أيها المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في لقائنا هذا الذي نعرض فيه ما وردنا من أسئلة واستفسارات عبر رسائلكم على فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
مرحباً بفضيلة الشيخ عبد العزيز .
فضيلة الشيخ عبد العزيز ! لدينا مجموعة من أسئلة السادة المستمعين لعلنا نتمكن في لقائنا هذا من عرض رسالتين نظراً لطول الأسئلة ولأهميتها، والرسالتان لـصالح بن محمد الصالح من سدير، والمرسلة أميرة محمود من كركوك بالعراق.
====السؤال: صالح بن محمد الصالح من سدير يقول في رسالته: بسم الله الرحمن الرحيم، فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ! أدامه الله وأمد في عمره على زيادة عمل صالح وفائدة للمسلمين، وبعد: فإني أسألكم عن أمور تهمني في الصلاة أرجو أن أجد إجابات لها منكم شافية كافية مبسوطة وفقكم الله.
يقول في السؤال الأول: ما حكم من وجد الإمام راكعاً في الهواء فكبر تكبيرة الإحرام ثم أدخل تكبيرة الركوع فيها، هل تصح صلاته أم لا؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فإن من أدرك الإمام راكعاً تجزئه أي: التكبيرة الأولى في أصح قولي العلماء؛ لأنها هي الفريضة العظمى وهي الركن الأعظم ولا تنعقد الصلاة إلا بها، أما تكبيرة الركوع فهي قيل بوجوبها وقيل بسنيتها، فهي أدنى من التكبيرة الأولى، فإذا ضاق الوقت أجزت التكبيرة الأولى وهي العظمى وهي الركن عن التكبيرة الثانية تكبيرة الركوع، وإن أتى بهما جميعاً فذلك أفضل وأحوط، ثم يركع يكبر الأولى وهو قائم ثم يكبر منحطاً للركوع وهذا هو الكمال، وإن لم يكبر الثانية واقتصر على الأولى أجزأه ذلك على الصحيح.
الجواب: أما الإمام والمنفرد فإن صلاتهما تبطل إذا لم يقرأا فاتحة الكتاب للحديثين المذكورين، وأما المأموم ففيه خلاف؛ فإن تعمد تركها مع العلم بما جاء في السنة ومع اعتقاده أن معناهما لا معارض له فإن صلاته تبطل في أصح أقوال أهل العلم، أما إن ترك قراءتها لأنه اجتهد ورأى أنها في المنفرد وفي الإمام أو جهلاً منه بالحكم الشرعي فإن صلاته تكون صحيحة؛ لأنه لم يتعمد فعل ما حرم الله ولا ترك ما أوجب الله، بل تركها إما اجتهاداً وإما جهلاً بالحكم الشرعي، فهذا صلاته صحيحة، أما من يعلم الحكم الشرعي ويعتقد أنها تجب عليه ثم تركها عمداً فهذا تبطل صلاته؛ لأنه خالف اعتقاده وخالف ما يعلم أنه حق، ولا شك أن قراءتها مهمة جداً، واختلف العلماء في وجوبها والأرجح أنها تجب على المأموم لعموم الأحاديث في ذلك، فلا ينبغي له تركها بل الواجب عليه أن يقرأها، لكن لو تركها نسياناً أو جهلاً أو لم يدرك القيام بل جاء والإمام راكع فإن صلاته صحيحة والركعة تجزئه ولا يلزمه قضاء الركعة التي أدرك الإمام في ركوعها، هذا هو الصواب الذي عليه جمهور أهل العلم.
المقدم: لكن لا تختلف الصلاة الجهرية عن السرية؟
الشيخ: لا، مطلقاً؛ سواء جهرية أو سرية، والحجة في هذا ما رواه البخاري في الصحيح من حديث أبي بكرة الثقفي أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع معه ولم يقرأ الفاتحة بل فاته القيام، فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف فدخل في الصف والإمام راكع.
المقصود أنه جاء والإمام راكع فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف فدخل فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد)، ولم يأمره بقضاء الركعة، فدل ذلك على أن من أدرك الإمام راكعاً أجزأته الركعة وسقطت عنه قراءة الفاتحة؛ لأنه معذور بفوات القيام، وهكذا من جهل الحكم الشرعي أو نسي الفاتحة وهو مع الإمام يتحملها عنه الإمام كالجاهل.
الجواب: هذه الجلسة تسمى عند الفقهاء: جلسة الاستراحة، وهي جلسة خفيفة كان النبي يفعلها صلى الله عليه وسلم بعد الركعة الأولى وقبل قيامه للثانية، وهكذا بعد الثالثة قبل قيامه للرابعة، رواها عنه مالك بن الحويرث في البخاري ، ورواها عنه أيضاً أبو حميد الساعدي ، والحديثان صحيحان وهما دالان على أنها سنة، وقد جاء في حديث أبي حميد الساعدي أنه يجلس مثل جلسته فيما بين السجدتين، هذا هو الأفضل فيها وهي جلسة خفيفة ليس فيها ذكر وليس فيها دعاء، وإذا كان ذلك معلوماً من النبي صلى الله عليه وسلم فإن الصحابة لا يسبحون به؛ لأنهم يعلمون أنه يفعل ذلك، فلا يقال إنها لو كان يفعلها مثل جلوسه بين السجدتين لسبح به، ما دام أنه يفعل ذلك وهم يعلمون أنه يفعل ذلك فإنهم لا ينبهونه لعلمهم بأن هذا شيء يفعله عليه الصلاة والسلام ويعتاده.
