أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نعرض فيه ما وردنا منكم من أسئلة واستفسارات على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
سماحة الشيخ! معنا مجموعة من أسئلة السادة المستمعين ولعلنا نتمكن من عرض رسائل السادة، المواطن: إقليل علي ويسأل عن صلة الرحم والحجاب، ويحيى محمد حسن موسى وسليمان العثمان وصالح أحمد عسكر الذي يسأل عن اللقطة، ومحمد عياد الجهني من المدينة المنورة، ورسالة عيسى بن علي الموسى من الرياض.
====
السؤال: ونبدأ برسالة المواطن إقليل علي حيث يقول في رسالته: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
هو أننا في تبالة بلاد الفزع شمران، والتي تقع غرب مدينة بيشة، لدينا مذاهب وهي قديمة من على إثر الأولين، وهي أن نساء القبيلة لا يتغطين من رجال القبيلة سواء من أقاربهن أو من غيرهم، وحيث أنني -أنا السائل- أفهم أن هذا الإجراء ليس مشروعاً في السنة والكتاب ولكن لم أقدر على إلغاء هذه المذاهب المخالفة للسنة، فماذا يلحق المحتار في عدم مشاهدة النساء اللاتي من غير محرم وهن كاشفات، أفيدوني أفادكم الله، وكما أفيدكم أنه لم يسبق أن حصل في تلك البلاد إرشاد يعلمهم الصحيح والمتبع لدى كثير من المسلمين وفقكم الله؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
الواجب عليك وعلى غيرك إرشادهم وتعليمهم وتحذيرهم من هذا، تقول لهم: يا أمة الله.. يا فلانة! هذا لا يجوز، الواجب عليكن الاحتجاب عن غير المحارم، إذا كن يكشفن لغير المحارم من رجال القبائل، على أوليائهن أن يعلموهن أن هذا لا يجوز، والله أمر بالحجاب، كما في قوله سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] فالحجاب طهارة لقلوب الجميع، الرجال والنساء، وأبعد لهم جميعاً عما حرم الله.
فأنت عليك أن تغض بصرك، وأن تنكر المنكر وتعلم من استطعت من نساء قومك، وكذلك من يسمع كلامي هذا من رجال القبيلة، عليهم أن يتآمروا بالمعروف، ويتناهوا عن المنكر، وأن يجتهدوا في منع نسائهم من التكشف والسفور لغير محارمهن هذا الواجب على الجميع من باب التعاون على البر والتقوى، والسكوت عن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان، فالواجب على رجال القبيلة في هذه الجهة أو في هذه المنطقة أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يعلموا نساءهم الاحتجاب عن غير المحارم، وأن ينكروا على من تساهلت في ذلك حتى تعم الفائدة، وحتى يقل هذا المنكر، وأنا -إن شاء الله- سوف أبلغ الجهات المسئولة عندنا في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء حتى يعمدوا الدعاة إلى الله في بيشة وفيما حولها بالعناية بهذا الأمر والتجول في هذه المنطقة، وإرشاد أهلها إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ولا سيما ما يتعلق بالعقيدة وأمر الصلاة وأمر الحجاب، وما أشبه ذلك مما قد يحصل به التساهل، نسأل الله للجميع الهداية.
الجواب: صلة الرحم من أهم الواجبات، والعم من أقرب الأرحام فهو صنو الأب، فيجب أن يوصل بالكلام الطيب والفعل الطيب، وبر الوالدين من أهم الواجبات وأعظم الواجبات، وحق الوالد أكثر من حق العم.
ولكن الهجر لا يجوز إلا بعلة شرعية، الهجر فوق ثلاثة أيام لا يجوز، إلا إذا كان المهجور قد أظهر المعاصي والبدع، فيستحق الهجر الذي يمنعه عن البدعة والمعصية حتى يتوب، أما الهجر لحق الوالد أو لحق زيد أو عمرو في أمور الدنيا والخصومات فهذا لا يزيد على ثلاثة أيام، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عن الزيادة على ثلاثة أيام.
فالواجب عليك أن تصل عمك، وأن تزيل الهجر، وأن تعتذر إليه، وتطلبه المسامحة، وأن تستسمح أباك في هذا وتقول: هذا أمر يلزمني من جهة الله والحديث الصحيح: (إنما الطاعة في المعروف) يوجب عليك ذلك، في اللفظ الآخر: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فإذا أمرك أبوك بقطيعة الرحم، لا، ولكن تعامل أباك بالحكمة والكلام الطيب والصفة الحميدة، وتستسمحه في هذه الأمور، وتخاطبه بالتي هي أحسن، وتقوم بصلة الرحم ولو بطريقة خفية عن والدك إذا كان لم يسمح، تقوم بالواجب من جهة صلة الرحم والكلام الطيب مع عمك وغيره، ولو ما أطلعت أباك على ذلك إذا لم يسمح، أما أنك تهجر بغير حق من أجل كلام والدك فهذا لا يجوز.
الجواب: نعم، يجوز المسح على الجوارب إذا كانت ساترة للرجل وإذا لبسها على طهارة، فلا حرج في ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين، ثبت عنه ذلك عليه الصلاة والسلام، وثبت عن جماعة من الصحابة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يمسحون على الجوارب، والجوارب هي الشراب من القطن أو من الصوف ونحو ذلك، أما الخف فهو من الجلد، والنبي مسح على خفيه عليه الصلاة والسلام ومسح الجوربين أيضاً، فلا حرج في ذلك.
ومن قال: إنه لا يمسح إلا على الخف فقط من الجلد، فهو قول ضعيف مرجوح، والصواب أنه يمسح على الجلد وعلى الجورب الذي هو الشراب من القطن أو من الصوف إذا كان ساتراً للقدمين، وإذا كان لبسهما على طهارة، فإنه يمسح يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر بعد الحدث هذا هو المشروع، وبذلك تعلم أن مسحه لا حرج فيه، وأن صلاتكم صحيحة، وأن قول من قال: إن المسح يكون على الخف الذي هو من الجلد ليس بجيد.
أصحاب الفضيلة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
ما حكم الجهر بتلاوة القرآن الكريم في المسجد، وهل هناك أحاديث تتعلق بالقراءة السرية أو الجهرية؟
الجواب: لا حرج في الجهر بالقراءة في المساجد، لا بأس أن يجهر الإنسان بالقراءة، لكن جهراً لا يؤذي أحداً، أما إذا كان حوله مصلون أو حوله قراء فإنه يقرأ قراءة لا تؤذيهم، ولا تلبس عليهم صلاتهم وقراءتهم، يخفض صوته، حتى لا يؤذيهم، أما إذا كان حوله أناس يستمعون له وينتفعون بقراءته فلا بأس أن يرفع صوته حتى يسمعهم وحتى يستفيدوا إذا كان لا يؤذي أحداً من القراء الذين حوله ولا المصلين الذين حوله، فينبغي أن يعلم هذا.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه خرج ذات يوم على جماعة في مسجد في الليل يتهجدون ويقرءون جهراً فقال لهم: (لا يؤذي بعضكم بعضاً، كلكم يناجي ربه) فأمرهم أن يخفضوا أصواتهم حتى لا يؤذي بعضهم بعضاً، هكذا ينبغي، إذا كان الإنسان يقرأ وعنده قراء أو مصلون فإنه لا يرفع رفعاً يؤذيهم، ويلبس عليهم قراءتهم أو صلاتهم لا، بل يخفض صوته خفضاً ينفعه ولا يضرهم، أما إذا كان حوله أناس يستمعون له .. يستمعون لقراءته فإنه يجهر جهراً يفيدهم وينفعهم ولا يضر غيرهم.
الجواب: لا نعلم لها أصلاً، هذا أشبه بالبدع، أقول: هذا أشبه بالبدع، أقول: هذا غير مشروع؛ لأن هذا يمنع الناس من القراءة، فقد يريد بعض الناس أن يقرأ، قد يريد أن يصلي فيشوش عليه إذا دخل يصلي ركعتين أو أكثر، فالأولى أن كل إنسان يقرأ لنفسه، أما لو كانوا في مكان مخصوص مجتمعين مثلما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليهم وهم يستمعون له فلا بأس، أو كانت جماعة محدودة في المسجد وأحبوا أنهم يستمعون له حتى يدخل الخطيب فلا بأس، أما واحد يقوم على المنبر يقرأ على الناس فهذا لا وجه له، ولا ينبغي.
أو في غير المنبر يجهر جهراً يضر غيره، ويشوش على المصلين الداخلين وعلى القراء كل هذا لا يصلح، وليس له أصل فيما نعلم.
الجواب: إذا أدرك الإمام في أثناء الصلاة فالذي يدركه هو أول صلاته على الراجح، وما يقضيه هو آخرها، الذي يقضي هو آخرها، والذي يدرك مع الإمام هو أولها، حتى لا تتنافى الصلاة ولا تختلف، أدرك الإمام وقد صلى ركعتين، فالركعتان اللتان أدرك هما أول صلاته، واللتان يقضيهما من الظهر أو العصر أو العشاء هما آخر صلاته، وهكذا الفجر وهكذا المغرب، ما أدركه مع الإمام هو أولها، يقرأ فيه الفاتحة وما تيسر معها، وما يقضيه هو آخرها، هذا هو الأرجح، نعم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وفي اللفظ الآخر: (فاقضوا).
معنى (اقضوا) أتموا أي القضاء بمعنى التمام، هذا هو الحجة في هذا الباب؛ ولأن هذا هو الذي يليق بالصلاة ويتناسب معها، أن ما أدرك هو أولها وما يقضيه هو آخرها. نعم.
المقدم: أيضاً يقول: إذا أدرك المصلي الإمام في الركعة الثانية أو الثالثة فأي الركعات يأتي بها بعد السلام، هل هي تلك الركعات الأولى التي فاتته وهذا أجبتم عليه.
يقول: وهل الصورة واحدة في جميع الفرائض، أي: هل من فاتته الركعة الأولى أو الثانية كمن فاتته الثالثة التي يجلس فيها ويقرأ بالتشهد؟
الشيخ: نعم، الطريق واحد.
المقدم: يقول: إن هذا التبس عليه كثيراً وهو يريد أن يقف على الحقيقة في ذلك؟
الشيخ: هذا هو الصواب.
الجواب: إذا كان يثق من نفسه أنه يعرفها ويؤدي الواجب يأخذها، وإلا فليدعها؛ لأن الواجب عليه أن يعرفها سنة كاملة، ينادي عليها في الأسواق التي يجتمع الناس، عند أبواب الجوامع، وأشباهها من مجامع الناس يقول: من له الذاهبة، من له الذاهبة، من له البشت من له الشنطة، من له كذا من له كذا؟ ولا يبين صفاتها، لكن يشير إلى حقيقتها ولا يبين صفاتها، فإذا جاء من يعرفها بصفاتها أعطاه إياه، فإن مضت سنة ولم يأت أحد فهي له، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم من وجد لقطة فليعرفها بعد أن يعرف عفاصها ووكاءها وعددها إن كانت نقود.
المقصود بعد أن يعرفها نقوداً أو غير نقود، بعد أن يعرف الحقيقة والأوصاف التي ينبغي أن تحفظ، فإذا أتقنها كتبها عنده، وضبطها وعرفها سنة كاملة، ينادي في مجامع الناس في الشهر مرتين ثلاثاً أكثر: من له الذاهبة؟ من له اللقطة التي هي كذا وكذا؟ هي مثلاً شنطة، بشت، سيف، خنجر، ثم إذا جاء الذي يلتمسها يبين صفاتها ما هي صفاتها، فإذا وصفها بصفاتها المطابقة أعطاه تلك اللقطة، وإن مضت السنة ولم يأت أحد فهي كسائر ماله، ينتفع بها كسائر ماله، فإذا جاء صاحبها يوماً من الدهر وعرف صفاتها أعطاه إياها.
وبعد:
أريد أن أعرض سؤالي هذا وهو يتعلق بالصلاة، أنا دخلت والإمام راكع في الهواء، ثم كبرت تكبيرة الإحرام والإمام راكع، فرفع قبل أن أركع معه، هل أدركت الصلاة أم لا وفقكم الله؟
الجواب: إذا دخل الإنسان والإمام راكع ثم كبر تكبيرة الإحرام ثم رفع الإمام قبل أن يهوي للركوع، قبل أن يستوي راكعاً، فإنه قد فاتته الركعة لا يدركها، إنما يدركها إذا استوى راكعاً قبل أن يرفع، يعني: إذا انحدر راكعاً قبل أن يرفع إمامه يكون أدركها ولو ما سبح إلا بعد ذلك، أما إذا كبر للإحرام ثم رفع الإمام قبل أن يستوي راكعاً فإنه يعتبر غير مدرك لهذه الركعة بل يقضيها. نعم.
المقدم: لكن في هذه الحالة ألم يدخل في الصلاة؟
الشيخ: دخل في الصلاة لكنه ما ركع، فاته الركوع.
الجواب: إذا كان عند الإنسان دين أو رهن أو وديعة لآخر ولم يعرف ورثته بعد موته، وسأل واجتهد ولم يعرف أحداً يتصدق بها في وجوه البر مثل الفقراء، مثل أن يجعلها في عمارة مسجد، مشاريع أخرى إسلامية حتى ينفع الميت، بالنية عن صاحبها، بشرط أنه اعتنى واجتهد وسأل عن أقاربه ولم يجد أحداً، يعني: ما وجد من يدله بعد الاجتهاد فإنه يتصدق بها على الفقراء أو يصرفها في تعمير مسجد، أو نحوه من المشاريع الخيرية، ولو سلمها للحاكم القاضي في البلد وأخذ سنداً عليها من عنده كفى، لكن إنجازها وصرفها في وجوه الخير أسرع في الخير وأنفع لصاحبها؛ لأنه يؤجر على ذلك إذا تصدق بها عنه بالنية.
المقدم: أحسنتم أثابكم الله.
أيها السادة! إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا الذي عرضنا فيه رسائل السادة المواطن إقليل علي ويسأل عن الحجاب وصلة الرحم، ويحيى محمد حسن موسى ويسأل عن المسح على الشراب للصلاة وسليمان العثمان ويسأل عمن فاته ركعات هل يعتد بأولها على أنها أول صلاته أم بما أدرك مع الإمام، وصالح أحمد عسكر ويسأل عن اللقطة، ومحمد عياد الجهني من المدينة المنورة والسائل عيسى بن علي الموسى من الرياض ويسأل عن لحاق الإمام في الركعة.
عرضنا هذه الأسئلة والاستفسارات التي وردتنا في رسائلهم على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لسماحة الشيخ عبد العزيز ، وشكراً لكم أيها الإخوة، وإلى لقاء الغد إن شاء الله نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر