إسلام ويب

اللقاء الشهري [55]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه وتعالى حرم علينا ما يضرنا في حياتنا ومجتمعاتنا من إباحية وسفور وتحلل، وأحل لنا أمراً مشروعاً به تحفظ الأنساب والأعراض ألا وهو النكاح، ولكن لابد أن نعرف ما يشترط وما يجب وما يصلح في النكاح، وما يترتب عليه من أمور مهمة، حتى يصير نكاح نعمة وشكر لا نكاح نقمة وكفر.
    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، وجعله خاتم النبيين وإمام المتقين، بل وإمام المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    هذا اللقاء يتجاذبه أمران، الأمر الأول: الكلام عن الإجازة، وماذا يفعل الإنسان في هذه الإجازة الطويلة الصيفية. والثاني: النكاح.

    أما الأول فقد تكلمنا عنه في خطبة الجمعة الماضية وأرجو أن تكون مسموعةً لكثير منكم، ومن لم يسمعها فإنها موجودة -والحمد لله- في الأشرطة، وأما الثاني وهو مهم بل قد يكون أهم وهو النكاح وما يتعلق به.

    اعلم أخي المسلم أن النكاح من أخطر العقود وأهمها وأشدها ضرورة وأشدها ضرراً، فالنكاح من سنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38].

    النكاح استجابة لداعي الفاطر؛ فإن كل إنسان مفطور على ذلك إلا ما ندر، فهو استجابة للفطرة التي خلق الناس عليها، ومن المعلوم أن استجابة الإنسان لما تقتضيه الفطرة من الأمور المطلوبة، يعني: ما تقتضيه فطرتك فإنه من الأمور المطلوبة بل قد يكون واجباً، أرأيتم الأكل والشرب أتستدعيه الفطرة أو لا؟ تستدعيه، ومع ذلك قد يكون واجباً أحياناً، حتى إنه قد يجب عليك أن تأكل الميتة، فإذا خفت الهلاك وجب عليك أن تأكل ما تسد به رمقك ولو من الميتة.

    النكاح تستدعيه الفطرة، فالقيام به استجابة لما تستدعيه الفطرة وتقتضيه، ففي النكاح غض البصر، وتحصين الفرج، وتكثير الأمة وتقارب الأمة بعضها إلى بعض، كم من أناس ليس بينهم صلة ويكون النكاح هو سبب الصلة، ولهذا قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً [الفرقان:54] فالنسب القرابة، والصهر: التقارب بين الناس بسبب الزواج.

    ولهذا أكثر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التزوج من أجل أن يكون له في كل بطن من قريش صلة، وليس إكثار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التزوج من أجل إشباع رغبته، ولذلك لم يتزوج بكراً إلا امرأةً واحدة، وهي عائشة رضي الله عنها، ولو كان تعدد الزوجات للرسول عليه الصلاة والسلام من أجل إشباع الرغبة لتزوج الأبكار، ومن الذي يرده؟ أي إنسان يشير عليه الرسول صلى الله عليه وسلم سيجيبه، لكن يريد أن يكون له في كل بطن من بطون قريش صلة؛ لأن التناكح بين الناس من أسباب التقارب والصلة، حتى إن أقارب زوجتك يكونون بالنسبة لأولادك أخوالاً، أو آباءً وأجداداً، أو أمهات وجدات، لذلك نقول: من مصالح النكاح أن يتقارب الناس بعضهم إلى بعض.

    من شروط النكاح: رضا الزوج والزوجة

    ولكن هذا النكاح لا بد له من شروط نذكر أهمها:

    أهمها: رضا كل من الزوج والزوجة، فلا يصح النكاح إلا برضا الزوجين، لا يصح النكاح مع إجبار أحدهما، فلو أن الرجل أجبر ولده على أن يتزوج بنت عمه الذي هو أخو أبيه وقال: لا بد أن تتزوج فإن لم تفعل فسأقاطعك أو سأحبسك أو سأقتلك، لأنه قد تصل الحال إلى القتل -والعياذ بالله- فإذا تزوج الرجل بهذا الإكراه فنكاحه غير صحيح؛ ولهذا يجب على المسلم أن يراعي هذه الحقيقة، وألا يجبر ابنه على أن يتزوج بنت عمه، بل يجعل الخيار له إن شاء تزوج وإن شاء لم يتزوج.

    كذلك لا يجوز إكراه البنت أن تتزوج من لا تريده حتى لو كانت بنته، لو كانت ابنته حرم عليه أن يجبرها أن تتزوج من لا تريد التزوج به، فإن فعل وأجبر ابنته على أن يزوجها من لا تريد التزوج به فالنكاح غير صحيح، هو الآن قد سلط هذا الرجل على أن يزني بابنته -والعياذ بالله- لأن النكاح غير صحيح، فإجباره ابنته على أن تتزوج هذا الرجل يعني إجباره إياها على أن يطأها هذا الرجل بغير موجب شرعي، والمسألة خطيرة!

    ضد ذلك من يمنع أن يتزوج ابنه بامرأة، كما يوجد ممن عندهم أنفة وكبرياء؛ فلا يمكن أن يتزوج ابنه بمن دونهم سواء في النسب أو في الغنى أو فيما يقال: خضيري وقبيلي، تجد الولد يريد أن يتزوج بهذه المرأة لأنها أعجبته في جمالها وخلقها ودينها ويقول أبوه: لا، لا تتزوج. هذه ما هي من قبيلة فلان، ليست من قبيلتنا، أو نحن أشراف من ذرية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم ليسوا أشرافاً -سبحان الله!- أو يقول: نحن قبايل وأولئك غير قبايل (خضيريين) من قال هذا؟ لا يحل للإنسان أن يمنع ابنه أن يتزوج امرأة يريدها إلا أن تكون كافرة من غير اليهود والنصارى فله أن يمنعها؛ لأن نكاح الكفار حرام إلا اليهود والنصارى فيجوز للمسلم أن يتزوج من نسائهم.

    كذلك -أيضاً- من الناس من يمنع ابنته أن يزوجها بخاطب كفء، خاطب مستقيم في دينه وخلقه والبنت تريده ويقول: لا، إما لأغراض شخصية بينه وبين الرجل، أو لأغراض نفسية أو غير ذلك، يمنع ابنته أن يزوجها ممن خطبها وهو كفء وهذا حرام عليه، ويعتبر خيانة للأمانة، قال أهل العلم: ومن تكرر منه ذلك صار فاسقاً من الفاسقين، وسقطت ولايته، وانتقلت الولاية إلى من بعده. هذا كلام العلماء رحمهم الله، كتبهم بين أيدينا، يعني: لو يخطب من الرجل ابنته، تخطب ابنته، والخاطب كفء في دينه وخلقه ويأبى، ويأتي آخر مثله ويأبى، ويأتي ثالث ويأبى قلنا: الآن اجلس في حبسك، لا ولاية لك؛ لأنك الآن فاسق، من يزوجها؟ أقرب الناس إليها، بعد أبيها مثلاً يزوجها أخوها، يزوجها عمها، لكن إذا أبت القرابة أن تزوج إما احتراماً لأبيها، وإما خوفاً من المشاكل فمن يزوجها؟ يزوجها القاضي، ترفع القضية إلى القاضي وهو يزوجها غصباً على أبيها وأخيها وعمها، لأن الحق في النكاح للمرأة، الحق لها.

    هذا من أهم الشروط، الرضا من الزوج أو من الزوجة؟ من الاثنين جميعاً، لا بد أن يرضى الزوج والزوجة، فبدون رضا لا يصح.

    من شروط النكاح: وجود الولي

    من الشروط المهمة: الولي، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي) لو أن امرأة عاقلة رشيدة زوجت نفسها فالنكاح غير صحيح، ولو باعت بيتها فالبيع صحيح، لماذا؟

    لأن النكاح عقد خطير، والمرأة قاصرة العقل قد تنظر إلى القريب ولا تنظر للبعيد، ووليها لا شك أنه أبصر منها وأدق منها نظراً فلا بد من ولي، وهم مرتبون: أولهم وأولاهم الأب وإن علا، ثم الابن وإن نزل، ثم الأخ الشقيق وأبناؤه، ثم الأخ لأب وأبناؤه، لكن الأخ لأب مقدم على أبناء الأخ الشقيق، ثم العم الشقيق وأبناؤه، ثم العم لأب وأبناؤه.

    الإخوة من الأم هل لهم ولاية في النكاح؟

    الأخ من الأم لا ولاية له حتى لو لم يوجد عاصب فالقاضي يزوج ولا يزوج الأخ من الأم، لو كان هناك امرأة ليس لها إلا أخوها من أمها وليس لها عصبة وخطبت من أخيها من أمها فمن يزوجها؟

    يزوجها القاضي، والخطبة الآن موجهة إلى من؟ إلى الأخ من الأم لأنه قريب لكن ليس له ولاية النكاح، يزوجها القاضي.

    فمن أولياء المرأة في النكاح؟

    نقول: أولياؤها العصبة، ولا حق لذي فرض ولا حق لذي رحم في ولاية النكاح، إنما هو للعصبة، وترتيبهم أن يبدأ بالأصول ثم بالفروع ثم بالإخوة وأبنائهم ثم بالأعمام وأبنائهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089441189

    عدد مرات الحفظ

    785070434