إسلام ويب

كتاب الصيام - باب الاعتكاف وقيام رمضان [2]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جعل الله عز وجل مواسم للخير في كل السنة، من أجل مضاعفة الحسنات وتكفير السيئات، وتجديد النشاط والهمة عند الإنسان، ومن تلك المواسم العشر الأواخر من رمضان، فقد حث الشرع ورغب في الاعتكاف فيها والتفرغ لعبادة الله سبحانه وتعالى، وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر التفرغ المطلق للعبادة والقيام فيها تحرياً لليلة القدر التي تأتي في إحدى ليالي هذه العشر.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه.

    أما بعد:

    قال المصنف رحمه الله: [وعنها رضي الله عنها قالت: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل عليَّ رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً) متفق عليه، واللفظ للبخاري ].

    في هذا الحديث الثاني تقول لنا رضي الله تعالى عنها: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في المسجد ليدني -أو ليدخل- عليَّ رأسه فأرجله)، زاد البخاري في رواية هذا الحديث: (وأنا حائض)، وللعلماء هنا مباحث عديدة تحت هذا الحديث: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل عليَّ)، فأين كانت رضي الله عنها؟

    الجواب: أنها كانت في حجرتها، وبين الحجرة وبين المسجد فتحة الباب التي في الجدار، إذاً: كان صلى الله عليه وسلم يستلقي بجسده الشريف في المسجد موضع الاعتكاف ويخرج رأسه عن المسجد إلى الحجرة وتتولى أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها ترجيل شعره، والترجيل هو المسمى الآن بالتسريح وهو: تطييب الشعر وتنظيفه.

    وبوب البخاري مرة أخرى على هذا الحديث (باب غسل المعتكف رأسه)، ومن مباحث هذا الحديث: أن للمعتكف أن يرجل شعره، وقاسوا على الترجيل الطيب والزينة، وقاسوا على ذلك حاجته في غير الضرورة ما دام في المسجد.

    حكم مباشرة المعتكف لزوجته

    وأخذوا من هذا الحديث أيضاً: جواز مباشرة المعتكف لزوجه حال اعتكافه، وأجابوا عن الآية الكريمة: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، فقالوا: المباشرة الواردة في الآية والمنهي عنها هي الجماع، أما المباشرة الجائزة فكما في فعل عائشة ، والمباشرة مأخوذة من البشرة وهي الجلد لمباشرته الهواء والفضاء، والمباشرة هي: ملامسة البشرة للبشرة، ولذا سمي بنو آدم بشراً؛ لأن بشرتهم وهي الجلدة مكشوفة بخلاف الطيور والحيوانات فإنها مكسوة، إما بالريش في الطيور، وأما بالشعر والصوف في الحيوانات.

    فهنا قالوا: المباشرة المنهي عنها في الآية الكريمة إنما هي الجماع، كما جاء في أول الآية: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187] أي: من الولد.

    فالمباشرة تطلق بالمعنى الأعم وهو مجرد التقاء البشرة بالبشرة، وبالمعنى الأخص وهو الجماع، كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن ربكم حيي كريم يكني ولا يصرح، ففي قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187] كناية، وهي كناية لطيفة، وكذلك في آخر الآية: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] يعني: إذا كان أحدكم معتكفاً وخرج إلى بيته لحاجة فلقي أهله فلا يباشرها وإن كان في البيت وليلاً؛ لأنه معتكف ومنقطع إلى الله سبحانه وتعالى.

    فقال العلماء: المباشرة التي هي دون الجماع جائزة للمعتكف؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمكن عائشة من أن تباشر ترجيل شعره، ومعلوم أن مجرد ترجيل الشعر ليس خاصاً بهذه الأسلاك الناعمة التي لا تسري فيها حرارة، بل لابد أن تمس جلدة الرأس، ولابد أن تمس جانباً من الوجه، ولابد أن تمس جزءاً من الرقبة، فهذه مباشرة لا مانع للمعتكف من فعلها، وأيضاً كون المرأة حائضاً لا يمنع من أن تخدم زوجها، ولو كان متلبساً بالعبادة.

    حكم خروج المعتكف إلى بيته لحاجة

    قوله: (وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة).

    في قولها: (وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة) جاء عند البخاري ومسلم زيادة وهي: (لحاجة الإنسان)، وهذه كناية أيضاً؛ لأن حاجة الإنسان من الأمر الذي لا يستغني عنه قط، وهي حاجة الحيوان أيضاً، وقد فسرها سفيان الثوري : بالبول والغائط، فكان صلى الله عليه وسلم إذا كان في معتكفه لا يدخل البيت إلا للضرورة.

    وهنا قال العلماء: إذا دعت الظروف لحاجة أخرى سوى الضرورية التي هي البول والغائط فيجوز أن يدخل المعتكف البيت، كما لو احتاج إلى التداوي، أو احتاج إلى حجامة، أو احتاج إلى فصد، والحجامة لا تتأتى في المسجد مخافة من تلويثه بالدم، وكذلك الفصد وكذلك التداوي، فإذا كانت هناك ضرورة تقتضي دخوله البيت دخل للضرورة، وإذا دخل للضرورة امتنع عليه الذي يمتنع على المعتكف من المباشرة التي هي الجماع.

    قوله: (وكان لا يدخل بيته إلا لحاجة الإنسان) الرسول صلى الله عليه وسلم كان بيته في المسجد، ففرع الأئمة رحمهم الله على ذلك وقالوا: لو كان للإنسان بيتان: بيت قريب من المسجد، وبيت بعيد عنه، وكلاهما له فيه زوجة وأهل، فهل يحق له أن يعمد إلى البيت البعيد ويطيل المسافة والزمن بعداً عن معتكفه، أو يتعين عليه أن يقضي حاجته في البيت القريب؟ ومثله إذا كان له صديق وبيته بجوار المسجد وأذن له صديقه أن يقضي حاجته عنده، فهل يلزمه أن يقضي حاجته في بيت صديقه القريب لقربه أو لا؟

    أما بيت صديقه فيتفقون على أنه لا يلزمه؛ لأن الإنسان قد يستحي في هذه الحالة، ولا يأخذ راحته كاملةً إلا في بيته.

    أما البيت البعيد والقريب فإن الجمهور على أنهما سواء، ولكن الأولى والأفضل أن يختار الأقرب اختصاراً للوقت وتقليلاً لبعده وانقطاعه عن محل معتكفه.

    وهكذا الآن في الوقت الحاضر توجد محلات المياضي حول المسجد، فإذا كانت هذه المياضي عامة، ويمكنه أن يقضي حاجته فيها بالقدر الذي يقضيه في بيته فالأولى أن يقضي حاجته فيها، فإن كان يستحي أن يقف لينتظر محلاً يخلو، أو إذا دخل يتحفظ من صوت أو ريح، فليس بلازم عليه أن يقتصر على هذه القريبة، وله الحق في أن يذهب إلى بيته ليقضي حاجته على راحته.

    حكم خروج المعتكف للأكل والشرب وغسل الجنابة

    ومما تدعوا إليه الحاجة وهو من الضروريات الأكل والشرب، فهل للمعتكف أن يخرج إلى بيته وقت الطعام فيأكل ويرجع؟

    يقول بعضهم: لا يخرج، ويؤتى إليه بطعامه، إلا إذا لم يكن عنده من يأتي له به فيذهب ليأكل ويرجع، وهل له أن يجلس حتى ينتهي من توابع الأكل والشرب؟ قالوا: لا، هو ممنوع عليه، كما قال بعضهم، بل يقضي حاجته في بيته ويأتي يتوضأ في المسجد؛ حتى لا يمكث في البيت كثيراً، وذلك حينما كان المسجد تراباً وماء الوضوء لا يعفن المسجد، أي: إذا أمكن ذلك ولم يضر المصلين ولم يضر المسجد.

    وفترة قضاء الحاجة وفترة الوضوء أمور نسبية بسيطة فيقضي المعتكف حاجته ويتوضأ ولا شيء عليه.

    ولو أنه احتلم في معتكفه -وهذا أمر يجري على الإنسان- فلا يضر اعتكافه كما لا يضر صومه، وعليه أن يذهب إلى بيته ويغتسل؛ لأن الاغتسال ضرورةً من أجل رفع الحدث لصومه ولصلاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089155104

    عدد مرات الحفظ

    782241863