أما بعد:
فهذا هو اللقاء الخامس والخمسون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل خميس، والتي يعبر عنها بـ(لقاء الباب المفتوح) وهذا اللقاء هو يوم الخميس السادس عشر من شهر محرم عام (1418هـ).
وسموا جناً؛ لأنهم مستترون عن الأعين حيث إنهم يروننا ولا نراهم، هذا هو الأصل أنهم عالم غيبي لكن قد يظهرون أحياناً، والأصل فيهم أنهم كالإنس منهم المسلمون ومنهم غير مسلمين، ومنهم الصالحون ومنهم دون ذلك، لكن الإنس أحسن منهم من حيث الابتداء، حيث إنهم خلقوا من الطين، من التراب، من صلصال كالفخار، وأما أولئك الجن فخلقوا من النار، كذلك يمتاز الإنس عنهم بأن منهم الرسل والنبيين، وأما الجن فليس منهم الرسل، نعم منهم نذر مبلغون الرسالات من الإنس كما في قول الله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29] فانظر إلى أدبهم في قولهم: أنصتوا، ثم بقائهم حتى انتهى المجلس، ثم ذهبوا دعاة لما سمعوا: قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [الأحقاف:29-30] إلى آخر الآية.
وأما الإنس فهم بنو آدم البشر، هؤلاء خلقوا لشيء واحد لعبادة الله، لا لأجل أن ينفعوا الله بطاعاتهم ولا أن يضروه بمعاصيهم ولا أن يطعموه ولهذا قال: مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات:57] يعني: ما أطلب منهم رزقاً أي: عطاءً أنتفع به ولا أن يطعمون أنتفع بإطعامهم، قال الله تبارك وتعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ [الأنعام:14] فهو سبحانه وتعالى لـه الغنى والجود والكرم، وهو غني عما سواه.
إذاً! لو سألنا: ما الحكمة من خلق الجن والإنس؟
العبادة، يعني: ما خلقوا لأجل أن يعمروا الأرض، ولا لأجل أن يأكلوا، ولا لأجل أن يشربوا، ولا لأن يتمتعوا كما تتمتع الأنعام، وإنما خلقوا لعبادة الله، وخلق لهم ما في الأرض، نحن مخلوقون للعبادة وما في الأرض مخلوق لنا: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29] والعجب أن قومنا الآن اشتغلوا فيما خلق لهم عما خلقوا له، ما الذي خلق لهم؟
ما في الأرض، عما خلقوا له وهو العبادة، وهذا من السفه أن يشتغلوا بشيء خلق لهم عن شيء خلقوا من أجله.
فما هي العبادة؟
العبادة نقول: إنها تطلق على المعنى الأول التعبد يعني: فعل العبد، فيقال: تعبد لله عبادة، والثاني: المتعبد به، وهذا المعنى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة وكل ما يقرب إلى الله، فهو اسم جامع لكل شيء، فالصلاة عبادة، والصدقة عبادة، والصوم عبادة، والحج عبادة، والأمر بالمعروف عبادة، والنهي عن المنكر عبادة، كل ما يقرب إلى الله من قول أو فعل فإنه عبادة.
فإذاً العبادة تطلق على معنيين:
المعنى الأول: التعبد الذي هو فعل العبد.
والمعنى الثاني: المتعبد به الذي هو العبادة.
هل يمكن أن نحصي أنواع المخلوقات التي على الأرض؟
لا يمكن، لو قلت لك: احص العوالم التي في الأرض؟
ما استطعت فضلاً عن أفرادها، كل فرد منها فإن الله تعالى متكفل برزقه: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6] فإذا كان الأمر كذلك صار رزق الله كثيراً باعتبار المرزوق، من يحصي المرزوقين؟!
لا أحد يحصيهم، أيضاً هو كثير بأن نعمة الواحد باعتبار الواحد منهم، كم لله عليكم من رزق؟!!
كثير لا يحصى، رزق الله لك دابٌ عليك ليلاً ونهاراً، رزقك عقلاً، وصحةً، ومالاً، وولداً، وأمناً، وأشياء لا تحصى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18] ولهذا جاء اسم الرزاق بالتشديد الدال على الكثرة. وقوله: (ذو القوة) أي: صاحب القوة التي لا قوة تضادها كما قال الشاعر الجاهلي يقول:
أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب |
هذا وهو جاهلي، فقوة الله عز وجل لا تضاهيها قوة، قوته عز وجل لا يعتريها ضعف بخلاف قوة المخلوق، المخلوق قوته تنتهي إلى ضعف كما قال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم:54] أما الرب عز وجل فإن قوته لا يلحقها ضعف بأي وجه من الوجوه، ولما قالت عاد: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15]، ماذا قال الله؟
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصلت:15] وصدق الله عز وجل.
وقوله: (المتين) يعني: الشديد، فهو شديد في قوته، شديد في عقابه، شديد في كل ما تقتضي الحكمة الشدة فيه، انظر إلى قول الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النور:2] هذه شدة لا تأخذكم بهما رأفة، الله عز وجل أرحم الراحمين ومع ذلك يوصينا بل ينهانا أن تأخذنا الرأفة في الزانية والزاني وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ [النور:2] وهذا دليل على القوة.
من قوته عز وجل: أنه سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهل تعب؟
لا: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ [الأحقاف:33].
ومن قوته وقدرته: أنه جل وعلا يبعث الناس كنفس واحدة فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات:13-14]، والأمثلة على هذا كثيرة، فهو جل وعلا لـه القوة البالغة التي لا يمكن أن يضاهيها أي قوة.
الجواب: التصوير بالكاميرا الفوتغرافية إذا كان لحاجة مثل: تابعية، أو رخصة القيادة لا بأس به؛ لأن الناس في حاجة لهذا، أما إذا صور لأجل أن يحتفظ به للذكرى فهذا لا يجوز؛ لأن اقتناء الصور للذكرى محرم، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة).
الجواب: الواقع أن السؤال يقول: في هذه الآونة الأخيرة نرى كثيراً من الانتكاسة، والانتكاسة والحمد لله ليست كثيرة، بل بالعكس نرى كثيراً من الناس يتجهون، لكن الحقيقة أن الشباب يحتاجوا إلى قيادة حكيمة إلى أناس يثق بهم الشباب ويكون عندهم علم شرعي مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين، والأئمة من بعدهم وأتباع الأئمة، منهج صحيح قوي ينظر في الحاضر وينظر للمستقبل وأيضاً على علم وإيمان بالله عز وجل.
فالشباب في الحقيقة في الوقت الحاضر يحتاجون إلى قيادة حكيمة؛ لأن القيادة المتهورة توقعه في الهلاك، المتهورة التي تريد أن تصلح الناس بين عشية وضحاها، وهذا أمر مستحيل، سنة الله عز وجل، ونضرب لكم مثلاً: إن نبينا صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي صباحاً ومساءً وبقي في مكة ثلاثة عشر سنة يدعو الناس ولم يستجب له إلا القليل، إلى حد اضطر فيه إلى أن يهاجر ويغادر بلد الله الأمين؛ لأنه لم يجد ما يريد من انقياد الناس له فهاجر، مع أنه رسول الله ينزل عليه الوحي ويؤيد بالآيات، حتى إنهم قالوا: أرنا آية، فأشار إلى القمر فانقسم القمر فلقتين، القمر في العالم العلوي، ومع ذلك أشار إليه الرسول فانقسم فرقتين هل آمنوا؟
ما آمنوا، قال الله عنهم: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر:2] هل في إمكانه أن يصلح ولاة الأمور والشعب بين عشية وضحاها، أو في أيام معلومة، أو في أشهر؟
هذا ليس بالإمكان، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتيسر له ذلك فكيف بنا؟!!
فالقيادة المندفعة نحن لا نريدها للشباب أبداً، والقيادة البطيئة الهينة الميتة أيضاً لا نريدها، نريد قيادة حكيمة عليمة تنظر إلى العواقب والآثار قبل أن تنظر للحاضر؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى الحاضر ونظر مثلاً أنه مع الأسف يوجد مثلاً في صحافتنا المحلية والتي تبث إلينا من الخارج وهي أخبث وأشد فتنة، الذي ينظر إلى هذا ثم ينظر أيضاً إلى ما حدث أخيراً من القنوات الفضائية يتمزق من الحسرة وكيف ينهال الناس على مثل هذه الأشياء؟
والحمد لله لا ينهال عليها أحدٌ من الملتزمين لكن غير الملتزمين، ويأسف لهذا الشيء.
فمن الناس من تأخذه الغيرة ويندفع يريد أن يأتي البيوت من غير أبوابها، يريد أن يتسور وهذا لا يمكن، من أراد أن يتسور فعاقبته أن ينكسر أو يكسر، لكن إذا أتينا الأمور من أبوابها وصرنا نحذر الناس من هذه الصحف ومن هذه المجلات ومن هذه المرئيات صار في هذا خير كثير، لكن بعض الناس إذا أراد أن ينكر هذا الشيء أول ما ينصب على الحكومة ولماذا تقر هذا الشيء؟
لكن الحكومة لها قنوات يمكن إصلاحه يخاطب مباشرة، لكن المجامع والمساجد والمحافل الذي يخاطب في المساجد والمجامع والمحافل هم الشعب الناس، حذرهم من هذا، بين لهم ضرره، فأنت إذا وجهت النصيحة للناس يستجيبون لك وينتفعون.
لنضرب مثلاً في هذه البيوت بيوت الربا التي تسمى البنوك، هل إذا أردنا أن نصلح الأمر نصب جام غضبنا على الحكومة ونقول: لماذا مكنتهم من ممارسة الربا؟
الجواب: ليس هذا من الحكمة، انصح الحكومة فيما بينك وبينها لا بأس، أو إذا كان المسئول أمامك خاطبه وناقشه كما كانوا يناقشون عمر أمام عمر رضي الله عنه لكن من وراء الستار غلط، من تخاطب في إصلاح هذا الوضع التي هي البنوك؟
الناس، أحذرهم منه وأقول: لا تتعاملوا معه، والبنوك إذا رأت الناس معرضين عنها سوف تضطر إلى إصلاح الوضع، أو تفتح فروعاً تتمشى في معاملتها على الشريعة؛ لأن الذي يقوم هذه البنوك من هم؟
الشعب، هم الذين يقومونه، فإذا رأى أصحاب البنوك الناس انصرفوا وصاروا يطلبون جهات أخرى فإنها سوف تفلس وتضطر إلى السحب، والحكومة خاطِبْها ستجد عندها مثلاً من يقول لها: إن هذه البنوك حلال، ولعل بعضكم قرأ ما كتب في الصحف حول هذا الموضوع وما نشر أيضاً:
أن البنوك ليست حراماً، لماذا؟
قالوا: لأن المحرم هو الربا الذي فيه الظلم وهذه ما فيها ظلم، هذه ينتفع منها البنك وينتفع منها الساحب من البنك، ينتفع منها البنك بالزيادة، يعطيك مثلاً عشرة آلاف يأخذ إحدى عشر ألفاً، ينتفع منها الساحب فيكّون مصنعاً ويكّون مزرعة ويكّون تجارة فالكل منتفع ما في ظلم، والله عز وجل نهانا عن الربا وقال: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] وهذا ما فيه ظلم.
يأتي أناس يشار إليهم بأنهم دكاترة أو علماء أو ما أشبه ذلك يلبسون على الحكومة، أيضاً يجيء شخص آخر يقول لك: من قال إن هذه الأوراق فيها ربا؟
هذه أوراق والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح) في أي واحد من الأجناس تدخل هذه الأوراق؟
نعم ما تدخل فليست ذهباً ولا فضةً، وإنما هي مثل الفلوس المعدنية، والفلوس المعدنية نص الفقهاء من السابقين أنه ليس فيها ربا وانظروها في الروض المربع وغيره، تقول هكذا الحكومة، وهي تبقى الآن بين جناحين: جناح خافض وجناح رافع وتناقش في هذا، لكن أما أن نذهب نسب الحكومة من أجل هذا ونحن نريد من الناس أن يحذروا، لا بل نبدأ بالناس أولاً والحكومة نناقشها، ونقول للذي قال: إن الربا المحرم فيه ظلم، هذا ليس بصحيح، والدليل على ذلك: أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أُتي إليه بتمر جيد فقال: (ما هذا؟ قالوا: يا رسول الله! نأخذ الصاع من هذا بصاعين من الرديء، والصاعين بثلاثة، فقال عليه الصلاة والسلام: أوه -يعني توجع- عين الربا! عين الربا!) هذه المعاملة هل فيها ظلم؟
ما فيها ظلم لماذا؟
لأن الصاع الجيد يساوي صاعين رديئين فليس هناك ظلم، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَوَّهْ! عين الربا) فبطلت حجة من يقول: إن الربا المحرم هو ما كان فيه ظلم، نقول: هذا ما فيه ظلم.
أيضاً: الذي يقول: هذه الأوراق ليست ذهباً ولا فضة؟
نقول: لكن الناس الآن اتخذوها نقداً كما اتخذوا الدراهم والدنانير، والدراهم فضة والدنانير ذهب فقد اتخذها الناس نقداً يستعملونها كما يستعملون الدراهم والدنانير سابقاً، والقاعدة الشرعية أن (البدل لـه حكم المبدل) فبطلت هذه الحجة أيضاً.
لكني أنا أتيت لكم بهذا المثال لتعلموا أن الدولة ليس عندها إلا من يرى تحريم الربا في هذه الأوراق أو في هذه المعاملة، يأتيها من كل مكان، ولها من يقرءون الكتب، ولها من يقرءون الصحف، وهذا مثال فقط وإلا فهناك أشياء أخرى أيضاً.
ألم تعلموا أن ابن حزم وهو معروف إمام في الفقه من الظاهرية يجيز الغناء والمعازف؟!!
هو يجيزه، ومن الناس من ينشر رأيه الآن، وقبل أسبوع قرأنا هذا في الصحف، وتبين لنا أن فيه رسالة دكتوراه تبيح الغناء والمعازف، نعم فما هو موقف الناس؟
ابن حزم من المتقدمين وتبعه من تبعه، وأناس عندنا من المتأخرين يجوزون هذا، نعم ونحن نرى أن هذا غلط، وأن الحديث صحيح، حديث أبي مالك الأشعري الذي رواه البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المعازف مع الزنا والخمر والحرير للرجال؛ لأن هذه الأمور الأربعة بإذن الله متلازمة نسأل الله العافية أو متقاربة، فإذا كان الرسول جعل المعازف بمنزلة هذه الأشياء علم أنها حرام ما في إشكال، ولم نعبأ بقول ابن حزم ولا غيره، لكني قصدي أني أضرب لكم مثلاً بأن الهجوم على الحكومة علناً خطأ، والسير وراء هذا المنهج خطأ مخالف لما كان عليه السلف الصالح .
لكن يجب على الدعاة وعلى قائدي الشباب أن ينظروا للمصالح، وأن ينظروا للعواقب والنتائج، ما الذي أوصل دولة عربية إلى أن يُقتل في خلال خمسة سنوات أو أقل ستون ألفاً يقتل بعضهم بعضاً إلا مثل هذه الآراء، الآراء المنحرفة التي تريد أن يصلح الناس بين عشية وضحاها ثم يصبون جام الغضب على الحكومة، كل هذا من الغلط، والصواب والحمد لله: أن الأمور مستقيمة يعني: على وجه قاصر بلاشك، ولكننا نأمل بإذن الله عز وجل أن الشباب سيتجه اتجاهاً سليماً معتدلاً ليس فيه تفريط ولا إفراط.
أما الطريق إلى الثبات، فالطريق إلى الثبات متعددة:
منها: إقبال الإنسان على عبادة الله، وأن يشتغل بنفسه لا بعيوب غيره؛ لأن الإنسان إذا اشتغل بإصلاح نفسه عن عيوب غيره كسب المعركة، لكن لو كان ليس لـه هم إلا تتبع عيوب الناس والتفكير فيها ضاع عليه الوقت ونقص تعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى، فأنت أقبل على ربك، وأصلح ما بينك وبين الله، واسع بما تستطيع لإصلاح عباد الله.
ثانياً: الإكثار من العبادة.
الإكثار من العبادة لا شك أنه يوجب الثبات بدليل قول الله تبارك وتعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ [المائدة:49] والذنوب سبب للانحراف، الذنب يأتي بالذنب، والصغير يأتي بالكبير، ولهذا قال بعض العلماء: المعاصي بريد الكفر. يعني: ينـزلها الإنسان منـزلة منـزلة حتى يصل إلى الكفر والعياذ بالله.
ثالثاً: مصاحبة الأخيار.
أن الإنسان يصاحب أهل الخير وأهل العلم والإيمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجليس الصالح بحامل المسك إما أن يحذيك يعني: يعطيك مجاناً، وإما أن يبيعك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، وعكس ذلك جليس السوء كنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة.
الرابع مما يوجب الثبات: أن ينظر الإنسان ماذا يحصل له من الثبات على الأمر وماذا يحصل له من الانحراف، يحصل له في الثبات على الأمر الحياة الطيبة والثواب الجزيل قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
ومما يزيد أيضاً على الثبات: تطهير القلب من الحقد والغل والحسد والعدوان على المسلمين، فإن الإنسان إذا كان قلبه طيباً سليماً نزيهاً رزقه الله الثبات والاستقامة.
الجواب: أما إعادتكم إياها بناءً على أن هذا واجب عليكم فلكم الأجر إن شاء الله، وأما الصواب: فإن الإنسان إذا قام عن التشهد الأول حتى استتم قائماً لا يجوز له أن يرجع، فإن رجع متعمداً بطلت صلاته، أما إذا كان جاهلاً فلا تبطل، فالإنسان إذا ترك التشهد الأول واستتم قائماً نقول: لا ترجع، استمر في صلاتك وكملها ثم اسجد للسهو قبل السلام.
أما إذا ذكر قبل أن يستتم قائماً فإنه يرجع ويكمل.
السائل: حتى ولو لم يقرأ؟
الشيخ: سواء قرأ أو لم يقرأ لا يرجع، إذا استتم قائماً لا يرجع، هذا في التشهد الأول لكن لو نسي سجدة وقام فهذا يرجع ولو قرأ الفاتحة ولو ركع لابد أن يرجع لما ترك، مثلاً لو قام من السجدة الأولى ثم قرأ الفاتحة ثم ركع وذكر أنه ما سجد إلا مرة نقول: اجلس فوراً وقل: رب اغفر لي وارحمني، ثم اسجد ثم كمل الصلاة ثم اسجد للسهو بعد السلام.
الجواب: هذا يقول: إنه استيقظ فظن أن الناس قد صلوا العصر فصلى العصر، ثم تبين لـه أن الناس لم يصلوا، فهذا لا يلزمه أن يذهب إلى المسجد ويصلي مع الناس، لأنه أدى الصلاة وبرئت ذمته.
الجواب: ما ثبت لكنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في سنة المغرب بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] فإذا قرأ بها فهو خير؛ لأن الحديث إن ثبت فهو ثابت، وإن لم يثبت فنظيره سنة الفجر يقرأ فيها بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].
ولأن الإنسان يرجو الثواب إن كان صحيحاً فذاك المطلوب وإن لم يكن صحيحاً فلا حرج عليه.
الجواب: نعم. من شروط الصلاة ستر العورة؛ لقوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] فإذا لبس ثوباً لا يمنع من بيان البشرة فإنه كالعاري تماماً، فهذا الثوب حرام عليه لا يجوز، ولا أظن أحداً يلبس ثوباً كاملاً يصف البشرة، لكن يقع أن بعض الناس يلبس سروالاً قصيراً يعني: لا يصل إلى الركبة، ويلبس فوقه ثوباً شفافاً، هذا نقول: لا تصح صلاته، وإذا فعل ذلك أوجبنا عليه أن يعيد الصلاة؛ لأنه لم يمتثل أمر الله عز وجل لقوله: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، وقد ذكر بعض أهل العلم الإجماع على أن من صلى عرياناً وهو قادر على أن يستر عورته فصلاته باطلة.
الجواب: لا بأس، يجوز للإنسان إذا فاتته صلاة الجنازة في المسجد أن يصلي عليها في المقبرة.
الجواب: لا يجوز الكذب في الطرائف كما يقولون؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو على الأقل بسند حسن أنه قال: (ويل لمن يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له! ثم ويل له!)وهذا يدل على أنه لا يجوز؛ لأن الوعيد بويل من أدلة تحريم العمل.
الجواب: نعم، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فرأى رجلاً يتخطى الرقاب فقال: (اجلس فقد آذيت)فجعل العلة في الأمر بالجلوس الإيذاء، وهذا يشمل الجمعة وغير الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: اجلس فإنه يوم الجمعة، قال: (اجلس فقد آذيت) إذاً: فمتى حصل الإيذاء فإن الإنسان ينهى عن تخطي الرقاب، لكن بعض العلماء رحمهم الله يقول: من لم يجد فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فله أن يتخطى. أفهمت؟ مثلاً: الإنسان وجد في الصف الأول فرجة ما فيها أحد فله أن يتخطى ليصل إلى هذه الفرجة، وعللوا ذلك رحمهم الله: بأن هؤلاء هم الذين جنوا على أنفسهم؛ لأنهم مأمورون بأن يسدوا الخلل، فإذا لم يسدوه فهم الذين جنوا على أنفسهم، لكن في نفسي من هذا شيء في الواقع؛ لأن الرجل الذي رآه الرسول صلى الله عليه وسلم يتخطى ما أظن أنه يتخطى إلا لفرجة يصل إليها، لا أظنه يتخطى لأجل ينظر هل هناك مكان، فالظاهر أن النهي عن التخطي عام سواء كان هناك فرجة أم لم يكن.
الشيخ: يعني: إنسان يريد أن يشتري سيارة لأنها أحسن من سيارته التي عنده؟
السائل: نعم. عنده المبلغ لكنه يشتريها بالتقسيط.
الشيخ: لماذا؟
السائل: يعني: بحاجة إلى هذا المبلغ.
الشيخ: يريد أن يشتري السيارة ويبيع؟
السائل: نعم.
الشيخ: هذه تسمى عند العلماء مسألة التورق: أن يشتري الإنسان السلعة بثمن مؤجل من أجل أن يبيعها وينتفع بثمنها، وهي عند شيخ الإسلام ابن تيمية حرام لا تجوز بأي حال من الأحوال، وهي أيضاً في نظري بالنسبة لسؤالك إذا كان لا يحتاج إليها حرام أيضاً، لماذا يستدين ويشغل ذمته بالدين وهو لا يحتاج إليها؟!
الجواب: المأموم لما سلم الإمام صار منفرداً فلا تكون سترة الإمام سترة له حتى الإمام الآن ليس بإمام؛ لأنه انصرف وذهب عن مكانه، لكن هل يشرع للمأموم بعد ذلك إذا قام يقضي ما فاته أن يتخذ سترة؟
الذي يظهر لي: أنه لا يشرع، وأن الصحابة رضي الله عنهم إذا فاتهم شيء قضوا بدون أن يتخذوا سترة، ثم لو قلنا: بأنه يستحب أن يتخذ سترة، أو يجب على قول من يرى وجوب السترة، فإن الغالب أنه يحتاج إلى مشي وإلى حركة لا نستبيحها إلا بدليل بين، فالظاهر أن المأموم يقال له: سترة الإمام انتهت معك وأنت لا تتخذ سترة؛ لأنه لم يرد اتخاذ السترة في أثناء الصلاة، وإنما تتخذ السترة قبل البدء في الصلاة.
الجواب: يرى بعض العلماء أن تلتفت يميناً أو شمالاً في كل جملة، تقول: حي على الصلاة على اليمين، حي على الصلاة على اليسار، حتى يسمع من على يمينك ومن على يسارك، وتقول: حي على الفلاح عن يمينك، حي على الفلاح عن اليسار، والأدلة في ذلك محتملة، لهذا الوجه وللوجه المعمول به الآن وهو أن تقول: حي على الصلاة مرتين على اليمين، وحي على الفلاح مرتين على اليسار، والعمل على هذا الآن، والنصوص الواردة محتملة، فالذي أرى أنه لا بأس أن تتخذ هذا وهذا، هذا بالنسبة للمؤذن بدون مكبر الصوت، أما الآن فلا حاجة للالتفات؛ لأنك إذا التفت الآن فربما يكون في الالتفات ضرر، لأنه اللاقطة لا تكون أمامك فيضعف الصوت، فالذي أرى في مسألة مكبر الصوت الآن أنه لا يلتفت يميناً ولا شمالاً لا في حي على الصلاة ولا في حي على الفلاح، ويكون الالتفات الآن بالنسبة للسماعات، فينبغي أنه يجعل مثلاً في المنارة سماعة على اليمين وسماعة على الشمال.
الجواب: هذا جيد يعني: كون الإنسان يجعل الخطبة مناسبة لما حدث، هذا طيب، وهذا هو الغالب على خطب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا إذا وقعت حادثة تحتاج إلى خطبة قام وخطب حتى يبلغ الجمهور.
كون الإنسان يراعي الأحوال ويخطب في المناسبات هذا طيب، مثلاً في رمضان يتحدث عن الصيام، وفي الحج يتحدث عن الحج، وفي ربيع الأول عن الهجرة، يعني: ينظر المناسبات، هذا لا بأس به، وهو دليل على أن الخطيب فقيه وحكيم، لكن هنا مسألة بعض الأئمة يفعلونها إذا خطب خطبة قرأ في الصلاة الآيات المناسبة لها هذا هو الذي يقال: إنه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ملازماً لقراءة سبح والغاشية أو الجمعة والمنافقون، ولم يكن يراعي موضوع الخطبة.
الجواب: أما عزيز فكنت أرى أنه ليس فيه بأس؛ لأن الذين يسمون عزيز لا يقصدون العزة، لكن اطلعت على حديث في النهي عن اسم عزيز، وأما شهيد فالشهيد كما تعرف مفرد شاهد، والله تعالى قد أثبت الشهادة للناس فقال: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة:282] لكني أخشى إذا سمي بشهيد أن ينصرف الذهن أول ما ينصرف إلى شهادة الله عز وجل، فإنه شهيد على عباده، فتجنب هذين الاسمين لا شك أنه أولى، والأسماء والحمد لله كثيرة، الذي يريد أن يعرف الأسماء يرجع إلى الإصابة في معرفة الصحابة لـابن حجر وعنده اسم عبد الله بالمئات، يعني: تضيق على الإنسان الأمر إلا أن يأتي بمثل هذه الأشياء وهو من المؤسف، الآن الناس يبحثون عن أي شاب يسمون به حتى يسمون أفنان، وأظن أيضاً أغصان وما أشبه ذلك، وشخص سموه: نكتل، قال: هذا موجود في القرآن: فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ [يوسف:63] فظنوا أن (نكتل) بدل من (أخانا) وهي (نكتل) هذه فعل مضارع مجزوم لكن الجهل.
الحمد لله عندك الأسماء كثيرة: عبد الله، عبد الرحمن وهي أحب الأسماء إلى الله، وأسماء الأنبياء: كمحمد، وموسى، وعيسى، ويوسف، وما أشبه ذلك.
الجواب: أولاً: أقول: كل من مات بحريق وهو مسلم فإنه من الشهداء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحريق شهيد) لكن ما نقول: فلان شهيد؛ لأنه مات بالحرق، ما ندري، لكن على سبيل العموم نقول: كل من مات بالحريق فإنه شهيد، وإذا كان من رجال الإطفاء كان أشد ثواباً؛ لأن هذا الرجل الذي مات بالإطفاء جمع بين أمرين: بين الحريق وبين الدفاع عن إخوانه، فهو في الحقيقة اكتسب أجرين: أجر الدفاع عن إخوانه المسلمين، وأجر شهادة الحريق، لكن لاحظوا أننا لا نشهد لشخص بعينه، يعني: مثلاً إنسان أحرقته النار أمامنا نقول: الحريق شهيد، لكن ما نقول: هذا الرجل شهيد، وقد ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه لهذه المسألة وقال: (باب: لا يقال فلان شهيد) ثم استدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله) فقال: والله أعلم، إذا كان الله يعلم بمن يُكلم في سبيله؛ إذاً: لا نشهد على أحد، لكن نقول على العموم: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، فيفرق بين العموم وبين الخصوص.
وبحلول أذان الظهر ينتهي هذا المجلس، وإلى اللقاء في المجلس القادم إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر