إسلام ويب

كتاب الصلاة - باب المواقيت [2]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حددت الشريعة أوقات الصلوات، وكل الصلوات يستحب المبادرة بأدائها في أول وقتها إلا صلاة الظهر في شدة الحر، وصلاة العشاء إذا انتفت المشقة في تأخيرها، ويستحب إطالة القراءة في صلاة الفجر والتغليس بها، ويتعلق بما ذكر مناقشات وخلافات فصلها العلماء، ورجحوا بينها.
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليُبصر مواقع نبله ].

    الله أكبر! هذه الرياضة، رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه من الشباب المشهورين بالرماية، وفي بعض الغزوات رده رسول الله صلى الله عليه وسلم لصغر سنه وأجاز غيره، فذهب إلى أبيه وبكى وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز فلاناً ومنعني، وإني -والله- أصرعه، فتصارعا فصرعه، فأجازه، وكان قد قيل لرسول الله عليه الصلاة والسلام: إن رافعاً الذي رددته رامٍ، فجيء به واختبر، فأجازه؛ لأنه رام، أي: متمرن على الرماية قبل أن يبلغ السن الذي يجيز له أن يشارك في القتال في سبيل الله.

    قال: (كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا -من الصلاة- وإنه ليبصر مواقع نبله)، النبل هي السهام التي توضع في القوس ويرمى بها، وأين كان هذا؟ وهل كانوا يقاتلون؟ وهل كان حينئذٍ قتال في المدينة؟ وهل وقت القتال تنظر مواقع النبل؟ لا، فالنبل تصوب إلى العدو وتذهب، ولكنهم كانوا يتدربون.

    وتعرفون مسجد السبق في الباب الشامي، وهو الآن عند موقف النقل الجماعي قبل ثنية الوداع، فهذا المسجد بني في موضع السبق.

    مشروعية السبق برمي النبل

    والسبق عند العلماء هو المسابقة، ويبوب الفقهاء في مصنفاتهم (باب السبق والمناضلة)، والسبق يكون بالخيل، والمناضلة تكون بالسهام، فكانوا يخرجون -ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- وينصبون الهدف، ويتبارون أيهم يصيب أكثر.

    وتكون المسابقة بين شخص مقابل شخص، أو فريق مع فريق، وقد جاء (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بفريقين متناضلين منهم بنو بياضة، فقال لبني بياضة: أنا معكم، فأمسك الفريق الثاني أن يرمي شيئاً، فقال: ما بالكم لا ترمون؟ قالوا: كيف نناضل قوماً معهم رسول الله؟ فقال: ارموا وأنا معكم جميعاً).

    وطريقة المناضلة أن يجعلوا هدفين: هدفاً لهذا الفريق، وهدفاً لهذا الفريق، ويكونان متساويين في المسافة وفي الارتفاع وفي المقدار، ثم يحدد الرمي في عشرة أسهم مثلاً، فمن يصب من العشرة أكثر من خصمه فهو السابق، فبعضهم يصيب العشرة كاملة، أو تسعة أو ثمانية، وبقدر ما يتفوق أحد الفريقين يكون له السبق.

    فكانوا يخرجون إلى ذلك المكان بعد العصر ويتسابقون -ويشترط العلماء لهذا شروطاً مذكورة في كتب الفقه- فكانوا يؤدون هذه الرياضة والرسول صلى الله عليه وسلم أحياناً معهم، وأحياناً ليس معهم، فإذا أنهوا السبق وحان موعد صلاة المغرب صلوا، فإذا انصرفوا من صلاتهم يبصر أحدهم مواقع نبله، وذلك بعد الانصراف من صلاة المغرب مع بقاء ضوء النهار، قبل دخول شدة الظلام، فكان الواحد منهم ينظر موقع النبل، هل أصاب الهدف أو وقع يميناً أو يساراً.

    وهذا يدل على أنهم كانوا يصلون المغرب في أول وقتها، فحديث رافع يبين لنا أنهم كانوا يصلون المغرب في أول وقتها، حتى إنهم بعد أن ينصرفوا من صلاتها ليتمكن الواحد منهم من أن يرى مواقع النبل.

    وهذا الحديث يدل على مشروعية هذه الرياضة وهذه المسابقة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يسابق بين الخيل التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق، وبين الخيل المضمرة إلى الحيفاء وراء بئر عثمان، والسباق على الخيل والمناضلة على السهام من أسباب الاستعداد للجهاد، فكان صلى الله عليه وسلم يمرن الصحابة على كل ما يساعدهم على الجهاد، والنبي عليه الصلاة والسلام قد صارع وحمل الأثقال وناضل بالسهام وسابق بالخيل.

    مشروعية تعلم المصارعة وإتقان رياضة الدفاع عن النفس

    أما المصارعة فكانت مع ركانة قبل الهجرة، وكان ركانة لا يصرعه أحد، فقال له صلى الله عليه وسلم: (ألا تسلم يا ركانة ؟! قال: يا محمد! صارعني فإن غلبتني فلك شاة! فصارعه رسول الله عليه الصلاة والسلام فصرعه، فقال: واعجبا! والله ما أحد قبلك ألصق جنبي بالأرض، هذه شاة، أتعود يا محمد؟! قال: نعم، فصرعه الثانية، فأعطاه الشاة الثانية، قال: الآن الثالثة وهي النهاية، فعادا المرة الثالثة فصرعه فأخذ ثلاث شياه.

    فقال ركانة : يا ويلتاه! ماذا أقول لأهل الغنم في ثلاث شياه في وقت واحد؟ إن قلت: واحدة أخذها الذئب، وواحدة هربت فلم أدركها، فماذا أقول في الثالثة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا ركانة ! لا أجمع عليك غبنين: غبن الانهزام وغبن الشياه، خذ شياهك فهي لك.

    فتعجب من شجاعته وقوته ثم من كرمه صلى الله عليه وسلم، قال: أتعجب من هذا يا ركانة ؟! قال: إي والله يا محمد! قال: ألا أريك ما هو أعجب من ذلك؟ قال: بلى، فنظر صلى الله عليه وسلم إلى شجرة هناك فأشار إليها أن هلم إليّ، فجاءت تخط الأرض كالمحراث، حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لها: عودي حيث كنت! فرجعت كما كانت؛ فأسلم ركانة).

    أعتقد أن مهندسي الزراعة في العالم كله في الأراضي الباردة والحارة، لا يستطيعون أبداً أن يدركوا أو يكيفوا كيف انجذبت جذورها! وكيف جاءت تخط في أرض يابسة! ثم رجعت إلى مكانها وهي على حالها! كيف حصل هذا؟! هذا أمر غريب على العقل، ولكن المعجزة فوق إدراك العقل وتصوره.

    إذاً: صارع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمصارعة من الإعداد للجهاد، فقد يكون القتال بالسلاح الأبيض، ومن شارع إلى شارع، ومن دار إلى دار، فيضطر المقاتل عندها إلى القتال باليد، وإن كان القتال الآن بالأسلحة الذرية وبالاقتصاد وبأشياء كثيرة؛ لكن قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَة [الأنفال:60]، يشمل كل قوة، ولا حد للاستطاعة ألبتة.

    وروي أنه صلى الله عليه وسلم مر على شباب يتبارون في حمل صخرة، فبعضهم يقدر على رفعها، وبعضهم يعجز، فقال: (أريكم؟ وحملها بين يديه ورفعها ووضعها)، وهذا حمل الأثقال.

    وكذلك سابق عائشة فسبقته مرة وسبقها مرة، وكان مرة على ناقته القصواء فسبقها أعرابي فقال: (حق على الله ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه).

    يهمنا أن الصحابة كانوا يخرجون من صلاة المغرب، وينظرون مواقع نبلهم، وعند العرب أن من اتصف بثلاث صفات سمي كاملاً وهي: أن يكتب بالقلم، ويجيد الرمي، ويحسن السباحة، فمن اجتمعت فيه تلك الخصال الثلاث قالوا: إنه من الكمل، أي: كملت صفة الرجولة فيه.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089144088

    عدد مرات الحفظ

    782156627