إسلام ويب

شرح لمعة الاعتقاد [7]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعتقد أهل السنة والجماعة أن الله تعالى موصوف بصفة الكلام كما دل على ذلك الكتاب والسنة وأقوال السلف، وأنه سبحانه يتكلم بحرف وصوت مسموع، وأن كلامه متعلق بإرادته ومشيئته، فهو يتكلم بما شاء وكيف شاء ومتى شاء، ويعتقدون أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
    قال الموفق رحمه الله: [ومن صفات الله تعالى: أنه متكلم بكلام قديم] .

    أهل السنة يقولون: إن الله سبحانه وتعالى موصوف بهذه الصفة، وأنه يتكلم بحرف وصوت مسموع، وأن كلامه متعلق بمشيئته وإرادته، فهو يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء، كما يعتقد أهل السنة أن القرآن كلام الله حقيقةً وليس مجازاً.

    كما أن دلائل اتصاف الرب سبحانه وتعالى بالكلام متواترة في القرآن.

    فإن قيل: كيف يحصلون هذا؟

    قيل: لأن كل آية نداء في القرآن يجعلونها دليلاً على إثبات الكلام؛ وذلك لأن المنادي لا بد أن يكون متكلماً، فقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) هذه الآيات نداء، فيجعلونها من أدلة إثبات الكلام، وكذلك آيات القول: (وَقَالَ رَبُّكُمْ) فإذا أضيف القول إليه سبحانه دل على أنه متكلم، إلى أمثال ذلك.

    وقد خالف أهل السنة في هذه العقيدة الأشاعرة فقالوا: إنه معنى قائم بالنفس، ويرد عليهم بقوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143].

    فدل على أن الله تعالى تكلم بهذا الكلام بعد مجيء موسى لميقات ربه، وموسى حادث بعد أن لم يكن، وهذا الميقات متأخر عن زمنٍ سَلَفَ، إلى أمثال ذلك.

    فمع أن كلامه سبحانه أزلي، فهو مع ذلك متعلق بالإرادة والمشيئة.

    قوله: [بكلام قديم] هذا مما أخذه بعضهم على المصنف، أنه يقول عن الله: إنه متكلم بكلام قديم.

    وهذا مأخذ لفظي، فلو أن المصنف عبر بما هو أجود منه لكان حسناً.

    أما أنه يقال: إن كلامه هنا غلط بيِّن، وأنه من كلام أهل البدع ومصطلحاتهم معانيهم وما إلى ذلك، فهذا فيه تكلف، فإنه رحمه الله قال: [متكلم بكلام قديم]، أي: أن كلامه أزلي، وأراد بذلك الرد على بعض أهل البدع الذين يقولون: إن كلامه حادث بعد أن لم يكن، يريدون بذلك تعطيل أو تأويل صفة الكلام.

    وكلام الله صفة من صفاته بدلائل الكتاب والسنة، وبدليل العقل.

    أما دليل العقل؛ فلأن الله هو الإله المعبود فضلاً عن كونه الرب المدبر للكون يلزم منه أن يكون، متكلماً، ولو لم يكن متكلماً لما صح كونه رباً، ولا صح كونه إلهاً، هذا دليل عقلي.

    أما دلائل الكتاب والسنة، فهي أكثر من أن تحصر في هذا المقام، ومنها على سبيل المثال: قول الله تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ [الأعراف:148].

    فكان الرد عليهم دليلاً شرعياً وعقلياً في نفس الوقت، وهو قوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ [الأعراف:148]، وهذا نقض عقلي لألوهية العجل، فدل على أن الإله الحق لا بد أن يكون متكلماً.

    ولهذا فإن دلائل القرآن في الصفات وغيرها بعضها خبري وبعضها عقلي؛ فالخبر المحض كقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وأما الدليل الخبري من جهة كونه قرآناً؛ ولكنه سياق عقلي، كمثل آية العجل، وكمثل قوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً [إبراهيم:24].

    فإذا ذكر هذه السياقات فهي أتم الأقيسة يقيناً في العقل، وهي الأمثلة المضروبة في القرآن.. ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ [الروم:28]إلى غير ذلك.

    معنى سماع كلام الله

    قال الموفق رحمه الله: [يسمعه منه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة] .

    قوله:[من غير واسطة] ، هذا رد على من قال: إن موسى سمع العبارة، أو خلق فيه الإدراك للمعنى الأزلي، كما يقول ابن كلاب]، وأمثاله، ممن يجعلون الكلام معنىً في النفس.

    قال الموفق رحمه الله: [وسمعه جبريل عليه السلام ، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه] .

    حديث الزيارة ليس من الأحاديث المنضبطة في الصحة، إنما المنضبط هو لقاؤه سبحانه وتعالى ورؤيته وكلامه للمؤمنين، فهذه مذكورة في القرآن وصحيح السنة بينة منضبطة.

    وأما حديث الزيارة فقد جاء في المسند وغيره؛ ولكنه ليس من الأحاديث المنضبطة.

    بعض الأدلة النقلية على إثبات صفة الكلام

    قال الموفق رحمه الله: [قال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164]، وقال سبحانه: يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف:144]، وقال سبحانه: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ [البقرة:253]، وقال سبحانه: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى:51]، وقال سبحانه: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه:11-12]، وقال سبحانه: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه:14]، وغير جائز أن يقول هذا أحدٌ غير الله] .

    أي: وهذا الكلام يمتنع أن يكون المتكلم به غيره سبحانه وتعالى ؛ لأن الله نسبه لنفسه مباشرة، فقال: (أَنَا رَبُّكَ)، (أَنَا الله)، (إِلَّا أَنَا).

    قال الموفق رحمه الله: [وقال عبد الله بن مسعود : (إذا تكلم الله بالوحي، سمع صوته أهل السماء)روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراةً حفاةً غرلاً بهماً، فيناديهم بصوت يسمعه مَنْ بَعُدَ كما يسمه مَنْ قَرُبَ: أنا الملك، أنا الديان) رواه الأئمة واستشهد به البخاري .

    وفي بعض الآثار: أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار، فهالته ففزع منها، فناداه ربه: يا موسى! فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت، فقال: لبيك، لبيك، أسمع صوتك ولا أرى مكانك، فأين أنت؟ قال: (أنا فوقك، وأمامك، وعن يمينك، وعن شمالك)، فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال: كذلك أنت يا إلهي، أفكلامَك أسمع، أم كلامَ رسولك؟ قال: (بل كلامي يا موسى)] :

    هذا الأثر ليس صحيحاً من جهة السند، ولا يحتاج إلى ذكره؛ لأن هذا بيِّن في القرآن في قوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي [الأعراف:143].

    فكونه حصل السؤال والجواب، وأدرك موسى هذا الجواب دليل على أنه سمع كلام الرب سبحانه وتعالى ، ولا يلزم منها التصحيح لمثل هذا الأثر، الذي لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وكذلك هو بيّن في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164]، وقوله: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ [طه:14].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088549497

    عدد مرات الحفظ

    777270471