إسلام ويب

كتاب الزكاة - مقدمة كتاب الزكاة [10]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كثرت أنواع التجارات في عصرنا الحاصر، وتنوعت طرقها وأساليبها، وتداخلت معاملاتها، فيحتاج المرء إلى فقه صحيح حتى يعرف ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب، وكذلك استحدثت المصانع الاستثمارية والاستهلاكية، والتي تحتاج إل بيان ضوابط الزكاة فيها.
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً.

    أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله: [ وعن أم سلمة رضي الله عنها: (أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب، فقالت: يا رسول الله! أكنز هو؟ قال: إذا أديتِ زكاته فليس بكنز) رواه أبو داود والدارقطني وصححه الحاكم ].

    فمفهوم: (إذا أديتِ زكاته فليس بكنز) أن ما لم يؤد زكاته فهو كنز، ولما سئل ابن عباس رضي الله تعالى عنه -وهو من الذين يقولون بزكاة الحلي المستعمل-: (ما هو الكنز يا ابن عباس ؟! قال: ما لم يؤد زكاته ولو على وجه الأرض، وما أديت زكاته فليس بكنزٍ ولو كان مدفوناً تحت الأرض).

    إذاً الكنز في اللغة: المكنوز الموجود دفيناً في الأرض.

    وفي الشرع: ما أديت زكاته فليس بكنز، وما لم تؤد زكاته فهو كنز.

    قال المصنف رحمه الله: [ وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع) رواه أبو داود ، وإسناده لين ].

    بعدما أنهى المصنف رحمه الله تعالى بيان زكاة الأموال الزكوية المجمع عليها جاء بهذا النوع من أنواع الأموال الزكوية، وإن كان انتهى الخلاف فيها، وصار الأمر فيها إلى الإجماع، لكنه أخرها تبعاً لما قبلها، وتقدم البيان في زكاة بهيمة الأنعام، وفي الذهب والفضة، وفيما تنبته الأرض من حبوب وثمار، على ما فيه خلاف واتفاق.

    وهنا ما يسمى عند الجمهور بزكاة عروض التجارة، فيأتي المؤلف رحمه الله بهذا الحديث عن سمرة بن جندب : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع) والذي يعد للبيع هو عروض التجارة، وفرق بين ما يكتسبه الإنسان ويقتنيه لشخصه، وبين ما يقتنيه ليتاجر فيه وينتظر الربح، وعروض التجارة كان يوجد فيها خلاف سابق، وقد انتهى الخلاف وحكى ابن المنذر الإجماع على وجوب الزكاة فيها.

    الأدلة على زكاة عروض التجارة

    ومما يستدل به على وجوب زكاة عروض التجارة قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ [البقرة:267] فالطيب: هو الحلال، والخبيث: هو الحرام.

    والآخرون يقولون: الطيب: الجيد الذي ترتضيه النفس، والخبيث: هو الرديء الذي لا تستطيبه النفس.

    وذكروا في أسباب نزولها: أن الأنصار كانوا في أول الأمر إذا طابت الثمار يأتي الواحد منهم بالقنو ويعلقه لأهل الصفة يأكلون منه، وكان عامة الناس يأتون بالجيد من أنواع التمر أو الرطب، وكان بعض الناس -كما يقولون- يرائي الآخرين فيأتي بالحشف، وبالنوع الذي ليس مقبولاً أو محبوباً عند الناس، فأنزل الله هذه الآية.

    وقوله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] قالوا: الحرام، وقيل: إنه رديء التمر.

    وقوله سبحانه: أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267] وطيبات الكسب قالوا: عطف عليه: ممَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ [البقرة:267] وهذا هو زكاة المزروعات أو ما تخرجه الأرض من حبوب وثمار، أو من نبات على التعميم، و(مَا كَسَبْتُمْ) يختص بالتجارة؛ لأنه العمل الذي يكتسب به الإنسان منفرداً بخلاف ما تخرج الأرض؛ لأن إخراج الأرض فيه جانبٌ آخر: وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ [البقرة:267] ، فهناك عامل آخر وهو أن المولى سبحانه وتعالى هو الذي يعطي: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الواقعة:63-64] فالله سبحانه وتعالى يعطي العبد من خيرات الأرض.

    وليس ما تنبته الأرض خالص عمل الإنسان وحده، بخلاف التجارة، وإن كان الكل من عند الله، والربح رزق من الله، والتوفيق في التجارة من الله، لكن السبب المباشر أو اليد المباشرة في التجارة هي الإنسان، والشيء المباشر في الأرض هو الإنسان ومن ورائه القادر سبحانه وتعالى على إنبات النبات وعلى إتيان النبات بالحب، وكذلك إنبات الشجر، وإتيان الشجر بالثمر، فهذا فيه صنع المولى سبحانه وتعالى.

    إذاً: (ما أخرج الله من الأرض) قسم، و(طيبات ما كسبتم) قسم، فيكون (طيبات ما كسبتم) المراد منه التجارة، والصناعة، ومن هذا القبيل، وقد انتهى الأمر عند العلماء وأصبح كما قال ابن المنذر : إجماع المسلمين على وجوب الزكاة في عروض التجارة.

    ومن العمومات أيضاً قوله سبحانه مخاطباً سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، والأموال جمع مال، وأبرز أنواع الأموال التجارة، وهي كما يقال: العنصر الفعال في تنمية الأموال من حيث هي، فـ(مِنْ أَمْوَالِهِمْ) تشمل كل الممتلكات بما فيها مبدئياً وأولياً أمر التجارة.

    وجاء عنه رضي الله تعالى عنه: أنه لقي فلاناً، فقال: (يا فلان! أدِ زكاة مالك، قال: ما عندي إلا جعاب أذن، قال: قدِّرها وأد زكاتها)، أي: كان الرجل يحمل جلوداً، فقال: أد زكاة مالك، قال: ما عندي إلا هذه الجلود أعملها حقائب وأبيعها، قال: أدِ زكاتها.

    وهناك أيضاً آثار ومنها: (كان يأمرنا صلى الله عليه وسلم أن نؤدي زكاة البز)، والبز: بالباء والزاي نوع من القماش بين الحرير والقطن، أو مختلط منهما، وبعض العلماء يقولون: إنما هي محرفة عن البر، والبر مما تنبت الأرض، وليس داخلاً في عروض التجارة، فأجيب عن ذلك: إن التحريف بعيد؛ لأن الأحاديث إنما تروى بالسماع ولا تروى بالكتابة، وما كانت الكتابة إلا متأخرة فيما بعد، وكانت كتابة الحديث في أول الأمر نادرة، فكانت تلقى الأحاديث سماعاً، وفرقٌ بين سماع البر (بالباء والراء) والبز (بالباء والزاي).

    ما أعد للقنية فلا زكاة فيه، وما أعد للتجارة ففيه الزكاة ولو عقاراً

    وأجمعوا على أن ما اشتري للقنية ولو كان كثيراً فلا زكاة فيه، فمثلاً: إنسان اشترى مائة كيس ووضعها في البيت، ولديه أولاد وعوائل يأخذون منها السنة والسنتين، فلا زكاة في هذه، وإن كان أخذ عشرة أكياس ووضعها في دكان من أجل أن يبيع فيها ويشتري بأثمانها غيرها، يقصد بذلك الربح والبيع والشراء فإن فيها الزكاة.

    وأجمعوا على أن كل ما اتخذ للتبادل التجاري بقصد النماء وهو الربح وإن احتمل الخسارة أنه زكوي، أي: من عروض التجارة، سواء كان ذلك من الأراضي البيضاء كأن يتاجر مثلاً في عقار مخطط، فيشتري قطعتين أو ثلاثاً من أجل أن يبيعها فيما بعد عندما ينتهي الحراج، وتنتهي القطع الموجودة وتبدأ الرغبات، فيبيع بما فيه ربح، أو كان من عمائر، كأن اشترى عمارة لا ليسكنها ولا ليؤجرها، ولكن وجدها رخيصة وعلم بأن العمائر والعقار سترتفع أثمانها فاشترى عمارة أو عمائر من أجل أن يبيعها، وسواء كان المالك شخصاً واحداً أو كانوا جماعة اشتركوا في الأرض أو في العمارة؛ ففيه الزكاة.

    أما إذا اشترى الأرض لنفسه؛ أو ليعطي فيما بعد كل واحد من أولاده قطعة، أو تركها للزمن، حتى إذا احتاج باعها أو عمرها فهذه التي للقنية وللتعمير لا زكاة فيها، والتي للتجارة فيها الزكاة، وإذا اشترى العمارة لا للبيع ولا للشراء، ولكن للاستثمار، كأن يؤجر شققاً ويأخذ أجرتها، وليس عنده نية بيع العمارة بذاتها، ومن بعده يرثه أولاده ويستفيدون من إيجار شققها كمورد رزق لهم، فهذه لا زكاة فيها، وإنما ينظر إلى الأجرة التي تأتيه على حسب رصد البلد، إن كانت تؤخذ الأجرة في أول السنة، أو تؤخذ في آخر السنة، فمطلق أجرة العمارة أو أجرة الأرض، تدخل في الكسب وتكون من نوع زكاة الأموال غير التجارية.

    إذاً: الأعيان التجارية سواء كانت أرضاً بيضاء أو عمائر، أو سيارات، أو بواخر، أو طائرات، أو من المواد الغذائية، من الملح إلى العسل، كل ذلك إذا أخذه ليبيع ويشتري فإنه عروض تجارة، فلو اتخذ غنماً للبيع والشراء، كهؤلاء الذين يتاجرون بها من خارج المملكة، الذين لا يأتون بها للقنية والحليب والنسل والزيادة، وإنما يأتون بها ليكتسبون بأثمانها، فهذه عروض تجارة، فلا تزكى على عدد الأربعين شاة على أنها بهيمة أنعام بشرط السوم وحولان الحول، بل تزكى على أنها عروض تجارة فتزكى قيمتها، لأنها ليست مقصورة للقنية والنماء والنسل، ولكنها جلبت لتكون عروض تجارة، وكما تقدم أنه لا ثنائية في الزكاة، فلا يؤخذ منها الزكاة باعتبارين: اعتبار القنية، واعتبار التجارة.

    وكذلك الإبل والبقر إذا جلبها ليبيعها فإنها تعتبر عروض تجارة، فلا تزكى زكاة بهيمة الأنعام، حتى قالوا: لو تاجر في التراب، وقد يكون التراب موضع بيع وشراء، وقد يصنع تراباً مثل الإسمنت، والجبس، والجص؛ فهذا أيضاً إذا عد للتجارة، كأن اتخذ المصنع واكتسب من ورائه، فهذه عروض تجارة.

    إذاً: عروض التجارة بدون استثناء كل ما أعد للبيع والشراء بقصد الربح.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089174223

    عدد مرات الحفظ

    782441669