إسلام ويب

دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416ه [2]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذا اللقاء استدرك الشيخ ما ذكره من أنواع التوسل في فتاوى اللقاء الماضي، ثم أعقب ذلك بتفسير بدايات ونهايات سورة الرحمن، مستفيضاً في صفة الله الرحمن شرحاً وتعليقاً، وكذا خلاف أهل العلم في مسائل متفرقة حول الجنتين الأوليين والأخروين.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإننا قبل أن نبدأ لقاء هذا الصباح، نشير إلى ما ذكرناه في اللقاء الماضي؛ وذلك لأن العلم يحتاج إلى ترسيخ، ومن أقوى أسباب الترسيخ: أن يناقش الإنسان نفسه مع نفسه، وأن يناقش مع غيره.

    أنواع التوسل المشروع

    ذكرنا فيما سبق أن التوسل إلى الله سبحانه وتعالى عند الدعاء ينقسم إلى قسمين: جائز وممنوع، وذكرنا أن الجائز سبعة أنواع:

    النوع الأول: التوسل إلى الله بأسمائه: كحديث ابن مسعود : (أسألك بكل اسمٍ هو لك .. إلى أن قال: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي).

    ومثال التوسل باسم معين: أسألك يا رحمان! أن ترحمني، وهنا يتوسل الإنسان إلى الله تعالى باسم مناسبٍ لمطلوبه، فإذا كان يريد أن يسأل الله المغفرة فليقل: يا غفور! وإذا كان يريد الرحمة يقول: يا رحمان! فيكون الاسم مناسباً للمطلوب، هذا واحد.

    الثاني: التوسل إلى الله تعالى بصفاته: كحديث الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك .. إلخ) ومثله: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي).

    الثالث: التوسل إلى الله بأفعاله، دليله ومثاله أيضاً: قولنا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد) هذا دعاء ، التوسل: (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد) ولهذا نعرب الكاف هنا: حرف تعليل لا تشبيه، وحينئذٍ لا نحتاج إلى الإشكالات التي أوردها بعض العلماء، وقال: كيف نشبه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة على إبراهيم وآله مع أن محمداً أفضل؟ نقول: لا حاجة لهذا؛ لأن الكاف هنا ليست للتشبيه، بل هي للتعليل، ولهذا جعلناها توسلاً.

    الرابع: التوسل بالإيمان بالله، دليله ومثاله: رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا [آل عمران:16].

    الخامس: التوسل بالأعمال الصالحة، مثاله ودليله: قصة أصحاب الغار: ثلاثة دخلوا في غار ثم انطبقت عليهم الصخرة لا يستطيعون إزالتها وزحزحتها فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم.

    سادساً: التوسل بدعاء الرجل الصالح؛ أن تطلب منه الدعاء، مثاله ودليله: توسل عمر بن الخطاب بدعاء العباس بن عبد المطلب ، وكذلك توسل الصحابة بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم.

    سابعاً: التوسل باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم: رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:53].

    التوسل إلى الله بمحبة الرسول: أسألك بنبيك، هذه ربما نجعلها تابعة للأعمال الصالحة؛ لأن محبة الرسول من أفضل الأعمال.

    بقي علينا نوع ثامن لم أذكره في اللقاء الماضي: وهو التوسل بحال السائل؛ بمعنى: أن يذكر الإنسان حاله.. يتوسل بها ويستعطف بها ربه عز وجل، كقول موسى: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24] وقد جمع هذا مع أنواع أخرى فيما علمه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا بكر رضي الله عنه حينما قال: (يا رسول الله! علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) هذا فيه التوسل بحال السائل، والتوسل بصفة من صفات الله، والتوسل بأسماء الله، فأين هي حال السائل؟

    قوله: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً) وأين الصفة من صفات الله؟ قوله (ولا يغفر الذنوب إلا أنت) لأن المغفرة صفة، وأين أسماء الله؟ قوله: (إنك أنت الغفور الرحيم).

    قولنا: التوسل بدعاء الرجل الصالح، نحن نعلم كلنا أن المراد: الرجل الصالح الحي الذي تطلب منه أن يدعو لك، وليس المراد التوسل بدعاء الميت وذلك أن الميت لا يبلغه، إذ أن عمله قد انقطع، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له) ولهذا لا يجوز أن تقف على قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتقول: يا رسول الله! اشفع لي؛ لأنه لا يملك هذا، ولا يمكن أن يدعو لك بالشفاعة، فهو لا يملك أن يشفع، ولا يملك أن يدعو بالشفاعة وهو ميت، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] يعني: لا أحد يشفع عند الله إلا بإذن الله، أما كونه لا يملك أن يشفع في حال موته، فلقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله) ومن العمل الدعاء، فالدعاء عبادة، ولا يمكن لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يدعو لأحدٍ بالشفاعة بعد موته.

    وأقرب طريقٍ تحصل به على شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام أن تخلص التوحيد لله، ولهذا قال أبو هريرة : (يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك؟ -ماذا قال؟- قال: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) هذا أسعد الناس بشفاعة الرسول.

    فإذا كنت تريد شفاعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقل: لا إله إلا الله خالصاً من قلبك، وأنت متى قلت: لا إله إلا الله خالصاً من قلبك فسوف تقوم بما تقتضيه هذه الشهادة العظيمة ألا وهو عبادة الله عز وجل.

    أنواع التوسل الممنوع

    أما التوسل الممنوع: فهو أن يتوسل الإنسان بما لم يجعله الله وسيلة، مثل: أن تتوسل بجاه الرسول، وجاه الرسول يعني: المنزلة التي له عند الله، ونحن نشهد ونؤمن بأن أعظم الناس جاهاً هو الرسول عليه الصلاة والسلام، فإذا كان موسى صلى الله عليه وسلم وجيهاً عند الله، وإذا كان عيسى وجيهاً في الدنيا والآخرة؛ فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أولى بذلك بلا شك، ولكن ماذا تنفعني وجاهته عند الله؟ لا تنفعني؛ لأن وجاهته عند الله إنما هي منزلة جعلها الله له، أي لنفس الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو لا ينفعني، ولهذا نقول: من توسل إلى الله بجاه الرسول فقد شبه الله بخلقه، لماذا؟ لأنه لا يتوسل بالجاه إلا لدى المخلوقين، أنا مثلاً أجد هذا الرجل له منزلة عند شخص من الناس، وأقول: أتوسل إليك بجاه فلان، أو أسألك بجاه فلان للرجل، أما عند الله عز وجل فلا، لا تنفع الوجاهة إلا من جعلها الله له، أما بالنسبة لغيره فلا تنفعه. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينادي الأقربين من أقاربه: (يا فاطمة بنت محمد! لا أغني عنك من الله شيئاً) وفاطمة بضعة منه، ومع ذلك لا يغني عنها من الله شيئاً، ولو كان الرسول وجيهاً عند الله عز وجل فإنه لا يغني شيئاً عند الله. ومن الشفاعة الممنوعة: ما ادعاه المشركون من قولهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] فهم يدعون أنهم يعبدون الأصنام من أجل أن تقربهم إلى الله، سبحان الله! هل هذا يقرب إلى الله أو يبعد؟ يبعد من الله، ولا يمكن أن تتقرب إلى الله بمعصيته إطلاقاً، ولهذا لو أن إنساناً أراد أن يقوم ويصلي بعد صلاة العصر نفلاً مطلقاً لا سبب له، هل هذا يقرب إلى الله؟ لا يقرب إلى الله؛ لأنه محرم؛ مع أنها صلاة عبادة يقوم الإنسان فيها لله عز وجل، يكبر الله ويتلو كتابه، ويركع ويسجد، ومع ذلك نقول: هذا الرجل لا تقربه صلاته لله؛ لأنها معصية، فلا يمكن أن يتقرب الإنسان إلى الله بمعصية إطلاقاً، فهؤلاء المشركون الذين يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] نقول: هؤلاء ضالون؛ لأن عبادة الأصنام لا تقرب إلى الله بل تبعد من الله عز وجل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089137469

    عدد مرات الحفظ

    782095840