إسلام ويب

العبادة وأثرها على الفرد والمجتمع [2،1]للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أنزل الله الكتب، وأرسل الرسل، وأقام الحجة من أجل غاية عظمى، وهدف نبيل مقصود، ومطلب منشود ألا وهو عبادة الله سبحانه بمفهومها ومرادها في شرع الله. وقد حث الله هذه الأمة المحمدية على المبادرة إلى العبادات بجميع أنواعها ومراتبها؛ حتى يحوزوا الأجر ويقطفوا الثمار التي بها يفلحون في الدنيا والآخرة، وحذر العاصين المعرضين عن طاعته وعبادته وتوعدهم بمصيرهم الذي سيلاقونه إن لم يتوبوا ويرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى.
    الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فقد ندب الله عباده إلى التوحيد بحقه، والدعوة إلى سبيله، وأرسل الرسل لذلك، وأوجب على الأمة التعلم والتفقه في الدين، قال جل وعلا: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، وقال سبحانه: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21]، فالرسل عليهم الصلاة والسلام بعثهم الله مبشرين ومنذرين ومذكرين بحقه، والدعوة إليه، والتحذير مما يغضبه سبحانه وتعالى، والعلماء خلفاؤهم في الدعوة إليه والتبصير بحقه، والإرشاد إلى أسباب النجاة، والتحذير من أسباب الهلاك.

    والله عز وجل خلق الخلق ليعبدوه، وأرسل الرسل لبيان العبادة، وإيضاح أنواعها وأحكامها والدعوة إلى ذلك، كما قال الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فقد خلقهم الله ليعبدوه، وأرسل الرسل لهذا الأمر.. للدعوة إلى العبادة، وتفسيرها وإيضاحها، والأمر بالتزامها، كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].

    وكلمتي الآن في بيان العبادة وأثرها في الفرد والمجتمع، فالعبادة هي حق الله على عباده من أولهم إلى آخرهم، ولها خلقوا وبها أمروا، يقول عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]، ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، وهناك آيات كثيرات، منها قوله سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [النساء:36]، ومنها قوله عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، ومنها قوله سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، ومنها قوله عز وجل: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3].

    تعريف العبادة في الشرع

    العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وبعبارة أخرى: هي ما أمر الله به ورسوله من قول وعمل وعقيدة، كل ذلك يسمى عبادة.. فحب الله، والإخلاص له، والإيمان به، وخوفه ورجاؤه، كله عبادة، وذلك من أعمال القلوب، وكذلك ذكره، وتسبيحه، وتحميده، وتهليله، والدعوة إليه، كله عبادة، وهكذا الأعمال، من الصلاة، والصوم، والصدقات، والحج، وسائر ما أمر الله به من الأعمال كله عبادة.

    مراتب العبادة

    هذه العبادات منها المستحب ومنها الواجب، فعبادة الله بالإخلاص له، وصرف العبادة لوجهه الكريم، وأداء ما فرض، وترك ما حرم، هذا كله فرض لازم لا بد منه، والاستكثار من النوافل، والتسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار، كل ذلك من نوافل العبادات، وهكذا الصدقات غير الواجبة كلها من التطوعات، وهكذا الصوم غير الواجب، والحج غير الواجب، كله من التطوعات ومن النوافل التي يحبها الله، وهي جبر للفرائض وتكميل لها.

    فجدير بالمؤمن وجدير بالمؤمنة العناية بالعبادة والتفقه فيها، وذلك بالتفقه في الدين عن طريق كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعن طريق أهل العلم، بسؤالهم واستفسارهم، والتفقه عليهم؛ حتى يرشدوك إلى ما قاله الله ورسوله، وحتى يعلموك ما جهلت مما أوجب الله ومما حرم الله، وحتى يوضحوا لك أنواع العبادة، لتكون على بينة وبصيرة، وحتى تعبد الله كما أمر سبحانه وتعالى.

    وعلى حسب استمساك العبد بعبادة ربه، وأدائه حقه، والمسابقة إلى مراضيه، تكون منزلته عند الله، فمن استكمل الفرائض، واجتنب المحارم؛ فهو من عباد الله الأبرار، ومن عباد الله المتقين، ومن خيرة عباد الله، وممن وعدهم الله بالجنة، والنجاة من النار، وإذا أضاف إلى ذلك المسابقة إلى الطاعات، والاستكثار من الحسنات، والحذر من المكروهات، وما قد يعوقه عما شرع الله له؛ كان بذلك من السابقين ومن المقربين، من الطبقة العليا من عباد الله، فإن الطبقات ثلاث:

    الطبقة الأولى: الظالم لنفسه، وهو المؤمن العاصي.

    الطبقة الثانية: المقتصد الذي استقام على أداء الفرائض وترك المحارم، وهو من المقتصدين ومن الأبرار، ولكنه لم يتوسع في الطاعات المستحبة، ولم يستكثر منها، بل اقتصر على الواجبات وترك المحارم، ولم يكن له نشاط في المسابقة إلى أنواع الفضائل، فهذا من الطبقات الوسطى ومن الأبرار، وله الجنة والنجاة من النار.

    الطبقة الثالثة: طبقة السابقين المقربين، المسابقين في الخيرات، والمنافسين في الطاعات، بكل ما يستطيعون من الطاعات القولية والعملية، من طاعات القلوب وطاعات الجوارح، ومن الطاعات البدنية والقولية والمالية، فهم مسابقون إلى كل خير، ومنافسون في كل طاعة، فهؤلاء هم السابقون المقربون، جعلنا الله وإياكم منهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088462769

    عدد مرات الحفظ

    776871300