إسلام ويب

لماذا نخاف من النقد؟للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن النقد من مهمات مسيرة الحياة البشرية، ذلك لأن النقص هو صفة كل إنسان بدون استثناء، وكل إنسان يقر بالنقص ويعترف به، إذاً مادام أن النقص موجود، فلا بد من انتقاد هذا النقص حتى يستقيم ويكتمل، وقد تكلم الشيخ حفظه الله في هذا الدرس عن النقد، وبين معناه، وبين لماذا نخاف من النقد مع أن طبيعتنا طبيعة بشرية تحتاج إلى النقد البناء دائماً وأبداً، وإذا غاب النقد البناء، فإن الحياة بطبيعة الحال لن تستقيم ولن تسير على المنهج الصحيح لأن كل إنسان سيعمل ما يراه هو دون أن يرى أي خطأ أو عيب في عمله، وتحدث الشيخ عن مسألة التأصيل الشرعي للنقد، وذكر الأدلة على ذلك، وموقف الناس من النقد على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، ثم تحدث عن أنواع النقد وأنه ينقسم إلىعام وخاص، ونقد الذات ونقد الغير، ثم تطرق إلى صور النقد المذموم منها: الذي يستهدف حياة الإنسان الخاصة وفقدان العدل والإنصاف وغيرها.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ الحشر:18].

    أما بعد:

    هذا هو الدرس الخامس والأربعون من سلسلة الدروس العلمية العامة، وهذه ليلة الإثنين (12) جمادي الأولى لعام (1412هـ).

    أيها الأحبة الكرام، حديثي إليكم هذه الليلة عنوانه: (لماذا نخاف من النقد)؟

    اعتبار النقد جريمة عند بعض ا لناس

    أولاً لماذا الحديث عن هذا الموضوع بالذات؟

    لعله ليس بغريب على أسماعكم، الحديث عن التخلف المطبق في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، سواء من الناحية العلمية، أو من الناحية الدعوية، أو من الناحية الاجتماعية، أو من الناحية السياسية على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي فإننا نعلم جميعاً وهذا مما لا يحتاج إلى إعادة أو تكرار أن المسلمين يعيشون اليوم أحط عصورهم، وأردأ أيامهم، ولعله ليس من قبيل المبالغة أن نقول: إنه لم تمر بالأمة الإسلامية منذ بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وقامت دولة الإسلام في المدينة، وعبر حقب التاريخ في عصوره، مثل هذه الأيام الكالحة المظلمة، التي استحكمت فيها غربة الدين، وأطبق الأعداء بفكيهم على المسلمين، فهم يعيشون في تخلف مريع لا يعلمه إلا الله.

    ومع ذلك كله، ومع أن التخلف في عالم الإسلام شامل لكل مجالات الحياة دون استثناء، إلا أننا نجد من المسلمين عموماً، مقتاً وبغضاً وكراهية لأي لون من ألوان النقد، أو المراجعة أو التصحيح بل إنك تجد المسلمين اليوم أفراداً وجماعات وأمماً ودولاً، يعتبرون النقد في كثير من الأحيان جريمة، فيجرمون المنتقد ويعتبرونه -كما يعبر بعضهم- خارجاً عن القانون، أو أنه مشكك في المكتسبات التي حققتها هذه الأمة، أو هذه الفئة، أو تلك الجماعة، أو تلك الدولة، أو أنه يسعى إلى زعزعة أمن البلد والمجتمع واستقراره، أو أنه يحمل أهدافاً سياسية، وهو يعبر عنها من خلال النقد والتصحيح والمراجعة، ولذلك نجد أن الدول تصنف الذين ينتقدون أو يصححون أو يراجعون، أو- بأسلوب آخر- تصنف الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أنهم ضمن الخصوم.

    وكذلك أقول: مع الأسف إن كثيراً من الجماعات الإسلامية قد تعتبر من ينتقدونها هم أعداء لها، بل ربما تعتبرهم أحياناً أعداءً للإسلام ذاته، أما الأفراد فغالبنا يعتبر من ينتقده، أو يستدرك عليه أو يصحح خطأ وقع فيه، يعتبره عدواً له، أو حاقداً عليه. هذه نقطة.

    الاعتراف بالنقص والتقصير

    وهناك نقطة أخرى، أننا نجد لدى بعض الناس على كافة المستويات بدون استثناء، اعترافاً مجملاً بالنقص أو التقصير، فليس غريباً أنك تجد إنساناً ما سواء أكان عالماً، أم حاكماً، أم داعية، أم تاجراً أم أي شيء آخر، قد تجد أن من السهل أن يقول هذا الإنسان: أنا بشر، أو نحن لسنا بمعصومين، أو قد يقول: نحن جميعاً عرضة للخطأ لكنه يقف عند حد هذا الاعتراف المجمل الغامض المبهم، فلا ينتقل من هذا الكلام العام إلى تشخيص الأخطاء، وتحديد هذه الأخطاء وما هي؟ والاعتراف بها، وهذه الأخطاء ونوعياتها وعيناتها، ومن ثم السعي إلى التصحيح، نعم، نحن نقول: لم يدَّعِ أحد لك - مثلاً - أنك ملك، حتى تقول: أنا بشر، ولم يدعِ لك أحد أنك نبي أو رسول حتى تقول: إنك لست بمعصوم، كل الناس يعرفون أنك بشر، وأنك إنسان، وأنك لست بمعصوم، وأنك عرضة للخطأ، وكل إنسان يعترف بهذا، بل ربما أقول: إن كثيراً من الناس -وهم بصدد تجاهل الأخطاء، والدفاع عنها، ومحاولة إظهارها، وإلباسها بثوب الصواب- تجد أنهم يبتدئون حديثهم بقولهم: لسنا معصومين، نحن بشر يخطئ ونصيب، نحن عرضة، نحن كذا، نحن كذا، ثم بعد ذلك ينتقل إلى محاولة فلسفة الأخطاء، وتحويلها إلى نوع من الصواب؟

    وبناءً عليه نقول: هذا الاعتراف الغامض المبهم بأنك بشر، أو لست بمعصوم، أو عرضة للخطأ، هذا الاعتراف لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا ينفعنا في قليل ولا في كثير.

    المسلمون والنقد

    أمر ثالث: إننا -أيها الأحبة- نملك تراثاً إسلامياً عظيماً، بل نملك -قبل هذا التراث الإسلامي العظيم من تاريخ الأمة- تاريخ الرسول عليه الصلاة والسلام، وتاريخ الصحابة رضي الله عنهم، وتاريخ الخلفاء المؤمنين الصادقين، وتاريخ العلماء العاملين الداعين إلى الله على بصيرة.

    قبل هذا نملك منهجاً إلهياً ربانياً، وضح لنا كيف نتعرف على الخطأ في أنفسنا وفي غيرنا، وكيف نقوم بتصحيح هذا الخطأ، سواء كان هذا خطأنا نحن أم كان خطأ الآخرين -كما سوف تأتي الإشارة إلى شيء من ذلك - والمؤسف جداً أن هذا المنهج الذي هو في أصله منهج إسلامي ينبثق من هذا القرآن الكريم، ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أن الغرب أفاد من هذا المنهج على الأقل في الناحية الدنيوية، فأرسوا قواعد النقد بين الحاكم والمحكوم، ووضعوا أسسه وضوابطه، سواء في المجال الإعلامي، أم في المجال العلمي، أم في المجال السياسي أم غيرها، بحيث أصبح كل فرد منهم يعرف كيف ينتقد، وكيف يوجه، وكيف يشارك برأيه في كل قضية صغرت أم كبرت، جلت أم عظمت، فأصبح كل إنسان منهم يحس أنه يشارك مشاركة فعالة في إدارة دفة المجتمع، وفي تصحيح الأخطاء، وفي توجيه الناس، أفادوا من المنهج الإسلامي من الناحية الدنيوية، أما المسلمون، فإن كثيراً من المنتسبين إلى الإسلام أقرب ما يكونون -وأقولها مهما كانت ثقيلة على لساني- أقرب ما يكونون إلى سلوك المنهج الفرعوني، الذي يقول: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29] ومن الصعب جداً على كثير من الناس اليوم، ممن ينتسبون إلى هذا الدين أياً كانوا، سواء كانوا من أصحاب النفوذ والسلطان، أم كانوا من العلماء، أم كانوا من الدعاة، أم كانوا من عامة الناس، فمن أصعب الأمور على الواحد منهم أن يصغي أذنه لتقبل نقداً أو ملاحظة، فضلاً عن أن يوافق على ذلك أو يسعى إلى تصحيحه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088464363

    عدد مرات الحفظ

    776884403