مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ، وعلى بركة الله نبدأ في استعراض بعض رسائل السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المدينة المنورة، المنشية، باعثها أخونا: ضيف الله عبد الرحمن الصويان ، أخونا له عدد من الأسئلة، في سؤاله الأول يقول: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى أربعين وقت لا تفوته تكبيرة الإحرام كتبت له براءة من النار، وبراءة من النفاق في أي مسجد)؟
والسؤال الثاني شبيه به -شيخ عبد العزيز- يقول: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى أربعين وقتاً في مسجد رسول الله كتبت له براءة من النار، وبراءة من النفاق) نرجو التكرم بالإجابة على هذين السؤالين، جزاكم الله خيراً؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذان الحديثان اللذان ذكرهما السائل وردا ولكنهما ضعيفان لا يصحان عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ذكر أهل العلم فيهما أنهما مضطربان لا يصحان عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلا يعول على ما فيهما.
الجواب: من صام يوم عرفة له أجر عظيم، ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (أن الله يكفر بصوم يوم عرفة السنة التي قبله والسنة التي بعده) يعني: بشرط اجتناب الكبائر كما بينته الأحاديث الأخرى.
الجواب: إذا كنت لم تنو العمرة إلا بعدما جاوزت الميقات فعليك دم، ذبيحة واحدة تذبح في مكة للفقراء؛ لأن الواجب هو الإحرام من ميقات المدينة، وقد تأخرت كثيراً كما ذكرت عمن أخبرك، وأنك تجاوزت الميقات، فالواجب عليك أن تذبح رأساً من الغنم، إما جذع ضأن أو ثني من المعز كالضحية ونحوها في مكة للفقراء، لما أخللت به من الميقات.
أما الطاقية فإذا كنت أزلتها لما خرجت قبل أن تنوي الدخول في العمرة فلا شيء عليك، أو تركتها ناسياً فلا شيء عليك، أما إن تعمدت بقاءها على رأسك بعد الإحرام وأنت تعلم أن هذا محرم عليك وذاكر لذلك فعليك فدية، وهي إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام أو ذبح شاة، أحد الثلاثة، إما هذا وإما هذا وإما هذا، إذا كنت تعمدت بقاءها بعد الإحرام، أما إن كانت بقيت عليك نسياناً أو جهلاً فلا شيء عليك.
المقدم: شيخ عبد العزيز !الفدية الأولى التي تفضلتم بذكرها هل هي لتجاوزه الميقات أو لأنه لم ينو إلا متأخراً؟
الجواب: لتجاوزه الميقات قبل أن ينوي الدخول في النسك.
المقدم: قبل أن ينوي الدخول في النسك؟
الشيخ: في العمرة. أما لفظ التلبية ولو تأخر لفظ التلبية، لكن المقصود نية دخوله في النسك، إذا كان بعدما جاوز الميقات بمسافة فإن عليه الفدية، أما إذا كان في حدود الميقات فلا بأس ولا شيء عليه.
المقدم: إذاً: نية الدخول في النسك غير نية السفر للإتيان بعمرة؟
الشيخ: لا، نية الدخول هي الإحرام.
الجواب: العقود أنواع: فعقد النكاح له شأن، وعقد البيع والإجارة ونحوهما له شأن آخر، فعقد البيع يستحب فيه الإشهاد؛ لأن الله قال: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة:282]، فإذا تبايعا وأشهدا شاهدين، فهذا هو الأفضل، وهذا هو السنة، وإن كان ديناً شرع مع ذلك الكتابة، أن يكتبا العقد بينهما، كما قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282].
فالسنة الكتابة مع الإشهاد، أما إذا كانت تجارة حاضرة كفى الإشهاد، فإن تبايعا من دون إشهاد صح البيع، وفاتتهم السنة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على صحة البيع ولو من دون إشهاد، وإنما هو مستحب.
أما عقد النكاح فله شأن آخر، فلابد من رضا المرأة إذا كانت ثيباً وقد تزوجت أو بكراً على الصحيح من أقوال العلماء ولابد مع هذا من الشاهدين يحضران العقد بحضرة الزوج والولي، أما المرأة فلا يشترط حضورها ولا لازم لحضورها، ما دامت راضية بالعقد فلا يحتاج إلى حضورها، وإنما المطلوب أربعة: الزوج، والولي، والشاهدان، هؤلاء هم الذين يحضرون العقد أربعة: الزوج والولي والشاهدان، فإذا حضر الشاهدان كفى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).
فالمقصود: أنه يزوج المأذون الزوج من جهة الولي بحضرة الشاهدين، فيقول الولي: زوجتك ابنتي، أو أختي، أو ابنة أخي -على حسب حال المنكوحة- ويقول الزوج: قبلت هذا الزواج، والشاهدان يسمعان، هذا إذا كانت الزوجة راضية شاهدين يشهدان برضاها، أو المأذون قد حضرت عنده وعرف رضاها، أو أبوها أخبر بذلك وهو ممن يوثق به ويطمئن إليه كفى ذلك.
أما ما يتعلق بالبكر ففيه خلاف مثل ما تقدم، لكن الصحيح أنه لابد من رضاها، وليس لأبيها أن يزوجها بغير رضاها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والبكر يستأذنها أبوها وإذنها صماتها)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله! كيف إذنها؟ قال: أن تسكت) فلابد من إذنهما جميعاً، الثيب والبكر، ولو كان الولي هو الأب على الصحيح من قولي العلماء، وقال بعض أهل العلم: إن لأبيها خاصة أن يزوجها بغير إذنها؛ لأنه أعلم بمصالحها، لما جاء في بعض الروايات قال صلى الله عليه وسلم: (واليتيمة تستأمر) قالوا: مفهومه أن غير اليتيمة لا تستأمر، والصواب: أن هذا لا مفهوم له، وأن الاستئذان لليتيمة وغير اليتيمة، ولكن نص النبي على اليتيمة لشدة الحاجة إلى استئذانها، وإلا فالجميع يستأذن، فجميع النساء يستأذن، البكر والثيب، اليتيمة وغير اليتيمة، كل يستأمر، هذا هو الصواب.
وإذا زوجها أبوها بغير إذنها وهي بكر وأجازه الحاكم الشرعي مضى؛ لأن الحاكم حكمه يرفع الخلاف، فإذا أجازه بعض الحكام من القضاة أخذاً بقول من قال: إن البكر لا يستأذنها أبوها وأنه أعلم بمصالحها، هذا قول معروف لأهل العلم، وإذا أجازه الحاكم وأمضاه الحاكم ارتفع الخلاف، ولكن لا يجوز لأبيها أن يتساهل في هذا، ولا أن يتعلق ببعض الخلاف في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حكم في الموضوع وهو المشرع عليه الصلاة والسلام، وهو الذي يجب على الأمة أن تأخذ بقوله وتستقيم على شرعه عليه الصلاة والسلام؛ ولأن الأب لا يؤمن قد يتساهل في هذا؛ إما لكونه ابن أخيه أو لأنه أعطاه مالاً كثيراً أو لغير هذا من الأسباب، فلا يبالي بالبنت ولا يرحمها ولا يعطف عليها، ولا يبالي برضاها وعدمه؛ فلهذا جاء الشرع بالاستئذان مطلقاً ولو كان أباها ولو كانت بكراً.
لابد من الاستئذان على الصحيح دفعاً للمضرة عن البنت، وحرصاً على سلامة مطلوبها؛ ولأن الزوج له شأن عظيم فلابد من رضاها به.
المقدم: تتفضلون بإعادة صيغة العقد حتى تبتعد الشبهة عن أخينا لو تكرمت؟
الشيخ: نعم، فالعقد يحضره أربعة: الولي وهو أبوها إن كان موجوداً، أو وكيله إن كان غائباً، فإن كان مفقوداً فابنها إن كان لها ابن كبير مرشد، فإن كان ليس لها ابن ولا أب أخوها الشقيق ثم أخوها لأب، ثم أقرب العصبة، هكذا يتولى العقد أقربهم وأولاهم، الأب إن كان موجوداً ثم الجد إن كان موجوداً بعد الأب بأنفسهما أو بوكيليهما، فإذا عدم الأب والجد مطلقاً صارت إلى الابن ثم ابن الابن، فإن لم يوجد ابن ولا ابن ابن لأنها بنت صغيرة ما لها أولاد زوجها أخوها الشقيق إن كان لها أخ شقيق، فإن عدم فأخوها لأب، فإن عدما فابن أخيها الشقيق، فإن عدم فـابن أخيها لأب، وهكذا الأقرب فالأقرب، وليس لهم جبرها على أحد، بل لابد من رضاها، إلا إذا كانت صغيرة دون التسع فلأبيها أن ينظر في مصلحتها للأب خاصة، أن ينظر في مصلحتها إذا كانت دون التسع، ولا تحتاج إلى إذن في هذه الحالة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة من أبيها بغير إذنها؛ لأنها كانت صغيرة دون التسع، زوجها وهي بنت سبع أو ست سنين.
أما إذا بلغت تسعاً فإنها لا تزوج إلا بإذنها من أبيها وغير أبيها، ويحضره أربعة كما تقدم: الأب الولي مطلقاً، الزوج، الشاهدان، هؤلاء الأربعة يحضرون النكاح، الولي سواء كان أباً أو غيره، الزوج، الشاهدان، أما المرأة لا يشترط حضورها.
ولا يحتاج وكالة، متى شهد الشاهدان برضاها كفى.
المقدم: بارك الله فيكم، إذاً المهم في الموضوع أن يؤخذ رأيها.
الشيخ: لابد من هذا. نعم. ولو كانت بكراً على الصحيح، إلا أن تكون دون التسع فلأبيها خاصة أن ينظر في مصلحتها وأن يزوجها بمن يراه أهلاً لذلك لوجه مصلحة لا للطمع بل لمصلحة البنت نفسها.
الجواب: هذه الآية ذكر علماء التفسير أنها نزلت فيمن جلس بين أظهر المشركين ولم يهاجر من دون عذر، فإنه قد ارتكب إثماً عظيماً بإجماع المسلمين، كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله وغيره، فالملائكة تقول لهم: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء:97] يعني: لماذا لم تهاجروا وتتركوا بلاد الشرك؟
وهذه البلاد التي لا يظهر فيها الإنسان دينه ولا يستطيع أن يظهر دينه، فهذا لا يجوز له الإقامة بينهم، بل يجب عليه أن يهاجر؛ إلا إذا كان عاجزاً لكونه لا يهتدي السبيل، وليس عنده نفقة لمن يدله على الطريق، فهذا معذور؛ لقوله سبحانه: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [النساء:98] لا يستطيع حيلة لعدم النفقة، ولا يهتدون السبيل لعدم دلالة الطريق لو خرجوا : فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء:99] فهؤلاء هم الذين جلسوا في بلاد الشرك ولم يهاجروا مع القدرة، فالله توعدهم بجهنم نسأل الله العافية.
الجواب: نعم يصلى عليه، إذا كان مسلماً يصلى عليه ولو أنه فعل هذه الجريمة، والقصاص كفارة، وهكذا من زنى وهو محصن أو زنت وهي محصنة فقتل بالرجم يصلى عليه، سواء ثبت عليه ذلك بالشهود أو بالإقرار، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على ماعز الذي زنى وهو محصن، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه ثم صلى عليه، وصلى على الغامدية التي زنت وهي محصنة، فأمر برجمها وصلى عليها عليه الصلاة والسلام؛ لأن إقرارهم وتوبتهم له شأن عظيم، التوبة يمحو الله بها الذنوب ثم الحد زيادة من أسباب الكفارة أيضاً.
فالحاصل أن من قتل بحق وهو مسلم يصلى عليه، القصاص حق، وإقامة الحدود حق فيصلى عليهم، وهكذا لو قتل إنسان ظلماً من باب أولى أنه يصلى عليه.
الجواب: نعم، لكن يبقى حق القتيل هذا لحق الله ولحق الورثة، أما حق القتيل فيبقى، وإذا كان القاتل تاب توبة صادقة فالله سبحانه يرضي عنه القتيل بما يشاء سبحانه.
المقدم: أما بقية المعاصي الأخرى فهي كفارة في الدنيا والآخرة القصاص؟
الشيخ: مثل ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أدركه الله في الدنيا كان كفارة له، ومن مات على ذلك مستوراً فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه سبحانه وتعالى).
المقدم: جزاكم الله خيراً، هذا يقع على كل المعاصي؟
الشيخ: نعم، كل المعاصي التي أدرك حدها في الدنيا أو تاب منها في الدنيا تغفر له، أما من مات عليها لم يحد ولم يتب فهذا أمره إلى الله؛ لقوله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
المقدم: بارك الله فيكم، الواقع هذه بشرى إلى أصحاب المعاصي الذين أدركتهم إقامة الحدود في الدنيا، وإذا علموا أن هذا كفارة لذنوبهم لعل الله سبحانه وتعالى أن يهديهم بعد هذا ولا يقترفوا المعاصي مرة أخرى؟
الشيخ: نعم، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع الناس أن لا يشركوا ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا، قال بعد هذا: (فمن أدركه الله في الدنيا -يعني: بالحد ونحوه- كان كفارة له، ومن لم يقم عليه الحد في الدنيا -يعني: من لم يدرك في الدنيا- فأمره إلى الله سبحانه وتعالى، إن شاء غفر له وإن شاء عاقبه سبحانه).
الجواب: نعم، الأطفال مثل الكبار، إذا نوى عنهم وليهم المسئول عنه في السفر كأبيهم أو أمهم أو أخيهم المسئول عنهم في هذا السفر الذي حج بهم، إذا تولى عنهم الإحرام بأن كانوا دون السبع فنوى عنهم الإحرام أو فوق السبع وأمروا بالإحرام يعلمون، فالذي فوق السبع يعلم، يقال له إن كان ذكراً: اخلع الملابس المخيطة والبس إزاراً ورداء واكشف رأسك، وإن كان صغيراً دون السبع كشف رأسه وجرد من القميص والفنيلة مثلاً والسراويل ولف في اللفافة وضبطت عليه حتى يكمل عمرته أو حجه.
وهكذا الكبير الذي فوق السبع يعلمه وليه، يقال له: سو كذا وسو كذا وسو كذا، أما الأنثى فإحرامها في وجهها ما عليها تلبس ما شاءت من الملابس، تحرم في ملابسها العادية، وإذا أحرمت بملابس غير لافتة للنظر -يعني: غير جميلة- يكون ذلك أولى وأفضل حتى لا تلفت النظر، وحتى لا تفتن أحداً؛ لأنها تخالط الناس فقد يبين منها شيء من هذه الملابس التي قد تفتن الناس.
وهكذا الصغيرة تلبس ملابس مناسبة للمقام ليس فيها زينة كثيرة، بل ملابس عادية، وتكشف وجهها؛ لأنها صغيرة، فإذا كانت ممن يغطى وجهه كالمراهقة والكبيرة يغطى وجهها بما معهم من الخمار من دون نقاب، تمنع من النقاب وما يصنع للوجه من الملابس التي تصنع للوجه ويكون فيها نقب للعين أو للعينين، وبعضهم يلفه على الوجه، يجعل غطاءً للوجه على قدره يغطي الأنف والفم والجبهة وتبقى العينان، هذا كله تمنع منه، وتغطي وجهها بالخمار ونحوه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج، وكنا إذا دنا منا الرجال سدلت إحدانا خمارها على وجهها، فإذا بعدوا عنا كشفنا).
الجواب: الواجب عليها طاعة الله ورسوله، ولا يجوز لها طاعة أهلها فيما حرم الله؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إنما الطاعة في المعروف) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، والله سبحانه يقول في كتابه العظيم في شأن النساء: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] ، فالحجاب طهارة لقلوب الجميع، للذكور والإناث، ومن أسباب السلامة من الفتنة، ويقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] والجلباب ما يلبس فوق الملابس العادية ويغطى بالوجه والرأس، ويقول سبحانه وتعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية.
والوجه والشعر من الزينة بل هو أعظم الزينة، وهكذا الصدر وهكذا اليد والقدم ونحو ذلك.
فالمؤمنة تستر نفسها عن الرجال الأجانب، ولو قال لها أهلها: اكشفي، ولو قال لها زوجها: اكشفي، لا تكشف لإخوانه ولا لأقاربه، ولو قال أبوها ذلك أو عمها أو زوجها أو جدها أو غير ذلك، طاعة الله مقدمة، قالت عائشة رضي الله عنها فيما ثبت في الصحيحين عنها قالت في غزوة الإفك قالت لما تأخرت في حاجتها وارتحل القوم، وجاءت إلى مكانهم فلم تجدهم، اضطجعت تنتظر، فإذا بها بصوت صفوان بن المعطل لما رأى السواد قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فسمعت الصوت قالت: فلما سمعت صوته خمرت وجهي وكان قد رآني قبل الحجاب فعرفني فقولها: (فخمرت وجهي وكان قد رآني قبل الحجاب) يبين أن الحجاب الذي شرعه الله لهن ونزل به القرآن من جملته تخمير الوجه؛ ولأن الوجه مجمع الزينة تعرف به المرأة جمالاً ودمامة، ما تعرف بيدها ولا بقدمها، يعرف حسنها وجمالها أو ضده بالوجه، والباقي تبع.
المقدم: جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى، على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا فهد العثمان شكراً لكم جميعاً، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر