إسلام ويب

كتاب الصيام - مقدمة كتاب الصيام [2]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الشريعة الإسلامية مبنية على السماحة والتيسير، ومن ذلك جعلها العبادات علامات يعرفها العامة والخاصة، فالصوم لا يجب إلا برؤية الهلال، فإن لم يُر فقد أغلقت الشريعة باب التنطع، وأوجبت أن يتم شعبان ثلاثين يوماً، وبهذا ينتظم الصوم، ويزول الشك والارتياب، وتحصل الطمأنينة والانشراح.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    وبعد:

    الإمام مالك رحمه الله يقول: يمتنع صوم يوم الشك، حتى لو أن إنساناً قال: أنا أصومه على أنه إن كان من رمضان فقد صمت رمضان، وإن لم يكن من رمضان وثبت أنه من شعبان فأنا أعتبره نافلة، يقول مالك : لو فعل ذلك لا يصح له رمضان إن كان رمضان، ولا يصح له نافلة إن كان من شعبان، يعني: أتعب نفسه بالجوع والعطش بدون فائدة وبدون مقابل، لماذا؟

    قال: لأن صوم الفرض لابد فيه من تبييت النية جازماً، أما أن تقول: إن كان وإن لم يكن فلا يصلح، مثل أن تأتي في الصلاة وتكبر تكبيرة الإحرام: الله أكبر. ولو أنك قلت: الله أكبر. ونويت لو دق إنسان الباب لتركت الصلاة، وذهبت إليه، أو قلت في نفسك: لو ناداني إنسان لانصرفت من الصلاة وذهبت إليه، لو حضر هذا الاعتقاد عند تكبيرك للإحرام لا تنعقد الصلاة؛ لأنها مفروضة على الجزم والقطع، وأنت هنا تنوي إن كان من رمضان فرمضان! لا يا أخي! لا يقبل الله منك هذا، يجب أن تكون النية لرمضان قطعاً، وأنت لست جازماً أنه رمضان قطعاً، أنت عندك شك. فإن قال: أجعلها نافلة. قلنا: كلا، أنت لم تنو النافلة، أنت شركت بين النافلة والفرض، وهذا لا يصلح.

    إذاً: لا ينبغي لأحد أن تحدثه نفسه أن يصوم اليوم الذي يشك فيه احتياطاً أو تقديراً أو استعداداً أو بأي معنى يخطر بالبال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم اليوم الذي يشك فيه.

    هذا ما يتعلق باستقبال رمضان وحفظه وصيانته من أن يتطرق إليه زيادة في أوله أو زيادة في آخره، فيضيع عنا الشهر، وبحمد الله أنه بهذه السنة المتواترة بقي رمضان على ما هو عليه، ونعمة من الله أن تظل الحالة على ما هي عليه، يتطلع الناس إلى الرؤية، ويوجد من يعرف مطالع القمر ويتحرى رؤيته، ونصوم على الرؤية، ونفطر على الرؤية.

    لا تجوز الزيادة في الفرض

    ومن فوائد هذين الحديثين: أنه لا ينبغي أن يزاد في الفرض باسم التطوع، كما سئل مالك رحمه الله: أراد إنسان أن يخرج زكاة الفطر -وهي صاع- فأراد من باب القربة أن يخرج صاعاً ونصف؟ قال: لا، ليفصل الفرض -وهو الصاع-، ثم يتطوع بما شاء.

    وهذا من بُعد النظر والفقه؛ لأننا لو تساهلنا وقبلنا الزيادة على الفرض، ستأتي زيادة أخرى، ويزيد آخر، حتى يضيع الحد الأساسي المفروض، وتصبح المسألة اجتهادية لا فرضية، وهكذا إذا أراد في الطواف أن يزيد شوطاً، أو في السعي أن يزيد شوطاً تطوعاً، فيقال له: لا، أد الفرض الواجب أولاً، ثم افعل ما شئت من نوافل، وينبغي الحفاظ على ما هو مشروع في حدوده.

    والأصوليون يبحثون هذه المسألة فيما إذا كان الفرض والنفل مندمجين ولا فصل بينهما، فهل الجميع يكون فرضاً أو يجزئ من مجموع ذلك الفرض ويلغى الباقي؟ ومثلوا لذلك في الركوع والسجود، فالقدر الواجب في الركوع هو قدر الطمأنينة، وقدره بعض العلماء بثلاث تسبيحات، فإذا أطال في ركوعه بما يسع ثلاثين تسبيحة فهل هذا الركوع الطويل كله هو الفرض في الصلاة أو أن الفرض منه مقدار الثلاث تسبيحات والباقي يعتبر تطوعاً؟

    الأصوليون يختلفون في ذلك، وأكثرهم يقول: الفرض معتبر بقدره، وما زاد عنه فهو تطوع.

    اليقين لا يزول بالشك

    حديث: النهي عن صوم يوم الشك؛ هناك قاعدة أصولية أخرى، وهي: أن اليقين لا يرفع بشك، فإذا كنا في شعبان فنحن على يقين من الفطر، فإذا حصل شك في يوم الثلاثين من شعبان، ولم نتبين دخول رمضان من غيره، فنحن على يقين سابق وهو: فطر شعبان، فنستمر على هذا اليقين حتى يأتي يقين آخر ينقلنا عنه، واليقين الآخر إما برؤية، وإما بإكمال العدد كما سيأتي.

    وفي نهاية رمضان إذا حصل غيم كما حصل في دخول رمضان فاليقين لا يرفع بشك، فنحن في رمضان على يقين من الصيام، فإذا لم يأت يقين ينقلنا من الصوم إلى الفطر فنبقى على اليقين وهو الصوم، حتى نستيقن ثبوت شوال بعدد أو برؤية، وقدمنا عن مالك رحمه الله أن من بيّت النية لليوم الذي يشك فيه على أنه إن كان رمضان فلرمضان، وإن لم يكن رمضان فنافلة في شعبان، لو ثبت أنه من رمضان لم يجزئه صوم هذا اليوم؛ لعدم اعتبار تلك النية؛ لأنه لم يجزم ولم يقطع بها، ولم يكن على يقين من رمضان، ولا يحسب له صوم نافلة؛ لأنه أيضاً لم يجزم بنية النافلة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089180224

    عدد مرات الحفظ

    782493914