إسلام ويب

شرح القواعد السبع من التدمرية [8]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اختلفت مذاهب وآراء المخالفين للرسل عليهم السلام وللسلف الصالح رحمهم الله في صفات الله تعالى، فذهب غلاتهم من الباطنية إلى أن الله تعالى لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت ... إلخ، وذهب الفلاسفة إلى وصف الله تعالى بالسلبيات وهي النفي المجرد، وبالإضافات، كقولهم بأنه مبدأ العالم وعلة العالم، وذهب المعتزلة إلى إثبات الأسماء لله تعالى ونفي الصفات، فقالوا: عليم بلا علم، قدير بلا قدرة.. إلخ، وكلام هؤلاء جميعاً باطل متناقض مردود بصريح المعقول المطابق لصحيح المنقول.
    قال المصنف رحمه الله: [فغاليتهم يسلبون عنه التقيضين، فيقولون: لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل؛ لأنهم -بزعمهم- إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات، وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات، فسلبوا النقيضين، وهذا ممتنع في بدائه العقول، وحرفوا ما أنزل الله من الكتاب، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ووقعوا في شر مما فروا منه].

    شرع المصنف رحمه الله في بيان مذاهب النفاة للصفات، وهم المنتسبون للطوائف الثلاث التي انتسب أصحابها للقبلة، وهي: الباطنية، والفلاسفة، والجهمية المتكلمة، فقال: (فغاليتهم يسلبون عنه النقيضين، فيقولون: لا موجود ولا معدوم) وهذه هي مقالة الباطنية، والمصنف لم يرتب الأمر كالترتيب السابق، إنما أراد أن يبدأ بالمقالة الغالية فما دونها، وقد بدأ بذكر مذهب الباطنية القائلين بأن الله لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت... إلخ.

    وهذا المذهب لم يشتبه على أصحابه بسبب نصوص مجملة أو مفصلة، ولا بسبب العقل المجرد، وهو الدليل العقلي الذي يشترك فيه العقلاء، ولم يشتبه عليهم بالمعنى الفطري أو المعنى الحسي، ولكن هذه نزعة فلسفية منقولة، نقلها هؤلاء الباطنية إلى بيئة المسلمين، وزعموا أنهم على هذه الطريقة، ولذلك إذا قيل لهم: هل ذكر القرآن ذلك؟ قالوا: لا. القرآن له باطن.

    الفرق بين التفسير الباطني والتفسير التأويلي عند المتكلمين

    وهنا قد يقول قائل: الباطنية يقولون: القرآن له ظاهر وله باطن، والمعتزلة وأئمة الكلام كالجمهية يقولون: القرآن له ظاهر وله تأويل، فما الفرق بين المعنى التأويلي والمعنى الباطني؟

    والجواب: أن المعنى التأويلي أصحابه كالمعتزلة يوجهونه عبر طريق اللغة العربية، بمعنى: أنهم يحورون الآية تحويراً عربياً، وفي الغالب يعتمدون على مقدمات لغوية أكبرها وأخصها ما يسمى بنظرية المجاز اللغوي، فيحورون الآية عبر نظرية المجاز ومقدمات لغوية أخرى، فيجعلونها دليلاً على هذا المعنى الذي حصلوه، فإذا قيل لهم: هل نطق القرآن بهذا هذا المعنى؟ قالوا: نعم. وهذا بحكم كلام العرب، ولكنه على الطريقة المجازية وليس على الطريقة الحقيقية.

    فهم في النتيجة العامة يعتمدون على اللغة وعلى التفسير اللغوي للقرآن، أما كونهم يغلطون في ذلك فهذا مقام آخر، لكن المقصود بيان طريقة التحصيل.

    أما الباطنية فلا يفسرون القرآن تفسيراً لغوياً، بمعنى أنهم لا يقولون: إن لغة العرب تدل على ظاهر وتدل على باطن، وإنما الباطن عندهم لغة إشارية تكشف -فقط- للرجل الباطني الذي قد وصل إلى سقف الباطنية، فيفسر -مثلاً- كلمة (الصلاة) بتفسير لا تدل عليه، فليست العبرة أنه متلقى من مادة لغة العرب، إنما هذا بحسب الحكمة الباطنية، وبحسب الفكر الباطني الفلسفي يكون التفسير للقرآن، ويسمون ذلك: (الإشارات) أي: أن القرآن أشار إشارات باطنية لطرقهم، وذلك مثل مسألة خلع النعلين في قصة موسى عليه السلام، فإن بعض الغلاة من باطنية الصوفية يقولون: ليس المقصود أنه فعلاً خلع نعليه، ولكن خلع النعلين يعني: التجرد من عالم المشاهدة إلى عالم الربوبية.. وأمثال هذه التفسيرات.

    فهذا هو الفرق بين التفسير الباطني والتفسير التأويلي عند المتكلمين.

    مذهب الباطنية مردود بإجماع المسلمين

    وهذا المذهب لا ينبغي أن يطالع فيه، ليس لأن أهل السنة والجماعة أجمعوا على رده؛ بل لأن عامة المسلمين أجمعوا على رده، حتى المتكلمين منهم -كالمعتزلة وغيرهم- فإنهم أجمعوا على إبطاله، وكذلك جمهور الشيعة وجمهور الصوفية ينكرون هذا المذهب على الباطنية الغلاة؛ فضلاً عن المتكلمين؛ فضلاً عن الفقهاء والعباد؛ فضلاً عن أئمة السنة والجماعة، فهو مذهب مهجور بيّن الغلط وواضح السقط.

    سلب النقيضين كجمعهما ممتنع

    قال المصنف رحمه الله: [فإنهم شبهوه بالممتنعات، إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين، كلاهما من الممتنعات، وقد علم بالاضطرار أن الوجود لابد له من موجد، واجب بذاته، غني عما سواه، قديم أزلي، لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم، فوصفوه بما يمتنع وجوده، فضلاً عن الوجوب أو الوجود أو القدم].

    قوله: (فإنهم شبهوه بالممتنعات، إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين، كلاهما من الممتنعات):

    من قواعد العقل الضرورية: أن جمع النقيضين ممتنع، وأن سلب النقيضين أيضاً ممتنع، ولا سيما إذا كان الكلام عن موجود قائم بنفسه وقيل: إنه مجرد عن النقيضين، فإن المجرد عن النقيضين هو الشيء المعدوم، والذي يمتنع عليه هذا النقيض وهذا النقيض هو الشيء الممتنع.

    وقوله: (وقد علم بالاضطرار أن الوجود لابد له من موجد، واجب بذاته، غني عما سواه، قديم أزلي، لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم، فوصفوه بما يمتنع وجوده، فضلاً عن الوجوب أو الوجود أو القدم):

    أراد المصنف بهذا الكلام أن يبين أن هذا المذهب مفارق لأصول الفطرة العامة التي لا يقر بها المسلمون فحسب؛ بل يقر بها جمهور بني آدم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089351704

    عدد مرات الحفظ

    783999211