إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (920)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم من نذر أن يذبح ذبيحة ثم أخذ منها بعد ذبحها

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.

    رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين.

    فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: نعود في بداية هذه الحلقة إلى رسالة الأخت فتاة القدس المقيمة في المملكة، أختنا عرضنا جزءاً من أسئلتها في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة لها سؤال واحد تقول فيه: إن والدتي قد نذرت منذ زمن بعيد نذراً، والحمد لله قد أعانها الله على الوفاء به، وهي أن تذبح ذبيحة إذا شفى الله زوجها -الذي هو والدي- والحمد لله قد شفاه الله وسؤالها: هو أنها وزعت كل الذبيحة على مستحقيها ولكن أخذت منها جزءاً الذي هو البلعوم والقلب والرئتين، فهل عليها إثم في ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فإن كانت نذرت توزيعها على الفقراء فإنه يقضى عن هذا الشيء، تشترين من تركتها ما يقابل هذا الجزء الذي أخذت وتتصدقين به على بعض الفقراء، والحمد لله.

    أما إن كانت نيتها أن توزع على الفقراء وأن تأكل منها بعض الشيء فليس عليها شيء، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، فإن كنت لا تعلمين نيتها ولا تعرفين نيتها فالأحوط لك أن تشتري ما يقابل هذا الشيء الذي أخذته وتصدقي به عنها، إبراء للذمة وحرصاً على سلامتها من التبعة.

    1.   

    كيفية تعامل المرأة مع محارمها التاركين للصلاة

    السؤال: أيضاً بقي لها سؤال واحد شيخ عبد العزيز تشكو فيه من شباب تعرفهم تقول: إنهم عصاة ولا يصلون، وتذكر أيضاً بعض سيئاتهم وهم محارمها ويسكنون معها في نفس المنزل، وترجو منكم توجيهها كيف تتصرف؟

    الجواب: الواجب نصيحتهم وتحذيرهم مما حرم الله وإخبارهم بأن الصلاة عمود الإسلام، وأن تركها كفر أكبر في أصح قولي العلماء، وإن لم يجحدوا وجوبها، مع وجوب التحرز منهم والحذر من شرهم، لأن من عصى الله وترك الصلاة لا يؤمن شره.

    فنوصيك أيها الأخت في الله! أن تحذري شرهم، وإذا تيسر لك فراقهم والانتقال عنهم إلى بيت آخر إلى أمك أو أخ صالح أو عم صالح أو خال صالح فهو أسلم لك من هؤلاء، فإن كنت مضطرة إلى البقاء معهم فاحذريهم واحذري شرهم مع دوام النصيحة والتوجيه إلى الخير وتخويفهم من الله عز وجل، واستعيني على ذلك أيضاً بأهل الخير من أقاربك حتى ينصحوهم، نسأل الله لنا ولهم الهداية.

    1.   

    حكم الصلاة على الجنازة في المقبرة ورفع الصوت عند تشييع الميت وتلقينه بعد الدفن

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من الجمهورية العراقية محافظة الأنبار ناحية الكرمى وباعث الرسالة أخونا حامد كاظم جاسم أخونا له ثلاثة أسئلة، يقول في أحد أسئلته: إذا مات الشخص عندنا لا يصلون عليه صلاة الجنازة إلا في المقبرة فهل هذا جائز؟ وإذا أردنا دفنه صاح الجميع بصوت مرتفع لا إله إلا الله طوال فترة الدفن، وإذا أراد أحد أن يساعد أخاه في عملية الدفن طلب منه المجرفة بقوله: وحد الله، ثم بعد الفراغ من الدفن يقف الملقن على قبر الميت فيقول كلاماً بليغاً يخاطب فيه الميت، قد يؤثر في السامعين لما فيه من عبارات التذكير بعذاب القبر ونعيمه، فما الحكم في كل هذا؟ أفيدونا أثابكم الله وسدد خطاكم.

    الجواب: أما الصلاة على الميت في المقبرة فلا بأس، فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قبر بعدما دفن، لكن الأفضل أن يصلى عليه في المصلى المعد للجنازة أو المساجد حتى يصلي عليه جمع غفير من الناس، الأفضل لأهله أن يقدموه للمسلمين يصلون عليه في المساجد أو في المصلى المعد لصلاة الجنازة إذا كان هناك مصلى معد لصلاة الجنازة، فإن لم يتيسر ذلك قد صلي عليه في المقبرة فلا حرج.

    أما رفع الصوت بلا إله إلا الله عند الدفن أو عند الحفر أو عند السير بالجنازة هذا لا أصل له، بل المشروع أن الإنسان يفكر وينظر في عاقبة الموت وما بعد الموت ويحاسب نفسه ولا يرفع صوته بذكر الله ولا بغير ذلك مع الجنازة ولا عند الدفن ولا عند الحفر، أما كون الإنسان يتكلم بشيء عادي أثناء سيره مع الجنازة بينه وبين نفسه من دعاء أو ذكر لله أو في المقبرة أو غير ذلك فلا بأس.

    أما شيء متعمد، صوت عالي: وحدوه، أو لا إله إلا الله، صوت جماعي أو عند الدفن، فهذا شيء لا أصل له، وكان من عادة السلف رحمة الله عليهم غض الصوت عند الجنائز والتفكير في أحوال الميت وما يقال له وما يقول، هكذا ينبغي للمؤمن أن يفكر عند اتباعه الجنازة وعند حضوره للقبور وعند حضوره الدفن يفكر في هذه الأمور العظيمة وماذا يقال للميت؟ وماذا يقول؟ وهل يجيب أو ما يجيب؟ يكون عنده في هذا تفكير طويل حتى ينتفع بذلك، ولا مانع من الدعاء والاستغفار بين العبد وبين نفسه والذكر بين العبد وبين نفسه، لا بأس بهذا، أما تعمد رفع الصوت بذلك أو أن يكون صوتاً جماعياً فهذا لا أصل له، والسنة بعد الدفن أن يدعى للميت بالمغفرة والثبات.

    كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت يقول: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل)، فالسنة أن يوقف عليه بعد الدفن ويدعى له بالمغفرة والثبات.

    أما التلقين فهو بدعة هذا الصواب، أن يقال للميت بعد الدفن يا فلان اذكر ما خرجت عليه من الدنيا أنك تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن الإسلام دينك وأن محمداً نبيك وأن القرآن إمامك.. إلى غير هذا من الكلمات التي يقولون هذا لا أصل له، جاء فيه أخبار لكنها موضوعة غير صحيحة، والصواب في هذا والمعتمد في هذا عند أهل السنة أن التلقين لا أصل له في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو بدعة، وإنما يدعى للميت بالمغفرة والثبات بعد الدفن كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، هذا هو المعتمد، وهذا هو المشروع، والله المستعان.

    1.   

    كيفية التعامل مع المتسولين

    السؤال: يسأل أخونا أيضاً سؤالاً آخر ويقول: يوجد لدينا أشخاص كثيرون يقفون في الطرقات ويمدون أيديهم التماساً للحصول على النقود، ولا ندري أهؤلاء الأشخاص يصلون ويستحقون الصدقة أم لا؟! وكذلك لا ندري هل هم بحاجة إليها أم لا؟! ومع هذا فإننا نتحرج إذا لم نعطهم، تطبيقاً لقوله تعالى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى:10]، فهل إعطاؤهم جائز ومطلوب منا، أم هو من قبيل معاونتهم على البطالة والتكاسل عن العمل، وإذا كنا لا نعرف حالهم هل مقيمون لحدود الله أم لا، فما الحكم فيما نقوم به؟ أفيدونا وفقكم الله.

    الجواب: يقول الله سبحانه: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19]، في أموال المؤمنين حق للسائل والمحروم، والسائل له أحوال ثلاثة: تارة تعلم أنه غني، وتارة تعلم أنه فقير، وتارة لا تعلم حاله.

    فإذا كنت لا تعلم حاله أو تعلم أنه فقير، فالسنة لك أن تعطيه ما تيسر، ولو قليلاً: (فاتقوا النار ولو بشق تمرة).

    أما إن كنت تعلم أنه غني فالواجب نصيحته ونهيه عن هذا العمل وزجره عن ذلك؛ لأن الله حرمه عليه، لا يجوز السؤال وهو في غنى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر).

    فالواجب على من كان عنده مال يكفيه أن لا يسأل وأن يحذر السؤال، أما أنت أيها المار بالسائل! إذا كنت لا تعرف حاله أو تعرف أنه فقير فيستحب لك أن تعطيه ما تيسر، للآية الكريمة: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19]، في الآية الأخرى …. وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19].

    وليس لك أن تنهره لقول الله سبحانه: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى:10]، وقوله جل وعلا: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263].

    وإذا كان شاباً تنصحه أن يعمل إذا وجد عملاً حتى يستغني عن السؤال إذا كان قوياً حتى ولو كان غير شاب، فإذا كان قوياً تنصحه أن يعمل ويكدح يطلب الرزق، حتى يغنيه الله عن السؤال، فالمؤمن ينصح أخاه ويوجهه إلى الخير ويعينه على الخير ويساعده إذا احتاج إلى مساعدة.

    1.   

    حكم من ذهب إلى المسجد البعيد وترك القريب لأجل الخطيب

    السؤال: يوجد في منطقتنا مسجدان، أحدهما قريب علينا والآخر بعيد، ولكننا غالباً ما ننصب إلى البعيد؛ وذلك لأن خطيبه يجيد الخطبة بدون استعمال ورقة مع بلاغته، أما في المسجد القريب لنا فإن خطيبه يستعمل في خطبته الورقة، مما جعل أغلب الناس يتجهون إلى ذلك المسجد البعيد ويتركون هذا المسجد، فهل هذا جائز وجهونا إلى الخير والرشاد؟ بارك الله فيكم.

    الجواب: المؤمن يلتمس ما هو الأنفع له وما هو أكثر أثراً في قلبه، فإذا كانت الصلاة مع البعيد تؤثر في القلب أكثر وينتفع بها أكثر لحسن أسلوب خطابته ولعنايته بالخطبة واهتمامه بها فهذا أولى سواء كان يخطب من ورقة أو عن ظهر قلب.

    ولا عيب على الخطيب من الورقة لأنها قد تكون أضبط لخطبته وأثبت له، فإذا كان يخطب من ورقة، ولكنه يحسن الخطبة ويجيدها ويعتني بما يكتب في الورقة هذا طيب ولا لوم عليه ولا عيب عليه في هذا، وبعض الناس الذين يخطبون من دون ورقة قد يغلطون كثيراً، وقد يرددون الكلام على غير فائدة.

    فأنت -يا أخي- عليك أن تستعمل ما هو أصلح لقلبك، وما هو أنفع لك، فالمسجد البعيد فيه زيادة الخطى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أعظم الناس في الصلاة أجراً أبعدهم فأبعدهم ممشى).

    وإذا كانت خطبته أنفع لقلبك وأشد أثراً فيه، فلا مانع من الذهاب إليه، أما كونها من ورقة أو من غير ورقة فهذا لا ينبغي أن يكون له أثر، فالخطبة من الورقة ومن غير الورقة كله جائزة والحمد لله، والخطيب ينظر ما هو أصلح إن كانت خطبته من ورقة أنفع وأصلح وأثبت لقلبه وأعون له على الأداء الحسن فليخطب من الورقة وإن كانت خطبته عن ظهر قلب أنفع وأصلح وأشد أثراً في الناس فليفعل هذا، هو أعلم بنفسه وأعلم بما يطيق . نعم.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، إذاً: يجب ألا يؤثر هذا في الناس شيخ عبد العزيز ؟

    الشيخ: نعم، لا ينبغي هذا، لا ينبغي أن يؤثر بل ينبغي للمؤمن أن يتحرى ما هو الأصلح في سماع الخطبة وفي الذهاب إلى المسجد الذي يصلي فيه، وينبغي للخطيب أيضاً أن يتحرى ما هو الأصلح، إن كان الأصلح له أن يخطب عن ظهر قلب فعل وإن كان الأصلح له أن يخطب من ورقة فعل.

    1.   

    الفرق بين الشهادة في سبيل الله والعمليات الاستشهادية

    السؤال: من ليبيا هذه رسالة بعث بها مستمع من هناك هو (خ. أ. ح) أخونا يقول في رسالته: أنا طالب في الجامعة، ومن خلال قراءتي لكتاب الإسلام للمستشرق هنري ماسيه والذي ترجمه بهيج شعبان والذي علق عليه وقدم له سماحة الدكتور مصطفى الرافعي وسماحة الشيخ محمد جواد مغنية ، بقيت في ذهني مسألتان لم توضح جيداً وأعتبرهما مسألتان هامتان وهما: نعلم أن الشهادة هي التي يقوم بها مسلم يحارب لأجل إيمانه ويموت في سبيله مجاهداً فيصبح عند ذلك شهيداً، ولكن فكرة قابلية التضحية خلقت الاضطراب في مفهوم الشهادة والانتحار عندي؟ فوجهوني جزاكم الله خيراً.

    الجواب: الشهادة التي أعد الله لأهلها الجنة ومدح أهلها هي التي تصدر عن رغبة فيما عند الله وإخلاص لله والجهاد في سبيله سبحانه وتعالى، سأل رجل الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله أأدخل الجنة؟ أتكفر عني خطاياي؟ -أو كما قال- فقال عليه الصلاة والسلام: نعم، إن قتلت صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر).

    فالمؤمن الذي يقاتل في سبيل الله يرجو ثواب الله ويريد نصر دين الله فهذا هو المجاهد في سبيل الله وهو الشهيد إذا قتل، له حكم الشهادة التي وعد الله أهلها الجنة.

    أما من جهة حكم الدنيا فكل من قتل في سبيل الله لا يغسل ولا يصلى عليه، والعمل على الظاهر ونيته إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا قتل في سبيل الله، مات في المعركة بالقتل لا يغسل ولا يصلى عليه بل يدفن في ثيابه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في شهداء يوم أحد.

    وأما حكمه عند الله فإن قتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر موحداً لله قاصداً وجهه الكريم فإنه تكفر عنه خطاياه ويكون من أهل الجنة، لكن جاء في الروايات الأخرى عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إلا الدين. قال: أخبرني جبرائيل آنفاً).

    فالدين معناه أن صاحبه لا يضيع عليه دينه بل يعطى حقه، إما بأن يرضيه الله عنه يوم القيامة من فضله وإحسانه، وإما أن يعطى من حسنات هذا الشهيد ما يقابل الدين، فالشهيد على خير وصاحب الدين لا يضيع حقه بل الله يرضيه عنه سبحانه وتعالى بما يشاء جل وعلا.

    المقدم: جزاكم الله خيراً. موضوع الفداء والاستشهاد في سبيل الله شيخ عبد العزيز كأنه يطلب المقارنة بينهما أو التفريق بينهما؟

    الشيخ: ما أفهم مراده بالفداء.

    المقدم: كونه يكون فدائياً.

    الشيخ: إذا كان قصده بذلك أن يبارز الناس وأن يجتهد في مهاجمة الأعداء ولو قتل في سبيل الله هذا مطلوب، إذا كان العدو من الأعداء من الكفرة المعروفين وجاهد في سبيل الله وأقدم على الجهاد ولو قتل يرجى له الخير العظيم ولو قتل، مثلما فعل أنس بن النضر عندما انصرف الناس يوم أحد تقدم إلى الجهاد حتى قتل رضي الله عنه، الناس منصرفون وهو متقدم إلى العدو وجاهد حتى قتل فوجدوا فيه بضعاً وثمانين ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح رضي الله عنه وأرضاه.

    فالحاصل أن الفداء وهو التقدم إلى العدو حرصاً على الشهادة في سبيل الله وحرصاً على قتال الأعداء هذا فيه فضل عظيم وخير كثير.

    المقدم: إذاً: لا يعد هذا من الانتحار؟

    الشيخ: ما دام لله، إذا كان لله لا رياء ولا سمعة، إذا كان لله ليس قصده الرياء ولا السمعة وليس من قصده الوطن، إنما قصده القتال في سبيل الله فهذا له خير عظيم.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، ولا يعد هذا من الانتحار؟

    الشيخ: ما يعد من الانتحار. لا.

    1.   

    ضوابط الكتابة عمن مضى .. بين المؤرخين العرب والمستشرقين

    السؤال: أخونا له مسألة أخرى يقول فيها: ظهور الكتب لمؤلفين مستشرقين باللغة العربية قد أظهر خطراً محدقاً بتفكيرنا الذي نشأ بقراءة كتب السلف الصالح، وإني أوضح ذلك قائلاً: إن أدباءنا وكتابنا ومؤرخينا ظلوا وما لبثوا يستعملون الألفاظ المبجلة لمن كتبوا عنهم، بينما نرى هؤلاء المستشرقين تحسهم وأنت تقرأ لهم أنهم يعتدلون في ذلك، أي: إنك ترى أنهم يكتبون بكل تدبر ولا يلقون الكلمات جزافاً، أي أنهم يذكرون العيوب والحسنات، بينما الكاتب العربي حتى ولو أنه يكتب قصة أو شيئاً عن المسلمين تجد أنه يذكر الحسنات دون السقطات والمساوئ مما جعل القارئ غير واثق فيما يكتب هذا الكاتب العربي المسلم، أرجو التوجيه وتوضيح هذه المسألة؟ جزاكم الله خيراً.

    الجواب: لاشك أن الكتاب يتفاوتون، ولا ريب أن المترجمين للناس يتفاوتون، فمن الناس من يعتدل ويذكر حسنات الرجل وأعماله الطيبة حتى يقتدى به حتى يتأسى به في الخير، ويترك السيئات التي لا ينبغي ذكرها لأنه لا ينبغي ذكر سيئات الأموات؛ لأنه غيبة فلا ينبغي ذكر سيئاتهم بل ينبغي ذكر أعمالهم الطيبة التي يقتدى بهم فيها.

    أما السيئات فينبغي دفنها وعدم ذكرها؛ لأنها من الغيبة، والله جل وعلا يقول: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12]، اللهم إلا أن يكون ذلك الرجل من أهل البدع من أهل الكفر بالله ممن يخشى أن يقتدى به في الباطل فتذكر مساويه ليحذر ولا يقتدى به في باطله، فيكون هذا من باب النصيحة للمسلمين، فإذا ذكر المترجم أو المؤرخ بعض عيوب الأموات التي يخشى أن يتأسى بهم فيها من البدع التي فعلوها أو الدعاية ضد الإسلام.. أو ما أشبه ذلك، وبين هذا ليحذروا وأن لا يقتدى بهم في الباطل فهذا حسن، أما السيئات التي بينه وبين الله التي دون الكفر فينبغي ألا تذكر وأن تترك؛ لأن ذلك من الغيبة وأن تذكر حسناتهم العظيمة وأعمالهم الطيبة التي يدعى لهم بسببها ويتأسى بهم فيها، هكذا ينبغي للمؤرخ والمترجم للأموات، لكن من اشتهر بالشر والبدعة ونحو ذلك تبين بدعته وشره الذي اشتهر به حتى لا يقتدى به، وحتى تعلم حاله. والله المستعان.

    1.   

    شروط التوبة

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين وصف نفسه بقوله: المتحسر متضارب الأفكار (س. ع. س) أخونا له قضايا متعددة من بينها قضية لخصتها في هذا السؤال: بم تكون التوبة من الذنوب الكبيرة؟ وكيف يستغل رمضان للتكفير عن الذنوب؟

    الجواب: التوبة لجميع الذنوب لابد أن تشتمل على أمور ثلاثة كما ذكر أهل العلم:

    أولها: الندم على ما مضى من الذنب، كونه يندم عليه ويحزن من فعله إياه.

    والأمر الثاني: الإقلاع منه وتركه خوفاً من الله وتعظيماً له.

    الأمر الثالث: العزم الصادق ألا يعود إليه، هكذا تكون التوبة وبهذا يمحو الله الخطايا ويحط السيئات، كما قال عز وجل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، قال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، وهذا يعم جميع الذنوب الشرك فما دونه، متى تاب إلى الله من ذلك هذه التوبة الندم على الماضي والإقلاع منه وتركه والعزم الصادق ألا يعود إليه خوفاً من الله وتعظيماً له، بهذا يعتبر تائباً ويكون كمن لم يذنب، (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

    لكن إن كان الحق الذي تاب منه يتعلق بالمخلوقين فلابد أيضاً من أمر رابع وهو رد حقهم إليهم أو استحلالهم منه، كما نص على ذلك أهل العلم وجاءت به السنة، فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من كان عنده لأخيه مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله اليوم قبل ألا يكون درهم ولا دينار، إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئاتهم وطرح عليه).

    فالواجب على من عنده حقوق للناس أن يدفعها إليهم أو يتحللهم منها حتى تتم توبته وحتى تكمل توبته، فإن لم يفعل بقي عليه هذا الحق، وسوف يقتص منه يوم القيامة لصاحبه، إما أن يعطى من حسناته وإما أن يحمل من سيئات المظلوم على حسب حاله.

    وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام للناس: (ما تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: من لا درهم له ولا متاع، قال عليه الصلاة والسلام: لكن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصوم وزكاة ويأتي وقد ضرب هذا وشتم هذا وقذف هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته ولم يقض ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار)، نعوذ بالله.

    فالواجب على من عليه شيء للغير من أموال أو دماء أو أعراض أن يتحللهم وأن يطلب منهم أن يبيحوه ويسامحوه أو يرضيهم عن ذلك بما يشاء حتى يسلم من تبعة هذه المظلمة، فإن لم يفعل بقيت عليه عهدتها وتبعتها إلى يوم القيامة، وأما بقية الذنوب مثلما تقدم، يكفي فيها الندم والإقلاع والعزم الصادق ألا يعود إليها.

    1.   

    كيفية حفاظ المسلم على التوازن في حياته

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من الأخ يحيى السيد عبد الهادي المدني طالب في معهد التربية الفنية بالرياض له عدد من المسائل فيسأل في إحدى مسائله ويقول: هل يستطيع الإنسان أن يحافظ على التوازن في هذه الحياة؟

    الجواب: نعم، يستطيع بتوفيق الله أن يحفظ نفسه ويجاهدها حتى يستقيم على طاعة الله وترك محارمه والوقوف عند حدوده، وحتى يصحب الأخيار، ويبتعد عن الأشرار وهذا بتوفيق الله، يسأل الله ويستعين به ومتى صدق مع الله أعانه الله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، فمن استقام على التقوى وجاهد نفسه في الله وحافظ على ما أوجب الله عليه وابتعد عما حرم الله عليه، ووقف عند الحدود وبادر بالتوبة مما قد تزل به قدمه من السيئات فالله سبحانه وتعالى يعينه ويوفقه، ويكون بذلك متزناً مستقيماً وقد يرتفع أمره بسبب جهاده الصادق وأعماله الصالحة حتى يكون من السابقين المقربين.

    1.   

    كيفية المحافظة على الفطرة من الانحراف

    السؤال: يسأل أخونا أيضاً سؤال آخر قريب من الأول فيقول: هل يستطيع الإنسان أن يحافظ على فطرته التي فطره الله عليها؟

    الجواب: مثلما تقدم، هذا بيد الله جل وعلا، إنما عليه أن يتعاطى الأسباب وأن يحرص على الاستقامة وأسبابها ووسائلها ويسأل ربه العون والتوفيق: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2].

    1.   

    قراءة القرآن الكريم.. بين التجويد المشروع والترنيم الممنوع

    السؤال: سؤال في علوم القرآن يقول: ما علاقة الترنم والنغم بأصوات القرآن الكريم؟

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم حرض الأمة على تحسين الصوت بالقرآن لأن ذلك أنفع للأمة وأشد أثراً في القلوب، ولهذا جاء في الحديث الصحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن يجهر به). ويقول: (زينوا القرآن بأصواتكم)، لأن تزيين الصوت وتحسين الصوت بالتلاوة يمكن دخول القرآن في القلوب وتأثر القلوب بسماع آيات الله بخلاف الصوت غير الحسن فإن ذلك ينفر من سماع القرآن ويدعو إلى الإعراض عن القارئ.

    وقد (مر النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بـأبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو يقرأ فاستمع له وأعجبه صوته عليه الصلاة والسلام، فلما رآه في النهار أخبره عليه الصلاة والسلام، فقال: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا)، وكان يقول صلى الله عليه وسلم لما سمع صوته يقول: (لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود)، يعني: صوتاً حسناً.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، سؤال آخر في نفس الموضوع تقريباً، هل هناك فرق بين مد التجويد ومد الترتيل؟

    الشيخ: مد التجويد هو مد الترتيل ليس له أن يزيد على ذلك، إذا مطط غير مشروع هذا، ولكن يكون مده مقيداً بما ذكره علماء التجويد، في الطبيعي وغير الطبيعي ينبغي له أن يراعي الأحكام التي ذكرها أئمة التجويد القراء حتى لا تكون قراءته زائدة ومملة.

    المقدم: نعم جزاكم الله خيراً.

    سماحة الشيخ! في الختام: أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: نسأل الله ذلك.

    المقدم: اللهم آمين مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    شكراً لمتابعتكم.. وإلى الملتقى..

    وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768262517