أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثاني والعشرون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العاشر من شهر شعبان عام (1420هـ).
وبما أن شهر رمضان المبارك قد قرب، نسأل الله أن يبلغنا وإياكم صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً، وبما أن الخميس القادم ليس فيه لقاء نجعل هذا اللقاء فيما يتعلق بالصيام.
وقد فرض في السنة الثانية من الهجرة بالإجماع، فصام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسع رمضانات بالإجماع أيضاً.
وكان الصيام أول ما فرض يخير فيه المسلم بين أن يصوم، أو يفدي عن كل يوم إطعام مسكين لقول الله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184] ثم نزلت الآية بعدها فأوجب الله تعالى الصوم عيناً بدون تخيير، فقال: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].
أولها: العقل.
الثاني: البلوغ.
الثالث: الإسلام.
الرابع: القدرة.
الخامس: الإقامة.
السادس: الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للنساء.
- الأول: العقل وضده فقد العقل، سواءً بجنون خرف يعني: هرم، أو حادث أزال عقله وشعوره، فهذا ليس عليه شيء؛ لفقد العقل، وعلى هذا فالكبير الذي وصل إلى حد الهذرمة ليس عليه صيام ولا إطعام؛ لأنه لا عقل له، وكذلك من أغمي عليه بحادث أو غيره فإنه ليس عليه صوم ولا إطعام؛ لأنه ليس بعاقل.
- الثاني: البلوغ وضده الصغر، فمن دون البلوغ لا صوم عليه، لكن يؤمر به إذا أطاقه بلا ضرر، فإنه يؤمر به ويأمره به وليه، ليعتاده ويسهل عليه بعد البلوغ.
- الثالث: الإسلام، فغير المسلم لا يلزم بالصوم، ولو صام لم يصح منه، لفقد شرط القبول وهو الإسلام، وليس معنى هذا: أننا نسقط عنه عقوبة تركه، بل هو يعاقب على تركه يوم القيامة، لكننا في الدنيا لا نطالبه به ولا نأمره بقضائه بعد إسلامه، والدليل قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38] ولم يأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحداً ممن أسلم أن يقضي ما أفطره، ولأننا لو أمرنا المسلم أن يقضي ما كان قبل إسلامه لكان في ذلك تنفير عن الإسلام، فكان مقتضى الدليل والنظر الصحيح: ألا يؤمر الكافر إذا أسلم بقضاء ما ترك، لكن لو مات على كفره عوقب على تركه، أي: ترك ما يجب على المسلم.
- الرابع: القدرة على الصيام، فالعاجز عن الصيام لا يجب عليه الصوم، ولكن إن كان عجزه مستمراً لا يرجى زواله أطعم عن كل يوم مسكيناً، وإن كان عجزه يرجى زواله كالمريض مرضاً معتاداً فإنه ينتظر حتى يزول عجزه ثم يقضي، ودليل ذلك قوله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].
- الخامس: الإقامة، وضدها السفر، فالمسافر لا يجب عليه الصوم، ولكنه يقضي إذا رجع عن السفر، ودليل ذلك قوله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] فإن سافر في أثناء اليوم يعني: كان مقيماً وصام ثم سافر في أثناء اليوم فله الفطر؛ لوجود السبب المبيح للفطر وهو السفر، كما أنه لو أذن للصلاة وهو مقيم ثم سافر بعد الأذان فإنه يصلي ركعتين ولا يصلي أربعاً، لوجود السبب المبيح للقصر، وإن قدم بلده وهو مفطر لم يلزمه الإمساك بل يبقى مفطراً ويقضي ذلك اليوم كما يقضي سائر الأيام التي أفطرها.
- السادس: الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، فإن كانت المرأة حائضاً فإنها لا تصوم بالإجماع، ولو صامت لم يقبل بالإجماع، فإذا طهرت في أثناء اليوم لم يلزمها الإمساك، بل تبقى على فطرها لأنها ستقضي هذا اليوم، وإن حاضت في أثناء اليوم أفطرت ولا يحل لها الاستمرار في الصوم لوجود المفسد وهو الحيض.