والحاصل أنها سنة وليست واجبة، سنة وليست واجبة، هذا هو الصحيح، وقال بعض أهل العلم: إنها سنة في حق العاجز كالمريض والشيخ الكبير والثقيل من أجل السمنة ونحو ذلك، والأرجح أنها سنة مطلقاً، وإذا تركها بعض الأحيان فلا بأس. نعم.
المقدم: ولكن هيئة الجلوس بين السجدتين..
الشيخ: بين السجدتين هذا هو الأفضل، بين السجدتين نعم، وهذا هو الثابت في حديث أبي حميد الساعدي الأنصاري رضي الله عنه.
الجواب: هذا منكر وحرام عليه لا يجوز له ذلك بل الواجب أن يصلي الصلاة في وقتها هذا هو الواجب، كما قال الله سبحانه: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، فهي موقوتة على المؤمنين، يعني مفروضة في أوقاتها، فالواجب على المؤمن أن يصليها في الوقت، وليس له تأخيرها إلى ما بعد الوقت، لا الرجل ولا المرأة، يجب عليهما جميعاً أن تفعل الصلاة في الوقت، فالظهر في وقتها والعصر في وقتها والمغرب في وقتها والعشاء في وقتها والفجر في وقتها، وليس لأحد أن يؤخر الفجر إلى بعد طلوع الشمس، وليس لأحد أن يؤخر المغرب إلى غروب الشفق، وهكذا ليس له أن يؤخر الظهر إلى وقت العصر، ولا أن يؤخر العصر إلى أن تصفر الشمس، كل هذا لا يجوز، وعلى من فعل ذلك التوبة إلى الله والرجوع إليه سبحانه وتعالى، وقد قال بعض أهل العلم: إنه يكفر بذلك، ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفر بذلك؛ لأنه أخرجها عن وقتها الشرعي.
فالحاصل أن هذا منكر عظيم يجب الحذر منه وأن يجتهد المؤمن والمؤمنة في فعل الصلاة في وقتها بكل عناية، هذا هو الواجب.
الجواب: إذا صلى المسلم أو المسلمة في ثوب فيه نجاسة سواء كان الثوب سراويل أو قميصاً أو إزاراً أو كان فنيلة أو غير ذلك ولم يذكر إلا بعد الصلاة فإن صلاته صحيحة على الصحيح، وهكذا لو صلى في ثوب نجس ثم لم يعلم بذلك إلا بعد الصلاة فإن جهله عذر كالنسيان، فإذا صلى في ثوب نجس أو ناسياً أو جاهلاً حتى فرغ من صلاته فإن صلاته صحيحة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم في نعل فيها قذر فنبهه جبرائيل على ذلك فخلعهما ولم يعد أول الصلاة بل استمر في صلاته، فدل ذلك على أن أولها صحيح، فهكذا إذا لم يعلم إلا بعد فراغه منها فصلاته صحيحة لهذا الحديث، حديث (أنه صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه وفيهما قذر، فنبهه جبرائيل على ذلك فخلعهما ثم استمر في صلاته) فدل ذلك على أن أولها صحيح بسبب الجهل، فهكذا الناسي وهكذا من فرغ منها وكملها ناسياً أو جاهلاً بالنجاسة التي في ثوبه أو في نعله فإن صلاته صحيحة، لكن لو ذكر في أثناء الصلاة فخلع أجزأته الصلاة أيضاً كما خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه واستمر في صلاته، فلو كان في بشته نجاسة أو في غترته نجاسة أو في إزاره نجاسة فخلعه وعليه ثوب يستر عورته، عليه قميص يستر عورته فخلع إزاره الذي فيه النجاسة أو سراويله في الحال أجزأته صلاته. نعم.
المقدم: لكن إذا كان عالماً بالنجاسة قبل الصلاة وكان هذا التفريط منه؟
الشيخ: ثم نسي يعني؟
المقدم: نعم.
الشيخ: ولو، إذا كان عالماً ثم نسي صحت صلاته، أما لو تعمد الصلاة بطلت صلاته. نعم.
الجواب: إذا كان قصدها المساجد فلا يجوز، في هذه الحالة لا تدخل المسجد، النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)، فلا تزورها لقراءة القرآن فيها أو الجلوس فيها،لا، لكن لو مرت بالمسجد لحاجة مرور عبور لتأخذ منه حاجة مصلى أو كتاب أو لتنبه أحدهم في المسجد نائم تدعوه أو ما أشبه ذلك فلا بأس؛ لأن الله قال: ِإلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة وهي حائض أن تناوله الخمرة من المسجد، والخمرة حصير في المسجد أمرها أن تناوله إياها، قالت له عائشة : (يا رسول الله! إني حائض. قال: إن حيضتك ليست في يدك)، فأمرها أن تأتي بالخمرة من المسجد وهي حائض؛ لأنه مرور.. عبور فلا حرج في ذلك إن شاء الله، إما إن كانت تقصد أماكن أخرى غير المساجد فلابد من بيانها، ما هي الأماكن المقدسة؟ المقابر لا تزورها المرأة، المرأة لا تزور القبور، الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن زائرات القبور) ولا يقال فيها مقدسة، ولا أعلم شيئاً غير المساجد تمنع منه، إنما الممنوع المساجد، أما أي مكان تزوره المرأة لحاجة فلا بأس، ولا يقال في شيء: مقدس، إلا بدليل، فالمساجد مقدسة منزهة عن النجاسات فيقال لها مقدسة من هذا المعنى، وأما بيوت الناس أو المقابر فلا يقال لها مقدسة.
الجواب: لا، هذا غلط، ما يسمى مقدس، هذا غلط، ولا يقال في غار ثور ولا في حراء ولا في مولد فلان: إنه مكان مقدس؛ لأن الرسول ما قدسه صلى الله عليه وسلم، لما أنزل الله عليه النبوة لم يزر حراء بعد ذلك، ولم يصل في حراء بعد ذلك، ولم يدع إلى زيارته ولا زاره الصحابة، فدل ذلك على أنه غير مقدس ولا يزار، هكذا غار ثور ما زاره بعد ذلك ولا زاره الصحابة، فدل على أنه غير مقدس ولا يزار ولا يستحب أن يزار، كذلك في المدينة إنما يزار مسجده صلى الله عليه وسلم ويصلى فيه، وهكذا مسجد قباء ويصلى فيه، هكذا البقيع يزار الموتى للسلام عليهم من الرجال خاصة، هكذا شهداء أحد يستحب أن يزاروا للسلام عليهم والدعاء لهم من الرجال، لكن ما يقال في المقابر: إنها مقدسة؛ لأن هذا لا دليل عليه، ولكن تزار للدعاء لأهلها والترحم عليهم وأخذ العبرة والذكرى، والقبور فيها عظة وذكرى، فالمسلم يزورها للسلام عليهم والدعاء لهم والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه في ذلك، ولكن لا يزورها ليدعو عندها أو يصلي عندها لا، هذا منكر، ولا يزورها أيضاً ليقرأ عندها هذا غير مشروع، ولكن يزورها للسلام عليهم والدعاء لهم كالبقيع في المدينة، شهداء أحد في المدينة، والمعلاة في مكة وسائر القبور في كل بلد يزورها المسلم للسلام عليهم والدعاء لهم لكن من دون شد رحل، لا تشد لها الرحال إنما يزورها إذا كان في بلدها، هذا هو المشروع، والنساء لا يزرن القبور لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (لعن زائرات القبور)، ولأنهن فتنة وصبرهن قليل، فمن حكمة الله أن نهاهن عن زيارة القبور وحرم عليهن ذلك. نعم.
وليس في المدينة أشياء تزار غير ما عرفت، أما الآبار والجبال والمساجد الأخرى فلا تشرع زيارتها وليست زيارتها عبادة، إنما الذي يزار في المدينة أربعة أشياء: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه والقراءة والدعاء، مسجد قباء للصلاة فيه كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، البقيع قبور البقيع للسلام عليهم والدعاء لهم، شهداء أحد للدعاء لهم والسلام عليهم، وهكذا بقية القبور في أي مكان تزار من دون شد رحل، للذكرى والعظة، أما الموالد فلا تزار وليست مقدسة، والمولد محل المولد فلان أو فلان النبي صلى الله عليه وسلم أو علي أو غير ذلك لا يشرع زيارتها ولا موالد غيرهما من الناس، يعني أي مولد لا تشرع زيارة محله، لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا علي ولا العباس ولا فاطمة ولا غيرهم؛ لأن هذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، فدل ذلك على أنه بدعة، والنبي عليه السلام قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، فعلى المسلم أن يتحرى الشرع ويأخذ به ويدع ما خالف ذلك في أي مكان، هذا هو طريق النجاة وهذا هو سبيل السعادة وهذا هو الذي قاله أهل العلم وأهل البصيرة.
المقدم: شكراً، أثابكم الله.
أيها السادة! إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا الذي عرضنا فيه رسائل السادة صالح بن محمد الصالح من سدير، والمرسلة أميرة محمود من كركوك بالعراق.
عرضنا ما وردنا في رسائلهم من أسئلة واستفسارات على الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
شكراً للشيخ عبد العزيز وشكراً لكم أيها السادة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر