إسلام ويب

كتاب الزكاة - مقدمة كتاب الزكاة [5]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تجب الزكاة في النقدين الذهب والفضة إذا بلغا النصاب وحال عليهما الحول، ومن منع الزكاة فقد سمح الشارع لولي أمر المسلمين أن يأخذها منه قهراً وزيادة تأديباً على الامتناع، وإن كانوا كثيرين وذوو منعة قاتلهم الإمام.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    فيقول المصنف رحمه الله: [ وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون، لا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجراً بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شيء) رواه أحمد وأبو داود والنسائي ، وصححه الحاكم ، وعلق الشافعي القول به على ثبوته ].

    اشتراط السوم لوجوب الزكاة في بهيمة الأنعام

    جاء المصنف رحمه الله بحديث بهز بن حكيم بن حزام ، بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في كل سائمة الإبل في كل أربعين بنت لبون)، وقد تقدم لنا أن بنت اللبون تكون من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين، أي: أن الأربعين المذكورة هنا داخلة في نصاب بنت اللبون، وعلى هذا يكون الحديث فيه فائدة جديدة، وهي: اشتراط وصف السوم في الإبل.

    وهذا الشرط عام في جميع بهيمة الأنعام، فإذا كان يمتلك أربعين من الغنم وهو نصاب، ولكنه يتكلف العلف إليها بأن يزرع لها البرسيم، أو يشتري لها الشعير أو يزرعه، فهذه تسمى معلوفة، والسائمة هي التي يسرح بها الراعي تسوم في أرض الله، تأكل من النباتات والعشب الذي ينبته الله في الأرض عن طريق الأمطار، ولا يتكلف لها علفاً.

    وهنا يبحث الفقهاء فيما لو كانت بهيمة الأنعام سائمة نصف الحول؛ بأن جاءت الأمطار ونبت العشب، ورعت بهيمة الأنعام من هذا العشب ستة أشهر، ثم انقضى العشب في الخلاء، واضطر إلى أن يشتري لها العلف، فعلفها ستة أشهر، فيقول بعض الفقهاء: عليه نصف الزكاة؛ لأنها استوفت شرط الزكاة وهو حولان الحول، ونصف الشرط الآخر وهو السوم، فإذا كانت أربعين شاة فعليه نصف شاة، وإذا كانت مائة وواحدة وعشرين شاة فيها شاتان فعليه شاة واحدة.

    وهكذا يجزأ الواجب على بهيمة الأنعام بالنسبة إلى السوم والعلف، فإن كانت سائمة طيلة العام فعليه الزكاة كاملة، وإن كانت معلوفة طيلة العام فلا زكاة عليه، وإن كانت سائمة تارة ومعلوفة تارة فبحسب ذلك يؤخذ منه الزكاة.

    عقوبة مانعي الزكاة والفرق بين الجحد والمنع

    ثم في الحديث بيان عقوبة من منع الزكاة، فذكر في هذا الحديث: (من أعطاها مؤتجراً) أي: طائعاً مختاراً، طالباً الأجر من الله لأداء فريضة الزكاة عليه؛ لأن الزكاة ركن من أركان الإسلام، وهي حق المال؛ فإذا أدى ذلك ممتثلاً أمر الله، وطالباً الأجر من الله فبها ونعمت.

    قوله: (ومن منعها): هناك فرق بين (من منعها) و(من جحدها) فالجحود لما ثبت أنه من الدين بالضرورة كفر عياذاً بالله! الامتناع من العطاء أو الامتثال معصية.

    ونذكر ما فعله الصديق رضي الله تعالى عنه مع مانعي الزكاة، فبعد انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى كان موقف الناس من الزكاة على عدة أقسام:

    منهم من كان من قال: انتهى أمر الزكاة فلا زكاة، وجحد استمرار وجوبها، ومنهم لا زال مقراً بالزكاة ولكن قال: أنا أخرجها بنفسي، ولا أدفعها لـأبي بكر ، هذه أموالنا ونحن مسئولون عنها، فنحن نقسم زكاتها.

    وكان الأكثر قد جحدوا الزكاة، وصاحب ذلك ردة بعض القبائل.

    فقام الصديق رضي الله تعالى عنه وأعلنها قائلاً: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة). وهذا في حق (من جحدها)، وقال: (والله لو منعوني عَقالاً -أو عِقالاً أو عَناقاً- كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه).

    إذاً: قام بالأمر، وعمر رضي الله تعالى عنه استوضح في الأمر، وقال: (أتقاتل قوماً يشهدون أن لا إله إلا الله! -هذا في غير المرتدين- فقال: يا عمر ! أجبار في الجاهلية وخوّار في الإسلام؟! ألم يقل: (إلا بحقها) أي: من قال لا إله إلا الله بحقها، ومن حق لا إله إلا الله إيتاء الزكاة، فيقول عمر : (فرأيت أن الحق مع أبي بكر، فشرح الله صدري لما قال أبو بكر ).

    فسموا قتال أبي بكر لمانعي الزكاة مع غيرهم: قتال الردة أو حرب أهل الردة، وليس من منع الزكاة مرتداً كمن قالوا: نحن نخرجها بأنفسنا، ولكنه افتيات على ولي الأمر؛ لأن الله سبحانه أوجب على ولي الأمر أن يقوم فيها؛ لقوله سبحانه: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103] وهذا فعل أمر موجه للنبي صلى الله عليه وسلم، والخليفة من بعده يقوم مقامه، وهكذا كل من ولي أمر المسلمين فإنه يقوم مقامه صلى الله عليه وسلم فيما يجب على الإمام: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41]، فالزكاة قرينة الصلاة في وجوبها، ومهمة أخذها وتوزيعها على من يتولى أمر المسلمين.

    وتقدم لنا بأن صدقات المسلمين تؤخذ على مياههم، يأخذها نواب ولي الأمر، فيذهبون إليهم ويحصون ما عندهم، ويأخذون ما وجب عليهم.

    ومعنى (عناقاً): هو ولد الشاة الصغير، ومعنى (عَقالاً) بالفتح: نصيب الزكاة في السنة، ومعنى (عِقالاً) بالكسر: الحبل الذي يكون في عنق البعير يعقل به حتى لا ينهض قائماً، فلكأنه يقول: لو أعطوني الإبل التي كانوا يعطونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونقصوا عقال واحدة منها لقاتلتهم عليه، فإذا كان سيقاتلهم على الحبل الذي يعقل به البعير هل يتركهم فيما وجب من بنت مخاض ولبون وحقة وجذعة ومسنة؟

    ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (من أعطاها مؤتجراً) طالباً الأجر (فبها ونعمت، ومن منعها) -أي: غير جاحد (فإنا) بالتأكيد (آخذوها) أي: بالقوة (وشطر ماله) والشطر: النصف، فلماذا يأخذ شطر ماله؟

    قالوا: هذا من باب العقوبة بالمال، والحديث فيه تتمة: (وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد).

    هذا التدليل مهم جداً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: من منعها أخذناها بالقوة، والقوة تحتاج إلى قتال، والقتال يحتاج إلى رجال، والمقاتلة لابد فيها من ضحايا، فنضحي ببعض المسلمين من أجل دفع الزكاة! فما حظه صلى الله عليه وسلم منها حتى يقاتل عليها؟

    يقول: أنا كلفت بأخذها: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [التوبة:103]، ووجب علي القيام بهذا الواجب، مع أني لا حظ لي فيها، أي: فيقوم فيها لمصلحتكم أنتم، فقيامه صلى الله عليه وسلم في الزكاة فمصلحة لمصلحة الأغنياء والفقراء، فمصلحة الأغنياء: إبراء ذمتهم، ومصلحة الفقراء: إيصال حقهم إليهم.

    فرض الزكاة حفظ لكرامة المساكين

    ومن هنا -أيها الإخوة- نعلم أن فرض الزكاة للفقراء ليس معناه إذلالهم ولا إراقة مياه وجوههم، بل يأخذونها مع حفظ كرامتهم، وقد قال سبحانه: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264]، ثم بين أيضاً فقال: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، وكل ذلك حفاظاً على كرامة الإنسان؛ لأن الفقر والغناء ابتلاء من الله، لو شاء لحوَّل المال من الغني إلى الفقير:

    وما يدري الفقير متى غناه ما يدري الغني متى يعيل

    وما تدري وإن ضمرت صقباً لمن يكون ذاك الفصيل

    فلو ولدت الناقة وأنت قمت على الفصيل الصغير ونظفته وهذبته وفعلت كل شيء، فإنك لا تدري هو لك أو تذهب وتدعه لغيرك.

    إذاً: الابتلاء بالمال في الغنى وفي الفقر امتحان من الله للعبد؛ أيشكر الغني على غناه؟! ويصبر الفقير على فقره؟! فمن هنا كان هذا الحق مع كرامة المسكين، فإنه لم يقل له: اذهب وخذ حقك من الأغنياء؛ لأنهما ربما يعطونه وربما يماطلونه أو يعقدون الوجه في وجهه، ولذا كلف الرسول الكريم -وهي لا تحل له- بأن يقوم عليها ويأخذها، ومن امتنع قاتله وأخذها عنوة، وأخذ شطر ماله.

    العقوبة المالية

    وهنا يبحث العلماء في هذا الحديث: فهو من حيث السند متكلم فيه، ومن حيث المعنى هل في الإسلام عقوبات مالية؟

    قالوا: نعم، وهذا دليلها.

    ثم قالوا: في الغاصب أيضاً إذا كان قد أنشأ فيما غصب زرعاً أو بناءً هدم عليه؛ عقوبة له على غصبه.

    إذاً: العقوبة المالية موجودة، ولكن بعض المتأخرين -وخاصة شارح هذا الكتاب- يقول: إننا إذا وسعنا الأمر لولاة الأمر في العقوبات المالية فلربما تطلعت نفوس الضعفاء منهم إلى أموال الرعية، فتذرعوا بأوهى الأسباب ليأخذوا الأموال قهراً، وليأخذوها بغير حق، وبادعاء أنها عقوبة مالية، ولذا نقول: لا ينبغي أن يتعدى ولي أمر في عقوبة مالية إلا ما ورد به الشرع.

    وهنا قال: (أخذناها وشطر ماله)، الشطر: النصف (عزمة من عزمات ربنا) أي: ليس فيها هوادة ولا تساهل.

    تعطل حق آل البيت من الخمس هل يبيح لهم الصدقة

    وليس لمحمد ولا لآل محمد منها شيء) أي: حتى آل البيت ليس لهم من هذه الصدقات شيء.

    ولكن في الوقت الحاضر يوجد أناس من آل البيت، وكان لهم في السابق سهم في الخمس، وكانوا يأخذون ما يكفيهم من خمس الغنائم من سهم الله ورسوله وذوي القربى، وكانوا يستغنون بذلك، فالآن لا خمس ولا سدس، فقد تعطل حقهم في المال.

    فإذا وجد من آل البيت من يستحق الصدقة لو لم يكن من آل البيت؛ أنتركه يجوع لأنه من آل البيت، أم أننا نعطيه بصفة الفاقة والحاجة ويكون قد أخذ لا لأنه من آل البيت، بل لأنه فرد مسلم مستحق محتاج؟

    والذي حرمها على آل البيت ما قاله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصدقة أوساخ الناس) ولا يليق بآل بيت رسول الله الذين يريد الله أن يطهرهم تطهيراً أن يتناولوا أوساخ الناس، ولكن ما دام الحق الأساسي قد تعطل عليهم، وأصبحوا بصفة الفقر أو الحاجة كغيرهم، فإذاً يعطون من الزكاة.

    وقد وقع الخلاف في عامل الزكاة إذا كان من آل البيت: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60]؛ أيأخذ أجره من الزكاة؟ فبعض العلماء يقول: لا يكون العامل من آل البيت حتى لا يأخذ أجره من الزكاة التي هي أوساخ الناس.

    وبعضهم يقول: هو يأخذ بعمله لا بكونه من آل البيت.

    والآخرون قالوا: إذا احتيج إليه فإنه يعمل ويأخذ أجره من بيت مال المسلمين الذي يمون بالفيء والغنائم.

    والذي يهمنا هنا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)، وهذا كان معمولاً به في السابق كما في قصة بريرة مولاة عائشة رضي الله تعالى عنهما، حيث اشترتها وأعتقتها، فتصدق بلحم على بريرة ؛ لأنها ليست من آل البيت، بل هي مولاة لهم، (مولى القوم من أنفسهم).

    فجاء صلى الله عليه وسلم وطلب الغداء، فقدم إليه الخبز والملح والخل، فتساءل عن سبب تقديم (الخبز والملح والخل وهو يرى البرمة تغط على النار؟ قالوا: إن ما فيها لا يصلح لك؛ لأنه لحم تصدق به على بريرة ، فقال صلى الله عليه وسلم: (هو عليها صدقة، ولنا منها هدية. وأكل منه).

    وجاء عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان يمشي ومعه الحسن فوجد تمرة في الأرض فالتقطها إلى فيه، فحالاً أدخل صلى الله عليه وسلم إصبعه في فيِّ الصبي وأخرجها وقال: كخ! كخ! ثم قال: لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لتركته يأكلها)، فإلى هذا الحد كان يتحرز صلى الله عليه وسلم من أكل الصدقة؛ لأنها من أوساخ الناس، فهي لا تحل لمحمد ولا لآله، وأبناء فاطمة من آل محمد صلى الله عليه وسلم.

    وهناك من يتكلم على هذه اللفظة (وشطر) فيقول: إن العقوبة بالمال لا تأتي، وإن الرواية (وشُطِرَ ماله)، بمعنى: قسم ماله قسمين: قسم خيار المال، وقسم رديء المال، ويأتي المصدق ويتخير من خيار المال، يعني: هو كان يمتنع من تقديم الزكاة من وسط المال، فجاء عقوبة له أن تؤخذ من خيار ماله رغماً عنه، ولكن الجمهور على اللفظ الأول: (آخذوها وشطْر ماله) أي: ونصف ماله معها عقوبة له على منعه للزكاة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089152017

    عدد مرات الحفظ

    782218126