أيها الإخوة الكرام! نحييكم في هذا اللقاء الجديد مع فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
والذي يسرنا أن يكون ضيف حلقتنا هذا اليوم ليتولى الإجابة على أسئلتكم جزاه الله خير الجزاء.
====
السؤال: هذه في البداية رسالة موجهة من السائل عبد الرحمن علي ناجي اليماني يقول: رجل طلق زوجته ثلاث طلقات ثم استرجعها وعاشت معه عدة سنين، ثم طلقها مرة أخرى ثلاث طلقات فبقيت في منزل والدها شهرين ثم استرجعها بعد ذلك بدون عقد جديد ومن غير أن يتزوجها رجل آخر، فهل استرجاعه لها صحيح بهذا الشكل أم أن عشرتهم محرمة أفيدونا بارك الله فيكم؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه المسألة مسألة عظيمة وخطيرة، ونرى أن على السائل أن يراجع مع المرأة ووليها القاضي الذي لديه في اليمن حتى ينظر القاضي في الموضوع ويحل المشكل ويخبرهم بما يجب إن شاء الله، ولا يكفي أن يجاب عنها من طريق الإذاعة.
وذات يوم ألحيت عليه في ذلك فقال لي: إذا استمريت على هذا الوضع فالباب مفتوح، وعندها طلبت منه الطلاق، ومرة أخرى أيضاً وتقريباً لنفس السبب قال لي: لا تكلميني إلى يوم القيامة، فما رأيكم في هذا الرجل وفي كلامه الذي قاله في مناسبتين في الأولى قوله: الباب مفتوح، وفي الثانية: لا تكلميني إلى يوم القيامة، هل يعتبر هذا طلاقاً أم ماذا؟ وهل يجوز لي البقاء معه على هذا الحال؟
الجواب: هذا الرجل لا يجوز البقاء معه، مادام يترك الصلاة كما ذكرت فهو بذلك كافر وبئس القدوة أبوه، إذا كان أبوه لا يصلي فبئس القدوة، ولا يجوز أن يقتدى بالكافر الذي لا يصلي أو يسب الدين أو يأتي بناقض من نواقض الإسلام أو بمعصية من معاصي الله، كل هؤلاء لا يقتدى بهم، هذا الرجل كافر اقتدى بكافر على حسب قوله، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) خرجه مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).
والأصح من أقوال أهل العلم أن من تركها تهاوناً وكسلاً فهو كافر وإن لم يجحد وجوبها، وإذا كان هذا الرجل يجحد وجوبها صار كافراً بالإجماع، وبكل حال فهذا الرجل رجل سيئ وكافر بترك الصلاة في أصح أقوال أهل العلم، فلا يجوز لك البقاء معه بل يجب عليك أن تفارقيه ولا تمكنيه من نفسك، وقولها: الباب مفتوح، هذه كناية إذا أراد بها الطلاق معناها: اخرجي أنت طالق، فهي طلاق، وإذا كان ما أراد الطلاق فليست بطلاق، لكن بكل حال حتى لو لم يطلق ما ينبغي لك البقاء معه بل يجب عليك فراقه وأن تتركيه وتذهبي إلى أهلك وأولادك معك وليس له حق في الأولاد لكفره، فأنت أولى بأولادك، وهو رجل سيئ قد تعاطى كفراً بالله عز وجل فعسى الله أن يتوب عليه، فإذا تاب وأنت في العدة ورجع إلى الله وأناب إليه وندم على ما فعل وصلى فلا بأس بالرجوع إليك مادمت في العدة، أما بعد العدة فلا إلا بنكاح جديد.
الجواب: هذا فيه طلاق وظهار، فقوله: أنت طلقانة هذا يحسب واحدة إذا كان ما قبلها طلقتان فهذه واحدة يراجعها في العدة، والسنة يشهد شاهدين على ذلك أنه راجع زوجته مادامت في العدة، والعدة ثلاث حيض، فإذا راجعها قبل أن تحيض ثلاث حيض إذا كانت تحيض فلا بأس، وإن كانت لا تحيض لكبر سنها فعدتها ثلاثة أشهر، إذا مضت الثلاثة انتهت من العدة.
وعليه مع هذا كفارة الظهار، لقوله: أنت كظهر أمي، فإذا كفر كفارة الظهار حل له الاتصال بها بالجماع وغيره، وكفارة الظهار عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من تمر أو حنطة أو أرز قبل أن يمسها قبل أن يقربها، وعليه التوبة إلى الله منه؛ لأنه منكر من القول، التحريم منكر الظهار منكر فعليه التوبة إلى الله من ذلك.
أما شدة الغضب فهذا فيه تفصيل، لكن هذا هو الجواب عما وقع منه، وإذا كان لدى السائل قاضي في بلده ففي إمكانه أن يتصل بالقاضي ويشرح له أسباب الغضب هو والمرأة ووليها وإن كان قريب فبإمكانه أن يتصل بنا إذا كان قريباً يتصل بنا حتى ننظر في أمره من جهة شدة الغضب وأسبابه، وإلا فهذا جوابه عما وقع منه إذا ترك البحث فيما يتعلق بشدة الغضب.
الجواب: الواجب على هذا الرجل ألا يفرض نفسه على الناس بل يشاورهم إن أرادوه تقدم بهم، وإن لم يريدوه ترك، والواجب عليه أيضاً أن يقدر من خلفه، فإذا كان من خلفه أقرأ منه وأعلم منه فالواجب أن يكونوا مقدمين عليه؛ لأن الرسول عليه السلام يقول: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً -وفي رواية: سناً-) فلا يجوز له أن يفرض نفسه عليهم، بل يجب عليه أن يدع هذا الأمر شورى بينهم فإذا رأى أعيان الجماعة وخواصهم تقديمه تقدم، وإن رأوا تقديم غيره من هو أفقه منه أو أقرأ منه فذلك هو الأولى والأفضل وليس له أن يفرض نفسه على الناس.
وإذا كان للمسجد مسئول من الأوقاف أو غير الأوقاف فالمسئول هو الذي ينظر في الأمر، الأوقاف تنظر أو المسئول على المسجد الذي هو الوكيل عليه أو القائم عليه، كونه هو الذي بناه وعمره.
المقصود إذا كان له مسئول فالمسئول ينظر في الأمر، وإذا كان ليس له مسئول فالجماعة ينظرون في الأمر ويختاروا من هو أفضل في دينه وتقواه وأفضل في علمه وقراءته، ولا يقبلوا من أحد أن يفرض عليهم نفسه، والصلاة صحيحة، إذا صلى بهم لكنه على خطر؛ لأنه جاء الوعيد في حق من أم قوماً وهم له كارهون، فلا ينبغي له أن يؤم قوماً يكرهونه فهو على خطر، فالصلاة صحيحة لكنه قد خاطر بنفسه فينبغي له الحذر والبعد عن مثل هذا الأمر إلا برضا الجماعة وتقديمهم له.
الجواب: نصيحتنا أن تكون الفضلات من الطعام من لحوم وخبز وغير ذلك تكون في كراتين خاصة، وعلى البلديات في كل مكان أن تجعلها في مكان خاص، تأخذها وتجعلها في مكان خاص للدواب ومن احتاج إليها، أو في البرية تجعلها في محل خاص في البرية يأتيها دواب تأكلها، يأتيها من يأخذها لدوابه، ولا تجعل مع القمامات النجسة، فأهلها أنفسهم أولاً يجعلونها في كراتين خاصة على حدة لا مع القمائم الأخرى من النجاسات، وعلى البلديات في كل مكان أن تلاحظ هذا الأمر وأن تعتني به وتجعله في أمكنة خاصة في البرية أو في أي مكان تراه حتى يأخذه من أراده من الناس أو حتى تأتي الدواب فتأكله. نعم.
المقدم: إنما ليس عليهم إثم في عملهم هذا؟
الشيخ: لا يجوز لهم، ما يجوز خلطها مع النجاسات. ليس لهم ذلك، بل يأثمون بذلك.
الجواب: الميت في حاجة إلى الدعاء والصدقة، وأحسن ما يفعل مع الميت الدعاء، الدعاء له بظهر الغيب، الدعاء له والترحم عليه، وسؤال الله سبحانه أن يغفر له وأن يتغمده بالرحمة، وأن يعفو عنه وأن يرفع درجاته في الجنة.. ونحو هذا من الدعاء الطيب.
والصدقة كذلك، الصدقة بالنقود بالطعام بالملابس بغير هذا من أنواع المال، كل هذا ينفع الميت، وهكذا الحج عنه، وهكذا العمرة عنه، كل هذا ينفع الميت، وإن كان عليه ديون وجب البدار بقضائها من ماله إن كان له مال، وإن كان ما له مال شرع لأوليائه من ذريته وقراباته أن يوفوا عنه، فالوفاء عنه من أعظم الصدقات عليه، كل هذا مطلوب.
أما القراءة فلا، لم يأت ما يدل على شرعية ذلك، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن القراءة تنفع الميت ولكن ليس عليه دليل فالأولى ترك ذلك؛ لأنه ليس هناك دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه في أن القراءة تصل إلى الميت وأنه يقرأ له ويثوب له، هذا ليس عليه دليل واضح، فالأولى والأفضل والأحوط ترك ذلك.
ولكن يدعى للميت.. يستغفر له.. يترحم عليه.. يتصدق عنه بالمال بأنواع المال، يحج عنه، يعتمر عنه، يوفى عنه الدين كل هذا شيء ينفع الميت، ويأجر الله هذا وهذا الميت ينتفع والفاعل من الأحياء يؤجر على ذلك أيضاً.
وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن رجلاً سأله قال: (إن أمي ماتت فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم.) فالصدقة عن الميت تنفعه بإجماع المسلمين، وهكذا الدعاء له بإجماع المسلمين ينفعه، والله المستعان. نعم.
المقدم: والصلاة والصيام؟
الشيخ: الصلاة ما هي بمشروعة، لا يصلى على الميت، لم يشرع هذا، وهكذا القراءة، أما الصيام فإذا كان عليه صوم يصام عنه.
المقدم: صوم الواجب؟
الشيخ: من مات وعليه صيام بأن فرط عليه صيام ولم يصم يصام عنه، يصوم عنه أولياؤه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) فيصوم عنه ولده الذكر أو الأنثى أو زوجته أو غيرهما من قراباته، هذا طيب وينفع الميت.
قد سأل جماعة النبي صلى الله عليه وسلم عن أنواع من الصوم فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أرأيتم لو كان على فلان دين أكنت قاضيه؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفا) فشبهه بالدين، سواء كان صوم رمضان أو كفارة أو نذر كله يصام عنه على الصحيح، ولو كان صوم رمضان ولو كان صوم الكفارة، وقال بعض أهل العلم: إنما يصام عنه النذر خاصة، ولكن هذا قول ضعيف، والأحاديث الصحيحة تدل على خلافه، الأحاديث الصحيحة دالة على أنه يصام عنه حتى رمضان، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) أخرجه الشيخان في الصحيحين.
وفي الصحيح عن عدة من الصحابة (أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم من مات وعليه صوم شهر؟ بعضهم قال: صوم شهرين، أنصوم عنه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صوموا عنه) وشبهه بالدين ولم يستفصل هل هو رمضان؟ هل هو كفارة؟ هل هو نذر؟ فدل ذلك على أن الأمر عام يعم الكفارة ويعم النذر ويعم رمضان.
وفي مسند أحمد بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة قالت: (يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها صوم رمضان أفصوم عنها؟ قال: صومي عن أمك، أرأيت لو كان عليها دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء) وهذا صريح في رمضان وإسناده قوي جيد.
أما إذا كان الميت ما فرط بأن مات في مرضه، فهذا لا صوم عليه عند جمهور أهل العلم فلا يقضى عنه صوم ولا يطعم عنه؛ لأنه غير مفرط معذور؛ لأن الله قال: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] فالذي توفي في مرضه ما أدرك أياماً أخر معذور ليس عليه صيام وليس عليه إطعام، يعني: ليس على ورثته إطعام ولا صيام.
الجواب: إذا كنت أردت الطلاق فهو طلاق، لأن هذا كناية، يسميه العلماء: كناية، فإذا كنت أردت الطلاق بقولك: أنت خالصة، يكون طلاقاً واحداً طلقة واحدة، والمكرر مثل ذلك إذا كنت أردت طلاقاً ثانياً تكون طلقة ثانية، أما إن كنت أردت التأكيد لكلامك الأول ما أردت طلاقاً ثانياً أردت التأكيد أو التفهيم للمرأة فلا يقع إلا واحدة، بالكلام الأول إذا كنت أردت الطلاق.
أما إن كنت أردت طلاقاً ثاني بالتكرار فيقع عليها طلقتان، وإن كنت ما أردت الطلاق قلت: أنت خالصة، ما أردت الطلاق وإنما أردت يعني إزعاجها أو تكديرها وتحزينها أو خالصة من كذا وكذا غير الطلاق ما أردت الطلاق فأنت على نيتك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فأنت على نيتك.
وإذا كان ما قبل هذا طلاق فلك مراجعتها إن كنت أردت طلقة واحدة فقط وأردت بالتكرار التأكيد أو الإفهام فلا يقع إلا واحدة ويبقى لها طلقتان ولك مراجعتها مادامت في العدة، والسنة أن تشهد شاهدين، السنة أن تشهد شاهدين من العدول تقول لهما: اشهدا أني راجعت زوجتي فلانة، مادامت في العدة، فإن لم تحصل مراجعة وهي في العدة فلابد من عقد جديد برضاها بمهر جديد، بشروطه المعتبرة شرعاً، إذا خرجت من العدة وأنت لم تراجع لم تحل لك إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعاً.
أما إن كان قبل هذا طلاق إن كان قبلها طلقتان انتهى الأمر وأنت أردت الطلاق بقولك: أنت خالصة فهذا تمام الثلاث فلا تحل لك إلا بعد زوج، زوج شرعي يطؤها، وإن كان قبله طلقة وأنت أردت بقولك: أنت خالصة أنت خالصة طلقتين تمت الثلاث فلا تحل لك إلا بعد زوج شرعي، زوج شرعي يدخل بها ويطؤها.
وإن أشكل عليك المقام تسأل أهل العلم عندك العلماء الفقهاء تسألهم عما أشكل عليك. نعم.
المقدم: إنما يصح لو راجعها بينه وبينها بالقول أو بالفعل؟
الشيخ: يصح لكن السنة أن يشهد شاهدين.
أما الرجعة بقوله إذا راجعها أو وطئها بنية الرجعة كفى، لكن السنة أن يشهد شاهدين على قوله :إني راجعتها. نعم.
المقدم: إنما على العموم يفهم من هذا أن جميع الكنايات تفتقر إلى اقتران النية؟
الشيخ: لابد من النية.
المقدم: نعم، إذا لم يكن هناك نية فلا يعتبر؟
الشيخ: نعم ، لابد من النية.
الألفاظ التي غير صريحة في الطلاق: أنت خالصة، أنت ما أنت في ذمتي، أنت خارجة من ذمتي، أو ما أشبه ذلك.
المقدم: جزاكم الله خير الجزاء.
إخوتنا الكرام! كان ضيف لقائنا هذا اليوم فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
وقد أجاب مشكوراً على أسئلة الإخوة عبد الرحمن علي ناجي اليماني ، والأخت (ش. ح) من جدة، والأخ البدوي حمد من السودان، وبقية سؤال للأخ ذكري فرج مسعود من جمهورية مصر العربية وبقية أسئلته أجيب عليها في حلقة مضت، وكذلك على سؤال الأخت منيرة الرميح ، والأخ سليم محمد من جمهورية مصر العربية.
أيها الإخوة الكرام! باسمكم جميعاً نتوجه بشكرنا الجزيل إلى فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن باز .
ولكم أيضاً شكرنا على حسن متابعتكم وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر