إسلام ويب

الله أكبر سقطت كابلللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحديث عن قضية من أهم القضايا وأبرزها، تكاتف من أجلها المسلمون وضحوا في سبيلها بكل غالٍ ونفيس، رفع لواءها مجاهدون دخلوا التاريخ من بابه الواسع، وسطروا بدمائهم أنصع البطولات؛ لكن يبقى لكل جهد بشريٍ قصور، وقضية أفغانستان هذه خلاصتها دامية من بدايتها ودامية في نهايتها. والباطل مهما تغطرس فلا بد له من نهاية ولـكابل قصة مع هذه النكسة. ومعاركٌ تنتظرها وتستدعي خوضها لكلِّ مجاهدي كابل وذلك ليس إلا لأن أخطاراً تتهددها من القريب والبعيد.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه وخليله وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد..

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛؛

    هذا هو الدرس السادس والخمسون من سلسلة الدروس العلمية العامة في هذه الليلة ليلة الاثنين 18/شوال/1412هـ، وقد اخترت أن يكون عنوان هذا المجلس "الله أكبر خربت خيبر"، وقياساً على ذلك نقول: الله أكبر سقطت كابل .

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم.

    إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3].

    روى الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة باب ما يذكر في الفخذ ومسلم أيضاً في صحيحه كتاب الجهاد باب غزوة خيبر عن أنس رضي الله عنه وأرضاه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا خيبر، قال أنس فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه وسلم} وهذا هو مأخذ الإمام البخاري رحمه الله في تبويبه على هذا الحديث، قال أنس رضي الله عنه وأرضاه: فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم القرية قال: {الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال: وخرج القوم -أي: اليهود- إلى أعمالهم، فرأوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقالوا: محمد والخميس -والخميس هو: الجيش- قال رضي الله عنه وأرضاه: وأصمناها عنوةً} أي: أنهم أخذوها بالقوة والقتال، وقد كان قول النبي صلى الله عليه وسلم: {الله أكبر خربت خيبر } وهو على أبوابها، وعلى مشارفها، لأن ذلك كان إيذاناً بأن وعد الله تعالى بسقوطها وخرابها حقاً لا يتخلف، وأن الله تعالى يورثها أولئك المؤمنين الذين كانوا يستضعفون، فأورثهم الله تعالى مشارق الأرض ومغاربها التي بارك فيها.

    فلا عجب -إذاً- أن نقول: الله أكبر سقطت كابل وإن لم تكن سقطت كلها بعد {إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين} نقول ذلك تفاؤلاً بسقوطها، وثقة بوعد الله تعالى الذي لا يتخلف؛ بل نقوله إعلاناً حقيقياً لسقوط كابل، فإن سقوط كابل يعني سقوط النظام الكافر الشيوعي الملحد الذي كان يحكمها، وقد تهاوى هذا النظام، وسقطت أركانه، وتباعدت أطرافه، وهربت رموزه ذات اليمين، وذات الشمال، فمنهم من انتحر كما فعل وزير الأمن، ومنهم من هرب يلوذ بالسفرات يبحث عن الأمن وهو رئيس ذلك النظام، ومنهم من اختفى، فلا يعلم أين هو، وهذا هو شأن الله وصنيعه في المكذبين والطغاة والمعاندين، وللظالمين والكافرين أمثالها، وهذا السقوط وإن سميناه سقوطاً إلا أنه في حقيقته ارتفاعٌ وشموخٌ، إنه طهارةٌ لـكابل من رجس الطواغيت الذين طالما دنسوها، إنه ارتفاع إلى قمم المجد الجديد الذي نسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يحققه للمسلمين في أفغانستان، وفي كل مكان بإذنه جل وعلا.

    إنه سقوط الطفل في حجر أمه الحنون الرؤوم.

    فتحت وربك بالعقيدة كابل

    وقد كنت -أيها الأحبة- أبحث خلال إعدادي لهذه المحاضرة عن قصيدة تعطر بها أسماعكم، فضاق الوقت عن ذلك، وأتيت إلى هذا المجلس وأنا أشعر بأنني أتمنى أن لو وجدت تلك القصيدة التي تناسب المقام، ولكن قدر الله وما شاء فعل، وقد فات الأوان، فلما جلست هنا وصليت تحية المسجد، وضع الإخوة في يدي ورقة، فتأملتها، فإذا هي قصيدة جميلة قالها بهذه المناسبة، يقول الأستاذ/ سليمان العبيد :

    فتحت وربك بالعقيدة كابل     والله يحكم ما يريد ويفعلُ

    سقطت بأيدي الصابرين وسلمت     وانهار حصنٌ للعمالة باطلُ

    هانوا وكانوا خائنين لشعبهم     من أجل ماذا حاربوه وناضلوا؟

    ألرضى الشيوعي ذبحوا أطفاله     يا ويلهم ماذا جناه الأعزلُ؟

    تربو على المليون عدة من قضوا     فدماؤهم فوق الجبال هطلُ

    بين السفوح تقطعت أوصالهم     أجداثهم في كل وادٍ تنزلُ

    ومضى الشيوعي للبوار فولولوا      هيهات لولا كان حزباً يعقلُ

    خدعوه بالمبثوث من دبابةٍ      وبطائرات للقنابل تحملُ

    ومدافعٍ للراجمات ثقيلةٍ      واسكود شيءٌ في المعارك هائلُ

    هذي ظننت بأن ستمنع أهلها     إن القتال عقيدةٌ يا جاهلُ

    هذي تدمر لو تقاتل كافراً     لرأيته من رعبه يترعبلُ

    أما الأسود المؤمنون فكلما      قوي التحدي حطموه وهللوا

    من كان ظن بنادقاً مخزونةً     ستظل في عصر القذائف تقتلُ

    أو كان ظن بأن جنداً عزلاً      ستفل حزباً باللذائذ يركلُ

    أو كان ظن بأن خيمة معدمٍ     ستدك قصر الكرملين فيبطلُ

    يا للعجائب بيد أن الله ذو أمرٍ      إذا يقضيه، حتماً يحصلُ

    يا ليت عزاماً تمتع ساعةً      معنا بنصرٍ وجهه المتهللُ

    سيسرُّ من هذا وتأنس روحه     وجميل والشهداء حيث تحملوا

    قدموا إلى الرحمن أكرم راحمٍ     وبصبر هم وقت الطعان تجملوا

    ومن العجائب مجلس الأمن الذي      يقضي بجورٍ ليس يوماً يعدلُ

    فيقول: هِبُّوا أنقذوا إخواننا     بقيادة رهن الإشارة فاعملوا

    أفما تزال وبعد عقدٍ كاملٍ     وحصاد ما بذلوا تكيد وتشغلُ

    اسمع لحاك الله خلِ سبيلهم     كي ينقذوا إخوانهم، هل تفعلوا؟

    أو يستميت المسلمون جميعهم     كي يرفع اليوم الأسى المتطاولُ

    دع عنك في أفغان أسد كريهةٍ     لهمُ سهامٌ بالفرائص تدخلُ

    كم كنت أنت بكيت دمعة كافرٍ     ودماءنا في كل صقعٍ ترسلُ

    ثمرة الجهاد الأفغاني

    أيها الأحبة... إن تساقط الأقاليم والولايات والمدن في أيدي المجاهدين واحدة بعد أخرى كما تتساقط أوراق الخريف لم يكن إلا ثمرة جهاد طويل دام ما يزيد على ثلاثة عشر عاماً، وبذلت في هذا الجهاد أرواحٌ لعلني لا أبالغ إذا قلت إنها تقدر بمئات الآلاف، وأسأل الله جل وعلا أن يكونوا شهداء في سبيله، كما بذلت فيه أموال طائلة هائلة لا يعلم مداها وقدرها إلا الله عز وجل، كما أوقفت عليها جهود جبارة من التخطيط والعمل والتدريب؛ فضلاً عن جهود أخرى في مجالات متعددة كالإعلام والتعليم، فضلاً عن تضحيات جسام لا تكاد تحد، ولا توصف، وقد كان هذا الذي جرى من تساقط الولايات هو -بإذن الله تعالى- ثمرةً لهذا الجهاد الطويل المرير.

    فلا غرابة إذاً أن تشرئب أعناق المسلمين لهذا النصر الكبير، وتتشنف أسماعهم لأخبارهم، وتشرق وجوههم بعلامات الفرحة الغامرة وهم يسمعون أنباء تساقط المدن واحدة بعد أخرى في أيدي المجاهدين، ولا غرابة أيضاً أن تنزعج لذلك قلوب المنافقين وترتعد فرائصهم، فيبدو على فلتات ألسنتهم، وعلى صفحات جرائدهم ومجلاتهم ما كانت تكنه قلوبهم المريضة من عداوة للإسلام والمسلمين، فتجدهم يدقون طبول الحرب الأهلية التي يراهنون على أنها سوف تحتدم بين فصائل المجاهدين.

    ولا غرابة أيضاً أن يضع المسلمون أيديهم على قلوبهم لهفةً إلى اكتمال هذا النصر المبين وتكليله لقيام حكومة إسلامية من فصائل المجاهدين تحكم أفغانستان، وتقودها إلى بر الخير والأمن والإيمان، وتحميها من شر التفرق والتشرذم والاختلاف، وما ينجم عنه من ويلات وفتن ومحن وحروب طاحنة.

    ولا غرابة أن يتنادى الغيورون من أهل الإسلام إلى ضرورة التواصل مع المجاهدين، ومع قياداتهم دعماً ومساندةً ونصحاً لهم، وجهوداً متصلةً للتوفيق بينهم، وتسديد خطواتهم وآرائهم، وما هذه الجلسة المباركة إلا نوعٌ من المشاركة، فإذا كانت الموانع والأسباب عن الشخوص والذهاب إلى إخواننا المجاهدين هناك، ومشاركتهم في آلامهم ومعاناتهم مشاركةً مباشرة تحول دون ذلك، فإذا كان ذلك كذلك، فلا أقل من كلمة تتعدى وتتحدى حدود الزمان والمكان لتصل إلى الآذان آذان أولئك الإخوة المرابطين على الثغور، وإلى الله تعالى عاقبة الأمور.

    أيها الأحبة... اشتركنا جميعاً في الاستماع من أفواه الرواة، ومن الوسائل الأخرى، أو قراءة أعداد كبيرة من الأخبار المتعلقة بالوضع الأخير في أفغانستان، والذي بدأت ملامحه تبين من أول شهر رمضان المبارك، فمن ذلك أن عدداً كبيراً من الولايات بدأت تتساقط، وتستسلم للمجاهدين دون قتال، أو بقتال يسير، أو عنيف، المهم أنه ينتهي بسقوطها في أيدي المجاهدين، وقد كان من أول الولايات التي سقطت في أيدي المجاهدين مزار شريف، وقائدها: دوستم الذي يقال: إن تحت يده خمسين ألف مقاتل ورامي أنضم بهم كلهم إلى صفوف المجاهدين، وقد كان هذا في شهر رمضان المبارك، ثم بعد ذلك ولاية بروان وبها قواعد لصواريخ اسكود، وما يزيد عن أربعين طائرة مقاتلة، وقد سقطت في أيدي المجاهدين، ثم سقطت قاعدة بجرام، وهي قاعدة جوية، بل هي أكبر قاعدة جوية في أفغانستان، وقد أعلنت وكالات الأنباء عن سقوطها، وأن في هذه القاعدة ما يزيد عن مائة وواحد وستين طائرة كلها سقطت في أيدي المجاهدين، ومثلها قاعدة سنداند وهي أيضاً قاعدة جوية كبيرة تحتل المرتبة الثانية بعد قاعدة بجرام، ثم تهاوت عدد من المدن كمدينة غزني التي ينتسب إليها القائد الغزنوي الشهير الذي فتح بلاد الهند، وغزاها سبع مرات، وكان له قصة مشهورة معروفة؛ حيث أنه لما أراد قتل الصنم، حاول الهنود أن يرشوه بالذهب، فأعطوه ذهباً كثيراً مقابل ألا يكسر، وألا يحرق هذا الصنم، فأخذ الذهب وحرق الصنم، وبذلك كان الشاعر: محمد إقبال رحمه الله يقول مذكراً بهذا الحادث:

    كنا نرى الأصنام من ذهبٍ      فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا

    لو كان غير المسلمين لحازها     ذهباً وصاغ الحلي والدينارا

    فيقول: إن المسلمين لا يمكن أن يبيعوا توحيدهم وعقيدتهم بشيء مهما غلا ثمنه، فقد سقطت مدينة غزني الشهيرة بأيدي المجاهدين، كما سقطت مدينة قندز وهي ثالث مدن أفغانستان، ثم هلمند، ثم هرات، ثم مدينة بادغيث، وأخيراً كابل، فإن كابل قد سقط مطارها في أيدي ضباط متحالفين مع أحد فصائل المجاهدين، وقد صرح مندوب الأمم المتحدة حينما ذهب إلى هناك بأنه رأى الجنود في مطار كابل وهم غير الجنود المعتادين الذين كان يشاهدهم من قبل، ويشاع أن هناك أحياء من كابل قد سقطت أيضاً في أيدي المجاهدين، بل وصلني خبرٌ قبل أن أصل إلى هذا المكان بدقائق من باكستان أن مجموعات من المجاهدين التابعة للحزب الإسلامي دخلت إلى أحياء من كابل، ووصلت إلى السجن، وفتحت أبواب السجن، وأخرجت آلافاً من المساجين والمجاهدين المسلمين الذين كانوا معتقلين في ذلك السجن.

    الوضع الحالي لمدينتي كابل وجلال أباد

    وعلى أي حال، فإن كابل محاصرةً الآن بجنود المجاهدين، فأما من الجنوب، فإنه يحاصرها حكمتيار بجنوده التابعين للحزب الإسلامي، وهم جمٌ غفيرٌ، وأما من الشمال؛ فإنه يحاصرها أحمد شاه مسعود بجنوده الذين قدموا من الشمال فضلاً عن الذين تحالفوا معهم من الضباط في داخل كابل، وجميع ممرات كابل الرئيسية قد سقطت بيد المجاهدين، ويصح أن نقول: إن قوات المجاهدين الآن على مسافة حوالي ثلاثة، أو أربعة كيلو مترات من قصر الرئاسة في كابل، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه المدينة تذعن لحكم الإسلام، وتدين له، وتدين به.

    المدينة الوحيدة التي لا زالت تتمنع هي مدينة جلال أباد، وهي من كبريات المدن في أفغانستان، وهي لم تسقط بعد، ولكن المسألة مسألة وقت، وهناك مفاوضات بين حاميتها وبين المجاهدين، وكل ما في الأمر أنهم يريدون نوعاً من الحماية، وربما نوعاً من المشاركة، وما دام أن السلاح الجوي في أيدي المجاهدين، فإنه لا تستطيع جلال أباد، ولا غيرها أن تمتنع منهم.

    أما رموز النظام السابق، فكما أسلفت فإن زعيم أفغانستان السابق لجئ إلى الأمم المتحدة، واختفى هناك خوفاً من بطش المجاهدين، ووزير خارجيته أصبح يصفه بأنه دكتاتور، وأنه عميل، ويتهمه بالخيانة العظمى، ويطالب بمحاكمته، أما وزير دفاعه، فقد اختفى، وأما وزير أمنه، فقد انتحر، وقتل نفسه -والعياذ بالله- وقد شكل في أعقاب ذلك مجلس عسكري مكون من عدة شخصيات من رموز الحكومة السابقة برئاسة الجنرال/ محمد نبي عظيمي، وأخشى ما يخشى أن يكون هذا المجلس العسكري هو حجر عثرة في طريق مواصلة المجاهدين في خطواتهم إلى أعماق كابل، وإلى قيام الحكم الإسلامي فيها.

    هذا موجز الأخبار والمعلومات التي وصلت من خلال المصادر الإعلامية، ومن خلال المصادر الشفوية، ومن خلال رسائل كثيرة وصلتني من الإخوة المجاهدين داخل أفغانستان وخارجها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089304631

    عدد مرات الحفظ

    783499595