إسلام ويب

كتاب الزكاة - مقدمة كتاب الزكاة [6]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفق باليتيم والإحسان إليه حتى في ماله، بأن يتاجر له فيه حتى لا تأكل ماله الزكاة، وللعلماء خلاف في مسألة إخراج الزكاة من ماله قبل البلوغ. كما جاء الخلاف في صحة إخراج الزكاة قبل حلول الحول فيها، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه العباس.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    فيقول المصنف رحمه الله: [ وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ولي يتيماً له مال فليتجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) ].

    هذه القضية وقع الخلاف فيها بين الإمام أبي حنيفة رحمه الله وبين الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد.

    فإذا كان المال لإنسان كبير بالغ رشيد مكلف فإن من أركان الإسلام أن يؤدي زكاة ماله، أما إذا كان المال ليتيم، أي: لصبي قاصر عن سن الحُلُم، واليتيم: هو من توفي أبوه قبل بلوغه، واليتيم في الحيوانات: من توفيت أمه، واليتيم في الطيور: من توفي أبوه وأمه.

    وإذا كان الطفل يتيماً فلا بد أن يقام عليه ولي يرعى شئونه، ويدبر حاله من تعليمه، والحرص على ماله إن كان له مال، وتنميته ومراعاته حتى لا يضيع.

    فيتيم ورث عن أبيه مالاً، هذا المال فيه زكاة، والمال الزكوي على قسمين:

    مال خفي: وهو ما يتعلق بالنقد من الذهب والفضة، والأوراق النقدية في الوقت الحاضر.

    ومال ظاهر: وهو بهيمة الأنعام والزروع.

    فالمال الخفي يقول الجمهور: فيه زكاة.

    والإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول: لا زكاة عليه حال يتمه، ولكنه إذا بلغ ورشد واستلم ماله من الوصي زكاه.

    استحباب الاتجار بمال اليتيم

    وقوله في الحديث: (من ولي يتيماً) أي: صار ولياً عليه، سواء كان أمه أو عمه أو أخاه الأكبر أو شخصاً أجنبياً يقيمه الحاكم؛ فالذي يلي مال اليتيم، وكان لهذا اليتيم مال فلا يجعله في الصندوق، بل يتجر فيه؛ لينمو ويربح، حتى إذا حال عليه الحول وأخرج الزكاة لم ينقص رأس المال الأساسي، وهكذا يحول الحول الثاني ويخرج الزكاة، فيكون نماء المال وربحه ضماناً لرأس المال.

    ويقول صلى الله عليه وسلم: (فليتجر به) أي: برأس مال اليتيم؛ لأنه باتجاره فيه ينمو، فإذا ما أخرجنا الزكاة منه حافظ على مستواه، فلا ينقص، بل يزيد، أما إذا لم نتجر فيه وتركناه في الصندوق، وحال عليه الحول، وأخذنا منه (2.5%)، والسنة الثانية أخذنا منه (2.5%) وهكذا إلى السنة العاشرة؛ فعشر سنوات في اثنين ونصف في المائة ماذا يبقى؟ كأنا تركنا مال اليتيم للزكاة تأكله.

    إذاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (فليتجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) دليل للجمهور على أن مال اليتيم يزكى، لأنه لو لم يزك لم تأكله الصدقة.

    الدليل على عدم وجوب الاتجار بمال اليتيم

    جاء عن علي رضي الله تعالى عنه أن آل أبي أوفى كانوا أيتاماً، ولهم عنده مال وديعة، وبعد أن بلغوا سن الرشد دفع إليهم مالهم، فحسبوه فوجدوه ناقصاً، قالوا: المال ناقص يا علي . قال: هل حسبتم زكاته؟ قالوا: لا. قال: احسبوها. فحسبوا زكاة تلك السنوات فوجدوه تاماً بزكاته، فقال: أترون أن يكون عندي مال ولا أخرج زكاته؟

    وهنا أصبحنا في إشكال، فهذا علي لم يتجر بالمال، وتركه حتى أكلت الزكاة منه واستنقصه أصحابه؟ وهنا قال: (فليتجر له) فهل يجب على الولي أن يتجر في مال اليتيم أم أن هذا من باب النصح والرشد؟

    نقول: الولي ما تولى لليتيم إلا للعمل على صلاحية حاله، واتفق الأصوليون على معنى قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [النساء:10] فقالوا: كل من أتلف على يتيم مالاً، سواء أكله بفيه أو أحرقه بنار أو أغرقه في ماء، أو سلط عليه بهيمة، فهو داخل في عموم الوعيد: إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10].

    بقي لنا هذا: هو لم يأكله، ولكن ترك تنميته، فالأصوليون أيضاً يقولون: الترك فعل، كما يذكر والدنا الشيخ الأمين في مراقي السعود: (والترك فعل في صحيح المذهب)، وكما قال الصحابة: (لئن قعدنا والنبي يعمل -أي: في بناء هذا المسجد النبوي الشريف- لذاك منا العمل المضلل)، فهم بالقعود ما عملوا شيئاً لكن قعدوا عن العمل، فترك العمل والقعود بدون عمل فعل، كما قال صاحب مراقي السعود:

    فالترك فعل، بمعنى: لو أن إنساناً على شاطئ نهر، وجاء كفيف ولا يعلم بحافة النهر، وهو يراه متجهاً إلى الماء، فإنه سيغرق، فلو تركه فلم ينبهه حتى سقط في الماء فغرق، هل هو عمل شيئاً في غرقه؟ ما عمل، ولكنه مسئول؛ لأنه ترك إرشاده، وهكذا من ترك شيئاً قادراً على أن يفعله وترتب على تركه مفسدة، فهو مسئول عنها.

    وهنا علي رضي الله تعالى عنه ترك العمل في مال الأيتام عنده، فيقال في العمل في مال اليتيم: إن كان العامل من أرباب الخبرة، ولديه المتسع، ويمكن أن يعمل في مال اليتيم وينميه، فعليه أن يعمل، أو يضعه في يد أمين يعمل، أما إذا كان لا يضمن الربح، أو يخشى إن وضعه في يد آخر أن ينكره أو يهمله، فبقاؤه في محله أولى.

    دليل أبي حنيفة على عدم وجوب الزكاة في مال اليتيم والجواب عليه

    والإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول: الزكاة عبادة وتحتاج إلى النية، والصغير غير المكلف لا نية له، فكيف يؤدي عبادة بدون نية.

    قال: فالزكاة كالصلاة، ولا تجب عليه الصلاة إلا إذا عقل وأدرك وصحت منه النية، وكذلك الصوم.

    قال الجمهور: إنما ذلك في العبادة البدنية، أما العبادة المالية فلا تتوقف على النية، ووليه هو المكلف، فهو يقوم بذلك نيابة عنه، أرأيت لو أن هذا اليتيم لحقه دين، وجاء الولي واستولى على هذا المال بولايته ووصايته على هذا الصغير، أترونه يسد الدين عنه أم لا؟

    وعلى هذا لو أن اليتيم لحقه حق في المال، وطولب به الولي، فإن الولي يدفع هذا الحق من مال الصبي وفاءً بدينه، ولا يتوقف على كونه صغيراً لا نية له، فقالوا: الزكاة حق في المال، وله تعلق بالذمة -أي: بذمة المالك- ليبرئ ذمته بقصد إخراجه طاعة لله.

    وكذلك الحديث الماضي: (أخذناها وشطر ماله) هل كان له نية في هذه أم أخذت بالقوة؟ أخذت بالقوة، قالوا: فتجزئ عنه ولو لم ينو إخراجها، لكن ثوابها على أنها أداء ركن في الإسلام ليس له؛ لأنه لم يدفعها طواعية.

    تفصيل مذهب أبي حنيفة في زكاة مال اليتيم

    إلى هنا الأئمة الثلاثة يقولون: في مال اليتيم زكاة أياً كان نوعها، والولي يقوم مقامه في إخراجها والنية عنه، والإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول: الزكاة عبادة، والعبادة لا تتأتى إلا من البالغ المكلف، فيترك المال بزكاته حتى يبلغ ويرشد الصبي، فيدفع إليه ماله ويقال له: الزكاة في مالك من سنة كذا، ويتولى هو إخراج زكاة ماله بنفسه. هذا عند الإمام أبي حنيفة ، وخالفه بعض أصحابه في ذلك.

    إلا أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله يستثني من عموم المال ما تخرجه الأرض، فيقول: إذا كان الصبي يمتلك مزرعة، والمزرعة جاءت بما تجب فيه الزكاة، فإن على الولي أن يخرج زكاة ما تخرجه الأرض من ملك اليتيم، ولا ينتظر به إلى أن يبلغ.. قال: لأن الله سبحانه وتعالى علق زكاة ما تخرجه الأرض بعينه، قال تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141] فأمر المولى بإخراج زكاة ما تخرج الأرض يوم الحصاد، واليتيم لا دخل له في ذلك.

    وسيأتي ما هي الأنواع التي تزكى مما تخرجه الأرض أو لا يزكى.

    ومال اليتيم: إما نقد وإما بهيمة الأنعام وإما زروع، أما النقد وبهيمة الأنعام فالإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول: لا يزكى مال اليتيم في النقدين وبهيمة الأنعام، وتترك حتى يبلغ ويستلم ماله، ثم هو الذي يتولى إخراج زكاته، أما الزكوي مما تخرجه الأرض فإن وليه يخرجه يوم حصاده، هذا ما يتعلق بمال اليتيم، والقاصر كالمجنون والمعتوه ونحو ذلك.

    والله تعالى أعلم.

    ترجيح القول بوجوب الزكاة في مال اليتيم

    وهذه القضية من القضايا التي تعم بها البلوى، لأنه لا تخلو قرية من يتيم، ولا يخلو يتيم في الغالب من مال، فإذا كانت المسألة على هذه الحال، فربما نجد فيما تقدم لنا من حديث معاذ رضي الله تعالى عنه ما يشهد للأئمة الثلاثة، وهو: أن معاذاً لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له: (فأعلمهم بأن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم).

    ونحن نسأل في كلمة (أغنيائهم): اليتيم إذا كان عنده ألف رأس من الإبل أو من الغنم، وإذا كان عنده ألف دينار أو ألفا درهم من الفضة، فهو غني أم فقير؟

    الجواب: هو غني، فيدخل في عموم الأغنياء، فتؤخذ منه الزكاة كما تؤخذ من الأغنياء الكبار.

    وإذا جئنا في تقسيم الزكاة: (تعطى إلى فقرائهم)، هل نعطيها لليتيم الفقير أم نقول: هذا اليتيم ليس مكلفاً، ولا يصح أن يقبض الزكاة؟

    الجواب: أنه أحق من غيره، فإذا كان مع اليتم يأخذ من الزكاة، إذاً: مع اليتم يعطي الزكاة، فهذا في عموم (أغنيائهم) وهذا في عموم (فقرائهم).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089308076

    عدد مرات الحفظ

    783523899