إسلام ويب

كتاب الطهارة - باب قضاء الحاجة [3]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من آداب وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخلاء ألا يتمسح الإنسان من الخلاء بيمينه، ولا يمس ذكره بيمينه حال البول، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستجمر برجيع أو عظم.
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: [ وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمسَّنَّ أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء) متفق عليه، واللفظ لـمسلم ].

    هنا في الحديث ثلاث مسائل:

    النهي عن مس الذكر باليمين حال البول

    المسألة الأولى: (لا يمس أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول).

    هل هناك حاجة لأن يمسك الإنسان ذكره وهو يبول؟

    نعم، قد تكون الحاجة لذلك كأن تكون الأرض التي هو عليها صلبة وأمامه مكان رخو، فيحتاج إلى أن يمسك ذكره ليرفع مجرى البول عن المكان الصلب إلى مكان آخر، وقد يكون لحاجة أخرى، فإذا احتاج أن يمسك ذكره وهو يبول فلا يكون باليمنى، وهذا أمر واضح.

    (ولا يتمسح من الخلاء بيمينه).

    إذا تكررت مسائل في حديث واحد؛ فإن اتفقت فبها ونعمت، وإن اختلفت طلبنا الرابط بين المسألتين المختلفتين في الحديث الواحد؛ لأن عقلاء الناس لا يجمعون بين متناقضين أو متنافرين في سلسلة حديث واحد، فإذا ذكر إنسان عندك أموراً فلابد أن يكون هناك رابط يربط تلك الأمور، ولو على الأقل رابطة التعليم أو حاجة المستمع إلى ذلك.

    فهنا: (لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول) نهى عن أن يمسكه بيمينه، فيكون مفهوم المخالفة له أن يمسكه بشماله، إذاً: اختصت اليمين بالامتناع عن هذا المحل.

    النهي عن التمسح من الخلاء باليمين

    المسألة الثانية: (ولا يتمسح من الخلاء بيمينه).

    التمسح من الخلاء إن كان يستعمل الماء فيده ستباشر المحل مع الماء، وكان بعض السلف يمتنع أن يستنجي بالماء، ويقول: لا تزال يدي منتنة لأنها باشرت النجوى، والآخرون كانوا لا يستنجون بالماء إلا بعد استعمال الحجارة، فهي تزيل النجوى ويبقى الأثر، فيغسل بالماء ويباشره بيده، فحينئذ إذا استنجى بيمينه فاليمين ستباشر النجوى الخارجة منه، فإذا نهي عن ذلك بخصوص اليمين فمعناه أنه سيستعمل اليسار.

    إذاً: تميزت اليمنى بإبعادها عن هذين الموطنين، وأبيح استعمال اليسرى فيهما، حينئذ نستطيع أن نقول: النهي عن استعمال اليمنى في هذين المحلين تكريماً لليمنى؛ لأنه سيتناول بها الطعام، ويصافح بها الآخرين، فتكون اليمنى للمكرمات -كما قيل- واليسرى لغيرها.

    النهي عن التنفس في الإناء حال الشرب

    إلى هنا المسألتان بينهما مناسبة ولكن قوله: (ولا يتنفس في الإناء) -وهي المسألة الثالثة- فيه النهي عن التنفس في الإناء عند الشرب، فما علاقة التنفس في الإناء مع هاتين المسألتين المتقدمتين؟

    وموضوع التنفس في الإناء جاء إيضاحه أكثر عندما نهى صلى الله عليه وسلم الشارب عن أن يتنفس في الإناء -أي: الإناء الموجود- قال قائل: (يا رسول الله! إنني لا أروى من النفس الواحد، فقال: أدر القدح عن فيك وتنفس، ثم أعد القدح واشرب. قال: إني أجد فيه القذاة -القشة أو شيء تستقذره النفس، فيريد أن يبعد بنفخة- قال: أبنه عنك) أي: لا تبعده بالنفس.

    ونحن نبين الحكمة من النهي عن التنفس في الإناء، قالوا: إن الحكمة من النهي عن التنفس في الإناء وأنت تشرب أن الحلق ينتهي بطريقين: طريق دخول الهواء للرئة، وطريق دخول الطعام والشراب للمعدة، وعند افتراقهما كيف يميز الهواء عن الطعام والماء؟

    قالوا: يوجد صمام على شكل عضلة، إذا أراد أن يبلع طعاماً أو شراباً فالعضلة في الحلق تنقبض فتسد طريق الهواء، وإذا أراد أن يتنفس انفتحت هذه الفتحة وذهب الهواء إلى الرئة؛ لأنه لو قدر أن قطرة ماء وصلت أو جاءت خطأً أو بسرعة إلى طريق الهواء فإنها تضر الرئة.

    ومن حكمة الله أن القصبة الهوائية التي تتفرع من الزور إلى الرئة يوجد فيها شعيرات تمتد إلى أعلى وليس إلى أسفل، أي: تنبت كما ينبت الخوص في الجريدة إلى أعلى، فإذا جاءت قطرة وسبقت لسان المزمار من أن يسد طريق الهواء، فإن تلك الشعيرات التي في القصبة الهوائية تطرد ما أتى ودخل عليها من ماء أو طعام، ولو نصف حبة سمسم، ولا تزال كل طبقة تطردها إلى أعلى وتتلقاها عنها التي أعلى منها، وتتلقاها ما بعدها إلى أن تردها إلى الحلق فتنزل عن طريق المعدة؛ لأنها لو وصلت إلى الرئة أفسدت فيها شيئاً كثيراً.

    وعملية بلع الطعام والشراب ليست مجرد انزلاق من أعلى إلى أسفل، بل إنها عملية امتصاص ودفع، وكما يقول بعض الأطباء في هذا: لو علق إنسان من قدميه وتدلى رأسه إلى أسفل وأعطي الماء فإنه بتلك الحالة يستطيع أن يشرب الماء ويبلعه وهو منكوس الرأس، ويستطيع أن يمضغ التمرة والطعام ويبلعه ويصل إلى معدته وهو منكوس الرأس، لأن هناك عملية امتصاص ودفع.

    إذاً: عندما يشرب الإنسان وينتهي نفسه في الشرب ويريد أن يزيد ماء فإنه سيأخذ نفساً، وعندما يأخذ نفساً والإناء على فيه فلربما سبق الماء إلى الرئة عند أخذ الهواء فيكون خطراً عليه، وهذه يسمونها الشرقة، والشرقة بالماء من أصعب ما يكون؛ لأن رد الشعيرات للماء أصعب من ردها لقطعة من الخبز أو التمر أو غير ذلك.

    وهنا تظهر الحكمة النبوية في كونه صلى الله عليه وسلم ينهى عن التنفس في الإناء عند الشرب، والفقهاء يقولون: نهى عنه لأنه ربما خرج مع الهواء الخارج من أنفه ما يقذر الماء.

    ما هي الرابطة بين (لا يتنفس في الإناء) وبين (لا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يمس ذكره بيمينه)؟

    يمكن أن نقول: بجامع الاستقذار؛ لأن من تنفس في الإناء كان عرضة لتقذيره أو كان عرضة لإيذائه بوصول شيء من الطعام أو الشراب إلى القصبة الهوائية فيؤذيه، وهذا كذلك قد يؤذيه باستعمال اليمنى في ذلك.

    والله تعالى أعلم.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089197044

    عدد مرات الحفظ

    782695567