واعلم أيها الطالب: أن وضع الشروط والأركان والواجبات عند أهل العلم مما يقرب العلم ويسهل الحصول عليه، لأنهم رحمهم الله جمعوا هذه الشروط من نصوص الكتاب والسنة ورتبوها، فكان في ذلك تسهيل للعلم، وأما قول بعض المحدثين: إن هذا من البدع.
فالجواب على هذا أن نقول لهم: ومن البدع بناء المدارس، ومن البدع طبع الكتب، فهل تنكرون بناء المدارس وطبع الكتب؟ سيقولون: لا. نقول: هذا مثله هذه وسيلة لتسهيل العلم وتقريبه وقد وجد في السنة ما يدل عليه، أحياناً يقول النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة كذا وكذا خمسة كذا وكذا سبعة كذا وكذا، كما قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وذكرهم، وقال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) أحياناً السنة تأتي بالحصر.
الصيام: هو التعبد لله عز وجل بترك المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، أي: من حين أن يتبين طلوع الفجر إلى أن تغرب الشمس، تعبداً لله عز وجل لا حرمة عن الأكل والشرب ولا عادة تجري على الإنسان، لابد من قيد: التعبد لله عز وجل.
والمفطرات: الأكل والشرب والجماع، وهذا ذكرت في القرآن في مكان واحد، قال تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] هذه ثلاث ذكرت في موضع واحد في القرآن الكريم.
الرابع: الحجامة إذا ظهر الدم، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم).
الخامس: القيء إذا تعمده لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقض) هذه خمسة أشياء منصوص عليها، ثلاثة في القرآن واثنان في السنة.
هل هناك شيء يفطر سوى هذه؟
الجواب: أما النص فلا نعلم شيئاً يفطر بالنص سوى هذه، أما بالقياس فنعم، فمثلاً الأكل والشرب يقاس عليهما الحقن التي تحقن في المريض عوضاً عن الأكل والشرب، وهي ما يعبر عنه: بالإبر المغذية، فهذه تفطر؛ لأنها بمعنى الأكل والشرب، والقاعدة العامة في الشريعة الإسلامية: ألا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين متفرقين.
أما الإبر التي ليست للتغذية كإبر العلاج والتنشيط، هذه الإبر التي للعلاج لا تفطر سواء أخذت مع العضلات أو مع الوريد أو مع أي مكان، لأننا نقول: إنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب، وإذا لم تكن أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب فلا يمكن أن نفسد عبادة خلق الله بدون دليل شرعي، لأننا مسئولون عما نحل وعما نحرم، فالمعنى: أننا إذا قلنا: هذا حلال فإننا سنسأل عنه يوم القيامة ما الدليل؟ وإذا قلنا هذا حرام سنسأل عنه يوم القيامة، وإذا شككنا في الشيء هل هو مفطر أو غير مفطر فما الواجب؟
أن يكون غير مفطر؛ لأن العبادة ثبتت بدليل شرعي، فلابد من دليل شرعي يدل على أنه يفطر.
كذلك أيضاً مما يفطر: إنزال المني بشهوة بفعل العبد، أي: بفعل من الإنسان، مثل: أن يستمني بيده، أو يباشر زوجته حتى ينزل، أو ما أشبه ذلك، فأما إذا أنزل بمجرد التفكير فإنه لا يفسد صومه إذا لم يمس ذكره لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم) قد يعترض معترض ويقول: ما هو الدليل على أن إنزال المني بشهوة يفسد الصوم؟
فجوابنا على هذا أن نقول: إنه جاء في الحديث القدسي أن الله قال في الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) والإنزال شهوة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: نعم. أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر).
وعلى هذا تكون المفطرات سبعة: الأكل، والشرب، والجماع، والحجامة، والقي، وما في معنى الأكل والشرب، والإنزال بفعل من العبد.
الأول: أن يكون عالماً وضد العلم الجهل، فإن كان جاهلاً لا يدري أن هذا يفطر، أو جاهلاً لا يدري أن الفجر طلع، فإنه لا يفسد صومه، صومه باقٍ، لقول الله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] قال الله: قد فعلت. ولقول الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] وهذا لم يتعمد.
الثاني: أن يكون ذاكراً وضده الناسي، فإذا أكل أو شرب ناسياً أنه صائم فلا شيء عليه، لقوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) ولكن يجب على الجاهل متى علم أن يمسك وعلى الناسي متى ذكر أن يمسك، حتى لو كانت اللقمة في فمه أو الشربة في فمه وجب عليه أن يلفظها، لارتفاع الجهل أو النسيان.
الثالث: أن يكون قاصداً وضده من لم يقصد، كشخص يتوضأ فتمضمض فنزل الماء بغير قصد إلى بطنه فإنه لا يفسد صومه، لقول الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] وهذا الرجل ما تعمد وإنما كان غصباً عليه، وكذلك المكره لو أن الرجل أكره امرأته فجامعها وهي صائمة، فإن صومها لا يفسد؛ لأنها مكرهة، ولا تستطيع أن تتخلص.
والكثير من الناس اليوم وقبل اليوم يصومون الصوم الحسي ولا يصومون الصوم المعنوي، فتجده يصوم ولكنه لا يمسك عن المنكرات التي كان يفعلها في حال فطره، فيغتاب الناس ويسبهم ويعتدي عليهم بأكل الأموال وهضم الحقوق وما أشبه ذلك، وهذا لم يصم صوماً معنوياً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، وإن أحد سابه أو شاتمه فليقل: إني امرؤ صائم) يعني: ولا يرد عليه، ليقل: إني امرؤ صائم، أحدهم رفع صوته عليك وسبك فلا ترد عليه؛ لأنك إن رددت عليه زاد وإذا زاد زدت أنت، ثم تبقيان في خصومة، لكن إذا قلت: إني صائم. فإنك تخجِّله وتبين له أنه لولا الصيام لرددت عليه، وأنك لم تترك الرد عليه لعجزك ولكن لأنك صائم.
بعض الناس يصوم الصوم الحسي ولكن لا يصوم الصوم المعنوي، تجده إذا تسحر نام إلى الغروب، هل هذا صائم؟ صائم صيام بهيمة عن الأكل والشرب وبقية المفطرات لكنه لم يصم صوم أهل التقوى الذين يصومون عما حرم الله، بل إني في شك من قبول صيام هذا الرجل لأنه ترك الصلاة في وقتها عمداً، وقد قال بعض العلماء: إن من ترك صلاة واحدة عمداً حتى خرج وقتها فقد كفر وارتد. نسأل الله العافية.
وينبغي للصائم أن يكثر من العبادات: من قراءة القرآن والتسبيح والتكبير والتحميد والصدقات وغيرها مما يقرب إلى الله تبارك وتعالى، حتى إذا خرج رمضان خرج على حال ليس عليها قبل رمضان، يخرج ملتزماً متقياً ربه، لأنه تمرن على هذا شهراً كاملاً، وإنني بهذه المناسَبَة أدعو إخواننا الذين ابتلوا بشرب الدخان: أن ينتهزوا الفرصة في رمضان، فيمسكوا عن شربه؛ لأنهم في النهار لن يشربوا وفي الليل يتلهون عن الشرب، فإذا مضى عليهم شهر كامل؛ فإن ذلك سوف يؤثر فيما خالط دماءهم من مضار الدخان ويسهل عليهم تركه، فهي فرصة في الواقع لا ينبغي أن تفوت.
أسال الله تعالى للجميع التوفيق لما فيه الخير والصلاح إنه على كل شيء قدير.
الشيخ: ما هي العلامة التي وضعها على القبر؟
السائل: يضع على منتصفة -مثلاً- عوداً أو حجراً مميزاً أو يضع خرقة أو أي شيء.
الجواب: لا بأس أن يضع الإنسان على قبر قريبه، أو من يحب أن يزوره بخصوصه علامة، لكن بشرط: ألا يكون ذلك تشييداً للقبر، أو تجصيصاً، أو ضربه ببوية، أما مجرد علامة كعصا أو حجر مع النصيبة فهذا لا بأس به.
الجواب: الشبهة: أن تقول: إنه شرب دخاناً.
السائل: لكنهم يقيسونه على الطيب ويقولون: أنتم تستنشقونه !!
الشيخ: لا. نحن لا نستنشقه، الطيب لا يستنشقه الصائم بحيث يصل إلى جوفه، أما التطيب فلا بأس.
السائل: فهل الدخان يكون مفطراً؟
الشيخ: ينبغي لمن شرب الدخان وهو صائم أن يجلد مرتين: مرة على فطره، ومرة على شربه الدخان.
الجواب: علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحد الخلفاء الراشدين أحسن ما نلقبه به أن نقول: الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، هذا أحسن شيء، ولا شك أن علي بن أبي طالب وعثمان وعمر وأبا بكر كلهم أئمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرنا أن نقتدي بهم، فقال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) وأعلاهم قدراً ومرتبة وإمامة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.
أما أيهما أفضل: أن نقول: كرم الله وجهه أو رضي الله عنه؟ فإن رضي الله عنه أفضل، وهو الحكم الذي ارتضاه الله للمهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فقال عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة:100] إذاً: أحسن ما نقول: الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
الجواب: لا بأس لأنه متأول، والتقويم الموجود بين أيدينا -تقويم أم القرى - فيه تقديم خمس دقائق يقيناً بالنسبة للفجر، ولكن يبقى النظر الآن حتى لو فرضنا أنه دقيق للغاية أليست الساعات تختلف، إذا قدرنا أن الأذان الساعة الخامسة والربع مثلاً وساعة المؤذن مقدمة خمس دقائق، معناه أن المؤذن أذن الساعة الخامسة وعشر دقائق.
لكن إذا علم أن هذا المؤذن رجل حازم ثقة يضبط الساعة تماماً وأذن على التقويم فكما قلت لكم: التقويم بالنسبة للفجر مقدم خمس دقائق، فليس هناك إشكال.
بالنسبة للغروب حدثني أناس شاهدوا الشمس مع أنها في التوقيت قد غابت، وهذا يدل على أن التقويم قد يكون فيه تقديم، لكن نقول على الشيء الذي ما بان الأصل إن شاء الله أن التقويم على صواب، وأما الذي يتبين خلافه فيخالف.
الجواب: بعض الناس في النصف من شعبان يعمل الطعام ويتصدق به على الفقراء، يظن أن لهذا اليوم مزية في الصدقة وليس كذلك، الواقع أن هذه من البدع، وأن نصف شعبان ما له مزية هو كغيره من أنصاف الشهور، ليس فيه شيء إلا أنه إذا كان يصوم البيض صام النصف فقط، وأما تخصيص ليلة النصف بقيام أو يوم النصف بصيام فلا أصل له، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك شيء.
والمرأة يجب عليها أن تمتثل وألا تتصدق بعد أن علمت أن هذا من البدع وليس وارداً.
السائل: وإذا لم تمتنع؟
الشيخ: سبحان الله! إذا لم يمتنع المبتدع الآخر من بدعته ماذا نعمل؟ إذا بينا للناس فما علينا إلا البلاغ.
الجواب: هذا على حسب النصوص، فمثلاً: الكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام هذا من الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد من فعل ذلك.
والكذب بأن فلاناً جاء وهو ما جاء مثلاً، هذا لا يصل إلى حد الكبائر.
الجواب: صحيح العلم التام لا ينال براحة الجسم، لابد من تعب، ولهذا يقال: (أعط العلم كلك تنل بعضه، وأعطه بعضك يفوتك كله). فلابد من تعب، لكن إذا قرأت التاريخ بالنسبة للعلماء الكبار عرفت أنهم يتعبون تعباً عظيماً، يسهرون الليل من أجل مسألة واحدة، ومع ذلك ما يسهرون على مثل هذه الأنوار، بل على شمع يتعب العين عند القراءة في ضوءه، لكنهم مجتهدون لأنهم يعلمون أن هذا جهاد في سبيل الله.
الجواب: الآداب ما يتعلق بالمروءة والمنهج الذي يسير عليه العبد، وأما العبادات فهي التعبد لله عز وجل، على أن هذا حتى في العبادات ليس له ضابط، وكثير من هذه الأوامر في العبادات يجمع العلماء على أنها مستحبة، لكن هذه كلها مسائل يتجادل فيها أصحاب أصول الفقه: هل الأمر للوجوب أو الاستحباب؟ بعضهم قال: الأصل الوجوب، لقول الله تبارك وتعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] وبعضهم قال: للاستحباب لأن الأصل في الأمر المشروعية، والأصل عدم التأثيم بالترك، وهذا حقيقة الاستحباب، والمسألة عند التدبر ليس لها ضابط معين.
الجواب: لا. نقول بصحة صومه، فالسائل كان جاهلاً فصومه صحيح، وفي هذا نص بعينه تقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: (أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ولم نؤمر بالقضاء).
الجواب: اعلم بارك الله فيك: أن العري إنما يكون عند الحاجة فقط، ولا حاجة به أن يبقى عرياناً حتى يتوضأ، فليلبس الثياب ثم ليتوضأ، أما الوضوء الذي قبل الاغتسال فمعلوم أنه سوف يخلع ثوبه ثم يشرع في الاغتسال وهو مسبوق بالوضوء وهذا لا يضر.
الجواب: بعض العلماء المعاصرين يمنع من التمثيل مطلقاً، وبعضهم يسرف فيه ويتجاوز الحد، والوسط خير الأمور، بعضهم يسرف في إباحته ويجعل الذكر يمثل دور الأنثى ويجعل الأنثى تمثل دور الذكر، وربما يمثل العبادات كالصلاة مثلاً وما أشبه ذلك، هذا لا يجوز، وبعضهم يمنع مطلقاً، والذي أرى القول الوسط: أنه إذا كان المقصود معالجة مشكلة اجتماعية دون أن ينسب القول إلى شخص معين فهذا لا بأس به.
الجواب: اقرأ التي قبلها:
- كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:26-30].
- الساق ساق الرجل (التفت الساق بالساق) أي: انضم بعضهما إلى بعض، تذكيراً للإنسان بأن هذه الساق التي الآن يمشي بها ويخطو بها سوف يأتي اليوم الذي يلتف بعضها إلى بعض فلا تتحرك.
ويحتمل أن معنى: (والتفت الساق بالساق) أي: تراكمت الشدائد؛ لأن الساق تطلق على الشدة، لكن المعنى الأول أبلغ وأعظم تصويراً لحال الإنسان إذا بلغت روحه التراقي وطلب من يقرأ وأيقن أنه مفارق، والتفت ساقه بالساق الأخرى هذا أشد وأبلغ في الزجر وتذكير بهذه الحال، نسأل الله أن يميتنا وإياكم على الإسلام.
الجواب: نعم يصح، وجد جده.
السائل: كذلك غير جدته.
الشيخ: نعم غير جدته؛ لأن الأصول وإن علوا زوجاتهم من محارم أحفادهم وأسباطهم أيضاً.
بهذه المناسبة أقول لكم بارك الله فيكم: إذا تزوج الإنسان امرأة، صار أصله محرماً لها، وأصله هم الآباء والأجداد وإن علوا، وصار أبناؤه محارم لها وأبناء أبنائه وأبناء بناته محارم لها، وصارت أصول الزوجة من محارم الزوج، يعني: أمهاتها وجداتها، فهذه الثلاثة بمجرد العقد يثبت الحكم.
الرابع: فروع الزوجة -أي: بناتها- لا يكون الزوج محرماً لهن حتى يدخل بأمهن، كما قال عز وجل: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23].
الجواب: هذا لا يجوز، لأننا لا نعلم كيفية ذلك، كما قال عز وجل: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] ولا يعلم كيفية النار، فهي فضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزءاً بما فيها النار الغليظة كنار الغاز وغيرها وما هو أشد، فهل أحد يستطيع أن يمثل النار؟ لا أحد يستطيع، ولهذا بلِّغ من يفعل ذلك أن هذا حرام، ومع الأسف الشديد أن الناس الآن بدءوا يجعلون الأمور الأخروية كأنها أمور حسية مشاهدة.
