إسلام ويب

صائمون ولكنللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الصيام من أعظم العبادات التي يتقرب بها الإنسان من خالقه عز وجل، وسر هذه العبادة هو الإخلاص الذي يرتبط بصيام الفرض ارتباطاً أوثق منه بصيام النفل، والصوم من مكارم الأخلاق فهو يربي الإنسان على مجموعة من الصفات الحميدة كالإنفاق والصبر والحلم والشجاعة، وهو مما يستغل بأمور عديدة منها: قراءة القرآن وكثرة الصلاة والبعد عن جوارح الصيام كالغيبة والنميمة وأكل الحرام كالربا، وينبغي على المرأة المسلمة الاهتمام بالصيام كالرجل تماماً مع ملاحظة الأمور والآداب الخاصة بها.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً0

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    جزاكم الله خيراً يا أهل الفايزية، وجعلنا الله وإياكم من أهل الجنة َأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [التوبة:20] وسائر إخواننا الحاضرين، بل وجميع المسلمين والمؤمنين والمسلمات، إنه على ذلك قدير، وهو على كل شيء قدير.

    جزاكم الله خيرا ًحين كنتم السبب في عقد هذا المجلس المبارك في مستهل هذا الشهر الكريم، الذي نسأل الله تعالى أن يجعله شهر مغفرة لنا جميعاً، عنوان هذه المحاضرة "صائمون ولكن" في هذا المسجد الكبير -جامع الفايزية- في مخطط ب، في هذه الليلة -ليلة الأحد الثلاثين من شهر شعبان من سنة ألف وأربعمائة وثلاث عشرة للهجرة-، وعندي في هذا المجلس عدة موضوعات:

    أهمية الإخلاص

    إن الإخلاص في كل العبادات أساس لابد منه، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً أريد به وجهه، وعمل على سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5] وقال: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ الزمر:2-3] وقال سبحانه: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110] فالإخلاص واجب في كل العبادات، وإذا زال الإخلاص عنها تحولت العبادة إلى عمل لا يؤجر عليه صاحبه، بل يذم ويعاب ويعذب في الدار الآخرة، قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:4-7] وقال سبحانه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16].

    الصوم عبادة السر

    والصوم من بين هذه العبادات كلها: هو عبادة السر، فهو عمل بين العبد وبين الله عز وجل، لا يطلع عليه أحد من الخلق، أتم صيامه أم نقصه أم نقضه.

    ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: {كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزي به} وإنما قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي؛ لأنه لا يطلع على حقيقة العبد إن كان صام صياماً شرعياً حقيقياً أم أفطر بينه وبين نفسه، لا يطلع عليه إلا الله، حتى إن العبد لو نوى الفطر نية جازمة صادقة ثابتة فإنه يفطر بذلك، ولو لم يتناول شيئاً، كما ذهب إليه جمع كثير من الفقهاء، أنه إذا قطع نية الصيام ونوى الفطر أفطر ولو لم يأكل شيئاً، فدل ذلك على أن سر الصيام: هو في الإمساك عن المفطرات بنية، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

    إذاً: فلابد من التعبد، وإرادة وجه الله تعالى في الصيام، وألا يكون الإنسان صام مجاراةً للمجتمع، أو سيراً على تقليد الناس، أو خوفاً من البشر، وإنما صام رجاءً فيما عند الله، وخوفاً من عقابه، وأنت تجد من الناس اليوم من لا يستشعر نية الصيام، ولا يصوم إلا مجاملة لمن حوله، فهو يخشى الناس ولا يخشى الله، يخشى الناس أن لو أفطر لانكسر جاهه عندهم، وسقطت منـزلته، أو يخشى أن يتحدث الناس عنه: أن فلاناً أفطر ولم يصم، أو يخشى أن يعاقب من بعض الناس على فطره، فيصوم لهذا.

    وربما لو أتيح له أن يفطر سراً لفعل، ومنهم من لا يخشى إلا هذا، ولا يراقب الله تعالى في عمله، وحينئذ فإن هؤلاء ممن لو اقتضاهم الأمر أن يفعلوا ضد ذلك لفعلوا، فأنت تجد هذا في صوم الفريضة.

    الفرق في الإخلاص بين صوم الفرض والنفل

    أما بالنسبة لصوم النفل: فإن الأمر يختلف، ففي صوم الفريضة أغلب الناس إنما يصومون ابتغاء وجه الله، ومراقبة لله تعالى، وخوفاً منه، ويقل المراءون في صوم الفريضة؛ لأن كل المسلمين صائمون.

    فالإنسان لا يشعر أنه بصيامه فعل شيئاً عظيماً فاق فيه الناس كلهم أو خالفهم، أو أتى فيه من العبادة بما لم يأت به غيره، فغالب الناس يصومون الفرض لله تعالى، وقليل منهم من يصوم لغير الله.

    أما بالنسبة لصوم النافلة: فإن الأمر يزيد عن ذلك، فمن الناس من يصوم النفل ويشيع عند الناس أنه كثير الصيام، فإذا كان بينهم في مناسبة أو أكل أو شرب فإنه يمسك عن الأكل والشرب ولو كان مفطراً؛ خشية أن يخيب ظن الناس فيه؛ لأنهم ظنوه صائماً، فلو قالوا له: تفضل يا فلان، أم أنك صائم؟ لاستحى؛ وقال: نعم، أنا صائم، أو ربما تكلف أن يتظاهر بالصوم، ويتظاهر -أيضاً- بأنه يريد أن يكتم الصيام، فإذا قالوا له: تفضل يا فلان! أم أنت صائم؟ قال لهم: لا أريد أن آكل، ورفض الأكل، ولم يبح بالصيام؛ لأنه يريد أن يظنوا أنه صائم، وهو في الواقع لم يكن صائماً!!

    ومنهم من يخبر بأنه صام فيقول: منذ عشرين سنة وأنا أصوم، أو منذ كذا وأنا أصوم الإثنين والخميس، ومنهم من عادته أن يصوم الاثنين والخميس، فإذا دعي إلى غداء في الاثنين أو الخميس قال: اليوم خميس، وهو لو قال: أنا صائم بنية الرياء لربما كانت هذه بلية، فكيف إذا كان قال: اليوم خميس، وهو يريد أن يقول لهم: أنا أصوم كل أثنين، وأصوم كل خميس، ومنهم من ينظر إلى الناس بعين الازدراء والاحتقار؛ لأنه صائم وهم مفطرون.

    إذاً على العبد أن يحرر نيته لله تعالى، فإنه كبير -أَيّ كبير- أن يجهد الإنسان ويتعب، ويحرم لذات ما أحل الله تعالى في هذه الدنيا من طعام وشراب ونكاح بصيام نفل أو غيره، ثم لا يكتب له من ذلك شيء، بل ربما كانت عليه آثاماً؛ بسبب أنه ما أراد بها وجه الله، وإنما عمل ما عمل رياءً وسمعة، قال الله تعالى:الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2] قال الفضيل بن عياض: أي أخلصه وأصوبه، فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، فلا يقبل حتى يكون خالصاً صواباً.

    فحرر نيتك، وراقب قلبك، واعلم أن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، ويقول سبحانه: {أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك} كما في الصحيح.

    إن الناس ينظرون إلى الظاهر، أما القلوب فشأنها عند علام الغيوب، فكما تجهد في إصلاح ظاهرك وتحسينه وجعله على الكتاب والسنة، فعليك أن تجهد -أيضاً- في إصلاح باطنك، ألا يعلم الله من نيات قلبك ومقاصده أنك لا تريد غيره، ولا تقصد سواه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088533587

    عدد مرات الحفظ

    777176361