مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: (نور على الدرب) رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين هو: (خ. ن. ج) أخونا يقول: ألاحظ يا سماحة الشيخ! أن هناك كثيراً من الآباء قد أهملوا تربية أبنائهم مما أعاد عليهم بأمور سيئة للغاية، لذلك فإني أطلب من سماحتكم أن تتفضلوا بتوجيه الآباء كيما يهتموا كثيراً بأبنائهم ولا سيما في هذا الزمان جزاكم الله خيراً؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الذي ذكره السائل جدير بالعناية؛ لأن مراعاة الأولاد ذكوراً وإناثاً والعناية بهم وتربيتهم التربية الإسلامية أمر من أهم المهمات، يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، والأمير -الذي على الناس- راع ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، ثم قال: ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) خرجه الإمام البخاري في الصحيح وغيره.
فهذا الحديث العظيم يدل على وجوب العناية بالرعية، وأعظم مسئول في ذلك الإمام الذي على الناس، وهو أمير المسلمين وسلطانهم، يجب عليه أن يرعاهم من كل ما فيه صلاحهم، وسلامة دينهم ودنياهم، والعناية بكل ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، حسب الطاقة والإمكان، وأعظم ذلك العناية في الدين، حتى يستقيموا عليه، وحتى يلتزموا به، وذلك بأداء الواجبات وترك المحارم، كما يجب على كل وال على الناس أن يحكم فيهم شريعة الله، وأن يلزمهم بشرع الله، وألا يحكم فيهم غير شرع الله، وهو مسئول عن ذلك، كما قال جل وعلا: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:92] عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:93]، وكما في هذا الحديث الصحيح: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع ومسئول عن رعيته) نسأل الله أن يوفق ولاة أمر المسلمين لكل ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين جميعاً.
وهكذا كل إنسان مسئول عن أهل بيته، فالأب مسئول عن أولاده، والأم مسئولة عن أولادها، من جهة تربيتهم الإسلامية، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وإلزامهم بالحق، وتركهم ما خالف شرع الله ومن ذلك أمر الصلاة، فإنها عمود الإسلام، فالواجب على الأب أن يعتني بأولاده وهكذا الأم، حتى يستقيموا على الصلاة وحتى يحافظوا عليها في بيوت الله مع المسلمين، يقول الله عز وجل: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، ويقول سبحانه: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، ويقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] والوالدان داخلان في هذا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
والعناية بأمر الصلاة من أسباب الوقاية من النار، للوالد والولد جميعاً، وقال تعالى يخاطب نبيه عليه الصلاة والسلام: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] ويقول عليه الصلاة والسلام: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع).
فالولد ذكراً كان أو أنثى يؤمر بالصلاة إذا بلغ سبعاً، ويضرب عليها إذا بلغ عشراً؛ لأنه بهذا قد ناهز الاحتلام وقارب، وإذا بلغ وجبت عليه عيناً وفرضاً واستحق بذلك إذا تركها أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل من جهة ولي الأمر، فالأمر عظيم، فالواجب على الآباء والأمهات وإخوان الأولاد الكبار وأعمامهم التعاون في هذا الأمر، وأن يجتهدوا في إصلاح الأولاد وتربيتهم التربية الإسلامية، ومن ذلك إلزامهم بالصلاة، وأمرهم بها إذا بلغوا سبعاً، وضربهم عليها إذا بلغوا عشراً وقصروا في ذلك.
وهكذا يؤمرون بما أمر الله به من بر الوالدين، وحفظ اللسان عن السب والشتم والكذب، وعن غير هذا من المعاصي، وعن غير هذا مما حرم الله عز وجل، وهكذا يمنعون من شرب المسكرات والتدخين، حتى لا ينشئوا على هذا الباطل، فيجب على الآباء والأمهات العناية بالأولاد لما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وعليهم أن يمنعوهم مما حرم الله عز وجل حتى ينشئوا نشأة صالحة وحتى يستقيموا على دين الله، فإذا بلغوا فقد عرفوا ما يجب عليهم وما يحرم عليهم، وقد تربوا على الخير وعلى ترك الشر، ولأبيهم وأخيهم وأمهم ومن سعى في هذا الخير له مثل أجورهم، كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
الجواب: الأسفار خطيرة إذا كانت لغير بلاد المسلمين، أما السفر في بلدان المسلمين للمصلحة التي يراها والد الأطفال أو إخوتهم الكبار للحج أو للعمرة، أو لمصلحة يراها والدهم ويصطحب معه أولاده فلا حرج في ذلك مع مراعاتهم من جهة الصلاة وغيرها، أما السفر إلى بلاد الكفرة فهذا أمر لا يجوز، يجب الحذر من سفر الأولاد إلى بلاد الكفرة، لما في ذلك من الخطر العظيم، فالواجب ألا يسافروا إلى بلاد الكفار، ولو كانوا يطلبون العلم أو لأمر آخر يجب منعهم من ذلك وأن يكون طلبهم في بلادهم بين إخوانهم المسلمين، لأن ذهابه إلى بلاد الكفار فيه خطر عظيم، ولو كان باسم طلب العلم، أو باسم الطب، أو بغير ذلك من الأسماء؛ لأن الخطر عظيم والعاقبة وخيمة في الأغلب، فالواجب الحرص على سلامة دينهم وأخلاقهم، وألا يسمح لهم بالسفر إلى بلاد الكفار، وعلى الدولة وفقها الله أن تلاحظ هذا الأمر وأن تعتني به، وإذا دعت الضرورة إلى سفر جماعة لأمر مهم لا يتيسر تعلمه في البلاد فليكن ذلك عن اختيار الطلبة المعروفين بالخير والاستقامة، وأن يكون بصحبتهم من يراقبهم ويعتني بهم ويلاحظهم حتى يعودوا إلى بلادهم سالمين إن شاء الله، أما التساهل في هذا الأمر فلا يجوز أبداً لا من الدولة ولا من غيرها، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
المقدم: جزاكم الله خيراً، فيما يخص الوالدين والأسفار بالذات سماحة الشيخ!
الشيخ: مثلما تقدم، حتى الوالدان الكبيران ليس لهما السفر إلى بلاد الكفار للخطر العظيم، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين) ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله من مشرك عملاً بعدما أسلم أو يفارق المشركين) يعني: حتى يفارق المشركين.
وقد أجمع العلماء رحمهم الله على وجوب الهجرة على من أسلم في بلاد الشرك أن ينتقل إلى بلاد الكفار، وألا يبقى بين المشركين، إلا إذا أظهر دينه وأمن الفتنة، أما إذا كان لا يستطيع إظهار دينه بينهم أو لا يأمن الفتنة على نفسه من الوقوع في الباطل فإنه يلزمه أن يهاجر، ليسلم في دينه وليبتعد عن أسباب الفتنة، والعامة لا يستطيعون إظهار دينهم ولا يعرفون دينهم بالتفصيل ولا يأمنون الفتنة، فالواجب عليهم أن لا يسافروا، وإنما يسافر أهل العلم والبصيرة للدعوة إلى الله وتوجيه الناس إلى الخير، وإدخالهم في الإسلام.
أما العامة وضعفاء العلم والشباب الذين ليس عندهم الحصانة الكافية فليس لهم السفر إلى بلاد الشرك، إلا عند الضرورة بالطريقة التي ذكرنا آنفاً، من طريق ولي الأمر بأن يكونوا مختارين معروفين بالاستقامة، وأن يكون معهم من يلاحظهم ويراقبهم حتى يرجعوا، إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
المقدم: جزاكم الله خيراً، قد يسأل سائل -سماحة الشيخ- عن السفر للتجارة، عن السفر للطب، عن السفر للدعوة إلى الله؟
الشيخ: مثلما تقدم، لا يجوز السفر للتجارة ولا للطب إلى بلاد الشرك إلا ممن عرف دينه وتبصر في دينه ويقوم بالدعوة إلى الله ويأمن الفتنة، أما السفر لمجرد التجارة من جاهل أو عامي أو ليس عنده المعلومات الكافية عن الشرك وأهله وعما يضره في دينه، وعن الأسباب التي تقيه شرهم وفتنتهم، والسلامة من شبههم، فلا يسافر، إنما يسافر أهل العلم والإيمان الذين عندهم البصيرة في دفع الشبه وإزالتها والدعوة إلى الخير، مع المعرفة بوسائل السلامة والبعد عن أسباب الفتنة، وهكذا السفر للطب كما تقدم، إلا من طريقة سليمة يراها ولي الأمر بواسطة طلبة معروفين بالخير والاستقامة، عقلاء قد تعلموا دينهم وتبصروا في دينهم ويكون معهم من يلاحظهم ويعتني بهم ويراقبهم حتى يرجعوا، فهذا لا بأس به عند الضرورة، لمصلحة المسلمين خاصة.
الجواب: منكر ولا يجوز، لا يجوز مطلقاً السفر للسياحة، إنما يجوز السفر لبلاد الشرك إذا كان للدعوة إلى الله من أهل العلم والإيمان والبصيرة، الذين لهم قدم صدق في هذا الباب وعندهم بصيرة ولا يخشون الفتنة على أنفسهم؛ لأن عندهم من العلم والإيمان والبصيرة والاستعداد لكشف الشبه ما يدفعون به عن أنفسهم، وما ينفعون به غيرهم، في دعوتهم إلى الله عز وجل.
الجواب: إذا كان الواقع ما ذكره السائل فإنه يتقدم بهم، ويصلي بهم ويكونون خلفه صفاً أو أكثر، إذا كانوا أبناء سبع فأكثر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع) فابن السبع مأمور بالصلاة ومميز، فإذا كانوا أبناء سبع فأكثر وهم اثنان فأكثر فإنهم يصفون خلف الإمام، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بـأنس واليتيم، فصارا خلفه عليه الصلاة والسلام.
أما إذا كان الصبي واحداً فقط فإنه يصلي عن يمين الإمام، كالرجل الكبير يصلي عن يمينه، كما صلى ابن عباس عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل، وكما صلى أنس عن يمينه لما زار النبي صلى الله عليه وسلم جدة أنس ، فالمقصود أنه إذا كان واحداً ولو كبيراً يكون عن يمين الإمام، أما إذا كان المأمومون اثنين فأكثر ولو لم يبلغوا الحلم فإنهم يصفون خلف الإمام إذا كانوا من أهل الصلاة، وهم أبناء سبع فأكثر.
الجواب: نعم، ليس له التيمم إذا كان يستطيع الوضوء بالماء، والماء موجود، فالصلاة باطلة والتيمم باطل؛ لأن الله يقول: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43] فالواجد للماء لا يجوز له التيمم، إلا إذا كان عاجزاً مريضاً يضره الماء، فهذا الذي رأيته تنصحه وتقول له: لا يجزئك التيمم إذا كنت صحيحاً سليماً لا يضرك الماء، أما لو كان يضره الماء أجزأه التيمم من الفرش التي فيها غبار، ولكن كونه يتيمم من التراب من رحبة المسجد أو غيرها من المواضع التي فيها التراب الطاهر يكون أولى من غبار الفراش، لقوله صلى الله عليه وسلم (وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء) فكونه يتيمم من التربة نفسها أولى من الغبار الذي في الفراش، والغبار يجزئ كما نص عليه أهل العلم، لكن كونه يتيمم من التراب الموجود الطاهر يكون أكمل وأوفق للسنة.
أما إذا كان الرجل عنده مانع من الوضوء لأن به مرضاً يمنعه من استعمال الماء ويضره استعمال الماء؛ فإن التيمم يجزئه والحمد لله.
الجواب: السنة للمؤمن والمؤمنة وضع السترة إذا أراد أن يصلي وهو مفرد أو إمام، يضع السترة أمامه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها) خرجه الإمام أبو داود رحمه الله بإسناد صحيح وغيره، فالسنة له أن يقرب من السترة، وأن تكون قائمة كالعصا، أو كرسي، أو يستقبل جداراً، أو سارية، تكون سترة له، هذا هو السنة، وفي اللفظ الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يجد فليخط خطاً، ثم لا يضره من مر بين يديه). خرجه الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد حسن.
لكن لو صلى إلى غير سترة فإنه لا يمر بين يديه قريباً منه ولكن يمر بعيداً، إذا كان المار بعيداً أكثر من ثلاثة أذرع لا يضره ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما صلى في الكعبة جعل بينه وبين الجدار الغربي ثلاثة أذرع، فدل ذلك على أن هذه المسافة كافية، أما إذا كان له سترة فإنه لا يمر بين يديه وبين السترة، بل يمر من ورائها، ولكن لا يقطع المار الصلاة إلا إذا كان أحد ثلاثة، إما امرأة، أو حمار، أو كلب أسود، هذه هي التي تقطع صلاة الرجل والمرأة جميعاً، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود، قيل: يا رسول الله! ما شأن الأسود من الأصفر والأحمر؟ قال: الكلب الأسود شيطان) وفي لفظ من حديث ابن عباس : (المرأة الحائض) يعني: البالغة.
أما الصبية التي لم تبلغ فلا تقطع، إنما يقطع المرأة الكاملة البالغة المكلفة إذا مرت تقطع، وهكذا الحمار وهكذا الكلب الأسود، أما غيرهم فلا ينبغي مروره، لكن لو مر وغلب لا يقطع الصلاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خص القطع بهؤلاء الثلاثة، ومع ذلك ممنوع أن يمر بين يدي أخيه ولو كان رجلاً، فالمصلي يمنع المار بين يديه سواءً رجلاً أو دابة، أو صبياً أو صبية أو كلباً أو غير ذلك، ولو كان غير أسود، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فلا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله فإنه شيطان) وفي اللفظ الآخر: (فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنه شيطان).
الحاصل أنه يمنع المار بالتي هي أحسن، فإذا لم يتيسر بالتي هي أحسن دفعه بالقوة من غير أن يتعمد قتلاً أو ضرباً يضره ولكن يدفعه بالقوة التي يشعر المار بأن المصلي عازم على رده وواصل دفعه بالصدق والقوة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فليقاتله) يعني: فليدفعه بالقوة، لكن لا يتعمد ضربه بالسلاح أو شيئاً يقتله، ولكن يدفعه بقوة حتى يرجع، ولا يمر بين يديه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بهذا، والحديث صحيح أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين.
الجواب: أما في الصلاة فإنها تكشف وجهها وكفيها ولا حرج، إذا لم يكن عندها أجنبي، تصلي مكشوفة الوجه، هذا هو السنة، وتستر بقية بدنها كرأسها وصدرها وجميع بدنها، ومن ذلك قدماها، عليها ستر الجميع، أما الكفان فإن سترتهما فهو أفضل كما قاله جمع من أهل العلم، وإن أبدتهما فلا حرج في ذلك على الصحيح، وأما الوجه فإنه يكشف في الصلاة وتصلي مكشوفة الوجه إلا إذا كان عندها أجنبي كأخي زوجها، أو زوج أختها أو غيرهما، فإنها تستر وجهها وكفيها وقت الصلاة من أجل غير المحرم.
وهكذا إذا خرجت الأسواق تستر بدنها كله؛ لأنها عورة وفتنة، والله جل وعلا يقول: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] وقال جل وعلا: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية.
والزينة يدخل فيها الوجه والشعر وسائر بدنها، كلها زينة، والوجه أعظم الزينة، وهو مجمع محاسن الخلقة.
أما الأحاديث التي أشار لها السائل في كشف الوجه فكان هذا في أول الإسلام، كانت المرأة تجلس مع الرجال مكشوفة الوجه، ثم أمر الله جل وعلا بالحجاب، ونزلت آية الحجاب التي سبق ذكرها، وهي قوله سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53] الآية، ومن ذلك آية النور: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية.
ومن ذلك قوله جل وعلا أيضاً في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] ومن ذلك في سورة النور يقول سبحانه: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] فإذا كان القواعد وهن العجائز اللاتي لا يردن نكاحاً استعفافهن أفضل وهو تحجبهن، ويجوز لهن عدم التحجب لكونهن عجائز لا يطمع فيهن، فالشابات من باب أولى أن يستعففن وأن يلزمن الحجاب؛ لأنهن فتنة، وذكر القواعد يدل على أن غير القواعد يلزمهن الحجاب والاستعفاف.
فالمقصود أن الأحاديث التي فيها كشف الحجاب، هذه كانت في أول الإسلام، وفي أول مجيء المسلمين إلى المدينة، ثم بعد ذلك أنزل الله آيات الحجاب، ومنع النساء من إظهار زينتهن، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك، لما مر عليها صفوان بن المعطل قد تخلفت عن الغزو، وعائشة ذهبت تقضي حاجة لها، فحملوا هودجها يظنونها فيه لخفتها، فلما رآها استرجع، فلما سمعت صوته خمرت وجهها، قالت: وكان قد رآني قبل الحجاب. فدل ذلك على أنهن قبل الحجاب كن يكشفن الوجوه، وبعد الحجاب أمرن بستر الوجوه.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها في قصة أسماء بنت أبي بكر أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (يا
إحداها: أنه من رواية خالد بن دريك عن عائشة ولم يسمع منها، فهو منقطع.
والعلة الثانية: أن في إسناده سعيد بن بشير وهو ضعيف الرواية.
والعلة الثالثة: أنه من رواية قتادة عن خالد بالعنعنة وهو مدلس، والمدلس لا تقبل روايته إذا عنعن حتى يصرح بالسماع، إلا ما كان في الصحيحين من رواية المدلسين، فإنه محمول على السماع.
وهناك وجه رابع: وهو أنه إذا صح لكان محمولاً على ما كان قبل الحجاب، لكان هذا مع أسماء قبل الحجاب، أما بعد الحجاب فإن المرأة مأمورة بالستر لوجهها وجميع بدنها، لما تقدم في الآيات السابقات، والله ولي التوفيق.
المقدم: جزاكم الله خيراً ونفع بعلمكم.
سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لمتابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر