إسلام ويب

حصاد الغَيْبَةللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ عن مهرجان السنة وكثرة من حضره من العلماء والدعاة وغيرهم وأهمية مثل هذه الاحتفالات وفوائدها، ثم تحدث عن الخلاف بين العلماء والدعاة والواجب نحو ذلك. ثم تحدث عن زلزال مصر وسببه وواجبنا نحوهم وعن دور النقابات الإسلامية هناك، ثم ذكر بعض الوثائق عن التنصير والمنصرين، ثم تحدث عن الساحة الأفغانية وما يحصل هناك، ثم تكلم عن جريدة خضراء الدمن (جريدة الشرق الأوسط) وما تنشره من مقالات ، ثم تحدث عما ذكره الدكتور مصطفى عبد الواحد بعنوان كيف ينهدم الزمان؟
    إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا الدرس الرابع والسبعون من سلسلة الدروس العلمية العامة التي تعقد في الجامع الكبير بـبريدة ينعقد في هذه الليلة ليلة الإثنين، الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر، من سنة ألف وأربعمائة وثلاث عشرة للهجرة، وعنوانه كما وعدت وأسلفت (حصاد الغَيبة) بفتح الغين لا بكسرها، أي أن: هذا الموضوع هو عرض لمجموع من القضايا والمسائل التي فاتني ذكرها فيما مضى بسبب الانقطاع، أو بسبب ضيق الوقت.

    وسوف أعرض في هذه الجلسة إن اتسع الوقت لنحو اثنتي عشرة مسألة إن شاء الله تعالى.

    أولاً: حديث سريع عما يسمى بمهرجان السنة النبوية.

    ثانياً:متى يجتمع العلماء والدعاة؟.

    ثالثا: زُلزلت مصر.

    رابعاً: وثائق عن التنصير.

    خامساً: الساحة الأفغانية.

    سادساً: جريدة خضراء الدمن.

    سابعاً: كيف ينهدم الزمان.

    ثامناً: الجديد في قضية المسلمين في البوسنة والهرسك.

    تاسعاً: نظرة الإعلام الغربي للإسلام.

    عاشراً: معان شعرية.

    حادي عشر: رسائل ذات معنى.

    لقد شهدت هذه المنطقة -بفضل الله تعالى وحمده- خلال الأسبوع الماضي تجمعاً كبيراً تحت عنوان (فعاليات مسابقة السنة النبوية) وكان ذلك تنفيذاً لفكرة قديمة مضى عليها نحو عشرة أشهر، وكانت موضع الدراسة والبحث والإعداد من مجموعة من العلماء والدعاة في هذه المنطقة.

    وكان سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله تعالى- متابعاً لهذه الفكرة من أولها -منذ أن كانت فكرةً عابرةً- وإلى أن تحققت وحدثت بحمد الله تعالى.

    وكان الهدف من هذه الفكرة: هو دعم وتشجيع الدروس العلمية القائمة على تعليم الكتاب والسنة والفقه والتفسير والتوحيد وغيرها.

    لقد تحقق -بحمد الله تعالى- نجاح كبير خلال الأسبوع الماضي، وكان هذا النجاح الكبير متمثلاً في عدة أمور:

    كثرة العلماء والدعاة الذين حضروا الحفل

    أولها: الحشد العظيم من المشايخ والعلماء الذين حضروا إلى هذه المنطقة، وربما كان بعضهم يفد إليها لأول مرة، وبالتأكيد فإن ذلك التجمع الكبير الغفير يحدث لأول مرة، كما يشهد بذلك كل الذين تحدثوا عن هذا الموضوع من العلماء والمشايخ.

    فقد حضر إلى هذه المنطقة بل إلى هذا المسجد بالذات أمثال فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين، وفضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك، وفضيلة الشيخ عبد الله بن قعود، إضافة إلى مشايخ المنطقة كالشيخ محمد بن عثيمين والشيخ حمود بن عقلاء والشيخ محمد بن صالح المنصور، وأعداد غفيرة من العلماء من سائر أنحاء البلاد، كالشيخ سفر الحوالي، والشيخ سعيد بن زعير، والشيخ عبد الوهاب الناصر، والشيخ عائض القرني، وأساتذة الجامعات من جامعة أم القرى، والجامعة الإسلامية، وجامعة الإمام محمد بن سعود بـالرياض وبـالمنطقة الشرقية أيضاً فضلاً عن القضاة، والوجهاء، والأعيان، والدعاة، وجمهور من المهتمين بقضايا الإسلام والمسلمين.

    إن هذا سر من أسرار النجاح الذي حققه ذلك العمل الجديد الفريد.

    كثرة الجماهير

    أما السر الآخر: فيتمثل في جماهير الأمة التي حضرت، وضاق بها رحب المكان في هذا المسجد، فلأول مرة تمتلئ ساحات المسجد وسطوحه وخلواته، والساحات المحيطة به، والشوارع، ويزدحم الناس، وتغلق الشوارع، ويعود الكثير منهم القهقرى؛ لأنه لم يجد مكاناً يتبوءه ويقعد فيه، إنني سألت نفسي وأنا أرى هذه الجموع تتدافع وتتضايق لماذا جاء هؤلاء؟! حمداً لله تعالى أتم الحمد وأكمله وأوفاه.

    كنا نقرأ في الصحف، ونسمع في الأخبار، أن لاعباً سوف يتناول طعام الغداء في المطعم الفلاني في الرياض، وأن جماهير من الشباب قد اصطفت صفوفاً وطوابير من أجل أن تشاهده وتلقي عليه نظرة، أو ربما تظفر بأن تصافحه فضلاً عن أنه قد يتمكن من التوقيع لهم على ورقة أو كتاب أو خطاب أو غير ذلك. فيحزننا ذلك كثيراً. وقد نسمع مثل هذا في حضور ممثل أو فنان أو شهير من المشاهير في جدة، أو في أي مكان آخر من هذه البلاد أو في غيرها، فكانت قلوبنا تنطوي على إغماض كبير وحزن شديد.

    فإذا بنا نرى جموع المسلمين الصادقين المؤمنين تحضر، وهي لا تطمع في أكثر من أن ترى بعينيها من طالما استمعت إليهم بأذنيها، وربما تمكنت أن تصافحهم أو تحييهم أو تبتسم لهم أو تعرب لهم عن المحبة لله عز وجل.

    فالحمد لله أن هؤلاء العلماء والدعاة بل وهؤلاء الشباب من الحفاظ والقراء وطلاب العلم الذين حضرت الأمة وحضر ما يزيد -على حسب التقادير المعتدلة- على خمسة عشر ألفاً حضروا ليشاهدوهم!

    إنهم لا يملكون الدنيا ولا يعطونها، وإنما يملكون أن يقولوا كلمة الحق، ويدعوا الناس إلى الله عز وجل، فكان هذا الحضور مما أبهج نفوس المؤمنين وسرهم، فالحمد لله تعالى على ذلك كثيراً.

    نجاح الحفل

    أما السر الثالث من أسرار النجاح: فهو كان نجاح الحفل بتفاصيله وبرامجه وتنوعه، وسرور الحضور كلهم سواءً من الوافدين من أهل المنطقة -سرورهم- بما رأوا وما سمعوا وكان ذلك لأول مرة، ومع ذلك فكان فيه من التوفيق والتسديد والنجاح والانضباط ما لم يكن يخطر لنا -جميعاً- على بال، وما كان ذلك ليتم إلا بفضل الله تعالى وتوفيقه، فله المن والفضل، ثم بجهود المخلصين من المشايخ والعلماء والدعاة، ومكتب الدعوة في بريدة، فجزى الله الجميع خيرا.

    فعاليات الحفل

    وكان السر الرابع من أسرار النجاح: هو الفعاليات المصاحبة لذلك التجمع الغفير، منها: الاحتفالات الخطابية التي جرت في الليلة الأولى هنا في بريدة، وتكلم فيها أصحاب الفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين، ثم الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي، ثم الشيخ عبد الرحمن البراك، وجموع غفيرة من الدعاة، وألقى فيها الشيخ عائض القرني قصيدته.

    ثم كان الاحتفال الآخر من الغد في منـزل الشيخ عبد الله بن حمد الجلالي، وتكلم فيه جماعة من الدعاة، منهم من أسلفت ومضافاً إليهم عدد آخر.

    وفي الليلة التي تليها كان الحفل الخطابي في مدينة الرس، وتكلم فيه عدد كبير من الدعاة، منهم من ذكرت مضافاً إليهم الشيخ ناصر بن سليمان العمر، والشيخ محمد بن صالح السحيباني، وجماعة من المشايخ.

    ثم تتمثل الفعاليات أيضا في المحاضرات، وقد كانت إحدى المحاضرات في هذا المسجد ليلة الجمعة، وتكلم فيها فضيلة الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي تحت عنوان الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وكانت المحاضرة الأخرى للشيخ رياض الحجيري في مدينة البكيرية وذلك يوم الجمعة ليلة السبت.

    أما الندوات: فكانت أولاها في مدينة عنيزة ليلة الجمعة حيث تحدث كل من الشيخ عبد الوهاب الناصر، والشيخ الدكتور حمد الصيفي، والشيخ الدكتور عابد السفياني، ثم أجابوا على أسئلة الحضور.

    أما الندوة الثانية: فكانت في الخبراء، حيث تحدث كل من فضيلة الدكتور ناصر العمر، وفضيلة الدكتور حمزة الفعر حول الوسطية في الإسلام.

    أما الندوة الثالثة: فكانت في الرس حيث تحدث فيها فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين، وفضيلة الدكتور عبد الله بن حمود التويجري، إضافة إلى محدثكم حول موضوع الجهاد في سبيل الله.

    أما الخطب فقد تناوب بعض الخطباء في بريدة وعيون الجوى فضلاً عن قيام مكتب الدعوة واللجنة العلمية بتوزيع بعض المطويات المتعلقة بطريقة تحفيظ السنة وتعليمها، وكذلك جداول للدروس العلمية، إضافة إلى بعض الأعمال والمشاريع الأخرى.

    لقد سرني كثيراً أن يعود الجميع بانطباع جيد جداً عن هذا الاحتفال، وعن هذه المنطقة، وأن ينجح هذا العمل الكبير في تحقيق الجانب الإعلامي للدروس العلمية.

    لقد كان إعلامنا مشغولاً كثيراً بأخبار الرياضة، واستضافة بعض الدورات الرياضية، وغير ذلك من التجمعات الحاشدة.

    فاستطاع هذا التجمع الكبير -بحمد الله- أن يفرض نفسه عليه، فأشارت إليه مجموعة من الصحف، وذكر ذلك في وسائل الإعلام إلى حد ما.

    وكان النجاح الأكبر أن يعود المئات الذين حضروا إلى هنا ولديهم صورة كاملة قوية عن النشاط العلمي الموجود في هذا البلد.

    ونحن نحتاج كثيراً أن يسمع الناس قاصيهم ودانيهم بالدروس العلمية، والمحاضرات والنشاطات التي تقوم بها مكاتب الدعوة، وغير ذلك من الأعمال الخيرية التي يحتاج الناس أن يسمعوا عنها أكثر مما يحتاجون أن يسمعوا عن غيرها، بل ربما لا يحتاجون أن يسمعوا أصلاً عن بعض النشاطات التي تضر ولا تنفع.

    من أهداف الاجتماع

    إذاً قد كان الهدف الأول من خلال هذا العمل النبيل الكبير الناجح المفيد: هو إعطاء الزخم الإعلامي اللازم للدروس العلمية، والنشاطات الدعوية والتربوية في هذه المنطقة، وقد تحقق ذلك بحمد الله تعالى كما أن الشريط الذي سجل عليه ذلك الحفل سوف يؤدي دوراً آخر في هذا المجال.

    الهدف الثاني: هو توسيع نطاق الدروس العلمية، وذلك أن الكثيرين سوف يُقبلون على هذه الدروس ويحرصون عليها، ويعملون بها من قبل أن لم يكونوا كذلك، ونحن نحتاج إلى عدد كبير يحيون هذه الدروس ويكثرون الإقبال عليها [[فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا]] كما قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى.

    الهدف الثالث: هو تطبيع العلم والحفظ فإن الكثير كانوا يقولون: أحياناً لا فائدة من الحفظ ولا جدوى منه، وأي فائدة من أن يحفظ إنسان صحيح البخاري مثلا فنكون أضفنا بذلك نسخة جديدة من نسخ صحيح البخاري.

    وكان آخرون يقولون: الحفظ مهم ولا شك، ولكنه أمر صعب عسير ولا يتيسر إلا لأصحاب المواهب الفذة والملكات النادرة، فاستطعنا بحمد الله تعالى أن نقول لهم من خلال ذلك الاحتفال: كلا! الحفظ مهم والحفظ -أيضاً- ميسور بصورة عملية لكل إنسان، وليس شرطاً أن يحفظ الإنسان الصحيحين مثلاً، بل قد يكون قادراً على حفظ الصحيحين، وقد يستطيع أن يحفظ ما هو دون ذلك "وكل ميسر لما خلق له" قال الله عز وجل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]. وكذلك السنة هي وحي ميسر سهل، ويستطيع الإنسان أن يحفظ منها شيئا.ً

    فإن لم يحفظ صحيح البخاري، أو مختصره، فبإمكانه أن يحفظ بلوغ المرام أو عمدة الأحكام، وإن لم يتيسر له ذلك فلا أقل من أن يحفظ مائة حديث، فإن لم يستطع فبإمكانه أن يحفظ الأربعين النووية ليتسنى له حفظ شيء من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

    إذاً الحفظ ليس حكراً على طبقة من أصحاب المواهب النادرة والملكات الفذة بل هو أمر ميسور للجميع.

    وقبل سنوات ليست بالبعيدة كنا نعد من يحفظون القرآن على رؤوس الأصابع، وكان الناس يقولون: كان فلان رحمه الله يحفظ القرآن، فيذكرونه بعد ما أصبح رفاتاً رميماً في قبره؛ لأنه كان يحفظ القرآن.

    أما اليوم فقد أصبحنا نرى أطفال الكتاب يحفظون القرآن وهم في السنة الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، فأي خير أكبر وأعظم من ذلك؛ فالحمد لله على ذلك.

    إننا نعد تطبيع العلم الشرعي وتسهيله وتيسيره وجعله في متناول أي إنسان من أعظم المكاسب والخطوات التي ينبغي أن نسعى إليها ونحرص على تحقيقها.

    أما الهدف الرابع: فكان ربط الناس بعلمائهم مشاهدة واستماعاً ورؤيةً ومحبةً، وقد تحقق ذلك -بحمد الله- سواء أكان ذلك من خلال برنامج مسابقة السنة، أم من خلال ما تبع ذلك من الدروس والندوات والمحاضرات والاحتفالات وغيرها.

    أما الهدف الخامس: فهو الإعلان عن شمولية التعليم والتربية التي ندعو بها وننادي إليها.

    شمولية التعليم والتربية

    إننا نعتقد أن العالم الإسلامي يعيش أحياناً لوناً من النقص أو التقصير أو التشويه، فليس بغريب أن ترى قوماً قد تحيزوا وتحزبوا على جزء من الدين وغفلوا عما سواه، ليس فقط أنهم لم يشتغلوا به بل ربما عابوا من يشتغل به! فأردنا أن نقول للناس ما يلي:-

    أولاً: لا بد من العلم والحفظ، العلم بالقرآن والعلم بالحديث، أي: العلم بالنص الشرعي قرآناً وسنة، والعلم بأقوال أهل العلم، والقواعد الشرعية، والأصول العلمية، والنحو والعقيدة والتفسير والحديث، وغير ذلك، لا بد من هذا ولا بد من تربية الجيل عليه.

    ثانياً: ولكن هذا وحده لا يكفي حتى ينضم إليه الأمر الآخر: وهو الفهم والفقه، وليس مرادنا أن نخرج شباباً يستظهرون النصوص ويحفظونها، ثم يكون حالهم كما قال لشاعر:

    زواملُ للأسفار لا علمَ عندهـم بجيدها إلا كعلم الأباعرِ

    لعمرُكَ ما يدري البعير إذا غدا      بأحماله أو راح ما في الغرائرِ

    لا، إن هؤلاء الشباب الذين نقدمهم اليوم للأمة الإسلامية شباب أضافوا إلى العلم والحفظ الفهم والفقه، فهم عارفون بمعاني كتاب الله، عارفون بمعاني سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندهم بقدر سنهم وعمرهم إلمام بالقواعد الفقهية، ومعرفة بالأحكام الشرعية، وقدر من الفهم باللغة العربية، ونوع من الاهتمام بالأدب والشعر.

    فهم أصحاب مواهب متنوعة، وعلوم شتى، جمعوا هذا إلى ذاك، ولم يرضوا بمجرد معرفة النصوص حفظاً حتى أضافوا إلى ذلك فهمها ومعرفة معانيها، ولكن العلم والحفظ مضافاً إليه الفهم والفقه لا يكفي إذا استبطن صاحبه اغتراراً واستغناءً عن العلماء الآخرين، وشعوراً بالاكتفاء الذاتي.

    ثالثاً: ولهذا كان أولئك الشباب الذين سمعهم الناس أو سمعوا نماذج منهم لم يستبد بهم الغرور ولا العجب ولا الاستكبار، بل هم ذوو تواضع جم، ومعرفة بتواضع أهل العلم السابقين واللاحقين، فهم أمام من يكبرهم سناً أو علماً أو قدراً في غاية التواضع والأدب والاحترام والتعلم، لا يستنكفون أن يتعلموا من أي إنسان مهما كان، مهما كان قدره وشأنه، فضالتهم المنشودة العلم والفهم والفقه، يبحثون عنها، ويستحي الواحد منهم أن يتقدم بين يدي معلمه أو شيخه برأي غريب أو قول شاذ أو مذهب مستبعد، فهم حريصون على تقفي آثار جمهور علماء الأمة من السلف والخلف لم ينفرد أحد منهم بقول أو يشذ برأي يبتكره من قبل نفسه، أو يفتات به على غيره من أهل العلم والفقه والإيمان.

    رابعاً: وكل هذا لم يكن لينفع أو يجدي لولا توافر الأمر الرابع الذي ندعو إليه وننادي به ونربى عليه: وهو أن ثمرة العلم هو العمل والصلاح والعبادة، فأنت ستجد هؤلاء الشباب -إن شاء الله- لو صبرتهم وراقبتهم من المبكرين إلى المساجد، الحريصين على النوافل المقبلين على الخيرات، المسارعين إلى الطاعات، البعيدين عن المعاصي والذنوب والموبقات كبائرها وصغائرها، بقدر المستطاع إلا ما استثناه الله عز وجل الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) [النجم:32] فقد ظهرت آثار العلم والمعرفة وسيماهما في طلبة العلم في عبادتهم وسلوكهم وآدابهم وخلقهم مع القريب والبعيد والكبير والصغير مع الجميع؛ فالحمد لله الذي حباهم هذا إلى ذاك.

    خامساً: وكل ذلك تضاف إليه التربية على مكارم الأخلاق ومعانيها، والقيام بالدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    إذاً نقول: لقد حاولنا أن نقدم للناس نموذجاً يقتفي أثر الصحابة رضي الله عنهم في الجمع بين العلم والعمل والدعوة والجهاد وعدم الاقتصار على شيء من ذلك. وهذا لا يعني التبرؤ من النقائص والعيوب؛ بل نحن معدنها وأهلها، ولا شك أنه ما من عمل إلا ويعتريه النقص والعيب، ولكننا نعلنها صريحة مدوية مرددين كلمة الإمام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه [[رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا]].

    لماذا نقول هذا أيها الأحبة؟! يعلم الله عز وجل أنني لا أقول هذا الكلام لمجرد الإطراء والمديح لفئة من طلبة العلم في هذه المنطقة أو في غيرها، وإنني أسمع من يمدحهم فأكره ذلك ويضيق صدري به خوفاً من أن يتسرب إلى نفس أحد منهم شعوراً لا نرتضيه، أو أن يتسلل الشيطان من خلال كلمة أو عبارة. ولكنني أقول هذا: لأنني ممن يدعو إلى تدمير الانفصام المفتعل والعناد المتكلف بين القضايا الشرعية.

    فإن الكثير من الشباب يسألون في أحيان كثيرة: كيف يتم الجمع بين العلم وبين الدعوة؟ وآخرون يقولون: أيهما أفضل! العلم أم الجهاد؟ وثالث يقول: بأيهما أبدأ بالعلم أم بالتربية؟ ورابع يسأل عن الجمع بين العلم والعمل؟ فكأننا جعلنا القرآن عزين، ومزقنا ديننا كل ممزق، فأصبحنا محتاجين إلى من يرفع راية الجمع بين هذه الأشياء كلها.

    وليس من شرط من يرفع هذه الراية أن يفلح في تحقيق كل هذه المكاسب والمطالب، فإن الإنسان بطبيعته محدود الإمكانيات، محدود الوقت، محدود القدرة، ولا بد أن يفوت عليه شيء كثير، فإن اعتنى بالعلم قصر في العمل وإن اعتنى بالعمل قصر في الجهاد، وإن اعتنى بالجهاد ربما فرط ببعض أمور الدعوة أو العلم الشرعي وهكذا، لكن يكفينا أن نعلن أننا نؤيد كل من يقوم بعمل من هذه الأعمال.

    فنحن نؤيد العلماء في حلقات علمهم، ونؤيد المجاهدين في خنادق جهادهم، ونؤيد الدعاة في ميادين دعوتهم، ونؤيد المصلحين في حلقات تعليمهم وإرشادهم ووعظهم، ونؤيد كل صاحب خير يدعو إليه ما دام على الكتاب والسنة.

    ثانياً: هذه هي الرسالة التي حرصت تلك المسابقة بفعاليتها المختلفة أن توصلها إلى الجميع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089198390

    عدد مرات الحفظ

    782705795