إسلام ويب

شرح القواعد السبع من التدمرية [16]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القاعدة الثالثة في إثبات صفات الله تعالى والرد على نفاتها: أن القول بأن ظاهر نصوص الصفات مراد أو غير مراد يحتاج إلى تفصيل، فإن أريد بظاهر النصوص المعاني الصحيحة اللائقة بالله، فإن هذا الظاهر مراد، وإن أريد بالظاهر التشبيه الذي يليق بالمخلوقات، فإن هذا المعنى غير مراد، ولكن لا يجوز أن يقال: إنه هو ظاهر النصوص، فإن ظاهر نصوص الصفات هو إثبات الصفات لله تعالى على ما يليق بجلاله سبحانه، وهذا لا يقتضي تشبيهاً ولا تمثيلاً.
    قال المصنف رحمه الله: [القاعدة الثالثة: إذا قال القائل: ظاهر النصوص مراد، أو ظاهرها ليس بمراد؟].

    هذه هي القاعدة الثالثة، وقد يقال: إنها تعتبر جملة من جمل القاعدة الثانية؛ لأن المصنف لا يزال يتكلم في الألفاظ المجملة الحادثة المشتركة، سواء كان اللفظ لفظاً فرداً؛ كلفظ الجهة، أو كان اللفظ لفظاً مركباً؛ كقول: ظاهر النصوص مراد أم ليس مراداً.

    فما يقال فيه: إنه يستفصل فيه، قد يكون كلمةً، وقد يكون جملةً مركبة، لكن المصنف عني بإفراد هذه الجملة في هذه القاعدة؛ لأن هذه الجملة من الجمل التي شاع النظر فيها كثيراً، فإن سائر من تأول الصفات أو بعضها، يسمي ما تأوله ظاهراً، ويجعل ما يقابل هذا الظاهر هو المؤول.

    فيذكر المصنف أنه إذا قيل: ظاهر النصوص مراد أو ليس بمراد؟ فإن هذه الجملة من الجمل المجملة التي لا بد فيها من استفصال، وهذا الإجمال إنما هو باستعمال المستعملين من النظار لهذه الجملة، وليس هو إجمالاً بأصل اللغة، فلولا أن هؤلاء الذين خالفوا الأئمة تكلموا بلفظ الظاهر على قدر من التأويل له، أو التعطيل للمعاني الصحيحة، أو ما إلى ذلك؛ لكان الأصل أن من تكلم في التقرير فقال: إن ظاهر النصوص مراد؛ فإن كلمته هذه كلمة سائغة جائزة، لكن لما جاء الاشتراك من جهة استعمال المستعملين لها؛ لزم أن يقال بالتفصيل؛ لأن المتكلم بذلك قد يكون فهم من الظاهر التشبيه، فإذا قيل له: إن ظاهر النصوص مراد، فكأنه قيل له -في زعمه-: إن التشبيه مراد. ولذلك فلابد أن يقال: ماذا يقصد بالظاهر؟

    فإن قصد بالظاهر المعاني الصحيحة، فإن ظاهر النصوص مراد، وإن قصد بظاهر النصوص التشبيه الذي يليق بالمخلوقات وما إلى ذلك، فإن هذا المعنى ليس مراداً، لكن لا يجوز لأحد أن يقول: إنه هو ظاهر النصوص, وهذا من طرق الرد على المخالفين الذين سموه بظاهر النصوص, أي: فهموا فهماً من التشبيه وسموه: ظاهر النصوص، ونقول: إنه يلزم على ذلك أن يقال: إن ظاهر القرآن كفر؛ لأن التشبيه نقص, والله منزه عن النقص، ومن نقص الله فقد كفر.

    فمن قال: إن ظاهر النصوص هو التشبيه، فهي بحاجة إلى التأويل، فيقال له: ليس ظاهر النصوص هو التشبيه؛ لأنه يلزم على هذا أن ظاهر القرآن كفر.

    ومن المعلوم أن غالب الناس لا يعلمون التأويل؛ ولا سيما أن هؤلاء يجعلون التأويل على طرق كلامية، فيلزم من ذلك أن جمهور من يقرأ القرآن ويعتقد بظاهره، أن هذا الظاهر عندهم كفر؛ لأنه نقص وتشبيه.

    قال المصنف رحمه الله: [فإنه يقال: لفظ الظاهر فيه إجمال واشتراك, فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين، أو ما هو من خصائصهم، فلا ريب أن هذا غير مراد، ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهراً, ولا يرتضون أن يكون ظاهر القرآن والحديث كفراً وباطلاً، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر وضلال].

    فلا يجوز لأحد أن يقول: هذا هو ظاهر القرآن، حتى وإن قال: إنه سيتأول هذا إلى معنى صحيح بزعمه، فإن مجرد تسميته لظاهر القرآن بهذه الحقائق الكفرية، من تشبيه الله بخلقه؛ فإن هذا طعن في كلام الله سبحانه وتعالى.

    غلط من يجعل ظاهر النصوص يقتضي التشبيه

    قال المصنف رحمه الله: [والذين يجعلون ظاهرها ذلك يغلطون من وجهين: تارة يجعلون المعنى الفاسد ظاهر اللفظ، حتى يجعلوه محتاجاً إلى تأويل يخالف الظاهر، ولا يكون كذلك، وتارة يردون المعنى الحق الذي هو ظاهر اللفظ؛ لاعتقادهم أنه باطل].

    أي أنهم يفسرون الآية بمعنى من معاني التشبيه والتمثيل، فيقولون: إن ظاهر الآية يدل على كذا وكذا، ويكون هذا الذي فسروا الآية به غلطاً، أي: أنه ليس لائقاً بالله سبحانه وتعالى، ويتفق أهل السنة معهم على أن هذا المعنى ليس لائقاً بالله، فإذا فسروها بذلك قالوا: فهذا ظاهر القرآن, فهو يحتاج إلى تأويل.

    والحق أن معنى الآية ليس هو ما فسروها به ابتداء وسموه ظاهراً، ولا ما فسَّروها به ثانياً وسموه تأويلاً؛ بل إن معناها يكون صحيحاً مناسباً ليس من باب التشبيه، ولا من باب النفي والتعطيل الذي سموه تأويلاً.

    فمثلاً: قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] يقولون: إن ظاهر هذه الآية أنه استوى مثل جلوس المخلوق على شيء مخلوق، وهذا يلزم منه قدم هذا المخلوق معه، ويلزم منه مماسة، ويلزم منه تحيزات، ويلزم منه حاجة الباري إلى الاستواء على العرش، أو إلى العرش، وغير ذلك من الكلمات التي يقحمونها على هذا النص.

    فهذا المعنى -أي: أنه محتاج إلى العرش، وليس غنياً عما سواه ونحو ذلك- لا شك أن الله منزه عنه؛ ولذلك يتأولون الآية فيقولون: إن المخرج من هذا التفسير الظاهر أن يقال: إن (استوى) بمعنى: استولى. فيكون الجواب هنا: أن تفسير الآية بالمعنى الأول الذي سميتموه ظاهراً، وبالمعنى الثاني كلاهما غلط، وثمة معنى ثالث وهو المعنى الصحيح، وهو أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى مستو على عرشه، أي: علا على عرشه علواً يليق بجلاله، وهذا المعنى لا يلزم فيه تلك اللوازم التي ادعوها لازمة للتفسير الأول.

    وقوله: (وتارة يردون المعنى الحق الذي هو ظاهر اللفظ؛ لاعتقادهم أنه باطل):

    هذا هو الوجه الثاني من غلطهم، وهو أنهم ربما قالوا: إن ظاهر النص هو كذا وكذا، وهو ليس مراداً، ويكون تفسيرهم لظاهر النص تفسيراً صحيحاً, لكنهم ينازعون في نفيه، ولا ينازعون في أصل التفسير.

    فمثلاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن) ، قالوا: إن ظاهر هذا الحديث يدل على أن الله موصوف بهذه الصفة وهي الأصابع، وهذا ليس مراداً، وقوله تعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] قالوا: إن ظاهر ذلك أن الله خلق آدم بيديه، وهذا المعنى صحيح؛ لأن الله أخبر عن نفسه كذلك.

    إذاً: فهم ربما فسروا الآية بمعنىً حق، لكنه عندهم يكون باطلاً، فتكون منازعتهم في نفيه وليس في أصل التفسير، وهذا يختلف عن الوجه الأول، وهو أنهم يفسرون الظاهر بمعنى يُتفق معهم على أنه غلط، لكن ينازع في كونه هو ظاهر اللفظ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089485033

    عدد مرات الحفظ

    785566125