مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.
رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: في بداية هذه الحلقة نعود إلى رسالة المستمع حسين إسماعيل العيدروس من اليمن الديمقراطية حضرموت تاربة، أخونا عرضنا بعضاً من أسئلته في حلقة مضت وبقي له جمع من الأسئلة فيسأل في هذه الحلقة ويقول: دائماً أقرأ وأسمع أن الإنسان قد كان قرداً في البداية، ثم مر بمراحل وتحول إلى الإنسان العادي المعروف اليوم، هل هذا من المعقول أم لا؟ وهل عناصر القرد -أي: عناصر تكوين جسمه- هي نفس العناصر المكونة لجسم الإنسان؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
هذا القول الذي ذكره السائل قول منكر وباطل ومخالف لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ولإجماع سلف الأمة، وقد اشتهر هذا القول عن المدعو داروين وهو كاذب فيما قال، بل أصل الإنسان هو أصل الإنسان على حاله المعروفة ليس أصله قرداً ولا غير قرد، بل هو إنسان سوي عاقل خلقه الله من الطين من التراب وهو أبونا آدم عليه الصلاة والسلام خلقه الله من تراب، كما قال جل وعلا: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12] فهو مخلوق من هذا التراب، خلقه الله على صورته، طوله ستون ذراعاً في السماء، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن، فهو مخلوق على هذه الصفة التي نشاهدها، فأولاده كأبيهم مخلوقون على خلقة أبيهم، لهم أسماع ولهم أبصار ولهم عقول ولهم القامة التي تعرف لهم الآن، يقومون على أرجلهم ويتكلمون ويسمعون ويبصرون، ويأخذون بأيديهم ويعطون، وليسوا على شكل القردة، وليس تكوينهم تكوين القردة، بل لهم تكوين خاص، وللقردة تكوين خاص.
وهكذا كل أمة، فالقردة أمة مستقلة والخنازير أمة مستقلة، وهكذا الكلاب، هكذا الحمير، هكذا القطط، وهكذا غيرها أمم، كما قال الله عز وجل: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [الأنعام:38]، هذه الأمم كلها تحشر إلى الله، تجمع يوم القيامة ويقتص لبعضها من بعض، ثم يقال لها: كوني تراباً فتكون تراباً، ما عدا الجن والإنس فلهما شأن آخر، يحاسبون ويجزون بأعمالهم فمن أطاع ربه فإلى الجنة ومن كفر به فإلى النار.
أما هذه الحيوانات الأخرى فهي أمم مستقلة، فالقردة أمة مستقلة لها خلقتها ونشأتها وخصائصها، والخنازير كذلك، والكلاب كذلك، والحمر كذلك، والإبل كذلك والبقر كذلك والغنم.. وهكذا أمم لها خلقتها وميزتها التي أنشأها الله عليها سبحانه وهو الحكيم العليم، وهو أبصر بدقائق أمرها ودقائق تكوينها، هو أبصر بهذا وأعلم سبحانه وتعالى.
لكن يجب أن يؤمن العبد أن خلق آدم غير خلق القردة، وأن أصل آدم هو أصله الذي هو عليه الآن وليس أصله قرداً ولا غيره، بل هو إنسان سوي على خلقته المشاهدة، فالقول بأن أصله قرد قول منكر وقول باطل، بل لو قيل بكفر صاحبه لكان وجيهاً.
فالأظهر والله أعلم أن من قاله مع علمه بما جاء به الشرع أنه يكون كافراً؛ لأنه مكذب لله ورسوله، مكذب لكتاب الله في خلق آدم.
الجواب: العرش عند أهل العلم في اللغة العربية هو الكرسي العظيم، كرسي الملك، والمراد بعرش الرحمن كرسي عظيم هو أعظم المخلوقات، له قوائم، وله حملة من الملائكة يحملونه، والله سبحانه وتعالى فوق العرش، كما قال عز وجل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وقال سبحانه: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] فهو كرسي عظيم ومخلوق عظيم لا يعلم مدى عظمته وسعته إلا الذي خلقه سبحانه وتعالى.
وهو كالقبة على العالم، وهو سقف العالم كله، وهو سقف الجنة أيضاً، فهو سقف العالم وليس فوقه شيء سوى الله سبحانه وتعالى.
هذا هو العرش، الكرسي العظيم الذي تعرفه العرب، كما قال في قصة بلقيس: وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل:23]، فكراسي الملوك يقال لها: عروش، لكن عرش الله لا يشابهه شيء من عروش المخلوقين، ولكنه في الجملة يعرف من حيث اللغة الكرسي العظيم لا يعلم سعته وعظمته وكنهه ومادته إلا الذي خلقه سبحانه وتعالى، إلا إذا صح عن رسول الله شيء في ذلك، إذا صح عن رسول الله في بيان شيء من كنهه فذلك مقدم ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، ولا أعلم شيئاً صحيحاً معتمداً يبين مادة هذا العرش، لكنه عرش عظيم ومخلوق عظيم وله حملة من الملائكة، كما قال الله جل وعلا: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17] يعني: يوم القيامة، والمشهور أنه في الدنيا يحمله أربعة، كما قال أمية بن أبي الصلت في شعره المعروف الذي أنشده الشريد بن سويد للنبي صلى الله عليه وسلم فأقره:
رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث مرصد
يعني: أربعة أملاك في صور ما ذكر، أحدهم في صورة رجل، والثاني في صورة ثور، والثالث في صورة نسر، والرابع في صورة أسد؛ ولهذا قال:
رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث مرصد
فهذه المخلوقات تسمى ملائكة خلقهم الله لحمل هذا العرش.
وجاء في حديث العباس بن عبد المطلب أنهم يوم القيامة ثمانية أوعال، وأنهم يحملون العرش في صورة أوعال، ولهم خلق عظيم وطول عظيم، لكن في سنده بعض المقال، ونص القرآن أن هذا يكون يوم القيامة، كما قال سبحانه: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17] (يومئذ): يوم القيامة، فدل ذلك على أنهم في الدنيا أربعة، ويوم القيامة يكون ثمانية، والله المستعان، والله أعلم.
الجواب: الاحتفال بالموالد من البدع التي أحدثها الناس في القرن الرابع الهجري، فلا ينبغي لأحد أن يتأسى بمن أحدث البدع، وهكذا ما ذكر عن ملك إربل أنه أحدث ذلك، كل هذا لا يليق بأهل العلم والإيمان أن يتأسوا بمن أحدث البدع ولو كان معروفاً، ولو كان كبيراً كبعض الملوك والأمراء أو بعض ممن يغضب من أهل العلم، فإن القاعدة التي يجب الالتزام بها ويجب السير عليها، أن ما تنازع فيه الناس وما أحدثه الناس يعرض على كتاب الله وعلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما وافقهما قبل وما خالفهما رد، كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59].
قال العلماء رحمهم الله: الرد إلى الله هو الرد إلى القرآن العظيم، والرد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام هو الرد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وفي الآية الأخرى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].
فالواجب على أهل الإيمان عند النزاع وعند الاختلاف وعند إحداث البدع أن يرد ما تنازع فيه الناس وما اختلفوا فيه إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، فما شهدا له بالقبول قبل وما لا فإنه يرد.
وقد نظرنا وسبرنا ما وقع في الناس من هذه الموالد، ودرسنا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه فلم نجده صلى الله عليه وسلم احتفل بمولده لا في المدينة ولا في مكة، لا قبل الهجرة ولا بعد الهجرة، لا قبل الفتح ولا بعد الفتح.
ولا شك أن الموالد التي أحدثها الناس يقع فيها منكرات متنوعة، منها ما تقدم من الاستغاثة بصاحب المولد وطلبه المدد، سواء كان النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، ومنها ما قد يقع من التوسل به أو بجاهه وحقه وهذا بدعة، ومنها ما يقع له من بعضهم أنهم يقومون له يقولون: هذا حضر النبي صلى الله عليه وسلم ويقومون، وهذا منكر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحضرهم ولا يخرج من قبره إلى يوم القيامة، كما قال الله عز وجل: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:15-16]، ويقول عليه الصلاة والسلام: (أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة)، فهو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، أول من يخرج من القبور يوم القيامة.
فقولهم: إنه يحضر ويقومون له هذا من المنكر ومن الباطل ومن التلبيس على العامة، والواجب على أهل الإيمان اتباع سنته وتعظيم أمره ونهيه لا إحداث الموالد، ويش الفائدة من الموالد التي فيها البدع والشر، يقول الله سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول سبحانه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، ويقول جل وعلا: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]، ويقول سبحانه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] الآية.
فالذي يحب الرسول صلى الله عليه وسلم صادقاً يتبعه، ويستقيم على طريقته في أداء الأوامر وترك النواهي والوقوف عند الحدود، والدعوة إلى سبيله وإلى سنته والذب عنها والتحذير من خلافها، هكذا يكون المؤمن، هكذا يكون طالب النجاة، هكذا يكون المعظم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعظم سنته ويدعو إليها ويستقيم عليها قولاً وعملاً وعقيدة، وينهى الناس عن خلافها وعن الخروج عليها، هكذا المؤمن الصادق وهكذا العالم الموفق يعظم السنة ويدعو إليها ويستقيم عليها ويحافظ عليها ويمثلها بأخلاقه وأعماله، هكذا الحب للرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا الحب لله توحيده وطاعته وخوفه ورجاؤه والشوق إليه، والمسارعة إلى مراضيه، والحذر من مناهيه، والوقوف عند حدوده، هكذا يكون المؤمن الصادق في حبه لله ورسوله.
أما إحداث البدع فليست من دلائل الإيمان، ولا من دلائل الصدق، ولكنها من تزيين الشيطان ومن تلبيسه على الناس حتى يحدثوا ما لم يأذن به الله، ولهذا قال سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21].
والمحب له صلى الله عليه وسلم يجتهد في اتباع شريعته واتباع طريقه؛ ليعلم الناس سنته وأخلاقه وأعماله، في المدارس، وفي المساجد، وفي البيوت، وفي السفر، وفي الحضر، وفي الطائرة، وفي السيارة، وفي القطار، وفي كل مكان، هكذا المؤمن الصادق العالم يعتني بالسنة ويعلمها الناس ويعمل بها، وفي غنية عن إحداث البدع، المسلمون في غنية كاملة عن البدع، أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، ويقول سبحانه: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ [الجاثية:18] يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [الجاثية:18-19]، هكذا أمر الله نبيه أن يستقيم على الشريعة التي بينت له وأمر بها، فهكذا أمته، عليهم أن يستقيموا على الشريعة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام، وعليهم أن يلزموها ولا يزيدوا ولا ينقصوا.
الجواب: ليس بين الآية والحديث المذكور وما جاء في معناه تعارض، فالآية تبين لنا أن أكرم الناس عند الله أتقاهم، لا أعظمهم نسباً ولا أكثرهم مالاً، ولا أرفعهم وظيفة، يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]، فأكرم الناس عند الله وأفضلهم عنده أتقاهم له، ومعنى أتقاهم: يعني: أقومهم بحقه، بطاعته سبحانه وترك معصيته جل وعلا، وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم العلماء المستقيمون على طاعة الله وتقواه، وهم طبقات، ثم الأكمل فالأكمل والأفضل فالأفضل في طاعة الله عز وجل.
فالمقصود أن أكمل الناس بعد الرسل هم أتقاهم، هم أكمل الناس وأكرم الناس عند الله عز وجل، ولما (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكرم الناس، قال: أتقاهم).
أما فضل خديجة وآسية ومريم بنت عمران وعائشة كذلك وفاطمة كل هذا مسلم وصحت به السنة وليس فيه معارضة، خديجة رضي الله عنها أم المؤمنين، وهي أم أكثر أولاد النبي عليه الصلاة والسلام، وهكذا فاطمة بنته عليه الصلاة والسلام، وهكذا مريم بنت عمران أم عيسى عليه الصلاة والسلام، وهكذا آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وهكذا عائشة رضي الله عنها كلهم من كمل النساء، والكامل من النساء أقل من الكامل من الرجال، فالكمل في الرجال كثيرون ومن النساء قليلون، ولهذا بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث والكمال بالنظر إلى تقوى الله والقيام بحقه سبحانه وتعالى، وقال في عائشة رضي الله عنها: (فضل
المقصود أن عائشة لها فضل كبير، وخديجة كذلك، ومريم، وآسية، وفاطمة ، هؤلاء الخمس هم أكمل النساء وأفضل النساء، وهن متساويات في الفضل.
وقد اختلف العلماء في تقديم بعضهن على بعض، ويكفينا أنهن أفضل النساء رضي الله عنهن وأرضاهن ورحمهن، وكمالهن من جهة تقواهن لله وقيامهن بحقه، واستقامتهن على دينه، لكن الكمل من الرجال في تقوى الله والقيام بحقه أكثر؛ لأنهم أصبر على التقوى، وهم أعلم بالله في الأغلب، وأكثر اطلاعاً على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأكثر اطلاعاً على حلقات العلم وأسفاراً لطلب العلم، فلهذا يغلب على الرجال أن يكون علمهم أكثر من علم النساء وكمالهم أكثر بسبب ما حباهم الله من القوة على طلب العلم والحرص على تحصيله، ولما جبل عليه النساء من الضعف من بعض النواحي والعجز عن تحصيل العلوم من كل وجه، لما يعتريهن من الحمل والولادة وحاجات البيت وحاجات الزوج وغير ذلك.
فالمقصود أن الكمل من الرجال بنص النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من الكمل من النساء، لأن الكمل من النساء قليلون لأسباب كثيرة والكمل من الرجال كثيرون، ولا تعارض بين الحديث وبين الآية الكريمة.
الجواب: لا أعلم شيئاً في هذا، لا أعلم أنه ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث يحدد زمان غسله وزمان وضوئه بالدقائق؛ لا أعلم ذلك لكنه ما كان يتكلف عليه الصلاة والسلام، السنة دالة على أنه كان غير متكلف وغير موسوس عليه الصلاة والسلام، بل كان يتوضأ في مدة يسيرة، ويغتسل في مدة يسيرة وليس من جنس أعمال الموسوسين الذين يتنطعون ويتكلفون ويعذبون أنفسهم، بل هو صلى الله عليه وسلم في غاية من الكمال في أخلاقه وأعماله، فما كان يتكلف ولا يتنطع لا في غسله ولا في وضوئه عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الواجب على المؤمن أن يكون بعيداً عن التنطع والتكلف في الوضوء أو الغسل، بل يتوضأ في حالة حسنة ليس فيها تنطع وليس فيها جفاء، بل يتوضأ كما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة أو مرتين مرتين أو ثلاثاً ثلاثاً ولا يزد على ذلك، وهكذا في الغسل: يستنجي، ثم يتوضأ وضوء الصلاة في حال الجنابة، ثم يغتسل يفرغ الماء على رأسه ثلاث مرات ثم على بدنه يبدأ بالأيمن ثم الأيسر.
هذا هو المعروف من فعله عليه الصلاة والسلام، ولم يكن عنده تكلف، ولم يعرف عنه أنه كان يطيل البقاء في الحمام لهذا الأمر، بل كان عليه الصلاة والسلام وسطاً في كل أعماله وأقواله عليه الصلاة والسلام.
المقدم: هل كان غالب أحواله صلى الله عليه وسلم البقاء على الوضوء سماحة الشيخ؟
الشيخ: كان الغالب على أحواله الوضوء عليه الصلاة والسلام، كان يتوضأ لكل صلاة ثم شرع .. السواك، فكان يصلي الصلاتين والأكثر بوضوء واحد، (وفي يوم الفتح صلى عدة صلوات بوضوء واحد فسأله
فالحاصل أنه كان لا يتكلف في الوضوء والغسل ولا يتنطع، وكان ربما صلى الصلوات بوضوء واحد عليه الصلاة والسلام، والغالب عليه يتوضأ لكل صلاة عليه الصلاة والسلام، وربما قضى حاجته ولم يتوضأ كما ثبت في صحيح مسلم (أنه خرج من محل قضاء الحاجة فقدم له طعام فقيل له: أفلا تتوضأ؟ فقال: إني ما أريد الصلاة ثم أكل) فدل ذلك على أنه لا حرج أن يأكل الإنسان وهو على غير طهارة، لكن يستحب إذا كان جنباً أن يتوضأ قبل الأكل قبل النوم.
المقدم: بارك الله فيكم.
سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لكم مستمعي الكرام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر