إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (854)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة من رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: بماذا تنصحون من يقول: أشهد أن محمداً يا رسول الله؟ وهل عبارة يا رسول الله صحيحة أم لا؟ وهل توقع الإنسان في الشرك؟ والبعض أيضاً يقولون: عليك بالنبي، هل تعتبر حلفاً؟

    الجواب: هذا المقام فيه تفصيل إذا قال المسلم: السلام عليك يا رسول الله، أو عليك السلام يا رسول الله، أو صلى الله عليك يا رسول الله وسلم، أو جزاك الله يا نبينا خيراً عما قمت به من البلاغ والبيان والنصح للأمة، فهذا ليس بدعاء للرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو إخبار بالصلاة والسلام عليه، ودعاء له عليه الصلاة والسلام، مثلما نقرأ في التحيات: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، تدعو له بالسلامة والرحمة والبركة، تخصه بهذا وتستحضره في قلبك، تقول: السلام عليك يعني: أدعو لك يا رسول الله بالسلامة والرحمة والبركة.

    وهكذا كما يقول المسلم عند القبور، عند قبره صلى الله عليه وسلم أو غيره: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم يا أهل القبور معناه استحضارهم وأنه يدعو لهم بالسلامة والرحمة والبركة، هذا ليس من الشرك بل هذا جائز ولا شيء فيه.

    أما إذا قال: يا رسول الله! انصرنا على أعدائنا، يا رسول الله! أنا في جوارك، الغوث الغوث، المدد المدد.

    أو قال: عليك بالنبي، يعني: ادعه من دون الله واستغث به، هذا أمر بالشرك.

    أما إذا قال: بالنبي ما أفعل كذا، أو بالرسول ما أزورك أو بالنبي ما أكلمك، هذا يعتبر حلفاً بغير الله، وهو شرك أصغر، كما لو قال: بالأمانة لا أفعل كذا، أو بجاه النبي أو بحرمة النبي أو بحرمة أبيك لا أفعل كذا، أو ما أشبه ذلك؛ هذا كله يسمى حلفاً بغير الله، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت) وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (من حلف بشيء دون الله فقد أشرك) وفي لفظ: (فقد أشرك أو كفر) كلها أحاديث صحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة أن يحفظ لسانه عما حرم الله عليه من الحلف بغير الله كائناً من كان، فالحلف يكون بالله وحده سبحانه وتعالى.

    كما يجب أن يصون لسانه عن دعاء غير الله، من الأموات أو الأصنام أو الكواكب أو الأشجار أو الجن فلا يقول: يا سيدي يا رسول الله! أغثني، أو المدد المدد، أو يا ملائكة الله، أو يا معشر الجن أغيثونا انصرونا، أو يا سيدي البدوي أو يا سيدي علي أو الحسين أو فلان أو فلان أو يا سيدي عبد القادر أغثنا أو انصرنا كل هذا من الشرك بالله، بإجماع أهل العلم والإيمان، أن هذه أمور شركية كما قال الله عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] قال سبحانه وتعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا [الأعراف:55-56] قال سبحانه: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] قال عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] قال سبحانه: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106]، وقال عز وجل: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]، فسمى دعاة غير الله كافرين، وقال عز وجل: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13-14] يعني: نفسه سبحانه وتعالى.

    فأخبر سبحانه أن المدعوين من دون الله من الأموات وغيرهم لا يسمعون دعاء داعيهم إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ [فاطر:14] ما بين ميت وجماد ومشغول بما أمره الله به، كالملائكة والجن، أو مشغولين بحاجاتهم كالجن -بعض الجن- أو غائبين لا يسمعون ليسوا عند الداعي ولا يسمعون دعاءه، ثم بين سبحانه أنه لو سمعوا: لو كانوا حاضرين، لم يستجيبوا لم يقدروا على طلبات الطالبين؛ كلهم مربوبون مخلوقون أمرهم بيد الله سبحانه وتعالى، إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ [فاطر:14] ثم قال: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر:14] هؤلاء المدعوون من دون الله من الأموات والجمادات والأصنام والأشجار والأحجار والملائكة والجن كلهم يوم القيامة يكفرون بشرك المشرك، ويتبرءون منه.

    فالواجب على جميع المسلمين بل على جميع المكلفين في جميع الأرض الواجب عليهم أن يعبدوا الله وحده ويدعوه وحده سبحانه وتعالى وأن يتبعوا رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام فيما جاء به لأنهم خلقوا لهذا، يقول سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وأمرهم بهذا فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، فليس لأحد أن يدعو غير الله من الجن أو الملائكة أو الأموات أو الأصنام أو الكواكب أو غير ذلك، بل يجب أن تكون الدعوة لله وحده والعبادة لله وحده، كما قال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، وقال عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36].

    لكن يجوز دعاء الحي الحاضر القادر فيما يقدر عليه سواء كان هذا مشافهة أو من طريق المكاتبة أو من طريق الإبراق، أو من طريق الهاتف.. أو نحو ذلك من الاتصالات الجديدة التي تمكن الإنسان من الاتصال بمن يريد مشافهة في طلب الحاجة التي يريد كأن يقول: يا أخي فلان! أقرضني كذا وكذا، أو أعني على تعمير بيتي أو على إصلاح سيارتي؛ يخاطبه هذا لا بأس به كما قال الله عز وجل: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15] في قصة موسى فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15] وكان موسى عندها حاضراً قادراً على أن يغيث هذا الإسرائيلي.

    وكما قال سبحانه: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ [القصص:21] يعني: خرج موسى من مصر خائفاً يترقب.. خائفاً من شر فرعون، خوف الإنسان من اللصوص حتى يغلق بابه ويتحرز من شرهم، أو من قطاع الطريق حتى يحمل السلاح، هذا جائز لا بأس به؛ لأنه خوف في محله من المؤذيات طبعاً أو المؤذيات بما يستطيعون كإيذاء الظالم وإيذاء السارق، وإيذاء المتعدي عليك، فتحرزوا من شر الناس حتى لا يتعدوا عليك، أو من شر السباع، أو من شر الحيات ونحوها أو اللصوص، كل هذا مما شرع الله التحرز منه، وهو جائز شرعاً وعقلاً.

    كذلك اقتراضك ممن يسمع كلامك تقول: أقرضني كذا وكذا فلوس أو طعام لحاجتك ثم ترد عليه ما أقرضك إياه هذا جائز من المسلمين ليس فيه شيء، مثلما سمعت في قوله تعالى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15]، وهذا جائز بين المسلمين سواءً كان ذلك مشافهة للشخص الحاضر أو بواسطة الاتصالات المعروفة من هاتف وكتابة وغير ذلك، وإنما الشرك أن تدعو ميتاً أو غائباً بغير الاتصالات المعروفة بل تعتقد فيه السر وأنه يسمع كلامك وينفعك وإن غاب عنك، وإن كان ليس بينك وبينه اتصال حسي معروف لا من طريق الكتابة، ولا من طريق الهاتف، ولا من طريق التلكس مثلاً بل تعتقد أن له سراً كما يعتقد عباد القبور وعباد الأوثان والأصنام هذا هو الشرك الأكبر، وهذا الذي منعه الله ورسوله.

    أما الأشياء العادية بين الناس في تعاونهم بينهم فالله يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2] ويقول سبحانه: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) ويقول صلى الله عليه وسلم: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) فالرسول صلى الله عليه وسلم وضح لنا أن التعاون مطلوب كما وضحه الله في قوله عز وجل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، والنبي صلى الله عليه وسلم وضح ذلك أيضاً فيما تقدم من الحديث: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) ، (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) فالتعاون بين المسلمين جائز بشرط أن يكون ذلك مع حاضرين يسمعون أو بالوسائل المعروفة التي توصل كلامك ومرادك كتابة أو إبراقاً أو من طريق الهاتف.. ونحو ذلك.

    أما دعاء الأموات ودعاء الأصنام ودعاء الغائبين باعتقاد السر فيهم، كدعاء الملائكة أو دعاء الجن فهذا هو الذي نص عليه أهل العلم وبينوا أنه شرك وضلال كما دل عليه كتاب الله ودلت عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، والله ولي التوفيق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534705

    عدد مرات الحفظ

    777184208