إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (897)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم النذر للأولياء من دون الله عز وجل وحكم الأموال التي تجمع عند أضرحتهم

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب.

    رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: أولى قضايا هذه الحلقة قضية بعث بها مجموعة من السادة المستمعين يسألون ويقولون: ما حكم الشرع في الأموال التي تنذر للأولياء وتوضع في صناديق أخر؟ وهل لأحد حق فيها لانتسابه إلى هذا الولي؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فالنذر من العبادات التي يجب إخلاصها لله وحده؛ لأنها التزام المكلف ما ليس لازماً له من جهة الشرع تعظيماً للمنذور له وتقرباً إليه، وهذا لا يصلح إلا لله وحده، فليس لأحد أن يلتزم صلاة ولا صوماً ولا صدقة ولا غير ذلك، لا لملك مقرب ولا نبي مرسل ولا لنجم ولا لشجر ولا لحجر ولا لجني ولا لغير ذلك، فهذه النذور التي يقدمها بعض الجهال إلى الأولياء من أصحاب القبور تعتبر شركاً أكبر كالذبح لغير الله وكالاستغاثة بالأموات كل ذلك من قسم الشرك الأكبر، قال الله عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، قال عز وجل: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قال سبحانه: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270]، المعنى فيجازيكم عليه سبحانه وتعالى.

    فالنذور عبادات وقرب يجب أن تكون لله وحده، ومع ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر قال: (إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل).

    فلا ينبغي للمؤمن النذر، ولكن متى نذر فليكن لله وحده لا لغيره سبحانه وتعالى، فإذا قال: لله عليه أن يصلي كذا أو يصوم كذا أو يتصدق بكذا لزمه الوفاء؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) خرجه البخاري في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، فإذا قال: لله عليه أن يصلي الضحى ركعتين وجب عليه الوفاء، لله عليه أن يتصدق بكذا وكذا درهم أو بكذا وكذا صاعاً من بر أو شعير أو أرز أو غير ذلك وجب عليه الوفاء أو قال: لله عليه أن يحج وجب عليه الحج لله عليه أن يعتمر وجب عليه العمرة وهكذا، لقوله عليه الصلاة والسلام: (من نذر أن يطيع الله فليطعه).

    أما أن ينذر للأولياء لأصحاب القبور للجن للكواكب للرسل عليهم الصلاة والسلام لغيرهم من المخلوقين هذا شرك بالله، كما لو ذبح لغير الله أو استغاث بغير الله من الأموات أو من الجن أو من الكواكب أو ما أشبه ذلك، كله شرك بالله بإجماع أهل العلم، وإنما وقع هذا من المتأخرين من الذين جهلوا توحيد الله وجهلوا أحكام شريعته فوقعوا في الشرك، وقد يقع في هذا بعض من ينتسب إلى العلم؛ لعدم بصيرته بالعقيدة الصحيحة التي درج عليها سلف الأمة.

    وهذه النذور التي تكون من الأموال وتجمع في الصناديق حول القبور هذه حكمها حكم الأموال التي لا رب لها تؤخذ لبيت مال المسلمين أو يأخذها ولي الأمر ويصرفها في مصالح المسلمين كمساعدة الفقراء والمساكين، أو إصلاح الطرق أو دورات المياه أو ما أشبه هذا من المصالح العامة، ولا ترد على أهلها، وليس لأحد أن يأخذها من الناس بل هذه ترجع لولي الأمر إذا كان ولي الأمر صالحاً ينفذ شرع الله وإلا فلأصحاب البصيرة من أهل العلم يأخذونها ويوزعونها في وجوه البر والخير على الفقراء والمحاويج ونحو ذلك، ويبصرون الناس وينذرونهم منها ويحذرونهم منها وأنها منكر وأنها من الشرك حتى لا يعودوا إليها، وتزال هذه الصناديق وترفع من المساجد وغيرها؛ لأنها منكر ولأنها دعوة للشرك بالله عز وجل، فالواجب إزالتها والتحذير منها وتوعية الناس وتبصيرهم بأن هذا من الشرك الأكبر، وما وجد فيها حين إزالتها من نقود تصرف في أعمال الخير كما تقدم، مع إزالتها من المساجد ومع تنبيه العامة وتحذيرهم من مثل هذا، وأنه لا يجوز التقرب إلى غير الله لا بالصلاة ولا بالنذور ولا بالصدقات ولا غير هذا، لا لأصحاب القبور ولا للأصنام ولا للكواكب ولا للجن ولا لغير هذا، العبادة لله وحده سبحانه وتعالى كما قال عز وجل: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5].

    والعبادة كل ما أمر الله به ورسوله، قال بعض أهل العلم: معناها: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة وتكون قولية وتكون عملية وتكون بالقلب وتكون باللسان تكون بالجوارح فخوف الله وتعظيمه ومحبته هذه عبادات قلبية وهكذا رجاؤه سبحانه ونحو ذلك من سائر العبادات القلبية.

    وهناك عبادات عملية كالصلاة والزكاة والصدقات والذبح والنذر هذه عبادات عملية.

    وتكون قولية كالنذر من جهة القول، فالنذر عبادة قولية وما يحصل به من صدقات ونحو ذلك عبادات مالية.

    فالحاصل أن جميع العبادات قولية أو عملية قلبية أو لسانية يجب أن تكون لله وحده سبحانه وتعالى، ولا يجوز لأي أحد أن يصرفها لأي مخلوق من ولي أو رسول أو ملك أو جني أو صنم أو غير ذلك نسأل الله للجميع الهداية والسلامة.

    1.   

    حكم تغطية المحرم رأسه عند شدة البرد

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من جمهورية مصر العربية محافظة البحيرا المرسل يونس عبد الحافظ علي أخونا يونس بعد مقدمة في رسالته يقول: لي ثلاثة أسئلة، في سؤاله الأول يقول: أديت بفضل الله تعالى فريضة الحج وأثناء المبيت بمنى يوم التروية شعرت في آخر الليل ببرد شديد؛ لأني كنت نائماً في الخلاء وعندما أحسست بشدة البرد قمت بتغطية نفسي ببطانية كانت معي غطيت جسدي كله بما في ذلك رأسي وأنا محرم، وأعلم أن كشف الرأس واجب حال الإحرام، فما الحكم، وإن كان علي دم فهل يجوز لي أن أذبح في مصر التي أقيم بها أو أن أوكل غيري ممن يسافرون للحج بالذبح عني بمكة المكرمة؟ جزاكم الله خيراً.

    الجواب: المحرم ليس له أن يغطي رأسه كما هو معلوم وليس له أن يلبس المخيط كما هو معلوم إذا كان ذكراً، لكن إذا اضطر إلى ذلك لمرض أصابه احتاج معه إلى تغطية رأسه أو برد اشتد به حتى اضطر إلى تغطية رأسه فلا حرج عليه، ولكن عليه فدية وهذه الفدية مخيرة بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة، كما في قوله جل وعلا: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، وجاء في حديث كعب بن عجرة في الصحيحين: (أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمره لما اشتد به الأذى في رأسه أن يحلق رأسه وأن يتصدق بثلاثة آصع من التمر بين ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام أو يذبح شاة)، فهذا هو الحكم فيمن احتاج إلى تغطية الرأس أو حلق الرأس أو لبس المخيط أو الطيب أو قلم الأظفار، حكمه حكم ما جاء في حديث كعب بن عجرة ، يخير بين ثلاثة أمور:

    إحداها: صيام ثلاثة أيام في أي مكان يصومها في مصر أو في غيرها.

    الثانية: إطعام ستة مساكين، يعني: ستة فقراء لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو حنطة أو شعير ونحو ذلك، وهذا في مكة هذا يعطاه فقراء مكة.

    الثالثة: ذبح شاة والذبح يكون في مكة أيضاً لفقراء الحرم.

    فعليك أيها السائل! أن تصوم ثلاثة أيام في بلادك وإن شئت أن تطعم ستة مساكين أو تذبح شاة فهذا يكون في الحرم عليك أن توكل ثقة يقوم بهذه المهمة أو تحضر بنفسك فتقوم بهذه المهمة، أما الصيام فلك أن تصوم في بلادك والحمد لله.

    1.   

    حكم ذبيحة تارك الصلاة

    السؤال: علمنا من حلقات البرنامج أن تارك الصلاة مطلقاً يعد كافراً خارجاً عن الملة على الصحيح من الأقوال، فهل يحرم علينا أكل شيء مما ذبحه تارك الصلاة؟

    الجواب: نعم هذا مقتضى الحكم بتكفيره فإن ذبيحة الكافر محرمة إلا أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى خاصة، أما المرتد بترك الصلاة أو بسب الدين أو بالاستهزاء بالدين أو بجحد وجوب الصلاة أو بجحد وجوب الصيام رمضان أو بغير هذا من نواقض الإسلام هذا حكمه حكم الوثنيين بل أشد من الوثنيين لا تؤكل ذبيحته إذا ذبح ذبيحة تكون حراماً؛ لأنه مرتد ليس من جنس أهل الكتاب بل المرتد فوق أهل الكتاب في الكفر فهو من جنس الوثنيين ومن جنس المجوس لا تؤكل ذبيحته.

    1.   

    حكم الانتقال إلى الصيام في كفارة اليمين مع القدرة على الإطعام وعدم وجود مساكين

    السؤال: عند قضاء كفارة اليمين إذا لم نجد عشرة مساكين فهل يجوز الصيام مع القدرة على الإطعام؟

    الجواب: المساكين موجودون ما هم معدومون المساكين موجودون عليه أن يلتمسهم ولو في قريته ولو في قرية أخرى غير قريته.

    المقصود أن الفقراء موجودون وبكثرة أيضاً، لكن عليه أن لا يضعف وعليه أن يلتمسهم أو يوكل من يلتمسهم من الثقات في بلد أخرى إذا كانت بلده كل أهلها أغنياء فيلتمس في القرى الأخرى وعليه أن يوكل ثقة أو يذهب فيلتمس ولا يصوم إلا عند العجز إذا ما وجد فقراء.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (هل في ذلك قسم لذي حجر)

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من العراق وباعثها أخونا محمد حسين علي حموري أو حموري ، أخونا له مجموعة من الأسئلة، يسأل في سؤاله الأول عن تفسير قوله تعالى: بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر:5]؟

    الجواب: الحجر: هو العقل والله يقول سبحانه: وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر:1-5].

    فهذه الآية تبين أن هذه الأقسام عظيمة أقسم الله بها سبحانه، وهو جل وعلا يقسم بما يشاء سبحانه وتعالى، لا أحد يتحجر عليه سبحانه وتعالى، وإنما أقسم بها لأنها من آياته الدالة على قدرته العظيمة وأنه رب العالمين، فقال: وَالْفَجْرِ [الفجر:1]، وهو انفلاق الصبح بعد ذهاب الليل.

    وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:2]، فسرت هذه الليالي بليالي عشر ذي الحجة وبليالي العشر الأخيرة من رمضان فهي كلها معظمة.

    وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:3]، (الشفع) الاثنين والأربعة والستة ونحو ذلك، (والوتر) الواحد والثلاثة والخمسة ونحو ذلك، كلها من آيات الله سبحانه وتعالى، جعل شفعاً ووتراً في مخلوقاته جل وعلا وهي من آياته سبحانه وتعالى، السماوات سبع وتر، والأرض سبع وتر، والعرش واحد وتر والكرسي واحد وتر، وجعل أشياء شفعاً كالليل والنهار شفعاً والذكر والأنثى شفعاً وغير ذلك، كما قال سبحانه: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [الذاريات:49].

    وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ [الفجر:4]، كذلك من آياته هذا الليل حين يأتي بظلامه والنهار حين يأتي بضيائه كلها من آياته سبحانه وتعالى، ثم قال بعدها: هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر:5]، فالمعنى -والله أعلم-: هل في ذلك قسم لذي حجر لذي عقل يقتضي أن يخالف، بل يجب على المؤمن أن يتدبر ويتعقل ويعرف أنه سبحانه إنما أقسم بهذه الأقسام لدلالة عباده على عظم هذه المخلوقات، وأنها من الدلائل على قدرته العظيمة ووحدانيته سبحانه وتعالى، وأنه لا يجوز للمؤمن أن يخالف ما دلت عليه فيشرك بالله ويعبد معه سواه وهو الخلاق لهذه الأشياء القائم بأرزاق العباد إلى غير هذا سبحانه وتعالى.

    ويحتمل معنى آخر هو أنه سبحانه يريد هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر:5]، ليقسم به أولى من هذه الأقسام التي فيها دلائل على قدرته العظيمة، مع أنه سبحانه حرم القسم بغيره جل وعلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).

    فليس لأحد أن يقسم إلا بربه سبحانه وتعالى.

    فالآية فيها شيء من الغموض لكن يحتمل أن المراد أن هذا القسم كافي في الدلالة على عظمة هذه المخلوقات وأنها من دلائل قدرته العظيمة، ويحتمل أن المعنى: هل في ذلك لذي حجر قسم آخر ينبغي أن يقسم به للدلالة على توحيد الله والدعوة إلى عبادته والإخلاص له سبحانه وتعالى هذا -والله أعلم- من المعنى، ويحتمل معنى آخر، ولعلنا نعود إلى ذلك في حلقة أخرى ليزيد البيان والإيضاح لما قاله أهل العلم.

    المقدم: سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: نرجو ذلك.

    المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    شكراً لكم مستمعي الكرام! وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767947720