإخواننا المسلمين، فربما يستثقلون هذا الدعاء، ويستثقلون الصلاة مع الإمام، وإذا اقتصر على المغرب والعشاء فأرجو أن يكون حصل خيراً كما جاءت به السنة.

    وكذلك ثبت (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قنت شهراً في المغرب والفجر).

    حكم طاعة الوالدين في ترك طلب العلم

    السؤال: رجل موظف يريد أن يطلب العلم ولا يستطيع أن يتفرغ لطلب العلم إلا إذا ترك هذه الوظيفة ووالديه يغضبهم هذا الأمر، فإذا ترك الوظيفة يغضبون عليه ولا يدري هذا الرجل هل يكون عاقاً بتركه أمر والديه، أم لا؟

    الجواب: طلب العلم أولى، أي: كونه يطلب العلم ولو غضب والداه بذلك أولى من كونه يلازم الوظيفة التي تصده عن طلب العلم؛ لأن الله عز وجل يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] .. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] وطلب العلم في الوقت الحاضر من أهم المهمات لكثرة الفتن من شبهات وشهوات، فإذا لم يكن عند الأمة الإسلامية علماء يحفظونها ويحسنونها ويدافعون عنها فربما تهلك كما هلكت الأمم، فأرى أن طلب العلم أفضل من أن يرضي والديه، على أنه يمكن أن يجمع بين رضا الوالدين وبين طلب العلم، بأن يقول مثلاً: أنا تركت الوظيفة هذه لأجل أن أطلب العلم الذي أحصل فيه مستقبل ما هو خير، يقول هكذا وإن كان نيته خالصة لكن من أجل أن يرضي هؤلاء العوام.

    حكم الصلاة على الميت عند من لا يرى كفره

    السؤال: بالنسبة إذا كان الإمام يرى جواز الصلاة على الميت سواءً كان يصلي أم لا -يعني: يرى عدم كفر تارك الصلاة- وهل يقاس هذا يا شيخ على الصلاة مع الذي يأكل من لحم الإبل إذا كان يرى عدم نقضه للوضوء؟ فهل يتابعه المأموم؟

    الشيخ: أنت الآن تريد أن تسأل: هل الإمام يصلي عليه إذا كان يرى أن تارك الصلاة لا يكفر؟

    السائل: إي نعم.

    الشيخ: نقول: نعم. إذا كان يرى أن تارك الصلاة لا يكفر فإنه يصلي عليه.

    السائل: هذا المأموم يا شيخ؟

    الشيخ: المأموم هل يتابع الإمام وهو يرى -أي: المأموم- أن تارك الصلاة كافر؟ نقول: لا؛ لأن الصلاة ليست صلاة للإنسان الصلاة للميت، والمصلي سيدعو للميت، فكيف يدعو لكافر والله يقول: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] بخلاف من صلى خلف من أكل لحم إبلٍ ولم يتوضأ لاعتقاده أنه لا ينقض الوضوء، لأنني أعتقد الآن أن صلاة هذا الرجل صحيحة وصلاتي أنا وراءه صحيحة، وأنا ما فعلت شيئاً أنا متوضئ، لكن عندما أصلي خلف من يصلي على كافر لا يمكن أن أدعو للكافر.

    الإنكار على المخالف في مسائل العقيدة

    السؤال: هل يصح الاعتراض على الشخص بأنه لا يفرق بين المخالف في العقيدة والمخالف في الفروع، أو لا يصح الاعتراض عليه بهذا؟

    الشيخ: بأي شيء لا بد ... ما هي وجه التسمية؟

    السائل: هو يقول: إن المخالف في العقيدة لا ينكر عليه مثل شخص خالف في مسائل الفروع.

    الشيخ: أمور العقيدة فيها شيء خفيف وفيها شيء ثقيل.

    السائل: مثل أمور الغيبيات والأمور الواردة بالتواتر؟

    الشيخ: هذا ينكر عليه، لكن في أشياء في العقيدة خفيفة مثلاً: إذا قال: إن الصراط الذي يوضع على النار ليس أدق من الشعرة، ولا أحد من السيف، وإنما هو صراط عادي، أي: طريق يسلكه الناس، أو قال مثلاً: الذي يوزن ليس الأعمال ولكنه صاحب العمل أو صحائف الأعمال. أي: مسائل في العقيدة اختلف فيها السلف ، لكن أمهات العقيدة لم يختلفوا فيها، فمن أنكر ما يكون في يوم القيامة هذا ينكر عليه، فالمهم أن في بعض مسائل العقيدة أشياء خفيفة فيها اختلاف لا ينكر على من خالف فيها، وهناك أصول لا يمكن إنكارها فمن أنكرها أنكرنا عليه.

    السائل: هل يوجد في ضابط؟

    الشيخ: الضابط تتبع الإنسان لهذه الأمور ويرى مواقع الخلاف.

    السائل: يستدلون بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية أن من فرَّق بين أن مسائل العقيدة مسائل أصول لا يجوز الخلاف فيها، وأن هذه مسائل فقه يجوز الخلاف فيها هم المعتزلة.

    الشيخ: شيخ الإسلام رحمه الله أنكر أن يقسم الدين إلى أصول وفروع، وقال: إن هذا التقسيم حدث بعد القرون الثلاثة؛ لأن هذا التقسيم يرد عليه أشياء، مثلاً: الصلاة هل هي من الأصول أم الفروع؟ يقول: إنها من الفروع، مع أنها من أصل الأصول، ركن من أركان الإسلام العظمى، وما قاله شيخ الإسلام هو الصحيح.

    لكن ما كلفنا به فهو نوعان: عقدي وعملي، لا نقول: أصل وفرع، نقول: شيء عقدي يجب علينا اعتقاده وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وعملي وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت. هذه الخمسة هذه عملية، والستة التي هي الإيمان بالله وملائكته ... إلخ هذه عقدية، أما أن نقول: أصول وفروع فلا يوجد دليل على ذلك.

    تكرار السور في الصلاة لمن لا يحفظ غيرها

    سالسؤال: فضيلة الشيخ: رجل يحب قيام الليل ولا يحفظ من القرآن إلا الشيء البسيط؛ فيصلي ست ركعات في الليل، في الركعة الأولى يقرأ (قل هو الله أحد) عشر مرات في الركعة، وفي الركعة الثانية يقرأ (قل أعوذ برب الفلق) عشر مرات في كل ركعة، وبعدها في آخر الركعتين يقرأ: (قل أعوذ برب الناس) ونصحناه، وحاولنا معه ورفض وقال: لا بد أن نعطي السؤال للشيخ فهل يكون عمله فيه شيء من الإنكار عليه؟

    الجواب: لا ينكر على هذا الرجل الذي لا يعرف إلا السور الثلاث هذه مع الفاتحة ويكررها، لا حرج عليه في هذا.

    السائل: غير واضح؟

    الشيخ: لا بأس ولا يوجد مانع، لكنه إذا كرر (قل هو الله أحد) عشر مرات فلا يكرر (قل أعوذ برب الفلق) عشر مرات، لأن الركعة الثانية تكون أطول من الأولى.

    السائل: لا هو في الركعتين الأولى كلها (قل هو الله أحد) والركعتين الثانية (قل أعوذ برب الفلق).

    الشيخ: أنا فاهم، لكنه في الركعة الأولى كم قرأ الإخلاص؟

    السائل: عشر مرات.

    الشيخ: والثاني قرأ الفلق؟

    السائل: لا الإخلاص عشر مرات.

    الشيخ: ركعتين بـ (قل هو الله أحد) في الأولى عشر مرات والثانية عشر مرات؟

    السائل: نعم.

    الشيخ: والثالثة؟

    السائل: (قل أعوذ برب الفلق) عشر مرات.

    الشيخ: لا يوجد مانع، لأن الله قال: فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20] لكن هل يستطيع أن يقرأ من المصحف؟

    السائل: لا هو أمي عامي.

    الشيخ: لا يوجد مانع في ذلك.

    الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    السؤال: يمر بالإنسان كثير من الناس يظهر عليهم بعض المنكرات، مثل: حلق اللحية، وإسبال الإزار، هل يجب عليه الإنكار على كل إنسان مثلاً صلى بجانبه، أو في الشارع، مع كثرة أصحاب هذه المنكرات؟

    الجواب: الناس ينقسمون إلى قسمين: قسم تعرف أنه يعلم الحكم، مثل الذين عاشوا عندنا يسمعون الخطباء، ويسمعون الوعاظ يقولون: هذا حرام ولا يجوز، فلا يخفى على أحد.

    وقسم آخر: جاهل مثل بعض الذين يأتون من الخارج يظنون أن هذا لا بأس به؛ لأنهم قد يرون علماءهم يفعلون هذا الشيء.

    فأما الثاني فلا بد من تنبيهه وتعليمه، وأما الأول وهو الذي تعرف إنما فعل ذلك عن علم فهذا لا يلزمك أن توقف كل واحد من الناس وتقول: تعال حلق اللحية حرام، لكن إن تيسر لك جلسة معه أو مناسبة فذكره بالله عز وجل، قل: يا أخي! اتقِ الله أنت تعرف أن حلق اللحى حرام، وأنه لا يجوز، وهل ترضى لنفسك أن تتبع هدي المشركين والمجوس وتترك هدي محمد عليه الصلاة والسلام، وانصحه وعظه.

    الثاني نقول: علمه؛ لأنه يكون جاهل.

    الأول نقول: عظه وذكره بالله عز وجل.

    لكن على كل حال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] نسأل الله لنا ولكم التوفيق.

    حكم قص شعر البنت مثل شعر الولد

    السؤال: هل يجوز قص شعر الطفلة بشكل ولادي -بشكل ولد-، وأن شعرها ضعيف جداً يجب قصه؟

    الجواب: لا يجوز أن يقص شعر المرأة كشعر الرجل، سواءً كانت صغيرة أو كبيرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن المتشبهات من النساء بالرجال).

    وأما كون الشعر ضعيفاً فالقص يزيده ضعفاً، والحلق يقال: إنه يزيده نمواً وشدة وتمسكاً، ولكن ربما يحصل هنا وتكتفي بالحلق إذا أمكن.

    وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى، بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767960195