إسلام ويب

الثبات حتى المماتللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بيَّن الشيخ أصناف الناس في معرفة الحق والالتزام به، موضحاً معنى الردة وأنها ليست بالأمر الغريب بل إنها صاحبت دعوة الرسل وعانى منها أتباع الرسل، ثم تحدث عن أنواع الردة وفصل فيها.
    إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعـد:

    فيا أيها الأحبة -جميعاً-: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:

    وإنني في مستهل هذه الكلمة أرحب بإخواني -جميعاً- الذين مشوا إلى هذا المكان المبارك، وأسأل الله تعالى أن يكتب لهم ذلك في ميزان حسناتهم، وأرحب بكم جميعاً وأشكركم على حرصكم على حضوري إلى هذا البلد الطيب، وإلحاحكم، وإن كنت لا أملك شيئاً كثيراً أقدمه لكم، ولكنني أجود بما أملك، ومن جاد بما يملك فإنه ما بخل.

    فإنني أشكركم كثيراً -أيها الأحبة- في هذا البلد الكريم، الحريص المضياف، وأسأل الله تعالى أن يجزيكم جميعاً خير الجزاء، ثم إنني أشكر -أيضاً- على وجه الخصوص أصحاب الفضيلة، والمشايخ، والعلماء، والدعاة، والقضاة، وأساتذة الجامعة الذين حضروا إلى هذا المكان... فجزاهم الله خيراً.

    أيها الأحبة هذه الليلة هي ليلة التاسع من رجب من سنة ألف وأربعمائة وثلاثة عشر للهجرة، وعنوان هذه المحاضرة هو: الثبات حتى الممات، وهذا هو جامع القرطبي في الخرج.

    إن الحديث عن موضوع الثبات لا يحتاج إلى مسوغ فإن الثبات على الحق لا يقل أهمية عن معرفة الحق ذاته، ولو تأملت أحوال الناس لوجدتهم أصنافاً شتى فهناك:

    الذين لا يعرفون الحق أصلاً

    الفئة الأولى من الناس: الذين لا يعرفون الحق أصلاً، وبالتالي لا يتبعونه، بل يتخبطون في دياجير الظلمات، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها، ألا وهم: الضالون، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة7] ومثال ذلك النصارى الذين يعبدون الله تعالى على جهلٍ وضلال، فهذا هو الصنف الأول.

    الذين يعرفون الحق ولا يتبعونه

    الصنف الثاني: الذين يعرفون الحق معرفة ذهنية عقلية ومجردة، ولكنهم لا يتبعون الحق ولا يعملون به، وهؤلاء هم: المغضوب عليهم، كما قال الله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7].

    وقال: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ [المائدة:60].

    ومثال ذلك: اليهود، فإنهم يعلمون ولكنهم لا يعملون، وأيضاً: من ضل من أحبار هذه الأمة، ففيه شبه من هؤلاء.

    يعرفون الحق ويعملون به زماناً ثم ينحرفون

    الصنف الثالث: هم الذين يعرفون الحق، ويتبعونه، ويعملون به زماناً، ثم ينحرفون عنه، وهؤلاء هم الناكصون على أعقابهم، كالمرتدين على أعقابهم ردة كلية بمعنى الخروج من الإسلام؛ أو ردة جزئية تعني ترك بعض شعائر الإسلام وبعض شرائعه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم -في شأن أولئك الذين رآهم يوم القيامة، وقد أوشكوا على ورود حوضه، فلما قربوا منه أبعدوا عنه- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {يا رب، أمتي.. أمتي، فقيل له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم!} فهم لزموا الحق زماناً حتى عرف النبي صلى الله عليه وسلم سيما الأمة فيهم، ثم ارتدوا وانحرفوا عن سواء السبيل.

    من عرف الحق وعمل به واستمر عليه

    الصنف الرابع: هم الذين يعرفون الحق ويتبعونه، ويعملون به، ويستمرون عليه، وأولئك هم المؤمنون المفلحون، قال الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم:27].

    ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله تعالى الثبات -كما سوف يأتي- ويقول: {يا مقلب القلوب؛ ثبت قلوبنا على دينك} ويقول: { يا مصرف القلوب؛ اصرف قلوبنا إلى طاعتك} وكان المؤمنون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم الناس هذا يفرحون بالثبات، سواء كان الثبات في اليقظة بلزوم الطريق والاستمرار عليه، والصبر على الحق والتواصي به، وتحمل الأذى في سبيله، أم كان الثبات في المنام.

    فقد كان السلف رضي الله عنهم كـمحمد بن سيرين وغيره، كانوا يفسرون القيد في القدم في النوم -في الرؤيا- أنه: ثبات في الدين، فيقولون: القيد ثبات في الدين؛ بخلاف الغل في اليد فإن الغل في اليد وفي العنق مكروه -يعني في الرؤيا- أما القيد في الرجل فهو ثبات في الدين، وكانوا يحبون الثبات في الحياة، ويحبون الثبات عند الممات ويفرحون به، ويدعون لصاحبه، ويغتبطون بحاله!.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089205408

    عدد مرات الحفظ

    782739876