إسلام ويب

كتاب الحج - باب الفوات والإحصارللشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإحصار هو مانع يمنع الناسك من الوصول إلى البيت العتيق لأداء نسكه، وسواء كان الإحصار بمنع عدو، أو كان لمرض أو أي مانع يمنع بينه وبين أداء النسك. وقد أحصر النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فتحلل التحلل الكامل: فحلق رأسه، ونحر هديه، وأتى نساءه. والاشتراط في النسك من السنة لاسيما في هذه الأيام مع كثرة حوادث السيارات، وفائدة الاشتراط أنه يجوز للمشترط التحلل في مكانه الذي أحصر فيه، ويسقط عنه الهدي، ولا ينتظر حتى يذهب السبب ثم يمضي في نسكه.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله: [عن ابن عباس رضي عنهما قال: (قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه، وجامع نساءه، ونحر هديه حتى اعتمر عاماً قابلاً) رواه البخاري ].

    إحصار النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية

    ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يخبرنا عن إحصار رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحلله حينما أحصر، وأن هذا كان في صلح الحديبية عندما منعه المشركون من أن يصل إلى البيت، وكتبوا الاتفاقية معه أن يرجع من عامه هذا، ويأتي العام القابل، وله أن يمكث في مكة ثلاثة أيام، ولما تم الصلح وكتبت الصحيفة، وهم في منزلهم يقولون: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراوح بين الحل والحرم، لأن الحديبية على حدود حرم مكة، حتى قال بعضهم: كانت خيامهم ومساكنهم في الحل، وإذا أرادوا الصلاة تقدموا وأوقعوا الصلاة في الحرم؛ لفضيلة مضاعفة الصلاة في الحرم.

    التحلل من الإحصار: كيفيته ونوعه

    لما أحصر صلى الله عليه وسلم وتم الاتفاق -يقول ابن عباس :- (نحر هديه، وحلق شعره، وأتى النساء).

    حلق الشعر يدل على التحلل الأصغر،ولكن بقي التحلل الأكبر ولم يحصل طواف، فـابن عباس يؤكد أن تحلل النبي صلى الله عليه وسلم في إحصاره يعتبر التحلل كله: الأصغر والأكبر؛ لأنه لو لم يكن التحلل كله ما أتى نساءه، لأننا في الحج والعمرة وجدنا أنه لا يحل للإنسان الجماع إلا بعد أن يكمل النسك، وفي الحج بعد أن يطوف طواف الزيارة -الذي هو الركن الأخير في الحج- فـابن عباس رضي الله تعالى عنهما يبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أحصر بالعدو، وكان عنده موعد العام القادم، لم يمكث على إحرامه إلى العام القادم، وإنما تحلل.

    وأي أنواع التحلل تحلله صلى الله عليه وسلم في هذا الصلح؟

    التحلل كله، ونحر هديه، في الحل حيث نزلوا، أو قدموه إلى الحرم، والصحيح أنه في مكانه في الحل كما جاء عن أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها حينما دخل عليها صلى الله عليه وسلم مغضباً، فقالت: من أغضبك، أغضبه الله؟ قال: وما لي... إلخ. قالت: أتحب أن يفعلوا ذلك؟! قال: بلى. قالت: لا عليك، خذ المدية، واخرج ولا تكلمن أحداً، واعمد إلى هديك فانحره، فخرج ونحر هديه.

    إذاً: فهي رضي الله عنها ما قالت: اذهب به إلى الحرم، ولا ذهب به هو إلى الحرم، فذهب ونحر هديه حيث كان الهدي، وتسابق الناس بالنحر.

    إذاً: المحصر ينحر هديه حيثما أحصر.

    وسيأتي في النصوص: أنه نحر، ثم حلق، وأمر أصحابه بذلك، وهذا الترتيب -كما يقول بعض العلماء- واجب في حالة الإحصار، بخلاف الحج، فقد جاء: أنهم كانوا يخلون في الترتيب فكان الواحد منهم يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: ما شعرت نحرت قبل أن أرمي. قال: ارم ولا حرج. ما شعرت حلقت قبل أن أنحر؟ قال: انحر ولا حرج. وما سئل عن شيء قدم أو أخر في ذلك اليوم إلا قال: (افعل ولا حرج) لكن هنا لابد من ترتيب.

    إذاً: المحصر بالعدو أياً كان نوعه -كما يقول العلماء- سواء كان مشركاً أو معتدياً أو باغياً ظالماً، فإن المحرم يتحلل. وهل عليه هدي أو ليس عليه هدي؟

    هناك من يقول: عليه هدي لتحلله، وهناك من يقول: ليس عليه هدي، وفي كلا الأمرين جاءت النصوص، ويجمع بعض العلماء قائلاً: إن كان قد اشترط عند إهلاله وقال: محلي حيث حبستني، تحلل ولا هدي عليه، وإن لم يكن قد اشترط تحلل وعليه الهدي.

    قضاء المحصر للحج والعمرة

    ثم يأتون إلى القضاء: إن كان محصراً عن عمرة فهل يتعين عليه أن يقضي تلك العمرة، أو أن هذه العمرة قد مضت إلى سبيلها؟ وإذا كان قد أحصر عن حج فهل يقضي هذا الحج، أو أن هذه الحجة قد مضت إلى سبيلها؟

    ما يمكن أن يقال: الحجة مضت في سبيلها؛ لأن الحج فيه وقوف وسعي، وفيه أشياء كثيرة، فالذي عليه الجمهور: لا قضاء على من أحصر في نسك. وعمرة القضية -عمرة القضاء- وقد وقعت في السنة التي تليها بعدما أحصر، على حسب الشرط: يأتون بعدها في السنة القادمة، وفي نفس الشهر، ويؤدون عمرتهم؟

    قالوا: هذه العمرة ليست قضاءً عن الماضية، وإنما سميت: عمرت القضية، وعمرة القضاء؛ للمقاضاة -بين الفريقين- المكتوبة في الصحيفة، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء في السنة القادمة لم يؤكد على جميع من حضر في السنة الماضية أن يذهب ويقضي عمرته، ولم يطلب منهم ذلك وكما يذكرون عن الشافعي أنه يجزم بأن أشخاصاً حضروا العمرة الأولى في الحديبية ولم يحضروا في العمرة الثانية عمرة القضية.

    أما إذا كان أحصر في الحج فقالوا: الحج فرض في العمر مرة، وهذا الذي أحصر لم يؤد الغرض، إذاً: عزم على الحج وحيل دونه، فلا يسقط الفرض عن نفسه بل بقي عليه ويحج من قابل كما قال عمر لـأبي الدرداء وغيره.

    يعني: الحج مطلوب منك أولاً؛ لأنك لم تسقطه عنك بما أحصرت فيه، وهذا غاية ما يبحث في موضوع الفوات والإحصار.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089198791

    عدد مرات الحفظ

    782707923