رأيت ورقة مكتوب فيها مربعات كذا الموت وآخر القبر وآخر القيامة وهكذا، فهذا كأنه صور ما بعد الموت خطوط ومربعات هندسية، جرأة عظيمة والعياذ بالله، ثم يقال: ما الذي أدراك أن هذا بعد هذا؟ نحن نعرف أن القبر بعد الحياة الدنيا وأن البعث بعد القبر، ولكن تفاصيل ما يكون يوم القيامة من الحساب والموازين وغير ذلك من يعلم الترتيب؟ لكن هذه جرأة عظيمة، والغريب أن هذه الورقة توزع، لكن هذا من جملة ما يوزع الآن على الناس من الأوراق المكذوبة على الرسول عليه الصلاة والسلام، فيجب الحذر والتحذير من هذه الأوراق.
الجواب: إي نعم، لكن هل أنت لا تخشى أن يرجع إليك؟
السائل: المسافة بعيدة يا شيخ!
الشيخ: حسناً! إذا علمت أنه لن يرجع أخرجها أنت.
السائل: هل أخرجها إلى أصناف الزكاة المستحقين الباقين؟
الشيخ: نعم. ليس هناك إشكال.
الجواب: حديث السبعين ألفاً وارد في مسند الإمام أحمد بسند صحيح: أن مع كل واحد سبعين ألفاً. فلا يستطيع الإنسان الحصر، نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم حصر هؤلاء بالأوصاف لا بالتعيين، فقال: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون).
الجواب: الراجح ما جاءت به السنة وهذا ثابت وليس فيه إشكال كما في الحديث: (إن الإنسان إذا انصرف منه أصحابه بعد دفنه يسمع قرع نعالهم) وكما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف على القتلى في قليب بدر يؤنبهم ويوبخهم ولما قالوا: (يا رسول الله! كيف تكلم هؤلاء ؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) ومثلما جاء في الحديث أيضاً: (ما من مسلم يسلم على قبر يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) وإلا فالأصل أنهم لا يسمعون؛ لأن أرواحهم قد فارقت أجسادهم، لكن ما جاءت به السنة لابد من الإيمان به.
الشيخ: هل في أثناء اليوم أو في كل الشهر؟
السائل: يومين أو ثلاثة أيام.
الجواب: أما المجنون فلا يقضي بالاتفاق؛ لأنه رفع عنه القلم، وأما المغمى عليه ففيه خلاف، والصحيح: أنه لا يلزمه القضاء، ولا يصح قياسه على النائم لوجهين:
الوجه الأول: أن النائم صومه صحيح ولو استغرق ثلاثة أيام.
الوجه الثاني: أن النائم يستيقظ إذا أوقظ والمغمى عليه لا يستيقظ، فهو فاقد العقل وليس عليه قضاء.
السائل: وإذا أفاق المجنون فماذا يعمل؟
الشيخ: وإذا فاق يصوم بقية الشهر ولا يقضي ما فاته.
الجواب: ليس عليها شيء؛ لأن المرأة لم تفرط، وضعته في البيت حسب العادة، وجاء أمر من الله عز وجل فليس عليها شيء أبداً.
الجواب: مسألة: أنه سبب النزول هذا شيء، ومسألة: أنه هل يكون في الصحابة فاسق؟ نعم يكون فيهم فاسق، لكنه كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، قليل جداً، والأصل فيهم العدالة، وإلا فيهم من زنى وفيهم من سرق وفيهم من شرب الخمر لكن هذا نادر، فلا يجوز أن يجعل من هذا قاعدة: في أن الصحابة غير عدول كما فعلت الرافضة ، الرافضة لا يرون الصحابة عدولاً إلا نفراً قليلاً من آل البيت ومن عينوا من غيرهم.
والصواب: أن الأصل في الصحابة العدالة، وأن ما جرى من بعضهم من الذنوب مغمور في بحر الفضائل التي اتصفوا بها.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى اللقاء القادم إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر