مرحباً بفضيلة الشيخ عبد العزيز .
فضيلة الشيخ عبد العزيز ! هذه مجموعة رسائل وردتنا من (ع. ل. هـ) من بلاد غامد، وسعيد بن محمد من سلطنة عمان، ويحيى سعد مخيلي الشهراني من بيشة، وربيع الجزار من أبناء مصر ومقيم في العراق.
====السؤال: نبدأ برسالة المستمع (ع. ل. هـ) من بلاد غامد، يقول في رسالته: حججنا حجاً صحيحاً وذهبنا إلى مكة نريد طواف الوداع فلم يمكننا؛ لأن السائق كان غشيم، ولم يمكنه بأن يلقى خط الحرم، فماذا ترون في حجنا هذا خاصة حج والدتي التي حجت عن والدها، هل يلزمنا في هذا شيء أم لا أم حجنا مقبول وفقكم الله؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
طواف الوداع فرض على الصحيح من أقوال العلماء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينفر أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت)، رواه مسلم في الصحيح.
ولما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض)، فهذا يدل على أن طواف الوداع في الحج مفترض ومأمور به، إلا على الحائض ومثلها النفساء فلا وداع عليهما، فالذي خرج ولم يودع بسبب زحمة أو بسبب جهل السائق أو ما أشبه ذلك، كل هذا ليس بعذر، فالواجب عليه أن يرجع فيؤدي طواف الوداع، فإن لم يفعل فعليه فدي يعني: دم يذبح في مكة ويوزع بين الفقراء في أصح قولي العلماء، والفدي قد استقر عليه في السفر، فإذا فدى كفى، وإن رجع وطاف للوداع نرجو أن يكفيه ذلك كما قاله بعض أهل العلم.
وهذا في الحج، أما العمرة فأمرها أوسع، العمرة أمرها أوسع ليس الوداع فيها واجباً على الصحيح، وهو قول الجمهور من نقله أبو عمر بن عبد البر رحمه الله إجماع أهل العلم بأنه لا وداع للعمرة ليس فيها وداع واجب، وذهب بعض أهل العلم إلى أن فيها وداع، والأقرب والأظهر أنه ليس بواجب الوداع فيها؛ لأن الله شرعها في جميع السنة ورغب في تكرارها، ومما يعين على ذلك عدم وجوب الوداع فيها؛ ولأنه لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه ودع لما اعتمر في عام القضاء عمرة القضاء، فدل ذلك على أن المراد بالوداع في الحج خاصة، أما العمرة فأمرها أوسع إن ودع فحسن؛ لأنها حج أصغر، وإن لم يودع فلا شيء عليه، هذا هو الأفضل، وهذا هو الأرجح والأقوى في هذه المسألة.
الجواب: لا شك أن الإفطار في رمضان بدون عذر شرعي كبيرة من الكبائر، ومنكر من المنكرات العظيمة إذا كان من غير عذر شرعي، أما إذا كان بعذر السفر إذا سافروا ما يعد سفراً، وهو ما يعادل ثمانين كيلو تقريباً، أو سبعين كيلو تقريباً، مسافة يوم وليلة تقريباً، بالمطايا والأقدام، فما يعادل ذلك ويقاربه يسمى سفراً، ولا حرج في الإفطار فيه.
أما ما كان في البيت أو في ضواحي البلد ولا يسمى سفراً؛ فهذا الإفطار فيه كبيرة من الكبائر، والذي يعين المفطر على إفطاره شاركه في الإثم؛ لأن الله سبحانه يقول: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فالذي يساعد من أفطر في رمضان بغير عذر بتقديم الطعام أو القهوة أو الشاي أو غير ذلك من الأشربة أو المطعومات؛ آثم مشارك للمفطر في الإثم، لكن صومه صحيح، لا يبطل صومه بالمعاونة، ولكن يكون آثماً وعليه التوبة إلى الله، وعليك أيها الأخ عند غصبك البنت على صنع الطعام، عليك التوبة إلى الله فإنك قد أخطأت حين أمرتها بصنع الطعام له، فهي قد أحسنت وأصابت في عدم طاعته؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والنبي عليه السلام قال: (إنما الطاعة في المعروف)، فإذا أمرها زوجها أن تقدم له طعاماً في الصوم صوم رمضان وهو ليس به عذر ليس بمريض لا عذر له؛ فهذا حرام ومنكر، ليس له الإفطار وليس له أمر زوجته بإعداد فطور له، وليس لها أن تعينه على ما حرم الله، ولو غضب، ولو طلق، لا يجوز لها أن تعينه على ما حرم الله عليه وعليها، وطاعة الله مقدمة على طاعة الزوج وعلى طاعة الأب وعلى طاعة السلطان وعلى طاعة الأمير؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الطاعة في المعروف)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، نعم. الله المستعان.
المقدم: لكن ربما أن الذي قرأناه الآن في رسالة المستمع (ع. ل. هـ) من بلاد غامد يتضح أن الزوج مسافر، وأن زملاءه الذين أتوا إليه مسافرين أيضاً؟
الشيخ: لا، يقول في البيت.
المقدم: إي نعم.
الشيخ: أمرها في البيت بعدما رجعوا.
المقدم: لا هم لا يزالون في سفر في بلاد غامد في سفر؛ لأنه يقول: قدمت لنا بنتي وزوجها زارونا في نهار رمضان، وزاره أيضاً زملاؤه فأصبحوا الجميع مسافرين.
الشيخ: إذا كانوا مسافرين وقد عزموا على الإقامة أكثر من أربعة أيام فإنه يلزمهم الصوم هذا الأرجح، وهو قول جمهور أهل العلم: إذا كانوا قد عزموا على الإقامة أكثر من أربعة أيام عند أصحابهم؛ يصوموا معهم، أما في أقل من أربعة أيام أربعة أيام فأقل فلا يلزمه الصوم إذا كانوا مسافرين، مروا عليهم زواراً فلا يلزمهم الصوم، وإن صاموا فلا بأس ولا حرج، أما إذا كانوا قد أرادوا الإقامة عندهم أكثر من أربعة أيام؛ فالذي ينبغي في هذه الحال هو الصوم خروجاً من خلاف العلماء وعملاً بقول الأكثر، ولأن الأصل الصوم، وشك في إجازة الإفطار.
الجواب: إذا حضرت الصلاة وحضر ما يشوش عليه لغلبة من بول أو غيره؛ فإنه ينفتل وينصرف من المسجد ليتوضأ؛ لأن النبي عليه السلام قال: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)، الأخبثان: البول والغائط، فإذا كانا يدافعانه فيشقان عليه فإنه لا يصلي، بل يرجع إلى البيت حتى يتخلص منهما، ثم يصلي ولو في بيته إذا كان ما يمديه على الجماعة، يصلي في بيته؛ فصلاته في البيت مع الخشوع والسلامة من المدافعة أولى وأفضل من صلاته مع الإمام وهو يدافع الأخبثين، والرسول صلى الله عليه وسلم أراد بهذا العناية بالصلاة وتعظيم شأنها؛ حتى تؤدى على خير وجه، فالمشغول بالبول أو بالغائط قد لا يؤديها على الكمال، وقد يشغل بهذين الأخبثين فلا يؤديها كما ينبغي، لكن لو كان التأثر بهما قليلاً وضعيفاً ما يشوش عليه صلاته؛ فإنه يصلي ثم يخرج ولا يذهب إلى البيت؛ إذا كانت المسألة خفيفة والمدافعة لا تؤثر على صلاته ولا تخل بخشوعه لأنه إنما أحس بذلك شيئاً قليلاً لا يشق عليه، فإنه يصلي، أما إذا كانت المدافعة شديدة وقوية؛ فإنه يخرج من المسجد بل ويقطع الصلاة حتى يفرغ منهما. نعم.
المقدم: لكن في مثل حالة المستمع الذي ذكر أليس من الأجدر أن لا يذهب إلى المسجد إلا عند إقامة الصلاة؛ إذا كان مصاباً بمرض البول؟
الشيخ: هذا أولى به، يعني لا يعجل حتى يكون مجيئه قرب إقامة الصلاة حتى يتمكن من أدائها مع الجماعة ثم يرجع سليماً، هذا ينبغي له أن يلاحظه من أصيب بمثل هذا من كثرة البول أو الريح أو ما أشبه ذلك ينبغي له أن يتحرى قرب الإقامة حتى يتمكن من الأمرين من صلاة الجماعة وسلامة الطهارة.
الجواب: الواجب على أولياء الزوجة أولياء المرأة وأهلها من أم وأخت وخالة ونحو ذلك، أن يساعدوا على الخير وأن يشجعوا على الجمع بين الرجل وأهله، وأن لا يعطلوا المرأة عن زوجها لا قبل العقد ولا بعد العقد، فإذا تم العقد فالواجب البدار بإدخالها على زوجها وتمكينه منها؛ حتى يحصل المقصود بالنكاح من قضاء الوطر وعفة الفرج وغض البصر ووجود النسل والذرية للجميع، هذا هو الواجب، ولا يجوز لأمها ولا لأبيها ولا لأوليائها تعطيلها من الزواج، ولا تعطيلها من دخولها على زوجها بعد العقد، هذا هو الواجب عليهم.
وكثير من الناس -والعياذ بالله- لا يبالي بموليته، ولا يهتم منها بل يعطلها كثيراً؛ إما لخدمتها في بيته، وإما لرعيها غنمه، وإما لغضبه على أمها أو غضبه عليها لأسباب صار ذلك؛ فيظلمها ويتعدى عليها ويحبسها عن الزواج لما في نفسه من الشر عليها أو على أمها أو على إخوتها الخاصين بها أو نحو ذلك، وهذا ظلم وعدوان لا يجوز، بل الواجب عليه أن يتقي الله وأن يبادر بتزويج موليته سواء كان أخاها أو أباها أو عمها وأن لا يعطلها، ثم إذا تم العقد فالواجب أيضاً أن لا يعطلها، بل عليه الولي أن يبادر بإدخالها على زوجها أو إدخاله عليها إن كان الدخول عليها في بيتهم، أما التعطيل فهو منكر، وهذا واقع في كثير من الناس، يعطلون بناتهم وأخواتهم لأسباب خبيثة ظالمة إما لتخدم بيته وتخدم زوجته، أو لتخدمه في رعي غنمه أو لأسباب أخرى، وهذا لا شك أنه منكر وحرام عليه وإثم وظلم.
وبعد العقد كذلك لا يجوز تعطيلها أيضاً، بل يجب البدار بإدخالها على زوجها وتمكينه منها حتى يحصل المقصود من النكاح، والله يقول جل وعلا: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19]، فالظلم قبيح وشره عظيم، ويقول صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)، وحبس النساء عن الزواج -سواء كن بنات أو أخوات أو غيرهن- ظلم وعدوان، وهكذا حبسهن بعد العقد وعدم إدخالهن على أزواجهن ظلم وعدوان، فأرجو ممن يسمع كلامي هذا أن يبلغه غيره، وأن ينصح من يعلم منه هذا العمل الخبيث هذا المنكر؛ فينصحه لله، ويحرضه على تزويج موليته، وعدم حبسها ظلماً وعدواناً.
وعلى ولاة الأمور إذا علموا ذلك أن يعاقبوا من فعل هذا، على القضاة والأمراء وولاة الأمور جميعاً عليهم أن يعاقبوا من عرف بهذا الظلم لموليته؛ فإنه يستحق العقاب ردعاً له ولأمثاله عن هذا الظلم، والقاضي أخص بهذا؛ فإنه يعلم من هذه الأمور ما لا يعلمه غيره، فالواجب على القضاة أن يهتموا بهذا، وأن يحكموا بتعزير وتأديب من يعرف بهذا الأمر رجاء السلامة من هذا الظلم لهؤلاء النساء. نعم، والله المستعان.
الجواب: لا ينبغي للمؤمن أن يقسم بالطلاق ولا بالحرام، فإذا كان ولابد فليقل: والله لأفعلن كذا، أو بالله لأفعلن كذا، وأما إقسامه بالطلاق والتحريم فلا ينبغي، وأقل أحواله الكراهة، لكن هذا الذي أقسم بالطلاق أنه يرفع الأمر إلى رئيس من خصم عليه بعض راتبه، إن كان قصد حث نفسه على الرفع، وإلزامها بذلك؛ فهذا حكمه اليمين وعليه كفارة اليمين، وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، يعشيهم أو يغديهم أو يعطيهم على نصف الصاع من التمر أو الأرز من قوت البلد مقداره كيلو ونصف، أو يكسوهم كسوة تجزئهم الصلاة من قميص أو إزار ورداء، ويكفي ذلك.
أما إن كان هذا الذي أقسم بالطلاق أراد إيقاع الطلاق، وأنه إن لم يرفع فإن زوجته تطلق منه؛ أراد إيقاع الطلاق بها إن لم يرفع إلى رئيس هذا الموظف، فإن كان قصد الطلاق يعني: قصد إيقاع الطلاق إن لم يفعل فإنه يقع به طلقة واحدة، هذا هو الراجح، إذا قال: عليه الطلاق بالثلاث، فالصواب من أقوال العلماء أنه يقع به طلقة واحدة، ويراجعها في العدة إذا كان ما قبلها طلقتان، إذا كان لم يطلق قبل هذا طلقتين؛ فإنه يقع بهذا طلقة واحدة، وله مراجعتها ما زالت في العدة، ويشهد شاهدين يقول لهما: أشهدكما أني راجعت امرأتي فلانة ويكفي.
أما إن كان ما أراد إيقاع الطلاق على زوجته، إنما أراد حث نفسه وإلزامها بالشكوى، ولم يرد إيقاع الطلاق بزوجته أبداً، فهذا ليس فيه إلا كفارة اليمين.
المقدم: شكراً لكم.
أيها السادة المستمعون! إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا، الذي عرضنا فيه رسالة الأخ (ع. ل. ح) من بلاد غامد، يسأل عن الحج بلا وداع، وإجبار المرأة بعمل أكل لإفطار الصائم في نهار رمضان، ورسالة سعيد بن محمد من سلطنة عمان، ويحيى سعد مخيلي الشهراني من بيشة يسأل عن تعطيل الزوج من زوجته، ورُبيِّع الجزار من أبناء مصر ومقيم بالعراق يسأل عن الحلف بالطلاق.
عرضنا الأسئلة والاستفسارات التي وردت في رسائلهم على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً لفضيلة الشيخ عبد العزيز ، وشكراً لكم أيها السادة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر