إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (271)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أيها المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم إلى هذا اللقاء الجديد من لقاءات هذا البرنامج.

    إخوتي المستمعين الكرام! يسرنا أن نلتقي في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، ليتولى سماحته مشكوراً الإجابة على رسائلكم واستفساراتكم.

    ====

    السؤال: أول سؤال في هذه الحلقة هو تكملة لأسئلة تقدم بها الأخ (م. ب) من جامعة البترول والمعادن بالظهران، وقد سبق أن عرضنا له سؤالاً على سماحة الشيخ عن موضوع، أو مسألة التداوي، وفي هذه الحلقة يقول في سؤاله : قالوا: تكره زيارة القبور للنساء لحديث أم عطية ، وإن علم وقوع محرم منهن حرمت، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور) إلا لغير النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه رضي الله عنهما فتسن زيارتها للرجال والنساء، لعموم الأدلة في طلب زيارته صلى الله عليه وسلم، ما هذه الأدلة، وما رأي سماحتكم في المسألة عامة وفقكم الله؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (أنه لعن زائرات القبور) ثبت من حديث ابن عباس ، ومن حديث أبي هريرة ، ومن حديث حسان بن ثابت الأنصاري ، وأخذ العلماء من ذلك أن الزيارة للنساء محرمة؛ لأن اللعن لا يكون إلا على محرم، بل يدل على أنه من الكبائر، لأن العلماء ذكروا أن المعصية التي فيها يكون لعن أو فيها وعيد بالنار أنها تكون من الكبائر، فالصواب: أن زيارة النساء للقبور محرمة لا مكروهة فقط، والسبب في ذلك -والله أعلم- أنهن في الغالب قليلات الصبر وهن فتنة، فزيارتهن للقبور واتباعهن للجنائز قد يفتن الناس، وقد يسبب مشاكل على الرجال، فكان من رحمة الله سبحانه وتعالى أن منعهن من الزيارة، وحرم عليهن زيارة القبور سداً لذريعة الفتنة بهن، أو منهن، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) وقول بعض الفقهاء: إنه يستثنى من ذلك قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما قول بلا دليل، والصواب: أن المنع يعم الجميع، يعم جميع القبور حتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وحتى قبر صاحبيه رضي الله عنهما، هذا هو المعتمد من حيث الدليل.

    وأما الرجال فيستحب لهم زيارة القبور، وزيارة قبر النبي وقبر صاحبيه عليه الصلاة والسلام، لكن بدون شد الرحل، السنة أن تزار القبور في البلد من دون شد الرحل، لا يسافر لأجل الزيارة، ولكن إذا كان في المدينة زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه وزار البقيع والشهداء.

    أما أن يشدوا الرحال من بعيد لأجل الزيارة فقط فهذا لا يجوز على الصحيح من قولي العلماء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى).

    أما إذا شد الرحل للمسجد النبوي؛ فإن الزيارة تدخل تبعاً لذلك، فإذا وصل المسجد صلى فيه ما تيسر ثم زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وزار قبر صاحبيه، ودعا له عليه الصلاة والسلام، وصلى وسلم عليه عليه الصلاة والسلام، ثم سلم على الصديق رضي الله عنه ودعا له، ثم على الفاروق ودعا له هكذا السنة، وهكذا في القبور الأخرى، لو زار -مثلاً- دمشق أو القاهرة أو الرياض أو أي بلد، استحب له زيارة القبور لما فيها من العظة، النبي عليه السلام قال: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) فيزورها للذكرى والعبرة والدعاء للموتى والترحم عليهم، هذه هي السنة من دون شد الرحل، ولكن لا يزورهم لدعائهم من دون الله؛ فدعاؤهم من دون الله شرك بالله عز وجل، كونه يدعوهم ويستغيث بهم، يذبح لهم، ويتقرب إليهم، يطلب منهم المدد، هذا لا يجوز، هذا من الشرك بالله عز وجل، كما أنه لا يجوز مع الأصنام ومع الأشجار والأحجار فهكذا لا يجوز مع الموتى، فلا يدعو الصنم ولا يستجير به ولا يستغيث به ولا الشجر ولا الحجر ولا الكوكب، هكذا أصحاب القبور، لا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم، ولا يطلب منهم المدد، بل هذا شرك بالله عز وجل، كما قال الله سبحانه: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] قال سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13-14] سبحانه وتعالى، فبين سبحانه أن دعاء العباد للموتى ونحوهم شرك به سبحانه وتعالى، قال: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر:14] فجعل دعاءهم إياهم، دعاء الموتى والاستغاثة بأصحاب القبور شركاً بالله عز وجل، وهكذا قوله سبحانه: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117].

    فسمى دعاء غير الله كفراً، فوجب على المسلم أن يحذر هذا، ووجب على العلماء أن يبينوا للناس هذه الأمور حتى يحذروا الشرك بالله، كثيرٌ من العامة إذا مر بقبور من يعظمهم استغاث بهم، وقال: المدد المدد يا فلان! يا سيدي فلان، المدد المدد أغثني انصرني اشف مريضي، وهذا هو الشرك الأكبر -نعوذ بالله- هذا يُطلب من الله عز وجل، لا من الموتى، ولا من الأصنام، ولا من الكواكب، وإنما يطلب من الله عز وجل، أما الحي فيطلب منه ما يقدر عليه، إذا كان حاضر يسمع كلامك، أو من طريق الكتابة، أو التلفون الهاتف، أو الإبراق له، أو التلكس وما أشبه ذلك من الأمور الحسية، يطلب منه ما يقدر عليه، تبرق له أو تكتب له أو تكلمه بالهاتف، تقول: أقرضني كذا وكذا، أو ساعدني على عمارة بيتي، أو على إصلاح مزرعتي، بينك وبينه شيء من التعاون، هذا لا بأس.

    أما أن تطلب الميت، أو الحي ما لا يقدر عليه، أو الغائب بدون الآلات الحسية، هذا شرك به سبحانه وتعالى، لأن دعاء الغائب من غير الآلات الحسية معناه: اعتقاد أنه يعلم، وأنه يسمع دعاءك وإن بعدت، وهذا اعتقاد باطل، اعتقاد كفر، من اعتقد أن غير الله يعلم الغيب فهذا كفر أكبر، يقول الله جل وعلا: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] أو تعتقد أنه له سر يتصرف في الكون، يعطي من يشاء ويحرم من يشاء؛ لأن الله جعل له سراً في الكون، يتصرف كما يظنه بعض الجهلة، هذا أيضاً شرك أكبر.

    فالزيارة للموتى زيارة إحسان، وزيارة ترحم عليهم، وذكرٍ للآخرة، وللاستعداد للآخرة، تذكر أنك ميت كما ماتوا فتستعد للآخرة، تدعو لإخوانك المسلمين الميتين تترحم عليهم، تستغفر لهم، هذه الفائدة من الزيارة، فيها عظة وذكرى ودعاء للموتى.

    كذلك لا يزور القبور لأجل يجلس عندها يدعو، أو يتصدق عندها لأجل الصدقة عندها، أو للقراءة عندها، هذا غير مشروع، هذا من البدع، لكن يزورها للسلام عليهم، والدعاء لهم، والترحم عليهم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين) هكذا يعلمهم عليه الصلاة والسلام، وإذا زار القبور هو عليه الصلاة والسلام، قال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)هكذا جاء في حديث عائشة ما هذا معناه.

    فالمقصود: أن الزيارة للقبور في الحقيقة إحسان للموتى، وطلب للمغفرة لهم والرحمة لهم، وإحسان لنفسك لأنك تذكر بهذا الآخرة، تذكر الموت حتى تستعد للقاء الله عز وجل، ولكن تكون هذه الزيارة كما تقدم بدون شد الرحل، بل تزورهم من البلد التي أنت فيها، ويكون شد الرحل لغير ذلك، في المدينة شد الرحل للمسجد والصلاة فيه والقراءة فيه ونحو ذلك، وإذا زار المسجد زار القبر -قبر النبي صلى الله عليه وسلم- وسلم عليه وعلى صاحبيه، ويستحب له أن يزور البقيع كذلك، قبور الشهداء، يزور قباء ويصلي فيه أيضاً -مسجد قباء- كل هذا مشروع.

    وهكذا إذا زار بعض البلاد الأخرى لتجارة أو لصديق أو لقريب، استحب له أن يزور القبور حتى يدعو لأهلها، حتى يترحم عليهم، حتى يتذكر بهم الآخرة، حتى يستعد لها، حتى يتذكر الموت، هكذا بين أهل العلم ودلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    إذاً: الخلاصة بالنسبة للنساء أنها ممنوعة على الصحيح مطلقاً، لا لقبر النبي عليه الصلاة والسلام ولا لغيره؛ لعدم الدليل على الاستثناء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088537272

    عدد مرات الحفظ

    777194433